خمسة آثار نفيسة ثابتة في صفة الجنة لم يذكرها ابن القيم في «حادي الأرواح»…
من عجيب أمر صفة الجنة في دين الإسلام: أن الإنسان مهما سمت أمانيه وزادت رغباته فإنها تبقى دون الجنة، وكذا النار مهما علت مخاوفه فإنها تبقى دون النار، ولا عجب من غفلة كثير من أرباب الدنيا عن تذكرها والنظر في تفاصيل نعيمها، غير أن العجب من غفلة كثير من المشتغلين بالعلم عن ذلك، وهي الغاية التي حولها يدندنون، وكل شغلهم لا نفع فيه إن لم يكن قائداً إليها، حتى إن الفردوس الأرضي الفاني يُذكر ويطرق الأذهان أكثر منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد جمع ابن القيم في كتابه النفيس «حادي الأرواح» جمعاً نفيساً غاية في صفة الجنة وما يتعلق بذلك من مسائل، وعلى عادته استوعب الباب، إلا شيئاً يسيراً أعرض هنا لشيء من ذلك، عسى الله عز وجل أن يكرمنا بفضله ومنِّه وكرمه وألا يجعل تشوُّقنا مآله الخيبة.
والاستدراك في الأحاديث المرفوعة (أحاديث رسول الله ﷺ) بل والموقوفة (أخبار الصحابة) عسير على ابن القيم، وإنما يتيسر ذلك في آثار التابعين، وقد نصَّ الدارمي في رده على المريسي: أن الناس ما زالوا يحتجون بآثار التابعين (يعني في الغيبيَّات)، وأمر الجنة لا يُستبعد فيه عامة ما يذكرون، ففي ذلك النص الجامع: أن الله أعدَّ لعباده فيها «ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر».
الأثر الأول: قال ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» "٥٦- حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: «كم من أخ يحبُّ أن يلقى أخاه يمنعه من ذلك شغل، عسى الله عز وجل أن يجمع بينهما في دار لا فِرقة فيها».
ثم يقول مالك: «وأنا أسأل الله يا إخوتاه أن يجمع بيني وبينكم في دار لا فَرَق فيها، في ظل طوبى ومستراح العابدين»".
أقول: هذا إسناد في بعض رواته كلام يسير، غير أنهم رواة مواعظ مالك بن دينار.
هنا مالك بن دينار يذكر (نعيم الأخوَّة) ذلك النعيم المغفول عنه إذا تحدَّث الناس عن نعيم الجنة فغالباً يُذكر الطعام والشراب والقصور والحور وغيرها، ويُنسى هذا النعيم، مع ذكره في القرآن: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين} [الحجر].
يقول مالك إن المرء ربما اشتغل عن إخوانه بشغل، وهذا الشغل إما شغل دنيا، فهذا لا يقرِّبه إلى لقاء لا شغل فيه، وإما شغل آخرة، فهذا يقرِّب إلى لقاء لا فراق فيه ولا ملل، وذلك في الجنة، فلا يعتب المرء على أخيه في ذلك، والمؤمن بركته على أخيه عظيمة يدعو له في الدنيا ويصلي عليه إن مات ويشفع له في الآخرة إن حصلت شفاعة، وذلك خير من إعطاء الدنانير والدراهم لو كان الناس يعقلون.
الأثر الثاني: قال ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة»: "٢٩٣- حدثنا الحسن بن حماد الضبي، حدثنا ابن فضيل، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي ظبية الكلاعي، قال: «إن السحابة لتُظلُّ السرب من أهل الجنة فتقول: ماذا أمطركم؟ فما أحد يريد شيئا إلا أسالته عليه، حتى إن بعضهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا»".
أقول: هذا إسناد قوي، وأبو ظبية الكلاعي تابعي حمصي كبير، سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأدرك خطبته، فيغلب على الظن أنه حمل هذا الخبر عن أصحاب النبي ﷺ، إذ لا شيوخ له غيرهم.
وهذا الأثر في نعيم الحور والكواعب الأتراب، ومَن علِم عظيم فتنة النساء وأثرها على الناس فهم فائدة هذا التشويق وهذا الخير العميم، والذي حسدت النصارى أهل الإسلام عليه، فصيَّروه شبهةً وما في قلوبهم إلا الحسد.
ففي تفسير قول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء] أن اليهود حسدت النبي ﷺ على كثرة نسائه، فذُكر لهم ما ذُكر من شأن داود وسليمان -عليهما الصلاة والسلام- وقد كانوا أكثر نساءً.
=
من عجيب أمر صفة الجنة في دين الإسلام: أن الإنسان مهما سمت أمانيه وزادت رغباته فإنها تبقى دون الجنة، وكذا النار مهما علت مخاوفه فإنها تبقى دون النار، ولا عجب من غفلة كثير من أرباب الدنيا عن تذكرها والنظر في تفاصيل نعيمها، غير أن العجب من غفلة كثير من المشتغلين بالعلم عن ذلك، وهي الغاية التي حولها يدندنون، وكل شغلهم لا نفع فيه إن لم يكن قائداً إليها، حتى إن الفردوس الأرضي الفاني يُذكر ويطرق الأذهان أكثر منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد جمع ابن القيم في كتابه النفيس «حادي الأرواح» جمعاً نفيساً غاية في صفة الجنة وما يتعلق بذلك من مسائل، وعلى عادته استوعب الباب، إلا شيئاً يسيراً أعرض هنا لشيء من ذلك، عسى الله عز وجل أن يكرمنا بفضله ومنِّه وكرمه وألا يجعل تشوُّقنا مآله الخيبة.
والاستدراك في الأحاديث المرفوعة (أحاديث رسول الله ﷺ) بل والموقوفة (أخبار الصحابة) عسير على ابن القيم، وإنما يتيسر ذلك في آثار التابعين، وقد نصَّ الدارمي في رده على المريسي: أن الناس ما زالوا يحتجون بآثار التابعين (يعني في الغيبيَّات)، وأمر الجنة لا يُستبعد فيه عامة ما يذكرون، ففي ذلك النص الجامع: أن الله أعدَّ لعباده فيها «ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر».
الأثر الأول: قال ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» "٥٦- حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا سيار، حدثنا جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: «كم من أخ يحبُّ أن يلقى أخاه يمنعه من ذلك شغل، عسى الله عز وجل أن يجمع بينهما في دار لا فِرقة فيها».
ثم يقول مالك: «وأنا أسأل الله يا إخوتاه أن يجمع بيني وبينكم في دار لا فَرَق فيها، في ظل طوبى ومستراح العابدين»".
أقول: هذا إسناد في بعض رواته كلام يسير، غير أنهم رواة مواعظ مالك بن دينار.
هنا مالك بن دينار يذكر (نعيم الأخوَّة) ذلك النعيم المغفول عنه إذا تحدَّث الناس عن نعيم الجنة فغالباً يُذكر الطعام والشراب والقصور والحور وغيرها، ويُنسى هذا النعيم، مع ذكره في القرآن: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين} [الحجر].
يقول مالك إن المرء ربما اشتغل عن إخوانه بشغل، وهذا الشغل إما شغل دنيا، فهذا لا يقرِّبه إلى لقاء لا شغل فيه، وإما شغل آخرة، فهذا يقرِّب إلى لقاء لا فراق فيه ولا ملل، وذلك في الجنة، فلا يعتب المرء على أخيه في ذلك، والمؤمن بركته على أخيه عظيمة يدعو له في الدنيا ويصلي عليه إن مات ويشفع له في الآخرة إن حصلت شفاعة، وذلك خير من إعطاء الدنانير والدراهم لو كان الناس يعقلون.
الأثر الثاني: قال ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة»: "٢٩٣- حدثنا الحسن بن حماد الضبي، حدثنا ابن فضيل، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي ظبية الكلاعي، قال: «إن السحابة لتُظلُّ السرب من أهل الجنة فتقول: ماذا أمطركم؟ فما أحد يريد شيئا إلا أسالته عليه، حتى إن بعضهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا»".
أقول: هذا إسناد قوي، وأبو ظبية الكلاعي تابعي حمصي كبير، سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأدرك خطبته، فيغلب على الظن أنه حمل هذا الخبر عن أصحاب النبي ﷺ، إذ لا شيوخ له غيرهم.
وهذا الأثر في نعيم الحور والكواعب الأتراب، ومَن علِم عظيم فتنة النساء وأثرها على الناس فهم فائدة هذا التشويق وهذا الخير العميم، والذي حسدت النصارى أهل الإسلام عليه، فصيَّروه شبهةً وما في قلوبهم إلا الحسد.
ففي تفسير قول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء] أن اليهود حسدت النبي ﷺ على كثرة نسائه، فذُكر لهم ما ذُكر من شأن داود وسليمان -عليهما الصلاة والسلام- وقد كانوا أكثر نساءً.
=