طريقة العلم على عباده وهم في أشد الحاجة إليه، وقد كان من نتيجته ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه» (7).انتهى
فإن ترك طريق السّلف في هذا الباب واتّباع كل ناعق مرتاب ما يزيد المرء إلا بُعدا وشكا وجهلا ودركا وإن استطال في علم الكلام والمنطق و تشرب قلبه وتعمق يخشى عليه أن يتزندق.
قال شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل" : وهكذا كل من أمعن في معرفة هذه الكلاميات والفلسفيات التي تعارض بها النصوص من غير معرفة تامة بالنصوص ولوازمها وكمال المعرفة بما فيها وبالأقوال التي تنافيها، فإنه لا يصل إلي يقين يطمئن إليه، وإنما تفيده الشك والحيرة. (8)انتهى
وقال ابن باديس «قلوبنا معرضة لخطرات الوسواس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم، ومماحكات المتكلمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلا شكا، وما ازدادت قلوبهم إلا مرضا، حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن وأدلة القرآن، فشفوا بعدما كادوا، كإمام الحرمين والفخر الرازي»(9) انتهى.
وعلى ذكر التراجعات فإن الكثير ممن مشى على هذا الطريق أدرك بعد حين خرابها وبان له خداع سرابها وسُكر شرابها فرجع وتاب وإلى ربه أناب، وقد ساق محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان" تراجعات لأشهر الأعلام الذين خاضوا في علم الكلام.
فقال رحمه الله وهو ينقل كلام أبي المعالي الجويني في بيان تراجعه : (قال الجوينيّ) : وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ لِلَّهِ بِهِ عَقَدًا - اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعَ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - ﷺ - عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُشْتَغِلُونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ.
فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جُهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ بِحَقٍّ.
فَعَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنَزُّهَ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ.
وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ، أَعْنِي الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْبُرْهَانَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ وَحْدَهُ يَنْكَشِفُ بِتَسْلِيمِ أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - هُوَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِصَلَاحِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَلَّغَ كُلَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحِ الْعِبَادِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا. الْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ أَعْرَفَ النَّاسِ بِمَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ وَأَحْرَاهُمْ بِالْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِهِ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ- الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ. وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي طُولِ عَصْرِهِمْ إِلَى آخِرِ أَعْمَارِهِمْ مَا دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنَ الدِّينِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ لَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَدَعَوْا إِلَيْهِ أَوْلَادَهُمْ وَأَهْلَهُمْ.
فإن ترك طريق السّلف في هذا الباب واتّباع كل ناعق مرتاب ما يزيد المرء إلا بُعدا وشكا وجهلا ودركا وإن استطال في علم الكلام والمنطق و تشرب قلبه وتعمق يخشى عليه أن يتزندق.
قال شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل" : وهكذا كل من أمعن في معرفة هذه الكلاميات والفلسفيات التي تعارض بها النصوص من غير معرفة تامة بالنصوص ولوازمها وكمال المعرفة بما فيها وبالأقوال التي تنافيها، فإنه لا يصل إلي يقين يطمئن إليه، وإنما تفيده الشك والحيرة. (8)انتهى
وقال ابن باديس «قلوبنا معرضة لخطرات الوسواس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبتها ويدفع عنها الاضطراب ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قوم مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم، ومماحكات المتكلمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلا شكا، وما ازدادت قلوبهم إلا مرضا، حتى رجع كثير منهم في أواخر أيامهم إلى عقائد القرآن وأدلة القرآن، فشفوا بعدما كادوا، كإمام الحرمين والفخر الرازي»(9) انتهى.
وعلى ذكر التراجعات فإن الكثير ممن مشى على هذا الطريق أدرك بعد حين خرابها وبان له خداع سرابها وسُكر شرابها فرجع وتاب وإلى ربه أناب، وقد ساق محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان" تراجعات لأشهر الأعلام الذين خاضوا في علم الكلام.
فقال رحمه الله وهو ينقل كلام أبي المعالي الجويني في بيان تراجعه : (قال الجوينيّ) : وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ لِلَّهِ بِهِ عَقَدًا - اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعَ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - ﷺ - عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُشْتَغِلُونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ.
فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جُهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ بِحَقٍّ.
فَعَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنَزُّهَ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ.
وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ، أَعْنِي الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْبُرْهَانَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ وَحْدَهُ يَنْكَشِفُ بِتَسْلِيمِ أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - هُوَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِصَلَاحِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَلَّغَ كُلَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحِ الْعِبَادِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا. الْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ أَعْرَفَ النَّاسِ بِمَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ وَأَحْرَاهُمْ بِالْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِهِ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ- الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ. وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي طُولِ عَصْرِهِمْ إِلَى آخِرِ أَعْمَارِهِمْ مَا دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنَ الدِّينِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ لَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَدَعَوْا إِلَيْهِ أَوْلَادَهُمْ وَأَهْلَهُمْ.