ماذا قدّم شيعة العراق لسنّته بعد 2003؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن
ما يحدث في سورية اليوم من حملات تنكيل وقمع وإقصاء وقتل وثأر ممنهجة ضد علويي سوريا وشيعتها؛ بتهمة أنهم كانوا حاضنة نظام الأسد، يدفع للحديث عن تعامل الشيعة مع أهلهم السنة في العراق بعد العام 2003، والذين كانوا حاضنة نظام البعث.
ففي حين بادر الحكم الطائفي الجديد في سوريا إلى تصنيف العلويين والشيعة كأقلية طائفية، حالهم حال المسيحيين، بهدف عزلهم دينياً وسياسياً واجتماعياً عن الأغلبية السنية، ومنعهم مستقبلاً من الحصول على مناصب عليا في الدولة، رغم أن نسبتهم لا تقل عن 20% من عدد سكان سوريا؛ فإن حكم الشيعة التعددي في العراق منح السنّة العرب ثلث القرار السياسي في الدولة وثلث مناصبها، رغم أن نسبتهم السكانية لا تزيد عن 16% من نفوس العراق، بينما تبلغ نسبة الشيعة 65%. ولو كانت نسبة السنة 65% من عدد سكان العراق، والشيعة 16%، لما أعطى السنة للشيعة حتى منصب مدير بلدية في مدينة نائية.
ولا يستطيع أحد نكران ما فعله شيعة العراق من حقنٍ لدماء أهلهم السنة العرب ورفض التعرض لهم بعد سقوط نظام البعث الذي كان يحتمي بحاضنته السنية العربية، حين منع الشيعة أي لون من ألوان الانتقام والثأر ضد السنة، بفعل فتاوى مراجع الشيعة وفقهائهم، وبفعل انتمائهم لمدرسة آل البيت الرحيمة المتسامحة، وارتضوا بالمصالحة، والعفو عما سلف، وإدارة الظهر الى الماضي الأسود، وذلك رغم كل الأسى والحزن والجراحات الغائرة في أجسادهم.
لكن السنّة في المقابل، لم يكلِّفوا أنفسهم حتى الاعتذار للشيعة عن سنوات طويلة من الطائفية والعنصرية، والقمع والقتل والتشريد وانتهاك الأعراض للنظام الذي ينتمي إليهم، كما لم يتقدموا للشيعة بالشكر، على قرارات العفو المتوالية التي أصدرتها حكومة الشيعة بعد العام 2003، دون شروط.
ولكن بدل الاعتذار والشكر؛ تحوّل أكثر مناطق السنة إلى حواضن لانطلاق حملات ذبح الشيعة وتفجير أسواقهم ومساجدهم و تدمير مناطقهم. كما لا يزال كثير منهم يستفز الشيعة ويحرق قلوبهم، عندما يتعمد الإشادة بصدام والبعث، ويرفع علمه وشعاراته، أو يرفع صور ذباحي الشيعة وأعلامهم، دون أدنى مراعاة لمشاعر ملايين الشيعة الذين حصد صدام والبعث رقاب أبنائهم ودفنهم أحياء في المقابر الجماعية، وشرّدهم، ومزق مجتمعاتهم قبل العام 2003، أو ذبحتهم الجماعات الطائفية والتكفيرية بعد العام 2003.
وإذا كان بعض السنة ينكر ذلك أيضاً؛ فإنه لا يستطيع أن ينكر أن الشيعة دافعوا عن أهلهم السنة العرب بدمائهم بعد العام 2014، وحموهم من منظمات الإرهاب والتكفير التي جلبها بعضهم واحتضنها، بهدف ضرب الشيعة واحتلال بغداد وإعادة الحكم الطائفي العنصري، وخاصة بعد أن انقلبت هذه المنظمات على السنة بقدرة قادر؛ فبادر الشيعة إلى التضحية بأنفسهم من أجل حفظ أرواح أهلهم السنة وحماية أعراضهم، وهي أعراض الشيعة أيضاً، ثم أنقذوهم وحرروا مدنهم، وأعادوهم الى بيوتهم، وساعدوهم بكل شيء، دون أن يمنّ عليهم الشيعة بما فعلوه لهم.
ولكن في المقابل؛ قامت بعض عشائر الغربية بذبح شباب الشيعة في (سبايكر) وفي عشرات (السبايكرات) الأخرى، وانتمى كثير من شبابها الى (القاعدة) و(داعش)، وفجروا وذبحوا وخربوا، كما ساعدوا في تمكين (داعش) الإرهابي التكفيري من احتلال مدنهم، وهم الذين أطلقوا على أنفسهم (ثوار العشائر)، وهو للأسف موروث دموي إقصائي ينبغي أن يتخلصوا منه، ليرتاحوا ويريحوا.
وبينما لا يكف بعض مشايخ السنة عن وصف الشيعة بالكفر والشرك والمجوسية والصفوية؛ فإن مشايخ الشيعة ومراجعهم يأمرون الشيعة بالتآخي مع أهل السنة، وبمحبتهم والوحدة معهم، بل أن السيستاني سيد الشيعة يأمر رعاياه: ((لا تقولوا السنة إخواننا، بل قولوا أنفسنا))؛ لكي يسد الباب على أي تمييز احتمالي يلحق بالسنة، أو يصنفهم كأقلية مذهبية.
والمفارقة أن كثيراً من المشايخ والنخب السنية يعدّون الشيعة بسطاء وساذجون وجبناء؛ ذلك لأنّ الشيعة يتسامحون مع جلاديهم، ولا يعرفون الغدر، ولأنهم ينسون أوجاعهم بسرعة، ويتنازلون لأهلهم السنة عن استحقاقاتهم. ونسي هؤلاء الطائفيون بأن الشيعة في اخلاقياتهم هذه يتأسون بنبيِّهم وأئمتهم، وهو ما خطه لهم أمير المؤمنين بقوله: ((والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر كنت من أدهى الناس)).
وبالتالي؛ فإن ما حدث في العراق بعد العام 2003 وما يحدث في سوريا اليوم يذكِّر بقول الشاعر: ((ملكنا فكان العفو منّا سجيّة... فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام:
https://t.me/alialmomen64