وبغض النظر عن مخالفة بعضهم لما حواه هذا السِفر القيم؛ نتيجة للتقاطع البنيوي، سواء في المنهجية أو النتائج؛ فهو محط نظر الباحثين في هذا الشأن؛ لدسامة تأصيله وإجاباته عن إثارات قديمة جديدة، وتقعيده لقواعد تحل كثيراً من المعضلات التي قد تعترض التطبيق والممارسة على أرض الواقع؛ إذ لابد من توافق بنسبة عالية بين النظرية والتطبيق لنجاح أي مشروع.
تفوّق المشروع الاستنهاضي للدكتور علي المؤمن:
بعد تعرّفي على المنظومة الفكرية للدكتور علي المؤمن، من خلال ما جاد به فكره المبدع، واقتناصي لكل جديده؛ صرت أعكف على قراءته قراءة تأملية، وأعقد مقارنات فكرية بينه وبين أقرانه والبارزين على الساحة الفكرية اليوم، وخاصة بين مشروعه الاستنهاضي للطائفة الشيعية على وجه الأرض عموماً، والعراق خصوصاً، والذي فاق نصف قرن قد أخذ منه كل مأخذ، وبين بعض المشاريع التفكيكية التي تفتقد إلى خارطة طريق، أعني بوصلةً تحقق تقدماً وامتيازاً يقارع الآخر، سواء كان خصماً إسلامياً أو ندّاً فكرياً علمانياً أو ليبرالياً.
وقد أوصلتني تلك المقارنة إلى حقيقة مفادها: تفوّق مشروع حضرة الأستاذ علي المؤمن على مشاريع نظرائه، بمن فيهم الشيعة؛ بل أن بعض هذه المشاريع كارثيٌّ، وسوف يُدخل الشيعة في نفق مظلم فيما لو نجح على المدى البعيد؛ لأنه انفتاحي لأبعد الحدود أو منفلت وذائب في الفكر الليبرالي، أو ما يُطلق عليه، تخفيفاً من الاستيحاش: (العلمانية المؤمنة).
ولا يخالجني الشك بأن الدكتور المؤمن يدّعي كمال مشروعه الاستنهاضي؛ بل أن وظيفة المفكر والباحث، وطبيعته، هو الاستدراك والحذف والإضافة، كلما اشتعل مصباح عقله أو لاح له أفق من حقيقة جديدة، مطارداً للكمال، وهو ما أخاله فيه حين تأليفه؛ كي يخرج بهذا الابتكار في زمن الغيبة الكبرى لصاحب الزمان (عليه السلام)، وهو الواعي بالتأكيد لما تحمله دفتي الكتاب من مواضيع سوف تفتح عليه النار، ولكنه، وبحسب منظومته الأخلاقية وهو المعهود منه، لم يخضع لانفعالاته، وهي التي تكبس على المرء في الغالب، مهما أوتي من أعصاب حديدية وتربية دينية في هكذا مواضيع، ويخرج عن اللياقة الأدبية مع المختلف الذي ربما استعمل العنف اللفظي، وأكمل مشواره التنظيري من دون حاجة للانجرار وراء التراشق وقص الجناح الذي يعتبر مقصلة المفكرين، وموتاً سريرياً للمشروع، حين موت صاحبه؛ جراء الإجهاز عليه من قبل الإقصائيين الذين يرقصون فرحاً لوقوع المفكر أو الباحث في فخ التسقيط من القواعد المؤتمرة بفعل الأمر من الأضداد.
ولسان حال الدكتور علي المؤمن، هو منطق القرآن الكريم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) في مسألة النزال الفكري، أي قارعني الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، واختلف معي بأدب، ولا تصادرني؛ فالمعارك العلمية موطنها البحث العلمي الموضوعي الرصين، لا لغة محاكمة النوايا والاستقواء بالقطيع؛ فالمطارحات الفكرية موائدَ تُنثر على سفرتها الحقائق العلمية. والحقيقة ليست حكراً على أحد؛ بل هي بنت البحث. هكذا تعلمت.. أتوافق معك مرة وأتقاطع أخرى ولا ضير، أحترم رأيك وليس بالضرورة التسليم به، وفرقٌ كبيرٌ بين العاطفة والبحث عن الحقيقة. هكذا عرفتُ الدكتور علي المؤمن من قعر فكره، من خلال قراءات متأنية ومقارنة بخطوط نافذة في الساحة الفكرية اليوم، لها مريدوها ومروجوها.
ولعلي أُدرك عمق ما يصبو إليه في مشروعه الاستنهاضي، وخلاصته مسابقة الزمن في الجعل من شيعة العالم في مركزٍ متقدم، في زمنٍ تُقارع فيه الأمم صراعاً من أجل البقاء، مع ما يمتلكه الشيعة من مقومات النهوض ككيان واحد، مع تباعد جغرافيتهم واختلاف قومياتهم، وتذليل عقبات ذلك النهوض؛ بالرغم من تكالب الأمم عليهم، واستشرافه لمستقبلهم كقوة ضاربة في عصر الظهور المبارك. وما حملات التسقيط التي تناله، وتوصيفه بالطائفية؛ إلّا ضريبةً لذلك الفكر العتيد.
علي المؤمن بين علي شريعتي وعلي الوردي
لقد شدّني سحر بيان الدكتور علي المؤمن في عقده مقارنة بحثية حول شخصيتين ملأت عالم التشيع ضجيجاً ولما تزل، وكلاهما من مدرسة علم الاجتماع الوضعي، أحداهما: الدكتور علي شريعتي، وثانيتهما: الدكتور علي الوردي، وتأثيرهما في صنع جيل ثقافي متمرد. أقول: متمرد لما لهذه المفردة من دلالات يعلمها الغاطسون في قعر حقبة قلقة من الأحداث التي ألمّت بالمحيط العربي والإسلامي معا، وتداخل فيها الديني الكلاسيكي بالثقافي الحداثوي، وإن لم تكن هذه المفردة شائعة وقتذاك؛ بل تداخل الديني الصرف بالثوري التنظيري، وتخندق الأتباع والمريدون واصطفافاتهم ضد بعضهم البعض.
تفوّق المشروع الاستنهاضي للدكتور علي المؤمن:
بعد تعرّفي على المنظومة الفكرية للدكتور علي المؤمن، من خلال ما جاد به فكره المبدع، واقتناصي لكل جديده؛ صرت أعكف على قراءته قراءة تأملية، وأعقد مقارنات فكرية بينه وبين أقرانه والبارزين على الساحة الفكرية اليوم، وخاصة بين مشروعه الاستنهاضي للطائفة الشيعية على وجه الأرض عموماً، والعراق خصوصاً، والذي فاق نصف قرن قد أخذ منه كل مأخذ، وبين بعض المشاريع التفكيكية التي تفتقد إلى خارطة طريق، أعني بوصلةً تحقق تقدماً وامتيازاً يقارع الآخر، سواء كان خصماً إسلامياً أو ندّاً فكرياً علمانياً أو ليبرالياً.
وقد أوصلتني تلك المقارنة إلى حقيقة مفادها: تفوّق مشروع حضرة الأستاذ علي المؤمن على مشاريع نظرائه، بمن فيهم الشيعة؛ بل أن بعض هذه المشاريع كارثيٌّ، وسوف يُدخل الشيعة في نفق مظلم فيما لو نجح على المدى البعيد؛ لأنه انفتاحي لأبعد الحدود أو منفلت وذائب في الفكر الليبرالي، أو ما يُطلق عليه، تخفيفاً من الاستيحاش: (العلمانية المؤمنة).
ولا يخالجني الشك بأن الدكتور المؤمن يدّعي كمال مشروعه الاستنهاضي؛ بل أن وظيفة المفكر والباحث، وطبيعته، هو الاستدراك والحذف والإضافة، كلما اشتعل مصباح عقله أو لاح له أفق من حقيقة جديدة، مطارداً للكمال، وهو ما أخاله فيه حين تأليفه؛ كي يخرج بهذا الابتكار في زمن الغيبة الكبرى لصاحب الزمان (عليه السلام)، وهو الواعي بالتأكيد لما تحمله دفتي الكتاب من مواضيع سوف تفتح عليه النار، ولكنه، وبحسب منظومته الأخلاقية وهو المعهود منه، لم يخضع لانفعالاته، وهي التي تكبس على المرء في الغالب، مهما أوتي من أعصاب حديدية وتربية دينية في هكذا مواضيع، ويخرج عن اللياقة الأدبية مع المختلف الذي ربما استعمل العنف اللفظي، وأكمل مشواره التنظيري من دون حاجة للانجرار وراء التراشق وقص الجناح الذي يعتبر مقصلة المفكرين، وموتاً سريرياً للمشروع، حين موت صاحبه؛ جراء الإجهاز عليه من قبل الإقصائيين الذين يرقصون فرحاً لوقوع المفكر أو الباحث في فخ التسقيط من القواعد المؤتمرة بفعل الأمر من الأضداد.
ولسان حال الدكتور علي المؤمن، هو منطق القرآن الكريم: ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)) في مسألة النزال الفكري، أي قارعني الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، واختلف معي بأدب، ولا تصادرني؛ فالمعارك العلمية موطنها البحث العلمي الموضوعي الرصين، لا لغة محاكمة النوايا والاستقواء بالقطيع؛ فالمطارحات الفكرية موائدَ تُنثر على سفرتها الحقائق العلمية. والحقيقة ليست حكراً على أحد؛ بل هي بنت البحث. هكذا تعلمت.. أتوافق معك مرة وأتقاطع أخرى ولا ضير، أحترم رأيك وليس بالضرورة التسليم به، وفرقٌ كبيرٌ بين العاطفة والبحث عن الحقيقة. هكذا عرفتُ الدكتور علي المؤمن من قعر فكره، من خلال قراءات متأنية ومقارنة بخطوط نافذة في الساحة الفكرية اليوم، لها مريدوها ومروجوها.
ولعلي أُدرك عمق ما يصبو إليه في مشروعه الاستنهاضي، وخلاصته مسابقة الزمن في الجعل من شيعة العالم في مركزٍ متقدم، في زمنٍ تُقارع فيه الأمم صراعاً من أجل البقاء، مع ما يمتلكه الشيعة من مقومات النهوض ككيان واحد، مع تباعد جغرافيتهم واختلاف قومياتهم، وتذليل عقبات ذلك النهوض؛ بالرغم من تكالب الأمم عليهم، واستشرافه لمستقبلهم كقوة ضاربة في عصر الظهور المبارك. وما حملات التسقيط التي تناله، وتوصيفه بالطائفية؛ إلّا ضريبةً لذلك الفكر العتيد.
علي المؤمن بين علي شريعتي وعلي الوردي
لقد شدّني سحر بيان الدكتور علي المؤمن في عقده مقارنة بحثية حول شخصيتين ملأت عالم التشيع ضجيجاً ولما تزل، وكلاهما من مدرسة علم الاجتماع الوضعي، أحداهما: الدكتور علي شريعتي، وثانيتهما: الدكتور علي الوردي، وتأثيرهما في صنع جيل ثقافي متمرد. أقول: متمرد لما لهذه المفردة من دلالات يعلمها الغاطسون في قعر حقبة قلقة من الأحداث التي ألمّت بالمحيط العربي والإسلامي معا، وتداخل فيها الديني الكلاسيكي بالثقافي الحداثوي، وإن لم تكن هذه المفردة شائعة وقتذاك؛ بل تداخل الديني الصرف بالثوري التنظيري، وتخندق الأتباع والمريدون واصطفافاتهم ضد بعضهم البعض.