Postlar filtri




من خلال الحفر في معطيات الواقع وتحليلها، يمكن التأكيد بأنّ أمريكا لا تستطيع إسقاط العراق ودولته ونظامه، ولا تستطيع تدمير حشده ومقاومته، إلًا من خلال الاحتلال المباشر، وهو خيار صعب جداً وفق المعادلات الدولية والإقليمية القائمة، وأنّ أقصى ما تستطيع فعله، بمساعدة حلفائها البريطانيين والإسرائيليين والسعوديين والأتراك والقطريين والإماراتيين والأردنيين، هو ما يلي:

1- القصف الجوي والصاروخي لمقرات المقاومة والحشد والجيش وبعض مؤسسات الدولة.

2- رفع سعر الدولار ومحاولة تخريب الاقتصاد العراقي.

3- استقدام الجماعات التكفيرية والطائفية العراقية والأجنبية من سوريا وإطلاق أيديها في المحافظات الغربية.

4- إعادة التظاهرات في محافظات الوسط والجنوب.

5- الاستمرار في منع إعمار البنية التحتية، وفي مقدمتها الكهرباء.

وليس مؤكداً أن تغامر أمريكا وحلفاؤها في القيام بهذه الأعمال، ولكن؛ فيما لو قاموا بها؛ فإنها ستفشل دون تحقيق هدف إسقاط العراق ونظامه وحشده ومقاومته. نعم؛ قد ينجم عن ذلك تخريب وصدامات طائفية، وصدامات شيعية - شيعية، ولكن؛ في النهاية، ستتبخر جميع آثارها خلال سنة واحدة حداً أقصى، من خلال دعم النجف وصمود الحكومة وصد الحشد والمقاومة والقوات المسلحة والحلفاء، وستكون في أرض العراق نهاية الضغوطات الأمريكية وأحلام (إسرائيل)، ومعهما الجماعات الطائفية والتكفيرية؛ لأنّ العراق ليس سوريا ولا لبنان ولا أفغانستان.. لا في تركيبته السكانية ولا نظامه السياسي ولا قدراته العسكرية والاقتصادية، ولا في ظهره المحمي عقدياً واستراتيجياً.

ختاما؛ ليس الهدف من هذه المقاربة استدعاء الهمم أو طرح نبؤات، إطلاقاً، إنما هي قراءة تفصيلية للواقع العراقي وللارتدادات المحتملة للواقع السوري، ولخيارات أمريكا وإسرائيل في ضرب العراق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


بعض النخب الشيعية العراقية المرعوبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

لا نتحدث هنا عن المجنّدين المدفوعين من المؤسسات المخابراتية والإعلامية والسياسية الحكومية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والسعودية والتركية والقطرية والأردنية والإماراتية، أو من القنوات الطائفية والعنصرية العراقية، والذين يمارسون عملية ترهيب الشعب العراقي وتخويفه من التغيير والثورة والتظاهرات والتحوّلات والذبح والمشانق والتخريب والفوضى والتفجيرات والقصف والاجتياح و و و وغيرها من تعميمات الإرهاب النفسي الفضفاضة..

وإنما نتحدث عن بعض النخب الشيعية العراقية المستقلة، والمرعوبة من التهديدات الأمريكية للعراق ومشروع نظامها العالمي الجديد، ومن المخططات الإسرائيلية للعبث في المنطقة ومشروع نظامها الشرق أوسطي الجديد؛ إذ تتناقل هذه النخب الأخبار والبيانات والتصريحات الصحيحة والمفبركة والمدسوسة في وسائل التواصل، وهي ترتجف وتتهامس وتنظِّر وتحلل على مدار الساعة، لكنها تخفي هزيمتها النفسية وراء ترديد مصطلحات (الواقعية) و(العقلانية) و(بناء الدولة) و(الحرص) و(الوطنية)، وهي مصطلحات فضفاضة ونسبية، يوجهها كل إنسان حسب ميوله الفكرية والسياسية والنفسية، ولا توجد فيها معايير ثابتة.

وسواء كان منطلق رعب هذه النخب هو الخوف الحقيقي على العراق أو منطلق الخوف على نفسها ومصالحها أو اقتناعاً بالخطاب الأمريكي؛ فإنه في كل الأحوال انهزام نفسي وخوف غير مبرر أحياناً أو مبالغ به جداً أحياناً أخرى، وكأنّ ما تفكر به أمريكا وإسرائيل هو لمصلحة العراق، وكأنهما ستنفذان ما تفكران به وتخططان له حتماً، وأن كل ما تنفذانه سينجح ويتحقق.

ويزداد رعب هؤلاء المحسوبين على النخبة الشيعية، واستنفارهم النفسي كلما نُشر تقرير أو بيان عن السفارة الأمريكية في بغداد أو تقرير وتحليل لوكالة أنباء أو صحيفة أجنبية، وهو يكرر التهديدات الأمريكية بأسلوب مدروس ومؤثر، وكأن قيامة أمريكا ستقوم غداً، وسوف لن تبقي حجراً على حجر؛ إن لم تسارع الدولة العراقية بإعلان استسلامها للشروط الأمريكية المتمثلة بحل الحشد الشعبي وتفكيك المقاومة الإسلامية وإنهاء أي حضور لإيران في العراق وتقاسم القرار السياسي مع السنة والأكراد ومنع أي خطاب كراهية ضد (إسرائيل).

وبما أن أجهزة المخابرات والوكالات والصحافة الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والعربية، وكذلك عملاءها من المحللين والكتّاب المحليين، يعرفون مكمن الشلل في عقول هذه النخب، ومسارب الرعب إلى نفوسها، وأساليب سلب إرادتها؛ فإنهم يكرسون خطابهم الترهيبي؛ لدفعها تلقائياً إلى نقل رعبها وشللها العقلي إلى مجتمع الوسط والجنوب العراقي وإلى بعض البسطاء من المسؤولين الحكوميين والحزبيين.

ولا تكتفي هذه النخب المنهارة نفسياً، بنقل رعبها إلى المجتمع، وإنما تلمح أحياناً وتعلن أخرى، إلى انعدام الخيارات أمام العراق ودولته وحكومته وشعبه وقواه السياسية والدينية، سوى خيار الاستسلام لأمريكا ونظامها العالمي الجديد، ولإسرائيل ونظامها الشرق أوسطي الجديد، والعمل بما يطلبانه ويشترطانه، وصولاً إلى الانخراط في الشرق الأوسط الأمريكي- الإسرائيلي الجديد، ولسان حالها يقول: لنكن واقعيين؛ لا حل أمام العراق لتجنب الدمار الحتمي سوى الرضوخ لأمريكا وإسرائيل!!.

والأنكى من ذلك؛ أن تكون أهداف جزء من هذه النخب الشيعية ونواياها، متوافقاً مع أهداف أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا وبعض الجماعات الطائفية والعنصرية العراقية، والمتلخصة في القضاء على أهم عناصر قوة الشيعة في العراق، وفي مقدمتها الحشد والمقا ومة والظهير الإيراني والتماسك المجتمعي الشيعي، مقابل الانحياز الكامل لأمريكا ومشروعها، وترجيح كفة الأحزاب السنية والكردية في الإمساك بقرار الدولة ومفاصلها، ومنع ما يسمى بخطاب الكراهية ضد (إسرائيل)، وصولاً إلى التطبيع معها، والدخول في الحلف الأمني الأمريكي - الإسرائيلي - العربي، وهو ما يطالب به الحضن العربي ويشترطه أيضاً على العراق.

هذه الخطورة الوجودية المتمثلة بخطاب هذه النخب، يفرض على مجتمع الوسط والجنوب العراقي، الذي يُراد ترهيبه وسلب إرادته وشل تفكيره الإيجابي، أن يفصل نفسه من هذه النخب المرعوبة المنهزمة نفسياً، وأن يتأكد بأنّ الأقدار والمقدرات والحاضر والمستقبل ليس بيد أمريكا وإسرائيل. صحيح أنهما فاعلان أساسيان في المنطقة، لكنهما ليسا الفاعلين الوحيدين، وأن هناك فواعل أخرى أساسية أيضاً، وفي مقدمتها الشعب العراقي والمرجعية الدينيه والقوى الدينية والسياسية والعسكرية العراقية الأصيلة وحلفائها. وفوق كل هؤلاء القدرة الإلهية المطلقة.

وهنا نتساءل: ماذا يمكن لأمريكا و(إسرائيل) أن تفعلا بالعراق؟ وكيف يمكنهما تحويل تهديداتهما إلى أفعال؟.




كلمح البصر:
ولدتُ قبل أسبوع.. دخلتُ الابتدائية قبل ستة أيام.. دخلتُ ميادين العمل قبل خمسة أيام.. أنجبتُ قبل أربعة أيام.. نشرتُ أول كتبي قبل ثلاثة أيام.. تقاعدتُ قبل يومين.. صار عندي كثير من الأحفاد أمس.. تزوج آخر بناتي اليوم.. غداً سينتهي كل شيء.
والله هذا ما أحس به.. بهذه السرعة.
فاستغل ـ أيها الشاب ـ كل ثانية من حياتك؛ بالمفيد والمنتج والصالح.
علي المؤمن
28/ 9/ 2024




ما هذا الجنون والتهريج؟!
قد نتفهم موقف بعض السنة العراقيين وهم يروِّجون للإرهابي الجولاني، ولكن أن ينخرط بعض الشيعة السذّج والمدفوعين في حملة الترويج؛ لمجرد أن الجولاني غيّر مظهره ولغته؛ فهو جنون وتهريج.
الجولاني ينبغي أن يقاضيه العراق في المحكمة الجنائية الدولية، لمسؤوليته عن تفجير مئات السيارات المفخخة في بغداد والحلة والكاظمية وكربلاء، والتي تسببت بمجموعها في قتل وجرح ما يقرب من (20) ألف مواطن عراقي، كما أنه المسؤول عن تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء.
وإذا كان تغيير المظهر واللغة يعفيان المجرم من كل ما ارتكبه؛ فإن هذه البدعة ستكون سابقة قانونية لم تعرفها النظم القانونية من قبل.


ماذا قدّم شيعة العراق لسنّته بعد 2003؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

ما يحدث في سورية اليوم من حملات تنكيل وقمع وإقصاء وقتل وثأر ممنهجة ضد علويي سوريا وشيعتها؛ بتهمة أنهم كانوا حاضنة نظام الأسد، يدفع للحديث عن تعامل الشيعة مع أهلهم السنة في العراق بعد العام 2003، والذين كانوا حاضنة نظام البعث.

ففي حين بادر الحكم الطائفي الجديد في سوريا إلى تصنيف العلويين والشيعة كأقلية طائفية، حالهم حال المسيحيين، بهدف عزلهم دينياً وسياسياً واجتماعياً عن الأغلبية السنية، ومنعهم مستقبلاً من الحصول على مناصب عليا في الدولة، رغم أن نسبتهم لا تقل عن 20% من عدد سكان سوريا؛ فإن حكم الشيعة التعددي في العراق منح السنّة العرب ثلث القرار السياسي في الدولة وثلث مناصبها، رغم أن نسبتهم السكانية لا تزيد عن 16% من نفوس العراق، بينما تبلغ نسبة الشيعة 65%. ولو كانت نسبة السنة 65% من عدد سكان العراق، والشيعة 16%، لما أعطى السنة للشيعة حتى منصب مدير بلدية في مدينة نائية.

ولا يستطيع أحد نكران ما فعله شيعة العراق من حقنٍ لدماء أهلهم السنة العرب ورفض التعرض لهم بعد سقوط نظام البعث الذي كان يحتمي بحاضنته السنية العربية، حين منع الشيعة أي لون من ألوان الانتقام والثأر ضد السنة، بفعل فتاوى مراجع الشيعة وفقهائهم، وبفعل انتمائهم لمدرسة آل البيت الرحيمة المتسامحة، وارتضوا بالمصالحة، والعفو عما سلف، وإدارة الظهر الى الماضي الأسود، وذلك رغم كل الأسى والحزن والجراحات الغائرة في أجسادهم.

لكن السنّة في المقابل، لم يكلِّفوا أنفسهم حتى الاعتذار للشيعة عن سنوات طويلة من الطائفية والعنصرية، والقمع والقتل والتشريد وانتهاك الأعراض للنظام الذي ينتمي إليهم، كما لم يتقدموا للشيعة بالشكر، على قرارات العفو المتوالية التي أصدرتها حكومة الشيعة بعد العام 2003، دون شروط.

ولكن بدل الاعتذار والشكر؛ تحوّل أكثر مناطق السنة إلى حواضن لانطلاق حملات ذبح الشيعة وتفجير أسواقهم ومساجدهم و تدمير مناطقهم. كما لا يزال كثير منهم يستفز الشيعة ويحرق قلوبهم، عندما يتعمد الإشادة بصدام والبعث، ويرفع علمه وشعاراته، أو يرفع صور ذباحي الشيعة وأعلامهم، دون أدنى مراعاة لمشاعر ملايين الشيعة الذين حصد صدام والبعث رقاب أبنائهم ودفنهم أحياء في المقابر الجماعية، وشرّدهم، ومزق مجتمعاتهم قبل العام 2003، أو ذبحتهم الجماعات الطائفية والتكفيرية بعد العام 2003.

وإذا كان بعض السنة ينكر ذلك أيضاً؛ فإنه لا يستطيع أن ينكر أن الشيعة دافعوا عن أهلهم السنة العرب بدمائهم بعد العام 2014، وحموهم من منظمات الإرهاب والتكفير التي جلبها بعضهم واحتضنها، بهدف ضرب الشيعة واحتلال بغداد وإعادة الحكم الطائفي العنصري، وخاصة بعد أن انقلبت هذه المنظمات على السنة بقدرة قادر؛ فبادر الشيعة إلى التضحية بأنفسهم من أجل حفظ أرواح أهلهم السنة وحماية أعراضهم، وهي أعراض الشيعة أيضاً، ثم أنقذوهم وحرروا مدنهم، وأعادوهم الى بيوتهم، وساعدوهم بكل شيء، دون أن يمنّ عليهم الشيعة بما فعلوه لهم.

ولكن في المقابل؛ قامت بعض عشائر الغربية بذبح شباب الشيعة في (سبايكر) وفي عشرات (السبايكرات) الأخرى، وانتمى كثير من شبابها الى (القاعدة) و(داعش)، وفجروا وذبحوا وخربوا، كما ساعدوا في تمكين (داعش) الإرهابي التكفيري من احتلال مدنهم، وهم الذين أطلقوا على أنفسهم (ثوار العشائر)، وهو للأسف موروث دموي إقصائي ينبغي أن يتخلصوا منه، ليرتاحوا ويريحوا.

وبينما لا يكف بعض مشايخ السنة عن وصف الشيعة بالكفر والشرك والمجوسية والصفوية؛ فإن مشايخ الشيعة ومراجعهم يأمرون الشيعة بالتآخي مع أهل السنة، وبمحبتهم والوحدة معهم، بل أن السيستاني سيد الشيعة يأمر رعاياه: ((لا تقولوا السنة إخواننا، بل قولوا أنفسنا))؛ لكي يسد الباب على أي تمييز احتمالي يلحق بالسنة، أو يصنفهم كأقلية مذهبية.

والمفارقة أن كثيراً من المشايخ والنخب السنية يعدّون الشيعة بسطاء وساذجون وجبناء؛ ذلك لأنّ الشيعة يتسامحون مع جلاديهم، ولا يعرفون الغدر، ولأنهم ينسون أوجاعهم بسرعة، ويتنازلون لأهلهم السنة عن استحقاقاتهم. ونسي هؤلاء الطائفيون بأن الشيعة في اخلاقياتهم هذه يتأسون بنبيِّهم وأئمتهم، وهو ما خطه لهم أمير المؤمنين بقوله: ((والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس)).

وبالتالي؛ فإن ما حدث في العراق بعد العام 2003 وما يحدث في سوريا اليوم يذكِّر بقول الشاعر: ((ملكنا فكان العفو منّا سجيّة... فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64




للسيد محمود الهاشمي الشاهرودي ثلاثة أشقاء أعدمهم نظام صدام بتهمة الإنتماء لحزب الدعوة الإسلامية في العام ١٩٨٠، وهي التهمة نفسها التي دفعت حكومة البعث لاعتقال السيد الهاشمي في العام ١٩٧٤، وتعريضه لأبشع ألوان التعذيب والتنكيل. وكان البعثيون يهدفون من وراء ذلك الى حمل السيد الهاشمي على الاعتراف بانتمائه لحزب الدعوة، للوصول الى السيد محمد باقر الصدر، لأن الهاشمي كان أقرب تلامذة الصدر اليه.
لقد ظل السيد محمود الهاشمي وفياً لمدرسة الشهيد الصدر، و إبناً باراً لمدينته النجف الأشرف التي ولد فيها في العام ١٩٤٨. وستبقى روحه بانتظار أن تبرّ به أمّه النجف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


في ذكرى رحيله السادسة:
السيد محمود الهاشمي فقيد الحوزتين
علي المؤمن
برحيل آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، فقدت الحوزتان النجفية والقمية أحد فقهائهما البارزين، المتميزين بالسيرة الجهادية الحركية الواعية. فلم يكن الهاشمي مجرد مرجع ديني وأستاذ كبير في الحوزة العلمية، بل كان رجل جهادٍ وسياسة وقيادة وفكر ودولة، أعطى كلّ حياته للإسلام والمذهب، ولم يتأخر عن ملء أي فراغ يجده في مسار العمل العلمي والدعوي، بصرف النظر عن الجغرافية والحدود، ولذلك تنقّل من الحوزة العلمية النجفية، الى معتقلات نظام البعث، الى المهجر، الى الصفوف الأولى في قيادة المعارضة العراقية، الى التدريس والتأليف في الحوزة العلمية القمية، الى أرفع مناصب الدولة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ ليس لأنه يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية؛ بل لأنه يعمل في إطار تكليفه الديني.
كان السيد محمود الهاشمي أحد أهم خريجي مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر النجفية.. علماً ووعياً وحركية وجهاداً وورعاً وأخلاقاً، و يعدّ أحد أضلاع المثلث العلمي لمدرسة السيد الصدر، الى جانب آية الله السيد كاظم الحائري، وآية الله السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، والذين تبوءوا مواقع المرجعية الدينية عن فقاهة رفيعة وعدالة وكفاءة.
وقد حمل الهاشمي هذا الإرث الكبير الى قم مهاجراً في العام ١٩٧٩، فكان - ابتداءً- المبعوث الخاص للسيد محمد باقر الصدر الى الإمام الخميني وقيادة الثورة الاسلامية في ايران، والوكيل المطلق للشهيد الصدر في الخارج.
وحين حطّ السيد الهاشمي رحاله في قم، أصبح أحد اساتذة البحث الخارج البارزين فيها، وكان درسه ونتاجه الفقهي والأصولي والفكري محط أنظار أصحاب الإختصاص. لكنه لم يتأخر عن واجبه في العمل على إسقاط النظام البعثي، فبادر ـ ابتداءً ـ الى إعادة تشكيل جماعة العلماء في النجف الأشرف، كواجهة للعمل الإسلامي المعارض ضد دولة صدام، ثم ساهم في تأسيس وقيادة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، ثم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، وكان أول رئيس للمجلس، ولأربع دورات متتالية.
وفي إطار مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية باستقطاب الشخصيات الإسلامية العلمية والفكرية والسياسية والمهنية العراقية، سواء من ذوي الأصول الإيرانية أو غيرهم؛ فقد كان السيد الهاشمي أحد أبرز من دخلوا بكل ثقل في مؤسسات الدولة الإيرانية بعد العام 1991؛ فتدرج في مناصبها، بدءاً بعضوية مجلس صيانة الدستور، ثم رئاسة السلطة القضائية، ثم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام.
ورغم موجات ردود الفعل التي قادها بعض القوميين الإيرانيين، وآخرون محسوبون على اليسار الديني الاصلاحي الإيراني، ضد تعيين آية الله الهاشمي رئيسا للسلطة القضائية، كونه عراقي الأصل، وينشط في أجواء المعارضة العراقية، إلّا أن الكفاءة العلمية والإدارية والمهنية التي أثبتها، ودعم آية الله الخامنئي له، أغلقت معظم أبواب اللغط ضده. بل طُرح اسمه في وقت لاحق كأبرز مرشح لخلافة آية الله الخامنئي لموقع القيادة.




ومن النماذج المعروفة لتطبيق اتجاه التحول في الاجتهاد؛ الأحكام الشرعية الجديدة لموضوعات سابقة متحولة في قيودها وشرائطها وظروفها، والتي عبّرت عن وعي الفقهاء بعصرهم:
1- جواز بيع الدم وشرائه
2- جواز تشريح الميت
3- جواز بيع أعضاء جسم الإنسان وشرائها، وزرعها في جسم إنسان آخر مع أن انفصالها عن الجسم السابق يحوّلها إلى «ميتة»
4- جواز صناعة التماثيل، باعتبارها لوناً من ألوان الفنون الجميلة
5- جواز لعب الشطرنج
6- جواز تحديد النسل
7- جواز تأميم الأنفال (الغابات، البحار، المعادن وغيرها) وتقنين التصرف بها من قبل الدولة
8- جواز تقنين التصرف بالأراضي، حتى البوار منها، من قبل الدولة.
وغيرها من الموضوعات الخاصة والعامة التي تستلزم صدور أحكام جديدة أو ثانوية أو ولائية. مع الأخذ بالاعتبار الأغراض المحددة لهذه الموضوعات، كأغراض بيع الدم وتشريح الميت وزرع الأعضاء وتحديد النسل وغيرها؛ فهي جائزة ومشروعة بحدود أغراضها، وليست جائزة بالمطلق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64


التحول في الاجتهاد الفقهي
د. علي المؤمن
يتمظهر الوعي الواقعي والعصري للفقيه بموضوعات الأحكام الفقهية في ثلاث حالات غالباً:
1 - فهم الموضوعات المتحولة والمتغيرة، الفردية والعامة، والتي كانت لها أحكام سابقة، وفهم طبيعة التحول والتغيير، وينبغي أن تكون لها أحكام جديدة.
2 - فهم موضوعات الحوادث الجديدة الواقعة، وعموم المستجدات في مختلف المجالات، الفردية والعامة؛ بهدف إصدار الأحكام الشرعية الخاصة بكل موضوع وواقعة.
3- تشخيص المصالح والمفاسد المتعلقة بالمجتمع، وإصدار الأحكام الشرعية العامة الموافقة لها، بما في ذلك الأحكام الثانوية والولائية، في إطار قواعد فقه مقاصد الشريعة وفقه الأولويات.
وربما لا تتحقق مقاصد الشريعة في كثير من القواعد الشرعية الموروثة ومخرجاتها، ولا سيما في الموضوعات العامة التي تعرضت لتحولات زمانية ومكانية، أو تغيرت الظروف التي أدّت إلى تغير أدلة أحكامها، الأمر الذي يستوجب استنباط حكم جديد مناسب. ويؤسس الإمام الخميني لهذا الاتجاه الاجتهادي بقوله: «القضية التي كان لها حكم معين في السابق، يمكن أن يكون لها في الظاهر حكم جديد، فيما يتعلق بالعلاقات التي تحكم السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظام ما، بمعنى أن نتيجة المعرفة الدقيقة في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية تحوّل الموضوع الأول - الذي لم يتغير في الظاهر - إلى موضوع يستلزم حكماً جديداً بالضرورة».
هذا الاتجاه الاجتهادي الذي أطلق عليه بعض الفقهاء «التحول في الاجتهاد» يقوم على أساس تغيّر الزمان والمكان والظروف في شتى مجالات الحياة، والذي يستتبع حدوث موضوعات جديدة، أو تغيّراً في أصل الموضوعات أو خواصها الداخلية والخارجية، كلّها أو بعضها. والنتيجة تغيّر أدلتها الشرعية، أو تغيّر فهم الفقيه للموضوعات السابقة، أو فهم الفقيه للدليل. وبكلمة أخرى: عدم البقاء على حكم موضوع معيّن عند تغير بعض خواصه، أو تغير الظرف الذي أدّى إلى ذلك الحكم، ولا سيما في الموارد التي ليس فيها نص.
فالمتغير هنا ليس حكم الشرع، بل موضوع الحكم؛ لأن الموضوع يتقوم بمجموعة القيود المأخوذة فيه، فإذا انتفت كلها أو بعضها انتفى الموضوع؛ لأن: «المقيد عدمٌ عند عدم قيده» كما قرر ذلك علماء أصول الفقه في بحث قاعدة القيود. وبذلك يتبدل الحكم تبعاً لتبدل الموضوع. فمرور الزمان واختلاف المكان وتغير الأوضاع، وتجدد التقاليد والأعراف، لا تغير الأحكام الشرعية؛ على اعتبار أن التحول في الاجتهاد يؤدي إلى عرض الجديد في الحياة على الفقه، ثم يخضعه للشريعة، وليس العكس، أي أنه ليس تغييراً في الأحكام تكون نتيجته عرض الفقه على الجديد في الحياة، ثم إخضاع الشريعة للحياة، أو بكلمة أخرى، «تفصيل الشريعة على مقاس العصر»، وهي القاعدة التي ترفضها مقاصد الدين عموماً.
ومما لا شك فيه أن وعي التحولات والمتغيرات واكتشاف الموضوعات الجديدة، ثم ترتيب الأحكام الشرعية عليها، هي مهمة الفقيه حصراً، وليست مهمة المثقـف أو الأكاديمي، مهما بلغ مستواه المعرفي؛ لأن تعيين موقف الشريعة من الموضوعات تدخل في تعبّر عن فهم فقهي وأصولي بالغ التخصص.


🔴 أوقح معارضي الحكم في العراق وأكثرهم سوءاً، هم الذين كانوا في مناصب حكومية، وسرقوا وأفسدوا، ثم انقلبوا على شركائهم في الحكم من أجل المصالح الشخصية، وأصبحوا فيما بعد من وجوه المعارضة، وركبوا موجة التظاهرات بعد العام 2019، وأخذوا يتحدثون عن فساد السلطة وفشلها، وعن ضرورة إسقاطها، وعن الوطن والوطنية.
والحال؛ أن هؤلاء هم أكثر من سرق الوطن وأفسد فيه. وتشهد على ذلك حياة البذخ والترف والتجوال والبيوت الفارهة والسيارات الحديثة التي يعيشونها، وقد كان أغلبهم حفاة قبل استلامهم المناصب.
ينبغي على المعارضة (الوطنية) الحقيقية محاربة هؤلاء الانتهازيين الفاسدين، قبل محاربة السلطة.


ضرورة الترويج لفكر الدكتور علي المؤمن
د. أمجد الفاضل
(باحث وأكاديمي عراقي، أستاذ في جامعة كربلاء)
منذ مدة ليست بالقصيرة وأنا اقرأ للدكتور علي المؤمن، وألاحق أفكاره.. أعيدها ـ كعادتي حين أقرأ ـ إلى أُصولها الفلسفية، متتبعاً أنساغها ومورثاتها، حتى أوائل أهل الفكر وآبائه؛ فوجدت أن له مزايا منهجية، أُجمل ما أُجمله منها كما يأتي، عسى أن تتاح لي فرصة الحديث المفصّل عن الكاتب وعن نتاجه الفكري في مناسبة أُخرى:
1ـ يتخذ الدكتور علي المؤمن من الإنسان غاية ووسيلة فيما يكتب، لذلك؛ فهو يحاول أن لا يحمِّل الإنسان مسؤولية كل شيء من دون أن يكسب شيئاً، كما هو شأن الفلسفات والأفكار المتشائمة والانهزامية، التي لا تلد إلّا اليأس والإحباط وانهدام البناء الوجودي للإنسان.
2 ـ ينطلق من حيثيات المجتمع الذي يحاول معالجة مشاكله، ولا يفرض مسبّقات فكرية يقحمها في الموضوع، ربما تكون مشكلة مضافة فيما لو طبقت فعلاً.
3 ـ يحاول المقاربة المعرفية في الإفادة من التجارب المغايرة، دون المقاربات السياسية السطحية الفاشلة، كما نجد في كتاباته عن الديمقراطية ومحاولة التأصيل الإسلامي.
4 ـ يعتمد مجسّاته الخاصة في تحسّس الواقع وملامسته عن قرب، لتكون المعلومات المتاحة للتحليل أقرب إلى الصدق، مما يظهر النتائج ذات أهمية معينة.
5 ـ إن تواضع الرجل وحضوره الثقافي، قد رسّخ قبوله بالرأي الآخر وإبداء الملاحظات على آرائه، ونجد له تعديلات مهمة على آرائه تبعاً لذلك، وهذا يحسب له، ويمثل حالة من الوعي مطلوبة للمفكرين وحملة الأقلام في هذه الأُمّة المعطاء.
6 ـ إن هذه الملاحظة الأخيرة تشجعني للطلب منه التركيز على الجانب المعرفي للإنسان وعلاقته ببناء مؤسسات الدولة؛ فإن تجاهل هذا الحقل المسكوت عنه، يعد أحد أسباب فشل تلك المؤسسات في وقتنا المعاصر، والدكتور المؤمن يمتلك القدرة على تفعيله.
7 ـ وأضيف أفقاً آخر لمقترحي هو علم المستقبليات في أفق المأسسة المعرفية للعلاقة بين المجتمع والسلطة.
أعتقد جازماً أن الدكتور علي المؤمن يستحق التكريم، ولعل أفضل تكريم له أن يعطى فرصة إنشاء فريق عمل للدراسات، لتطبيق أفكاره، بتمويل حكومي مناسب، مع الحرية المطلوبة لكتابة القضايا المعرفية المهمة للدولة العراقية، وارتباطها بمأسسة المجتمع على أسس حضارية متينة، وكم هو مشرق الصباح الذي يكرَّم فيه مبدع عراقي في حضور مهم للنخب الفكرية والثقافية والأكاديمية؛ فإن هذا بحد ذاته يعد انتصاراً للإنسان على أهم مشكلة من مشكلات العصر، وهي الخوف على المثقف النخبوي من الانسحاق تحت عجلة الهامشي والطارئ واليومي؛ فإن ذلك بات من أخطر الأعراض الجانبية للفوضى (النفّاقة) التي يعيشها عالمنا اليوم.


🔴 منذ أكثر من ثلاثة عقود، وأنا أُقدم التهاني سنوياً، لأصدقائي المسيحيين العراقيين واللبنانيين والسوريين وغير العرب، عبر الاتصال المباشر أو الرسائل، بمناسبة ذكرى ميلاد سيدنا المسيح، وأقوم بذلك وفق ما تمليه عليّ مشاعر المحبة والتعاطف التي أكنها لكل الناس، وخاصة أتباع الأديان، ولست نادماً على ذلك.
ولكن ما ظلّ يلفت نظري ويسيئني، أن هؤلاء الأصدقاء لم يقابلوني يوماً بالمثل؛ إذ لم يبادروا ولا مرة بتهنئتي بأعيادنا أو تعزيتي بمناسباتنا الحزينة.
لذلك؛ قررت ابتداءً من هذه السنة أن اقتصر التهنئة على المسلمين حصراً بميلاد نبينا عيسى، أُسوة بالتهاني بمواليد الرسول والأئمة، وأعياد المسلمين.
كل عام وأنتم بخير بذكرى ميلاد نبينا عيسى بن مريم.
علي المؤمن


ويبقى سؤال مهم عندي للغاية: لماذا غلبت عرقنة الشيعة على تشيع العراق؟. على أن هذا واضح جداً في بيانات أمير المؤمنين (ع) في الكوفة وأحاديث من تبعه من الأئمة (ع)، وا يؤدي بنا بدوره إلى سؤال آخر: ماذا لو غلب التشيع على العرقنة؟ هل كنا سنجد طباعاً تتسم بالطاعة للمعصوم والنصرة له على المدى الاجتماعي الغالب، بدلاً من العصيان والخذلان؟، أي هل كان ممكناً أن واقعة الطف لم تكن ستقع كما هي، لو تشيع العراقيون؟ ولكان النصر حليفاً للإمام الحسين (ع)؟ وأنها وقعت بدموية صارخة ضد أهل بيت النبي (ص) بسبب تعرق الشيعة؟
أهل التأريخ؛ يدور معظمهم في فلك الدورة التاريخية (التاريخ يعيد نفسه)، ولكني أبحث عن الدائرة المعرفية؛ فالمعرفة هي التي تنتج حركة التأريخ؛ إذ يقول أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد: ((ما من حركة إلّا وأنت محتاج معها إلى معرفة.. خذ عنّا تكن منّا))، ما يعني أن حركة التأريخ الدائرية سببها المعرفة الدائرية.. هكذا نجد تفسير التأريخ عند أمير المؤمنين (ع)، وأن عقائد فاسدة تنتج أكثر من معاوية وأكثر من حجاج إذا تكررت؛ فـ ((كيفما تكونوا يولَّ عليكم))، ولذلك أعتقد أن العقيدة إذا كانت سليمة يمكن تصويب حركة التأريخ. وهكذا أقرأ الظهور الشريف: ((أين هادم أبنية الشرك والنفاق؟))؛ فهو يهدم العقائد والمعارف المنحرفة ليشيد بدلا منها صالحة. ولذا فإني أميل إلى ضرورة تشييع العراق كاستراتيجية ضرورة وجودية للعراق، والتقليل من أثر عرقنة التشيع.
ولمن يقرأ كتابات الدكتور علي المؤمن سيجد بسطاً شافياً لطبائع الاجتماع العراقي التي غلبت على التشيع، وحوّلته عن مساره من النصرة إلى الخذلان، كما تشهد بذلك بيانات أهل البيت (ع) ووقائع التأريخ. وعلى أية حال فهذا ما سيفعله الإمام المنتظر (ع)، وكل حركة مخالفة لحركته مصيرها الهدم.


رؤية الدكتور علي المؤمن في التشابك بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي
د. أمجد الفاضل
(باحث وأكاديمي عراقي، أستاذ في جامعة كربلاء)
يقدِّم الدكتور علي المؤمن تصوره عن الاجتماع الديني الشيعي، ولا سيّما كتابه «الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات المأسسة» وغيره من الدراسات والمقالات، وهو بذلك يفتتح منطقةً بكراً من البحث الاجتماعي، على قدر ما هي مهمة وغنية بالمعلومات، هي كذلك صعبة ومعقدة. وهنا لأذكر مثالاً على تناوله قضية خطيرة تتعلق بكشف النقاب عن المهيمن الاجتماعي الديني على الواقع العراقي، في تفصيل القول والفصل بين تشيّع العراق وتعرّق الشيعة، الأمر الذي يقود الدكتور المؤمن إلى تشخيص خطير، تناوله فيما وضع له عنوان: «الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي: من الذي طبع الآخر بطابعه؟»، وقد وجدتها محاولة مهمة جداً، وعلى غاية من الخطورة، لأنها تحلل الواقع الاجتماعي العراقي والشيعي بطريقة علمية ذكية، وتحل كثيراً من الألغاز المعقدة في تجمعات أهل العراق؛ فمن ذلك، معادلة التضاد بين العراقي والمستعرَق، وهي معادلة قد أرجع للكتابة عنها في مناسبة أُخرى لأهميتها، ولكني فضّلت أن أركز الحديث في معادلة التشاكل بين تشيع العراق وتعرق الشيعة.
ونجد أن الدكتور المؤمن قد استقرأ الطبيعتين الاجتماعيتين للعراقيين عبر التقاط أهم أسرار حركتهم الاجتماعية منذ القدم وعبر العصور، مما هو متوافر في المصادر، وللشيعة منذ نشأة التشيع على عهد رسول الله (ص)، وإذ يقرر الدكتور المؤمن أنه: ((في العراق، وتحديداً في الكوفة وبغداد والنجف؛ نشأ النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي))؛ فإنه ينتقل من ذلك إلى الكشف عن أجوبة ((كيف انعكست الطبيعة العراقية على السلوك الشيعي العام؟ وكيف كان التأثير والتأثر بين التشيع ومسارات نشوء الشيعة واجتماعهم؟ ومن الذي طبع الآخر بطابعه بشكل أكبر؟))، ويتضح من كلامه الدقيق أنه (( كانت التأثيرات الاجتماعية العراقية ومناخاتها في السلوك الشيعي أكبر من تأثير التشيع في طبيعة المجتمع العراقي))، مقرراً بوضوح أن لطبيعة التشيع أثرها في المجتمع من خلال خصائص مدرسة التشيع المعروفة عبر السنين، والتي رافقت تشكله، وأن ((سر التماهي والتشابك والتفاعل بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي، لا يتعلق بالتشيع والشيعة وحسب، بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي البيئة السومرية البابلية للفرات الأوسط والجنوب، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض والمقموع)) كما يقول الدكتور علي المؤمن.
ولا يكتفي الدكتور المؤمن في تقرير أثر البيئة، بل يوضح ما يقصده من البيئة، خارجاً عن الجغرافيا والأنواء الجوية والتضاريس والمناخ، ويواصل حديثه بهذا الصدد ليقول: ((فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني))، وهذا عنده ما فتح المجال ((لتأثير البيئة العراقية في المسار الشيعي، وبلورتها طابع الرفض والمعارضة فيه)). وتكمن الخطورة في هذا التشخيص في أن التشيع صار مطواعاً للطبيعة المتقلبة للعراقيين، ولم ينضبط العراقيون على ضابطة التشيع الثابتة المسار خلف إمامهم الذي يفترض أنهم يشايعونه، وهذا ما أجده على مستويي التنظير والتطبيق؛ إذ ((أن الاجتماع الديني الشيعي، بصيغه المحلية والعالمية، هو نتاج تفاعل البيئة العراقية الأصلية واجتماعها وسلوكياتها، مع مسارات نشوء التشيع)).


🔴 الحركات الإسلامية الشيعية العراقية فاشلة إعلامياً، ومتخلفة في الدفاع عن نفسها، ومعاقة في اختراق المؤسسات الثقافية الرسمية والمدنية، لكنها متجذرة اجتماعياً وقوية سياسياً وفاعلة ميدانياً ورصينة نظرياً.
على العكس من الجماعات العلمانية؛ فهي متألقة إعلامياً وناجحة في التسويق لسلوكياتها، ومهيمنة على المشهد الثقافي العراقي، لكنها مفقودة اجتماعياً وضئيلة سياسياً ومتهافتة نظرياً.
علي المؤمن

20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.