Postlar filtri






أشكِّك في رواية سعدون القيسي بشأن قتل السيد محمد باقر الصدر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

رواية قتل السيد الشهيد محمد باقر الصدر التي كشف عنها سعدون صبري القيسي، أثارت عندي شكوكاً كثيرة واستغراباً حيالها، وقد تضمنت الرواية اعترافه بأنه هو الذي أقدم على قتل الصدر؛ كونه مسؤول الشعبة الخامسة في مديرية الأمن العام. وهذه الرواية فيها تبسيط مخل جداً، وكأنّ السيد الصدر مجرد معتقل عادي وتمت تصفيته بكل بساطة وانسيابية، وفق مزاعم القيسي.

وتتعارض هذه الرواية مع النتائج التي توصلتُ إليها قبل (40) سنة تقريباً، بعد بضع سنوات من المتابعة، وتحديداً خلال الفترة من 1983 إلى 1987، خلال فترة تحضيري لكتاب «سنوات الجمر»، وقد نشرتُ النتائج في الكتاب الصادر في العام 1993. ولعلّي بذلك؛ أول من وثّق عملية قتل السيد محمد باقر الصدر، ووقائعها ومكانها وزمانها وشخوص العملية وأداوتها.

وقد استندتُ في ذلك إلى خمس شهادات، ثلاث منها مباشرة:

1- شهادة السيدة خالدة عبد القهار، السكرتيرة الخاصة لصدام حسين، وقد استمعتُ إليها في طهران عندما لجأت هي وأسرتها إلى إيران في العام 1985، وأقامت لفترة في مجمع اللاجئين العراقيين في مدينة كرج، وقد دونتُ الوقائع بالتفاصيل والجزئيات، باعتبار أن السيدة خالدة كانت حاضرة فيها، وقد شاهدت السيد الصدر والسيدة آمنة وسمعتهما، وسمعت الحوارات بين صدام والصدر، وتلمّست التعذيب داخل القصر الجمهوري. وكانت السيدة خالدة مصدري الرئيس الذي جعلني أطابق الشهادات الأخر معها. واعتقد أن السيدة خالدة موجودة حالياً في أمريكا ويمكن الاستماع إلى شهادتها.

2- شهادة الطبيب الخاص لصدام حسين، وهو مسيحي آشوري، لجأ إلى إيران أيضاً، وكان يقيم في مجمع اللاجئين العراقيين في مدينة كرج، وكانت شهادته مطابقة لكلام السيدة خالدة. ولا أدري إن كان لا يزال حياً؛ لأنه كان خلال العام 1986 في الخمسينات من عمره.

3- تقرير الشيخ صادق الخلخالي، رئيس محكمة الثورة في إيران، والذي استمعت إليه في قم منه مباشرة أيضاً خلال العام 1983، وذكر بعض التفاصيل التي تجمّعت لديه بناء على تقارير خاصة. وعندما استمعت إلى شهادة السيدة خالدة عبد القهار ورواية أخرى عن السيد محمود دعائي فيما بعد؛ وجدتهما تتطابقان أيضاً مع رواية الشيخ الخلخالي.

أما الشهادتان غير المباشرتين؛ فهما:

1- شهادة السيد محمد صادق الصدر، ابن عم السيد محمد باقر الصدر ووالد المرجع السيد محمد الصدر، والذي كان الوحيد الحاضر من آل الصدر في الدفن، وقد تحدث عن آثار التعذيب وحرق لحية الشهيد الصدر وأثر رصاصة في جبينه. وقد نقلتُ شهادته من أحد علماء الدين الذي سمعها منه، وهاجر إلى إيران فيما بعد.

2- شهادة السيد زهير العميدي، الدفان النجفي الذي نقل جثمان السيد الصدر إلى موقعه الثاني، والتي أدلى بها تفصيلاً أكثر من مرة بعد العام 2003، وهي تتعارض أيضاً مع اعترافات سعدون صبري القيسي، لأن السيد زهير شهد بوجود أثر رصاصة على جبين السيد الصدر، وطعنات سكين في صدره، وأن لحيته كانت محروقة، وآثار تعذيب أخرى، وهو نفس ما توصلتُ إليه في توثيقي قبل (40) سنة وما ذكره السيد محمد صادق الصدر ، في حين ذكر القيسي بأنه أطلق الرصاص على صدر السيد الصدر بغدارته.

وثقتي بنتائج توثيقي تعود إلى تطابق الشهادات الخمس أولاً، وإلى أن أصحابها لا يعرفون بعضهم ولم يلتقوا، ولم يسمعوها من مصدر محدد، لأن كلاً منهم يعيش في عالم مختلف، ولذلك لا يمكن تصوُّر أنهم اتفقوا بهذه الشكل على واقعة بعينها. وأنا ربما الوحيد الذي استمعت إليهم جميعاً في أوقات وازمان مختلفة، وجمعت شهاداتهم. وبالتالي؛ كيف أثق بسرديات جلاد مجرم وكذاب محترف، كان عبداً مخلصاً لسيده، وله مصلحة في الكذب والعبث بالتاريخ وتزوير الحقائق، وأكذِّب خمس ثقاة لا مصلحة لهم في الكذب؟!.

أما نسبة سعدون القيسي الجريمة لنفسه؛ فله أسبابه التي لا نعرفها الآن، ويمكن معرفتها بعد تجديد التحقيق معه، ولعل منها التغطية على جريمة سيده صدام حسين، الذي قتل السيد محمد باقر الصدر بيده، وكذلك العبث في التاريخ والاستمرار في تضييع الحقائق، حقداً ولؤماً، وإن بلغ الثمانين من عمره، وأنه أصبح على مقربة من حبل المشنقة. وهذا النوع من إخلاص العبيد لطاغيتهم، وإن كان قد مات، وكذلك الحقد العميق المبالغ فيه على الخصوم، ليس جديداً وغريباً على هؤلاء المسوخ.

ولذلك؛ ينبغي استمرار التحقيق مع القيسي، وبدقة أكبر، لمعرفة حقائق تلك الفترة الدامية المظلمة، وخاصة ما يتعلق بعملية قتل السيد محمد باقر الصدر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


كنوع من التسلية؛
احتفظتُ بالتسجيل الكامل لتنبؤات أحد الدجالين للعام 2024، والتي أعلن عنها في برنامجه التلفزيوني في نهاية العام 2023، واستمعت إليها أمس، من أجل مطابقتها مع الواقع؛ فكانت النتيجة أن من بين (147) نبوءة ذكرها هذا الدجال؛ تحققت ثلاث نبوءات فقط، وهي من النوع البسيط الذي يمكن لأي تلميذ في الابتدائية أن يتنبأ بها، فيما كذب في الـ (144) نبوءة الباقية، رغم أنه كان يقسم بأغلظ الأيمان بأن ما يتنبأ به سيحدث قطعاً، وهو ما كان يُضحك الحزين.
وهذه هي السنة الثالثة التي أقوم فيها بتسجيل نبوءات بعض هؤلاء المنجمين المشهورين، لأستمع إليها بعد نهاية العام، بهدف التسلية، وتكون النتيجة في كل مرة، أن 1- 6 من نبوءاتهم تتحقق بالفعل من بين مئات النبؤات التي يذكرونها، وغالباً ما تكون نبوءات عامة أو بالصدفة.
المفارقة أن المنجمين المحترفين الذين يمتلكون موهبة حقيقية في قراءة المستقبل؛ يصدقون عادة في جملة من نبوءاتهم، وهم الذين يقول عنهم المأثور: ((كذب المنجمون ولو صدقوا))، غير أن منجمي هذا الزمان، فاشلون بامتياز، والسبب يعود إلى أنهم تكاثروا بشكل عجيب، تبعاً لكثرة الفضائيات التي تحتاج إلى هؤلاء من أجل كسب المشاهدين. مع ملاحظة أن المنجمين الأذكياء والأثرياء غالباً ما يستعينون بمحللين سياسيين واقتصاديين وعسكريين وجيولوجيين، وهو ما يظهر أحياناً عليهم بوضوح في المقابلات التلفزيونية، وهم يرددون مصطلحات وقضايا لا يفهمون معانيها وخلفياتها.
أتذكر في العام 2006 في بدايات حرب تموز في لبنان؛ نزحنا إلى بيروت الغربية، وكانت إحدى المنجمات تقيم في المكان نفسه، وكانت تريد أن تظهر في برنامج تلفزيوني للحديث عن تنبؤاتها السياسية بشأن الحرب، وعرفت بالصدفة أنني أعمل في مجال الدراسات والإعلام؛ فأصرت عليّ أن أُملي عليها آرائي حول نتائج حرب إسرائيل ضد المقاومة ومستقبلها وما سيحدث في لبنان وسوريا وإسرائيل وإيران والعراق؛ فأمليتُ عليها ما أعتبره من الواضحات بالنسبة لي، والذي يستند إلى معطيات واقعية، مع بعض التحليل واللغة الاستشرافية. وبالفعل ظهرت المنجمة على الشاشة وذكرت ما قلتُه لها حرفياً، ومنها أن الحرب لن تستمر أكثر من شهر. وكانت تلك المقابلة من أسباب شهرتها فيما بعد. وكانت تلك المرة الوحيدة التي ساعدتُ فيها منجماً، وندمت عليها.
علي المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام:
https://t.me/alialmomen64


كما ظل الحصري رافضاً تعيين شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري في سلك التعليم، متهماً إياه بأنه إيراني (عجمي)، لأن الجواهري شيعي أولاً، ولأنّ لديه قصائد يتغنى فيها بطهران وجمالها ثانياً.

وقد أسس ميشيل عفلق ايديولوجيته القومية العربية على قواعد ايديولوجيا ساطع الحصري، وحوّلها الى حزب أطلق عليه (البعث)، وبذلك؛ تفوق عفلق على الحصري في هذا الجانب، لأنه أسس حزباً فاعلاً يتبنى أفكاره ويروّج لها، بينما بقيت أفكار الحصري مجرد ثقافة عامة. ولا شك أن حزب البعث استفاد في عملية تطبيق آيديولوجيا ميشيل عفلق في العراق، من الموروث الثقافي الذي زرعه ساطع الحصري في عقل الدولة العراقية ومفاصلها؛ إذ لا تزال هذه الآيديولوجيا القومية السياسية الطائفية فاعلة في جزء مهم من عقل الدولة العراقية ومفاصلها، وفي ثقافة جزء كبير من الشعب العراقي، برغم تغيير النظام بعد العام 2003.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


ولذلك؛ انسلخ ساطع الحصري من تاريخه العنصري التركي الى واقع مفارق ومناقض ومعاكس تماماً، وهو ما يكشف عن ذكاء عميق، وقدرة فائقة على التلوّن واستغفال الآخرين؛ فأسس في العراق للثقافة العنصرية الطائفية (العربية السنية)، وزرعها في عقل الدولة العراقية (دولة العرب السنة) ومفاصلها، وبالأخص في مناهج التعليم والاجتماع السياسي والثقافي العراقي، وعمل على تحويل العروبة من رابطة نسبية ولغوية كريمة يعتز بها العربي، لأنها لغة القرآن والدين ولغة رسول الله ونسبه، الى آيديولوجية عنصرية سياسية طائفية تزدري الآخر القومي والمذهبي وتهمشه، وتدعو الى وحدة الجماعة اللغوية العربية (الناطقين بالعربية) على أساس معيار أفضلية الجنس العربي على القوميات الأخرى.
وقد اعتمد ساطع الحصري على الآيديولوجيا النازية الألمانية في التأسيس لنازيته العربية، وخاصة أفكار "يوهان فيخته" و"فان دن بروك" و"مارتن هايدغر" و"أوسفالد شبنغلر". ومن يراجع أقوال الفيلسوف النازي "فان دون بروك"، سيجد أن ساطع الحصري نسخها كما هي، بعد أن رفع كلمة ألمانيا والأمة الألمانية، ووضع مكانها الوطن العربي والأمة العربية.

وتقوم آيديولوجيا ساطع الحصري القومية على احتقار الآخر القومي غير العربي والمذهبي غير السني، وتعمّد السخرية منه، والتعالي على القوميات غير العربية والطوائف غير السنية، وتعتبر الأوطان التي تسكنها أغلبية ناطقة باللغة العربية هي ملك العرب جميعاً، وتخضع لحكم قوميتهم المتفوقة، كما كانت النازية تعد الجنس الجرماني الآري هو الأفضل والمتفوق. وبالتالي؛ لم يكن الحصري يعترف بالوطن ولا باستقلال العراق السياسي والقانوني عن باقي العرب، بل يعد الوطن هو كل البلاد التي تسكنها أغلبية ناطقة بالعربية، وكان يعتبر الحضارات السومرية والبابلية والسوريانية والآرامية والفرعونية، حضارات ميتة لا ينبغي إحياؤها والانتساب اليها، وكذا كل الحضارات المحلية؛ لأن ذلك يتعارض مع الآيديولوجيا القومية العربية وامتلاك العرب لهذه البلدان.

وقد عبّر الضابط العثماني فخري البارودي عن فكرة الحصري بقصيدته: ((بلاد العرب أوطاني.. من الشام لبغدان)). والمفارقة أن سيرة البارودي تشبه سيرة الحصري وتتزامن معها؛ ففخري الباردوي سوري أيضاً، وكان هو وأبوه وجده موظفين كبار في السلطنة العثمانية، كما كان الباردودي ضابطاً متطوعاً في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، لشدة تعصبه للأتراك، وحارب الثورة العربية المضادة للدولة العثمانية في أكثر من جبهة، منذ العام 1916، مثله مثل ساطع الحصري، حتى أسره الإنجليز بعد سنتين. وخلال فترة الأسر أقنعه الإنجليز بالعمل معهم، لأن الدولة العثمانية ستنهار، وسينتهي مستقبله السياسي بنهايتها. حينها أرسلوه الى دمشق ليبايع أمير سوريا فيصل بن الحسين، ويعمل معه، الأمر الذي جعل فخري البارودي يتحول، بقدرة قادر، من مقاتل عثماني متعصب الى قومي عربي متعصب، وأنشد القصيدة القومية المذكورة، وهو ما فعله ساطع الحصري أيضاً.

ورغم الانقلاب السياسي والتحول المتعارض في الولاء الآيديولوجي والقومي والوطني لساطع الحصري، إلّا أنه وغيره من العثمانيين السابقين وعملاء الانجليز الجدد، ظلوا أوفياء لطائفيتهم السياسية التي ورثوها من هويتهم العثمانية الطائفية، وحافظوا على نظرتهم الآيديولوجية للشيعة، بوصفهم مواطنين من الدرجة الثالثة، وكونهم (عجم) وأعداء للأغلبية العربية السنية؛ فقد عمل ساطع الحصري على ربط الآيديولوجية القومية العربية بالمذهب السني، كما كان يربط الايديولوجية العثمانية التركية بالمذهب السني الحنفي، وهو الذي زرع في الاجتماع السياسي والثقافي العراقي مفهوم أن كل شيعي هو (عجمي) حتى يثبت العكس، كما كان الحصري يشيع بأن الشيعة هم حلفاء اليهود، وهذا الحلف يريد الكيد بالعرب على مر التاريخ، وغيرها من المفاهيم الطائفية والعنصرية التي تلقفها البعثيون فيما بعد، وحوّلوها الى ثقافة سياسية وشعبية، رغم أن الحصري كان يعيش في بلد أغلبيته السكانية من الشيعة.

وظلت ثقافة ازدراء الشيعة والكرد في الدولة العراقية الحديثة، منذ تأسيسها في العام 1921 وحتى سقوطها في العام 2003، تقوم ــ غالباً ــ على ايديولوجيا ساطع الحصري القومية الطائفية؛ إذ كانت نظرته الى الشيعة في العراق والبلدان العربية تماثل نظرة هتلر الى اليهود في ألمانيا وأوروبا، فيما كانت نظرته الى الأكراد تماثل نظرة هتلر الى الشعوب السلافية.

وكان الحصري، الى جانب الملك فيصل ورئيس الوزراء الطائفي عبد المحسن السعدون، وراء تسفير مراجع النجف والكاظمية (الإصفهاني والنائيني والشهرستاني والخالصي) الى ايران في العام 1924، تنفيذاً لأوامر المحتلين الإنجليز، وهو أول عملية تسفير للشيعة وعلمائهم في تاريخ العراق الحديث.


ساطع الحصري: مؤسس الآيديولوجيا العنصرية الطائفية في العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

سواء كان المفكر القومي العربي ساطع الحصري (1879- 1968) سوريّاً أو قوقازيّاً أو تركيّاً؛ فإنه كان عثمانياً ولاءً وشعوراً ولغةً ووظيفة؛ فقد كان هو وأبوه من كبار موظفي الدولة التركية العثمانية، ومندوبَين لها في أكثر من بلد أوروبي وعربي، ومقاتلَين متعصبَين من أجلها ومن أجل القومية التركية الطورانية. ورغم ذلك؛ فإن الحصري يعد أحد أبرز مؤسسي الآيديولوجيا القومية العربية المعاصرة. وهنا تكمن المفارقة، التي لا تقتصر على الحصري، بل تشمل أغلب القوميين العرب المؤسسين، الذين كانوا عثمانيين متعصبين لتركيا وجنرالات في جيشها، ثم أصبحوا خلال العقد الثاني من القرن العشرين عملاء للانجليز ودعاة للايديولوجيا القومية العربية، بعد بروز مظاهر انهيار الدولة العثمانية.

ظل ساطع الحصري حتى كهولته عثمانياً متعصباً، يدعو الى سياسة التتريك وتحويل الشعوب العثمانية الى شعوب تركية، بمن فيها الشعوب العربية، وذلك من خلال تحويل الاحتلال التركي للبلدان العربية إلى احتلال لغوي وقومي محلي، لضمان استمرار الوجود القومي التركي الى الأبد، مستفيداً بذلك من فكرة الفتوحات الإسلامية التي حوّلت الشعوب غير العربية الى ناطقة باللغة العربية، ثم عربية بالانتساب والثقافة.

وتعلّم الحصري اللغة العربية في العاصمة اليمانية صنعاء التي ولد فيها، لكنه بقي يتكلم العربية بلهجة تركية نافرة حتى وفاته، وكان من كوادر حزب الاتحاد والترقي التركي، ويمارس عمله السياسي والوظيفي في اسطنبول حتى العام 1920، وهي السنة التي شهدت تنكّره لدولته العثمانية وانخراطه في المشروع البريطاني؛ إذ ظل الحصري حتى العام 1920 معادياً لما سمي بـ (الثورة العربية ضد الدولة العثمانية)، والتي حضّر لها البريطانيون، وسلّموا قيادتها الى عميليهم الشريف حسين وابنه فيصل في العام 1916.

وقد نجح الإنجليز في أغراء ساطع الحصري بالمناصب والمستقبل السياسي الزاهر، مستغلين خلافه الشخصي مع قادة حزبه الحاكم في تركيا (الإتحاد والترقي)، وأقنعوه بأن الدولة العثمانية وسلطنتها ستنهاران، ولا مستقبل له فيهما. وبالفعل، تحوّل ولاء الحصري، بقدرة قادر، من الهلال العثماني الى الصليب الانجليزي، حاله حال كثير من العثمانيين من ضباط الجيش التركي وموظفي الدولة العثمانية، الذين خانوا أولياء نعمتهم الأتراك في المرحلة نفسها، وتحوّل ولاؤهم الى الإنجليز، أمثال: نوري السعيد (التركماني)، وجعفر العسكري، وعبد المحسن السعدون، وعبد الرحمن الكيلاني (الإيراني)، وياسين الهاشمي (التركي)، وتوفيق السويدي، وناجي السويدي، وناجي شوكت (الداغستاني)، وحكمت سليمان (الشركسي)، وجميل المدفعي، وعلي شوكت الأيوبي (الكردي)، ورشيد عالي الكيلاني (الإيراني)، وطه الهاشمي (التركي)، وحمدي الباججي ومزاحم الباججي وأرشد العمري، وجميعهم عثمانيون، وهم الذين ترأسوا الوزارات العراقية طيلة العهد الملكي، الذي حكمته العائلة الأجنبية المستوردة من الحجاز.

وبعد أن نجح الإنجليز من توظيف ساطع الحصري في العام 1920؛ طلبوا منه الرحيل الى دمشق للالتحاق بأمير سوريا فيصل بن الشريف حسين، الذي عيّنه مديراً للمعارف (وزيراً للتربية). وبقي الحصري مع فيصل بعد هروبه من سوريا، ثم التحق به في العراق بعد أن منح الإنجليز عرش العراق لعميلهم فيصل، حسب الاتفاق معه ومع أبيه الشريف حسين منذ العام 1914؛ ثمناً لعمالتهما للإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى، وقيادتهما ما سمي بالثورة العربية ضد العثمانيين.

ويمكن تلخيص الأسباب التي اضطرت ساطع الحصري الى التحول من تركي متعصب الى عربي متعصب، بما يلي:

1- سعيه الحثيث للتغطية على تاريخه التركي العنصري، من أجل أن يجد قبولاً لدى النخب العربية والوطنية الحقيقية، التي تختزن في ذاكرتها أوجاعاً تراكمية من الاحتلال العثماني وممارساته الوحشية والعنصرية.

2- الانهيار التدريجي للدولة العثمانية، وتمكن الفرنسيين والإنجليز من السيطرة على البلدان العربية في إطار معاهدة (سايكس ــ بيكو)، وهو ما جعل ساطع الحصري ينفض يديه من تركيا، ويراهن على الإنجليز ومشروعهم في المنطقة، لضمان مستقبله السياسي والوظيفي والثقافي.

3- استشعاره بأن موقعه البديل عن تركيا هو البلدان العربية، وتحديداً سوريا والعراق، ومن ثم مصر، ولذلك لا بد أن يكون له حضوره السياسي والثقافي والفكري، ولن يتأتّى له ذلك إلّا من خلال مشروع آيديولوجي يتناغم وعواطف النخب العربية المتطلعة إلى النماء الوطني والتحرر من الاستعمار.


العودة إلى الديانة الإبراهيمية
علي المؤمن
ابتداء؛ ينبغي التأكيد على أن (الديانة الإبراهيمية) هي تسمية فضائية؛ إذ لا وجود لشيء اسمه الديانة الإبراهيمية، لا من الناحية النظرية ولا من الناحية الواقعية، وهو مجرد مشروع سياسي أمريكي صهيو ني، يعمل على عقد نطفة حرام بين الكيان الإسرا ئيلي (اليهودي) والأنظمة العربية (المسلمة) برعاية الكاهن الأمريكي (المسيحي)، بهدف التغطية على جريمة تحالف الأنظمة العربية مع (إسرائيل) ضد الشعوب المسلمة.
الاسم الحقيقي للديانة الإبراهيمية هي (الاتفاقية الإبراهيمية) أو (خطة إبراهام) التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي "ترامب" في العام 2020، وهي تشمل الاعتراف الكامل بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وتشكيل منظومة تحالف أمني وتعاون اقتصادي وخطاب إعلامي وثقافي وديني موحد معها. وقد وقّعت على الاتفاقية حينها أمريكا و(إسرائيل) والإمارات العربية والبحرين، وستوقع عليها السعودية وأنظمة عربية أخرى خلال العام 2025.
المفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تخطط بكل جدية هذه المرة، عبر مجموعة من مرتزقتها العراقيين (الأفندية) و(المعممين)، من الشيعة والسنة والمسيحيين والصابئة، إضافة إلى يهود من أصول عراقية، وبتمويل إماراتي ودعم سعودي؛ لتحويل العراق إلى مركز للطقوس الروحية لهذه الاتفاقية (الديانة السياسية)، وتكون عاصمتها الناصرية؛ تمهيداً لوضع الدولة العراقية أمام الأمر الواقع المتمثل بالتطبيع التلقائي الناعم وغير المحسوس مع الكيان الصهيوني، دينياً وثقافياً وعاطفياً خلال السنوات الأربع القادمة، تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية وأمنية لاحقاً.
ورغم استحالة تنفيد هذا المخطط في ظل وجود المرجعية السيستانية والأحزاب الشيعية الحالية والحشد الشعبي، ولكن بالإمكان تنفيذه في حال قامت أمريكا بانقلاب سياسي في العراق، وجاءت بمرتزقتها من العلمانيين الشيعة، إلى السلطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته (بنسخة Pdf) على تلغرام : https://t.me/alialmomen64


إلى (المعمم) الذي يلح على أن المحور الشيعي خسر المعركة مع (إسرائيل):
لقد ضيّعت المشيتين؛ فلا أنت محلل عسكري ناجح، ولا أنت عالم دين تفهم الموازين الدينية للنصر؛ لأن موازين الربح والخسارة باتت عندك مجرد حسابات رياضية، وهو ما لا يقول به عالم الدين ولا الخبير الاستراتيجي. علي المؤمن


وقد تنوعت مشاركاته بين لبنان، سوريا، الأردن، الكويت، الإمارات، السعودية، السودان، إيران، العراق، تركيا، ليبيا، الجزائر، مصر، ماليزيا، إندونيسيا، تايلند وروسيا. قدّم في هذه الفعاليات العديد من المحاضرات والخطب التي تناولت مختلف القضايا الدينية، السياسية، الفكرية، والثقافية، مما أثرى تلك المناسبات بحضوره المميز وأفكاره التي لاقت استحسان المشاركين والمتابعين من الأكاديميين والمفكرين العلماء.

مصادر سيرة الدكتور علي المؤمن:

منذ العام 1991 وحتى العام 2024، كتب في سيرة الدكتور علي المؤمن أكثر من ثلاثة ضروب، وتحديدًا في الغزارة والعمق والموسوعية، وقد حظي بإنتاج غزير من الكتب والدراسات والمقالات والاشهادات الشخصية والفكرية؛ إذ توالت الإصدارات والكتابات، حتى تجاوزت عدد أوراقه الفكرية والكتابية المئات. ونكتفي هنا بذكر أهم الكتب التي راجعها المتخصصون وعدّوها مرجعًا علميًا في مجال دراسات سيرة السيد المؤمن وفكره وآرائه:

1- علي الغريفي، «آل الغريفي: أعلام ورجالات»، مؤسسة العلامة حسين الغريفي، 1999.

2- عبد الرضا فرهود، «النجف الأشرف: أدباؤها.. كتابها.. مؤرخوها»، دار الهدى، النجف الأشرف، 2007.

3- رشيد سعيد القسام، «الشموس الذهبية للعشائر والأسر النجفية»، ج 1، النجف الأشرف، 2009.

4- محمد زكي إبراهيم، «شخصيات ومواقف»، دار الكتاب العربي، بغداد، 2009.

5- رضا النسابة الغريفي، «ذرية إبراهيم المجاب»، بغداد، 2014.

6- رشيد سعيد القسام، «موسوعة أعلام وعلماء النجف الأشرف»، مطبعة النبراس، النجف الأشرف، 2014.

7- د. صباح نوري المرزوك، «التحف من تراجم أعلام وعلماء الكوفة والنجف»، ج 3، مؤسسة مسجد السهلة، النجف الأشرف، 2016.

8- صباح غميس الحمداني، «الأصدقاء من العلماء والأدباء»، دار الفرات، الحلة، 2018.

9- عطية منشد الرميض، «الأيادي البيضاء»، دار الفرات، الحلة، 2019.

10- حميد الحريزي، «صفحات من تاريخ الفن الروائي»، ج 2، دار القهوة، الأهواز، 2020.

11- وائل محيسن النائلي، «المظاهر السردية في رواية عروس الفرات» (رسالة ماجستير)، جامعة الأديان، 2022.

12- د. ميثم حاتم (إعداد)، ومشاركة (12) أكاديمياً وباحثاً «رواية القمع: عروس الفرات للدكتور علي المؤمن أنموذجاً»، دار روافد، بيروت، 2023.

13- د. أمل الأسدي (إعداد)، ومشاركة (19) أكاديمياً وباحثاً، «علي المؤمن ومشروعه الفكري في الاجتماع الديني الشيعي»، دار روافد، بيروت، 2023.

14- د. علي الفكيكي (إعداد)، ومشاركة (50) عالم دين وأكاديمي وباحث وكاتب، «علي المؤمن وجهوده البحثية في إعادة كتابة تاريخ العراق السياسي المعاصر»، دار روافد، بيروت، 2024.

15- د. رفاه معين دياب (إعداد)، ومشاركة (43) من علماء الدين والأكاديميين والباحثين، «علي المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري»، دار روافد، بيروت، 2024.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال مستل من كتاب «علی المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري» إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (40) مفكراً وباحثاً.


يعد الدكتور علي المؤمن أحد الباحثين البارزين في مجال التجديد الفكري الإسلامي والفكر السياسي الإسلامي والقانون الدستوري والسياسي، إضافة إلى كونه مؤسس حقل علم الاجتماع الديني الشيعي، وهو ما جعله مادة للدراسة والنقاش في عشرات الندوات الفكرية والحلقات البحثية والدراسات والمقالات، في أكثر بلد، وقد تم إصدار أكثر من كتاب لتناول نظريته ومنهجيته وأفكاره في مجال الاجتماع الديني الشيعي، وهو ما يشير بوضوح إلى مكانته الفكرية المرموقة في البلدان العربية والإسلامية.

ألّف الدكتور علي المؤمن (34) كتاباً حتى العام 2024، بالإضافة إلى مشاركته في تأليف وإعداد كثير من الكتب، وكذلك كتابة ما يقارب (500) دراسة ومقال، نشرت في مختلف الدوريات العربية وغير العربية. وقد تُرجم بعض أعماله إلى لغات أجنبية. ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:

1- «سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق»، 1993.

2- «المسألة الطائفية في الإسلام»، 1994.

3- «النظام العالمي الجديد: التشكّل والمستقبل»، 1994.

4- «نظام الإدارة الحكومية في الإسلام» (ترجمة)، 1996.

5- «ثقافة عاشوراء وسنن التاريخ»، 1999.

6- «الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر»، 2000.

7- «الغزو الطائفي في مواجهة المشروع الحضاري الإسلامي»، 2002.

8- «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي»، 2003.

9- «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الثيوقراطية والديمقراطية والشورى» (رسالة ماجستير)، 2003.

10- «من المذهبية الى الطائفية»، 2006.

11- «آيديولوجيا العدوان في الفكر الصهيوني»، 2007.

12- «صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة الى حكم المعارضة»، 2010.

13- «عروس الفرات» (رواية)، 2016.

14- «جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي»، 2016.

15- «أسلمة المستقبل: محاولة علمية للامساك بالمستقبل الإسلامي»، 2017.

16- «المستقبلية الإسلامية: نحو منهجية علمية لبناء غد أفضل»، 2017.

17- «من المعاصرة الى المستقبلية: الفكر الإسلامي واستدعاءات المستقبل»، 2017.

18- «تجديد الشريعة: قابلية معارف الشريعة الإسلامية على التحول»، 2017.

19- «القرن العشرون: مائة عام من العنف»، 2017.

20- «التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي» (أطروحة دكتوراه)، 2018.

21- «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع»، 2021.

22- «مقاربات في الفكر والثقافة والأدب»، 2022.

23- «مدخل الى القانون الدستوري الإسلامي»، 2023.

24- «القانون الدستوري والنظام السياسي في إيران»، 2023.

25- «الفكر الإسلامي المستقبلي: مقاربات في المنهجية»، 2023.

26- «المنظومة الطائفية: من الآيديولوجيات التأسيسية للمسلمين الى الغزو الطائفي الحديث»، 2024.

الحضور الفكري والثقافي الدولي:

في مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات والتفاني، برز الدكتور علي المؤمن كواحد من أهم الأصوات الفاعلة في الواقع الإسلامي. وقد عمل في المؤسسات البحثية والأكاديمية والإعلامية والثقافية والسياسية، وجاب بلداناً متعددة، مشاركاً في المؤتمرات الدولية ومتابعًا للتطورات العالمية. امتاز بشغفه الكبير بالقراءة والكتابة، مما صقل مهاراته الفكرية وأثراها. ومنذ العام 1982، والدكتور علي المؤمن يلقي المحاضرات السياسية والفكرية والثقافية والجماهيرية، ولا يزال يمارسها بكثافة في العديد من دول العالم. وخاض العديد من المناظرات السياسية والثقافية على شاشات التلفاز في سوريا ولبنان وإيران والعراق وبلدان أخرى، منذ العام 1995. كما كرّس الدكتور علي المؤمن وقته للتحليل والتنظير في المجالات الفكرية والسياسية والتنظيمية، مجسّداً بذلك رؤيته العميقة وفهمه الواسع للتحديات المعاصرة.

وقد كوّن علاقات عامة وخاصة مع مختلف الجماعات والتيارات، وبادر إلى تشكيل المجموعات الثقافية والإعلامية والفكرية. وقد مارس ذلك في أكثر من بلد منذ العام 1983، وله علاقات سياسية وثقافية مع كثير من البلدان العربية والإسلامية، لا سيما لبنان وسوريا وإيران وتركيا والسودان ومصر، بالإضافة إلى علاقات في السعودية والكويت والجزائر وليبيا وماليزيا وتونس وإندونيسيا وروسيا.

وبدأ ممارسة مكثفة في مجال الإدارة العامة والإدارة الإعلامية، والإدارة السياسية، منذ العام 1985، وله مسار طويل في هذا المضمار من خلال إدارته أو تأسيسه لعدد من المؤسسات العامة والخاصة.

وشارك السيد المؤمن في أكثر من (150) مؤتمراً وندوة ونشاطاً ثقافياً وفكرياً في البلدان العربية والإسلاميّة، مما يجعله واحداً من أبرز الشخصيات الثقافية والفكرية في المنطقة.


قراءة في سيرة الدكتور علي المؤمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. رفاه معين دياب
(أكاديمية وباحثة من لبنان وأستاذة في جامعة فينيسيا)

امتاز المفكر والباحث والكاتب والإعلامي والسياسي الدكتور علي المؤمن بحسن إدارة مشروعه البحثي والفكري، وبثقافته العالية؛ إذ اختار التخصص بالفكر السياسي الإسلامي المعاصر، كما امتاز بسعة الاطلاع في مؤلفاته، إضافة إلى ولعه بالقصة والشعر والرسم والخط.

ولد السيد الدكتور المؤمن في مدينة النجف الأشرف في 30 نيسان 1964، في كنف أسرة دينية علمية عريقة، هي أسرة السادة (آل الغريفي)، وتحديداً فرعها النجفي العراقي المعروف بـ (آل المؤمن)، نشأ وترعرع في مدينته النجف في عمق الأجواء الدينية والجهادية والعلمية التي عاشتها أسرته خلال (400) عام من سيرتها.

التكوين الثقافي والحركي:

انتمى منذ العام 1978 إلى التيار الإسلامي النهضوي الذي تعبِّر عنه مدرسة السيد محمد باقر الصدر ومدرسة الإمام الخميني، وتعلّم فيه، ثم انتمى في العام اللاحق إلى الحركة الإسلامية العراقية (حزب الدعوة الإسلامية) بعمر مبكر، وهو في الخامسة عشر من عمره، وبقي على تواصل معها، برغم خروجه من التنظيم في العام 1999؛ فكتب عن قضاياها وهمومها، إلى جانب العمل المعارض للنظام البعثي عبر وسائل مختلفة.

وفي المهجر؛ ابتداءً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد العام 1980؛ تفرغ للعمل المعارض للنظام البائد في إطار الحركة الإسلامية؛ فكان ناشطاً صحفياً وإعلامياً وجهادياً وتنظيمياً، ثم تفرّغ للعمل الثقافي والبحثي بعد العام 1991. وهي الفترة التي أخذ يتنقل فيها بين أكثر من بلد، كان بينها لبنان، الذي أقام فيه.

في مجال الدراسة، حصل على درجات علمية مرموقة، تجمع بين الأطر الدينية والعلمية؛ فقد درس في الحوزة العلمية في قم، وأكمل مرحلة السطوح في الفقه والأصول، كما تابع دراسته ليحصل على درجة الماجستير من الجامعة العالمية الإسلامية في لندن عام 2003، ثم الدكتوراه في القانون الدستوري الإسلامي من الجامعة نفسها في العام 2017، وكان عنوان أطروحته «التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، وهي أطروحة معمّقة نالت استحسان الأكاديميين والمتخصصين، وعقد لمناقشتها عدد من الندوات العلمية.

ظهرت موهبة الكتابة لدى الدكتور المؤمن منذ نعومة أظافره، وكأنّها فطرة نقية مع نزعة قوية نحو التعبير. بدأ شغفه بالكتابة يتجلّى في بيت مثقف يملك مكتبة مليئة بالكتب والمجلات، حيث كان يقضي الساعات بين صفحاتها مستمتعاً بعبق المعرفة. وكانت أولى محاولاته في الكتابة عبارة عن نشرة ورقية يومية باسم (العائلة)، وهي كانت تعنى بأخبار عائلته وبيته كتبها بخط يده، وأصدر منها (10) أعداد، وكان حينها في الصف الثالث المتوسط.

لم يتوقف شغف الكتابة عند هذا الحد، بل امتدّ إلى المرحلة الثانوية، حيث كتب بحثاً عن الشاعر الكبير أحمد شوقي في مادة اللغة العربية في الثانوية، كما كتب بحثاً في مادة الكيمياء عن الأحجار الكريمة، وفاز كلاهما أفضل بحثين في مادتي الأدب العربي والكيمياء في الثانوية، مظهراً بذلك براعة في مختلف المجالات الأدبية والعلمية.

ومنذ العام 1981، بدأ علي المؤمن مشواره المهني الاحترافي في العمل الصحفي النضالي مع الحركة الإسلامية في العراق، حيث عمل محرراً ومراسلاً في (جريدة الجهاد). ولاحقاً، برع في موقع رئاسة تحرير عدد من المجلات الفكرية والثقافية في إيران ولبنان، من أبرزها: «مجلة التوحيد» (1991- 1996)، «مجلة الكوثر» (1993- 1994)، سلسلة «كتاب التوحيد» (1993- 1997)، مجلة «اتجاهات مستقبلية» (1999- 2000)، مجلة «المستقبلية» (2000ـ 2004)، مجلة «شؤون مشرقية» (2007ـ 2008)، سلسلة «كتاب مشرقيات» (2008)، ومجلة «الصورة والصدى» (2012ـ 2013).

كما تولى المؤمن مهام إدارة في عدد من المؤسسات الثقافية والفكرية منها: «مؤسسة التوحيد للنشر الثقافي» (1994ـ 1996)، «المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية» (1999ـ 2004)، «المجموعة الدولية للدراسات والإعلام» (2009ـ2011) التي تضم: «مركز القناة للتنمية الإعلامية» (2007ـ 2011)، «وكالة أنباء شرق برس» (2007ـ 2011)، «وكالة أنباء التضامن» (2010ـ 2011)، «معهد التدريب الإعلامي والإداري» (2008ـ 2010)، و«مركز دراسات المشرق العربي» (2007- حتى الآن). وبعد توقفه المؤقت عن العمل في العام 2014، عاد المؤمن ليستأنف إسهاماته الأكاديمية والفكرية في «مركز دراسات المشرق العربي» في لبنان، مما عزز من بصمته في مجالات التأليف والنشر.

الآثار المطبوعة:




كيف خدع الإنجليز شيعة العراق ولا يزالون؟
د. علي المؤمن
هناك خطأ تاريخي فاحش، يردده بعض الخطباء والكتاب الشيعة، كما يكرسه بعض المؤرخين العراقيين الطائفيين السنة، للإيحاء بأن الحكم الملكي في العراق وتنصيب فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، كان خياراً شيعياً، وقد تم بناء على طلب النخب الشيعية العراقية.
والحقيقة التي لا تقبل الشك، هو أن الاحتلال الإنجليزي قام بأكبر عملية استغفال لشيعة العراق في تاريخهم الحديث، وأوهمهم بأنهم أصحاب قرار في اختيار فيصل، وذلك حين طرح الاحتلال بعض الأسماء المرشحة لعرش العراق، كفيصل بن الشريف حسين وخزعل الكعبي شيخ المحمرة وغيرهما، لكنه كان يقنع الشيعة بعميله فيصل، ثم طلب من شخصيات شيعية عراقية برئاسة الشيخ محمد رضا الشبيبي، أن تذهب الى الشريف حسين وتطلب منه استقدام فيصل الى العراق، وهي لعبة خبيثة انطلت على السذج من الشيعة. وفي النتيجة فرضت بريطانيا على شيعة العراق أحد عملائها ليكون هو وذريته ملوكاً على العراق، وهم سنة غير عراقيين؛ فهل هناك استغفال واستغباء أكبر من هذا؟!.
وكانت وزارة المستعمرات البريطانية قد عقدت مع عميلها الشريف حسين في العام ١٩١٤ صفقة ستراتيجية، ليكون هو ملك العرب في كل الجزيرة العربية، ويكون أولاده علي وعبد الله وفيصل وزيد ملوكاً على سوريا والأردن والعراق بلدان الشام والعراق، بشرط دخوله الحرب إلى جانب بريطانيا ضد تركيا وتنفيذ مخطط بريطانيا الاستعماري في المنطقة، وهو ما فعله العميل الشريف حسين في العام ١٩١٦، حين أعلن ما عرف بالثورة العربية الكبرى.
وبعد احتلال بريطانيا العراق، ثم انتهاء الحرب العالمية الأولى، كاتت وزارة المستعمرات البريطانية تمهد ليكون أحد أولاد الشريف حسين ملكاً على العراق، وكانت ترى في أن علي بن الحسين الأنسب للعرش، أو زيد الابن اليافع للشريف حسين، لكون علي بن الحسين هو ولي عهد والده على مملكة الحجاز، ولكن استقر القرار البريطاني على فيصل بعد طرده من سوريا.
وبالتالي؛ فإن الشيعة لم يختاروا العميل البريطاني فيصل إطلاقاً، ولم يكن لهم ناقة ولا جمل في تنصيبه ملكا على العراق، وإنما أرادت بريطانيا تعويضه عن عرش سوريا الذي فقده، بعد أن طرده الفرنسيون منها. وإلًا هل يمكن أن نتخيل أن بريطانيا العظمى التي كانت تخطط لاحتلال العراق والمنطقة منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، ثم دخلت الحرب العالمية الأولى ضد الامبراطوريتين العثمانية والألمانية، وانتصرت عليهما بشق الأنفس؛ أن تعطي العراق هدية للشيعة الذين حاربوها، وتمنحهم حرية اختيار النظام السياسي والحاكم؟!.
وتخطط أمريكا اليوم لعملية استغفال مشابهة، والمجيء بأحد عملائها للمرة الثانية، بعد أن توحي للأحزاب الشيعية أنهم هم الذين اختاروه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته (بنسخة Pdf) على تلغرام :
https://t.me/alialmomen64




في الداخل.

ولذلك؛ بادرت إيران بتشكيل قوات عقدية خاصة، من مقاتلين إيرانيين وعراقيين ولبنانيين وباكستانيين وأفغانستانيين وآذربيجانيين، ودعمتها بالسلاح والإمكانات اللوجستية والمال والتدريب والتخطيط والقيادة. وقد تألفت هذه القوات (وفق تقديرات العام ٢٠١٦) من:

١- "قوات الدفاع الوطني"، وهي قوات خاصة سورية تتألف من (٢٥) ألف مقاتل شيعي وعلوي سوري.

٢- "قوات زينبيون"، وتتألف من (١٠) آلاف مقاتل أفغانستاني.

٣- "قوات فاطميون"، وتتألف من (٥) آلاف مقاتل باكستاني.

٤- قوات المقاومة الإسلامية العراقية، وتنقسم إلى أربع ألوية أساسية، تتألف بمجموعها من (١٥) ألف مقاتل.

٥- قوات حزب الله اللبناني، وتتألف من (١٠) آلاف مقاتل.

٦- المستشارون الإيرانيون، الذين وصل عددهم إلى (١٥) ألف قائد ومدرب ومستشار.

وقد بلغ مجموع هذه القوات في العام ٢٠١٦ نحو (١٠٠) ألف مقاتل، وهي القوات التي منعت سقوط سوريا طيلة (١٣) عاماً، وكان تأثيرها على الأرض أقوى بكثير من تأثير الجيش السوري، وأقوى من تأثير الطيران والصواريخ الروسية التي دخلت المعركة فيما بعد.
إلّا أنّ قرارات النظام السوري بالتخلي عن هذه القوات بالتدريج، وتحديداً بين العامين ٢٠١٦ و٢٠٢٢، نتج عنها حل الوحدات السورية منها، وإخراج الوحدات غير السورية إلى خارج سوريا، وذلك خضوعاً للتهديدات الأمريكية والتركية والإسرائيلية، والإلحاحات الأردنية والمصرية، والإغراءات الإمارتية والسعودية، بالرغم من الرفض الإيراني وتحذيراته المتكررة.

وكان النظام السوري يطمع مقابل ذلك ببقائه وإطالة عمره وإعادة اندماجه في الواقع العربي ودعمه اقتصادياً، ومساعدته على رفع العقوبات الدولية عنه، وهو ما كانت توحي له به الأنظمة العربية الطائفية، وخاصة الإمارات والسعودية. وكانت النتيجة أن بقيت سوريا عارية دون غطاء ودون درع وسيف. وكان النظام يعتقد أن اعتماده على الجيش سيمنع سقوطه، في الوقت الذي كان أغلب جسد الجيش يتكون من عناصر طائفية لا يعنيها سقوط النظام، وهي العناصر التي قامت بالانقلاب على النظام، وسلمت المدن السورية الواحدة تلو الأُخر إلى جماعة الجولاني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


١- موقف نظام الأسد المبدئي من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، والرفض القاطع لكل أنواع التطبيع، مقابل تيار الاستسلام العربي المنخرط في مشروع الولايات المتحدة الأمريكية والمتحالف أمنياً مع الكيان الصهيوني، وهو الموقف الذي ظلّ يكلف نظام الأسد الكثير من أمنه واقتصاده.

٢- إنصاف نظام الأسد لشيعة سوريا وعلوييها، ورفع الظلم والتهميش الطائفي التاريخي عنهم، وتنميتهم سياسياً وثقافياً وتعليمياً ودينياً واجتماعياً ومعيشياً، وفسح المجال أمام التبليغ الشيعي بكل أشكاله.

٣- احتضان نظام الأسد شيعة لبنان والعراق والخليج وأفغانستان وغيرها، في أحلك الظروف وأكثرها قسوة، وتحديداً في فترات المعارضة والأزمات والتشريد، مقابل ما كانوا يتعرضون له من عدوانية من أنظمة الدول العربية الطائفية.

٤- انخراط نظام الأسد في محور المقاومة الذي تقوده إيران، وتحمّل جراء ذلك عقوبات الأنظمة العربية ومؤامراتها، وفي الوقت نفسه رفض إغراءاتها.

٥- مشكلة البديل الذي سيأتي عقب سقوطه، وهو خليط من الجماعات المسلحة والسياسية المرتبطة بالمشاريع الأمريكية والإسرائيلية والتركية والسعودية والقطرية والإماراتية، والتي تتميز بخطابها الطائفي العنيف، والتكفيري غالباً. وهو ما حصل بالفعل، وبوضوح كامل، بعد سقوط نظام الأسد في ٧ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤.

وقد كانت هذه المعايير هي نفسها التي تدفع الأنظمة العربية والجماعات الطائفية والكيان الصهيوني وأمريكا وتركيا، لمعاداة نظام الأسد والتآمر عليه، أو محاولة إغرائه بأن ينقلب على هذه المعايير.

ولذلك؛ فإن المحور الشيعي لم يكن ير في سقوط نظام الأسد مشكلة سورية داخلية؛ إنما مشكلة مركبة عميقة، ستكون لها ارتداداتها الكبيرة على مستوى الصراع مع الكيان الصهيوني ومواجهة المشروع الأمريكي وتيار التطبيع العربي، وامتداد التيارات التكفيرية الأممية إلى لبنان والعراق، فضلاً عما تخلقه من تهديد وجودي وعقدي لشيعة سوريا وعلوييها. وهو ما يعني أن انخراط الشيعة في جبهة نظام الأسد، لمنع سقوطه، لم يكن انخراطاً من أجل شخص الأسد نفسه وأسرته وحزبه، وإنما لما يترتب على سقوطه من كارثة على الواقع الشيعي برمته، سواء من ناحية ما سيتركه من فراغ في محور المقاومة، أو ناحية البديل الطائفي الذي سيحل محله.

وهذا الخطاب الطائفي المتجذر، لم تكن تخفيه جماعات المعارضة السورية، السلمية منها والمسلحة، والتي ظلت ترفع شعارات الوصول إلى كربلاء والنجف، وظلت ترفع الشعارات نفسها بعد استلامها السلطة. وإذا كان جزء من خطابها التكفيري والطائفي، قد تغيّر خلال السنة الأخيرة؛ فإنما هو تغيير مؤقت ومصطنع ونفاقي، من أجل أن يستتب لها الأمر وتستقر، ثم تبدأ بتنفيذ مشروعها الطائفي بعد بضع سنوات.

ولا شك أن الالتحام الدفاعي لأجنحة محور المقاومة بقوات الدولة السورية منذ العام ٢٠١١، لا يعني تسويغ الفكر العنصري العلماني للبعث وخلفياته العفلقية، ولا بالفساد الأخلاقي والسياسي والإداري، ولا السلوكيات القمعية والاستبدادية التي كانت يمارسها النظام ضد معارضيه، ولا السلوكيات الخاطئة التي أثّرت سلباً على أمن العراق بعد العام ٢٠٠٣، وتسببت في إراقة دماء كثير من العراقيين. وهي سلوكيات يتحمل مسؤوليتها ــ غالباً ــ بقايا الطائفيين في حزب البعث السوري ومخابراته، والذين بدأوا بالانقلاب تدريجياً على قيادة الأسد فيما بعد، وتحديداً خلال العام ٢٠٠٥، وهو ما كتبتُ عنه حينها قبل انشقاق عبد الحليم خدام وفاروق الشرع وغيرهما عن النظام.

ولا تزال كلمات السياسي العراقي الدكتور فاضل الأنصاري، عضو القيادة القومية لحزب البعث السوري، ترن في الآذان، وهو يتحدث في العام ١٩٩٩ عن طائفية بعض القيادات السنية في حزب البعث السوري، أمثال عبد الحليم خدام وفاروق الشرع وعبد الله الأحمر، وكيف كان الأحمر يدعم البعثيين العراقيين السنة على حساب البعثيين العراقيين الشيعة، وكيف كان بعض هؤلاء يخاطبونه بمصطلح (عجمي)، بسبب كونه شيعي، وكان الأنصاري يشبِّه طائفية هؤلاء القياديين البعثيين السوريين السنة بطائفية بعث العراق، وقد كادوا يطيحون بالأنصاري أكثر من مرة، لولا دعم الرئيس حافظ الأسد له.

حين كسر النظام السوري درعه وسيفه:

خلال الهجوم الدولي الشامل على سورية بأدوات تكفيرية وطائفية في العام ٢٠١١، وبدعم مباشر من حكومات أمريكا وتركيا و(إسرائيل) والإمارات وقطر والسعودية والأردن ومصر وبريطانيا وفرنسا، استنجد النظام السوري بإيران، وكانت مصلحة محور المقاومة الشيعي تلتقي بمصلحة النظام السوري؛ لأن سوريا كانت حلقة أساسية في سلسلة محور المقاومة، وأن سقوطها بيد الجماعات التكفيرية والطائفية المدعومة من أمريكا وأوروبا وتركيا وإسرائيل والأنظمة الطائفية العربية؛ لن يؤدي إلى تقطيع أوصال المحور وحسب، وإنما سيجعل أمريكا وتركيا وإسرائيل والأنظمة العربية تحاصر شيعة لبنان من الشرق، وشيعة العراق من الغرب، وتحول دون دعم الفلسطينيين


ولم يقتصر ذلك على العراقيين، بل كانت هناك أعداد كبيرة من السعوديين والبحرانيين والأفغانستانيين والباكستانيين الشيعة وغيرهم، يقيمون في سوريا، ويتحركون بحريتهم، دون أن يجدوا ملاذاً آخر لهم في أية دولة عربية.

وكانت سوريا تلعب دوراً مهماً في دعم شيعة لبنان، معنوياً وسياسياً وعسكرياً، وخاصة حركة أمل وحزب الله والمجلس الشيعي الأعلى، وظلت بعد العام ١٩٨٢، الممر الآمن لمرور الدعم الإيراني المفتوح لشيعة لبنان، بما في ذلك الدعم العسكري الضخم، وكان ذلك سبباً مهماً في قدرة حزب الله على مواجهة الكيان الصهيوني.

ورغم إنصاف نظام الأسد لعلويي سوريا وشيعتها، وحماية شيعة العراق ولبنان والخليج، والتحالف مع إيران الشيعية، إلّا أن إطلاق تهمة الطائفية على نظامه ربما لا تصح؛ لأنه في الوقت نفسه كان يحتضن أيضاً الجماعات الفلسطينية السنية، بما فيها حركة حماس، فضلاً عن الجماعات القومية السنية العربية والأحزاب الماركسية.

ولم يكن نظام الأسد يمارس تهميشاً لسنّة سوريا أو إقصاءً لهم من المناصب الرأسية والقيادية العليا في الحزب والدولة والقوات المسلحة؛ فكون رئيس الحزب ورئيس الجمهورية في سوريا كان شيعياً، لم يحوّل النظام الى نظام طائفي علوي. على العكس مما كان عليه نظام البعث العراق؛ فقد كان رئيس النظام البعثي العراقي و٩٠% من أعضاء مجلس قيادة الثورة وقيادات حزب البعث والوزراء وقيادات الجيش، من السنة العرب، رغم أن نسبة السنة العرب لا تتجاوز ١٦% من نفوس العراق. بينما تبلغ نسبة العلويين والشيعة في سوريا حوالي ٢٠% من السكان، وفي المقابل؛ لا تتعدى نسبة العلويين والشيعة في قيادة حزب البعث السوري والحكومة وكبار المسؤولين نحو ١٠% من عدد المناصب العليا، أي وزيراً واحداً عادة في كل حكومة، وعضوين قياديين في كل تشكيلة قيادية، وربما محافظاً واحداً، بل أن كثيراً من الحكومات البعثية في سوريا كانت تخلو من وزراء علويين وشيعة.

وحتى رئيس الجمهورية السورية، العلوي الشيعي، كان يصلي خلف علماء الدين السنة وهو يتكتف، احتراماً للأكثرية السنية في سوريا؛ بينما كان صدام حسين يصلي وهو متكتف داخل ضريح الإمام علي وفي عقر دار المرجعية الشيعية في النجف. والأكثر من ذلك؛ أن النظام البعثي العراقي منع طباعة رسالة المرجع الأعلى السيد الخوئي بسبب وجود مسألة شرعية تتعلق بمبطلات الصلاة، وأحدها التكتّف؛ لأن رئيس النظام سنياً ويتكتف في الصلاة.

وفي حين كانت مناهج الدين والتاريخ في المدارس والجامعات السورية، سنّية بامتياز، ولم تُكتب يوماً في إطار ثقافة شيعية وعلوية إطلاقاً؛ فإنّ المناهج الدراسية العراقية في الدين والتاريخ، كانت على العكس منذ تأسيس الدولة العراقية في العام ١٩٢١ وحتى العام ٢٠٠٣؛ فقد كانت مذهبية سنية طائفية، وقومية عربية عنصرية، تتطابق تماماً مع ثقافة الأقلية السنية العربية البالغة ١٦% فقط من الشعب العراقي.

٣- على مستوى الحقوق والحريات الدينية والمذهبية والاجتماعية والإعلامية، كان نظام الأسد يعطي فسحة مهمة من النقد الإعلامي والفني والمعارضة السياسية، ويسمح لكل المشارب الدينية والمذهبية بممارسة شعائرها وطقوسها، وكان السوريون يحظون بكل وسائل التواصل والاتصال، من الموبايل إلى الإنترنيت إلى الكمبيوتر إلى الستلايت، وكل هذا لم يكن متاحاً في عراق البعث، بأي شكل. ويعرف المتابعون للدراما والمسرح السوريين منذ سبعينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام، حجم النقد الكبير الذي كان يوجّه للحكومة وأجهزتها الأمنية، وهو النقد الذي كان يقود في عراق البعث، حتى ولو واحد بالمائة منه، إلى منصات الإعدام وثرامات اللحم ومسالخ الجلود.

وبالتالي؛ فإن التشابه بين حزب البعث الأسدي وحزب البعث العفلقي الصدامي هو تشابه نظري وشكلي، أي تشابه في الفكر القومي العربي العام، وتشابه في بعض سلوكيات الاستبداد والقمع الداخلي. أما الاختلاف بينهما في المواقف الفكرية والسياسية وفي ثقافة الدولة وسلوك الحكومات؛ فإنه اختلاف جوهري.

وحين تَكرّس بعد العام ٢٠٠٦ انخراط الدولة السورية في محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران؛ فقد قررت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات، إسقاط نظام البعث - الأسد، وإعادة سوريا الى وضعها الطائفي السابق، وضمِّها الى الحلف الأمريكي الإسرائيلي السعودي، تمهيداً للقضاء على المحور الشيعي برمته، وهو التهديد الذي كان يستهدف أحد أهم أجنحة محور المقاومة، وصولاً إلى تهديد لبنان ثم العراق ثم إيران.

معايير التحالف بين نظام الأسد في سوريا والمحور الشيعي:

كانت علاقة التحالف والدعم المتبادل بين المحور الشيعي، الإيراني اللبناني العراقي السوري الخليجي الأفغانستاني الباكستاني، ونظام الأسد في سوريا، تحكمها خمسة معايير، هي:


العلاقة الإشكالية بين نظام الأسد في سوريا والمحور الشيعي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

منذ سقوط نظام البعث في سوريا في ٧ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤، والأسئلة تتراكم وتتكاثر حول مساحات التشابه والاختلاف بينه وبين نظام البعث العراقي، وأسباب تأييد شيعة العراق لنظام الأسد البعثي ومعارضتهم لنظام صدام البعثي، وحلف الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشيعة لبنان مع نظام الأسد.

وسأتناول هذه الأسئلة وأجيب عليها، ليس من منطلق المسموعات والمعرفة النظرية، وإنما بناءً على معايشتي للواقع السوري خلال إقامتي في لبنان منذ العام ١٩٩٢.

التشابه والاختلاف بين نظامي البعث في العراق وسوريا:

بعيداً عن تعقيدات الانشقاق في حزب البعث في شباط/ فبراير ١٩٦٦، الى بعث عراقي وبعث سوري، وأسبابه ومساره التاريخي؛ فإن الجذور الفكرية والثقافية والتنظيمية والسلوكية للحزبين البعثيين في سوريا والعراق هي جذور واحدة، لكن هناك فروقات جوهرية بينهما، أبرزها:

١- إن حزب البعث السوري ليس عفلقياً في آيديولوجيته وقيادته؛ إذ يعتبر البعثيون السوريون ميشيل عفلق منحرفاً فكرياً عن مبادئ البعث، وجاسوساً للغرب، وخائناً، وهو موقفهم نفسه من حزب البعث العراقي وقيادته.

وكان حزب البعث العراقي قد تحوّل من حزب عفلقي الى حزب عفلقي صدّامي منذ العام ١٩٧٩ وحتى وفاة ميشيل عفلق في العام، ثم تحوّل الى حزب صدّامي بامتياز بعد ذلك وحتى الآن. وصدام حسين المولود في عائلة سنية؛ يمثل التيار الأكثر طائفية وعنصرية في حزب البعث العراقي، رغم أنه علماني لا ديني، لكن طائفيته السياسية الاجتماعية العلمانية تستقي جذورها من المشروع القومي العربي العراقي الطائفي.

في حين أن حزب البعث السوري كان عفلقياً حتى العام ١٩٦٦، ثم استحال أسديّاً بامتياز، أي أنه ظل مطبوعاً بطابع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وهو علوي متمسك بعلويّته الاجتماعية، مثله مثل الأغلبية الساحقة للعلويين النافدين في الحزب والدولة السورية. ورغم أن العلويين هم شيعة إثنا عشريون، وليسوا كما يشيع عنهم خصومهم بأنهم (علي اللهية) و(نصيرية)، إلّا أن لهم نظاماً اجتماعياً دينياً خاصاً منفصلاً عن النظام الاجتماعي الديني الشيعي الإثني عشري العام، فضلاً عن غلبه الطابع العلماني على علويي الحزب والدولة، شأنهم في ذلك شأن علويي تركيا وإيران ولبنان، مقابل تميّز الشيعة السوريين من غير العلويين بالطابع الديني؛ لكن هذا لم يمنع من التحام الطرفين وتحالفهم على مر التاريخ، بما في ذلك فترة نفوذ العلويين في قرار الحزب والدولة السورية.

٢- الفارق الأهم بين حزب البعث العراقي وحزب البعث السوري يرتبط بالمشروع الطائفي، وهو فارق لا يعترف به الحزبان، بل يتبادلان الاتهام بشأنه فيما بينهما؛ فحزب البعث العراقي يصف حزب البعث السوري بأنه طائفي منحاز لطائفة الأقلية العلوية الشيعية في سوريا، وحزب البعث السوري يتهم حزب البعث العراقي بأنه طائفي منحاز لطائفة الأقلية السنية العربية في العراق، وهذه التوصيفات الطائفية للطرفين ليست اتهامات، وإنما هي حقيقة، ولذلك؛ نجد أن البعثيين العراقيين والإسلاميين السنة العراقيين هم الأكثر فرحاً وترحيباً بسقوط نظام البعث في سوريا، على العكس من الشيعة العراقيين غالباً.

والحقيقة أن دور العلويين عموماً وآل الأسد خصوصاً في إعادة توجيه حزب البعث السوري والدولة السورية باتجاه إنصاف علويّي سوريا خصوصاً والشيعة عموماً، لا يمكن إنكاره بأي وجه؛ فقد تمكن العلويون بعد العام ١٩٧١، وخاصة بيت الأسد، من كبح جماح الطائفية والعنصرية في الحزب وفي الدولة السورية، بل انقلب الواقع تدريجياً على الطائفيين في سوريا عموماً وعلى البعثيين الطائفيين خصوصاً، والذين لم يكونوا يخفون فخرهم بأنهم أمويون قبل العام ١٩٧١، ولم يعد هناك إقصاء وتهميش للشيعة أو السنة أو أية طائفة أخرى، بل أصبحت سوريا حليفة لشيعة لبنان في حياة السيد موسى الصدر، وخاصة بعد العام ١٩٧٤، وهي السنة الذي تحوّل فيها بيت الأسد إلى شيعة إثنى عشرية، وليس مجرد علويين، بفضل السيد موسى الصدر. ثم أصبحت سوريا الأسد حليفة لإيران بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، انطلاقاً من إيمان حافظ الأسد الحقيقي بتشكيل جبهة إقليمية ضد الكيان الصهيوني.

كما بدأت سوريا الأسد منذ العام ١٩٨٠، باحتضان المعارضين الشيعة العراقيين لنظام البعث العراقي، وبقي العراقيون المعارضون والمهاجرون في سوريا، يتحركون كما يشاؤون في سوريا، ويدرسون ويعملون، دون أن يحمل أغلبهم الوثائق الثبوتية من جواز سفر وإقامة، في الوقت الذي كانت الدول العربية تمنع سفر العراقيين إليها، وتلقي القبض على المعارضين وتسلِّمهم إلى نظام صدام.



20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.