الشاهد لقولهم (غاية الكرامة لزوم الاستقامة) من السنة النبوية وبيان فضل العلم على العمل...
قال ابن تيمية في «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»: "وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبداً بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته".
وقال في «قاعدة في المحبة»: "بل في الحقيقة الكرامة هي لزوم الاستقامة، وهي طاعة الله".
هذه الكلمة يطلقها الشيخ رداً على بعض المتصوفة الذين بالغوا في أمر الكرامات، وحمَلهم ظنُّ أنها الدليل الأوحد على الفلاح أو الولاية إلى التوسع في ادِّعائها، حتى أدخلوا في ذلك الأكاذيب والأحوال الشيطانية.
وقد ورد في السنة ما يشهد لقول الشيخ ولا يفطن له كثيرون، وفيه عظيم فضيلة طلب العلم:
قال البخاري في صحيحه: "3436- حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، - قال: أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي ﷺ يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل".
أقول: جريج العابد ولي من أولياء الله عز وجل، وقد وصل به الأمر من التقوى إلى درجة الكرامة أن أنطق عز وجل له الطفل في مهده.
ومع ذلك قصر علمه عن إدراك أن إجابة أمه واجب مقدَّم على صلاة النافلة، حتى استحق أن تستجاب دعوة أمه عليه.
ومن هنا يظهر فضل العلم على فضل العبادة، فإن المرء بالعلم يكشف بين خير الخيرين وشر الشرين، ويسلم مما وقع به جريج على فضله وكرامته.
فعُلم أن الاستقامة التي تستفاد من العلم هي غاية الكرامة.
وفي القصة حاجة العبَّاد إلى الوحي والعلم، وأن مجرد إدراكهم حسن الأمور بعقولهم لا يجعلهم قادرين على المفاضلة، فبرُّ الوالدة حسن وصلاة النافلة أمرها حسن، ولكن التفاضل بين الأمور الحسنة لا يُدرَك إلا بالعلم، وبهذا يُجاب على سؤال: إذا كان الحسن والقبح عقليين فما الحاجة إلى الوحي؟
قال أحمد في «الزهد»: "1352- حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان مطرف يقول: فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة، وخير دينكم الورَع".
وقد رُوي هذا المعنى مرفوعاً، والصواب أنه من كلام مطرف، ويشهد له حديث جريج العابد.
وأوجه فضل العلم على العبادة كثيرة، وإنما المراد بيان هذا الوجه، ولا يعني هذا ترك العبادة المستحبة والزهد فيها، ويكفيك ما كان في شأن جريج من الكرامة في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة، والمرء لا يعول على الدنيا في أمر عبادته، وإنما يريد ما عند الله.
قال ابن تيمية في «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان»: "وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبداً بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته".
وقال في «قاعدة في المحبة»: "بل في الحقيقة الكرامة هي لزوم الاستقامة، وهي طاعة الله".
هذه الكلمة يطلقها الشيخ رداً على بعض المتصوفة الذين بالغوا في أمر الكرامات، وحمَلهم ظنُّ أنها الدليل الأوحد على الفلاح أو الولاية إلى التوسع في ادِّعائها، حتى أدخلوا في ذلك الأكاذيب والأحوال الشيطانية.
وقد ورد في السنة ما يشهد لقول الشيخ ولا يفطن له كثيرون، وفيه عظيم فضيلة طلب العلم:
قال البخاري في صحيحه: "3436- حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، - قال: أبو هريرة كأني أنظر إلى النبي ﷺ يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل".
أقول: جريج العابد ولي من أولياء الله عز وجل، وقد وصل به الأمر من التقوى إلى درجة الكرامة أن أنطق عز وجل له الطفل في مهده.
ومع ذلك قصر علمه عن إدراك أن إجابة أمه واجب مقدَّم على صلاة النافلة، حتى استحق أن تستجاب دعوة أمه عليه.
ومن هنا يظهر فضل العلم على فضل العبادة، فإن المرء بالعلم يكشف بين خير الخيرين وشر الشرين، ويسلم مما وقع به جريج على فضله وكرامته.
فعُلم أن الاستقامة التي تستفاد من العلم هي غاية الكرامة.
وفي القصة حاجة العبَّاد إلى الوحي والعلم، وأن مجرد إدراكهم حسن الأمور بعقولهم لا يجعلهم قادرين على المفاضلة، فبرُّ الوالدة حسن وصلاة النافلة أمرها حسن، ولكن التفاضل بين الأمور الحسنة لا يُدرَك إلا بالعلم، وبهذا يُجاب على سؤال: إذا كان الحسن والقبح عقليين فما الحاجة إلى الوحي؟
قال أحمد في «الزهد»: "1352- حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان مطرف يقول: فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة، وخير دينكم الورَع".
وقد رُوي هذا المعنى مرفوعاً، والصواب أنه من كلام مطرف، ويشهد له حديث جريج العابد.
وأوجه فضل العلم على العبادة كثيرة، وإنما المراد بيان هذا الوجه، ولا يعني هذا ترك العبادة المستحبة والزهد فيها، ويكفيك ما كان في شأن جريج من الكرامة في الدنيا مع ما ينتظره في الآخرة، والمرء لا يعول على الدنيا في أمر عبادته، وإنما يريد ما عند الله.