من جملة ما أفتخرُ به، أنني أوّل قرّاء الوالد، فحين يُنجزُ أيّ شيء، أكون القارئ الأول.
أرسلَ لي قصيدة قبل يومين، كتبتُ له رسالة عنها، وهذه الرسالة، والقصيدة:
سيدنا العزيز، وشاعري الأقرب..
تأخرتُ لأن القصيدة برويّ الحاء، والحاء، بكلّ ما بها من ابتداء حنين، وحرقة قلب، وحسينكَ الشخصيّ، وحبّ، وحميميّة، أعلمُ أن القافية تفرضُ نفسها على القصيدة، فكيف وإن كانت هذه الحاء العجيبة، بكلّ ما فيها، مكسورة؟ وبين كسرةٍ وياء، وعلى هذا البحر، ثمّة بوحٌ كبير، بوحُ مَن يلتقي نفسه بعد عقودٍ من اليوميّ العابر، من إعلام وسياسة.
كثيرون يكتبون عن أرواحهم، ولأرواحهم، وبأرواحهم، لكنّ التجلّي الذي جعل وجيه يلتقي بوجيه، هو حفرٌ نفسيّ شعريّاً، وهذا الحفر العجيب، شعراً، يعيدني إلى ما قلته لك، في سنوات الضجيج: ليس إلاّ الشعر، ليس إلاّ القصيدة هي أنت، سلوانك، وثيقتك، ما سيتبقى..
الروحُ هنا، هي القصيدة، والقصيدة هي المسير، وكأنكَ شذّبتَ كلّ ما يتّصل بوجيه، ولم تبق سوى روحه - القصيدة.
ذروة أخرى من ذرواتكَ سيدنا، علكتُ بقلبي وعيني وروحي أيضاً، كلّ بيت منها، وكلّ شطر.
دمتَ لي، أستاذي، شاعري، أبي، صديقي..
.
القصيدة:
روحي
( يحدث أن تعاتب روحك)
وجيه عباس
-------
أكابِرُ في صليبِكِ كالمسيحِ
وإنِّي فيكِ طوفانٌ بنُوحِ
وأرتكبُ المواجعَ فيكِ ظَنَّاً
وأرجعُ بالخسارِ من الرَبيحِ
مُفارَقَةٌ أضجُّ بها وأبكي
وأنتِ على غرابَتِها ضريحي
*
ويا تعبَ السنين مَضتْ وولَّتْ
أما آنَ الأوانُ لتستريحي؟
وأنتِ حَمَلْتِني وَجَعاً نذيراً
وكنتِ على محامِلِه رميحي
تَوزِّعُني الرياحُ وكيفَ شاءتْ
ولكنِّي أعودُ وأنتِ رِيحي
وإنَّكِ لي ثيابٌ غير أنِّي
أحاوِلُها كأَنْ لي ألفَ روحِ
*
تُقلِّبُني يداكِ وأنتِ أدرى
بأنَّكِ كنتِ في عُمُري جروحي
وإنِّي فيكِ طفلُكِ ليس يدري
إذا ما الشيبُ ضلَّ به بريحِ
عهدُتُكِ أنتِ وحدُكِ لي وجوهٌ
تحاولُني فترجعُ بالفتوحِ
وَكُنتَكِ فِطرةً مُذْ كنتُ طفلاً
وَمَتْناً ليسَ يعبأُ بالشروحِ
وإنَّكِ لا الصحاحُ رَوَتْكِ فيها
ولكنِّي رويتُكِ في صحيحي
أزيحي بعضَ وجهِكِ عن وجوهي
وأنّى شئتِ سائمةً أزيحي
وأنتِ بها الغريبُ، يجودُ لُطفاً
وما أحسنتِ فيهِ سوى القبيحِ
*
تسائِلُني خُطاكِ وأنتِ أدرى
بأنَّ الطينَ يعبثُ في جموحي
حملتُكِ بين" ستِّيني" صليباً
يدورُ به زمانُكِ في الوضوحِ
وترتكبينَ غيبَكِ لي عقوقاً
كأنَّكِ تشمتينَ إذا تبوحي
كأنِّي فيكِ أحملُ ألفَ ميتٍ
تُدثِّرُهُ الحكايا في الصروحِ
ووحدي قبرُ روحِكِ في حياةٍ
وتفترقينَ عنِّي في الضريحِ!
*
وروحي طفلةٌ عثرتْ بظلِّي
فألبَسَتِ القوافي في مُسوحي
ولم تكبرْ بذي الستين يوماً
وإنَّ الشيبَ بعضُ ندى المليحِ
إذا سائلتُها سبباً تَأبَّتْ
فمن صبحٍ تؤوبُ إلى صَبيحِ
أراها كالجبال لو استطالت
وتشرقُ بالطفولةِ في السفوحِ
وروحي غيمةٌ لو أمطرتني
فمن دمعٍ تسيلُ ومن قروحِ
وَتُكْرمُ غيبتي عنها كأنَّي
كريمٌ ليس يوصفُ بالشحيحِ
وروحي لاتبيحُ بكلِّ سِرٍّ
ولستُ هناك فيها بالمُبيحِ
بلى روحي بدايتها اغترابٌ
وخاتمةُ السُرى فيها طموحي
وروحي أُمَّةٌ وأنا غريبٌ
وتذبحني الرؤى، وأنا ذبيحي
فيالَكِ طفلةً رقصتْ وغنّتْ
وقد تركتْ خُطاها في السطوحِ
أضاعتني الوجوهُ بها ولكن
رضيتُ بها الهجاءَ عن المديحِ
*
آه يروحي .... ريلچ الأعمى غريب
والمحطّات الجزيناهن تحير
لا "حمد" بيهه ولاچنچ حبيب
غربتي تابوت مابين الگبور
آه يروحي أو علِّميتچ بالدروب
وانت طيره ماي لوتعطش تدور
ترفة روحي شما طفت تبقه تلوب
وحشة روحي تيِّهتني إبحلگ بير
علّمتني من الزغر تعلوم ذيب
لو تجوع الروح سويهه حصير
إنتِ روحي اشما طفح منّچ عذاب
خلنه نتفاصل إذا عندچ دِليل
آنه والغربة وثيابي السود باب
هالوجه مابين شمسچ كله ليل
آنه وانتِ وللجره بيهن حساب
هالمَتن صخرة على اضلوعي تميل
آه يروحي الماصفه منّچ عتاب
او لاصحه من عِلّته بيهه العِليل
غرّبتني الناس روحي والغياب
وانت فوگ الناس حملچ هم ثجيل
*
وياطعمَ الزمانِ على شِفاهٍ
أعيذُ شفاهَ مبسمِكِ اللحوحِ
ومن خَجَلِ الكؤوسِ على النُدامى
وقدْ وَثَبَتْ خُطى الرَشَأِ المَليحِ
شربتُكِ ألفَ طَوْرٍ في حياةٍ
وفي موتي سَأَظْمأُ في قروحي
وياخمري ويالغةَ القوافي
ستورِقُ بعد موتي في الفصيحِ
أُعيذُكِ في التَولّهِ من معانٍ
سكنتُ ثيابَها فَأَبَنْتُ دَوْحي
وأوقِنُ أنَّني سأعودُ رجعاً
إلى ماكنتُ فيهِ من السطوحِ
ولي خطواتُ طفلِكِ وهو شيخٌ
يَجرُّ خُطاهُ من قَلَقٍ بِسُوحي
عصاهُ بها الحروفُ يصوغُ حرفاً
لينسُجَ بُردَهُ بين البروحِ
ولي وحدي التَقلَّبُ بين جمري
كَأنَّي بعضُ نارِكِ في القديحِ
ولكنَّ المَلامَ أَلَذُّ طعماً
إذا الستون تشرقُ في صَبوحي
كأنَّ الشيبَ بعضُ ندى نديفٍ
تنزَّلَ واستفاضَ على سفوحي
أَكُنّا بعضَ ماهجرتْ يراعاً
نقطِّرُهُ بكأسِكِ في النضوحِ
ونرجعُ بالأخيذِ وقد تولّى
هناك العمرُ في متنِ الشروحِ
*
سأنبيكِ اليقينَ وقد تساوى
لديَّ الموتُ بالعيشِ الفسيحِ
وإنِّي لستُ أعبأُ فيكِ صوتاً
أرسلَ لي قصيدة قبل يومين، كتبتُ له رسالة عنها، وهذه الرسالة، والقصيدة:
سيدنا العزيز، وشاعري الأقرب..
تأخرتُ لأن القصيدة برويّ الحاء، والحاء، بكلّ ما بها من ابتداء حنين، وحرقة قلب، وحسينكَ الشخصيّ، وحبّ، وحميميّة، أعلمُ أن القافية تفرضُ نفسها على القصيدة، فكيف وإن كانت هذه الحاء العجيبة، بكلّ ما فيها، مكسورة؟ وبين كسرةٍ وياء، وعلى هذا البحر، ثمّة بوحٌ كبير، بوحُ مَن يلتقي نفسه بعد عقودٍ من اليوميّ العابر، من إعلام وسياسة.
كثيرون يكتبون عن أرواحهم، ولأرواحهم، وبأرواحهم، لكنّ التجلّي الذي جعل وجيه يلتقي بوجيه، هو حفرٌ نفسيّ شعريّاً، وهذا الحفر العجيب، شعراً، يعيدني إلى ما قلته لك، في سنوات الضجيج: ليس إلاّ الشعر، ليس إلاّ القصيدة هي أنت، سلوانك، وثيقتك، ما سيتبقى..
الروحُ هنا، هي القصيدة، والقصيدة هي المسير، وكأنكَ شذّبتَ كلّ ما يتّصل بوجيه، ولم تبق سوى روحه - القصيدة.
ذروة أخرى من ذرواتكَ سيدنا، علكتُ بقلبي وعيني وروحي أيضاً، كلّ بيت منها، وكلّ شطر.
دمتَ لي، أستاذي، شاعري، أبي، صديقي..
.
القصيدة:
روحي
( يحدث أن تعاتب روحك)
وجيه عباس
-------
أكابِرُ في صليبِكِ كالمسيحِ
وإنِّي فيكِ طوفانٌ بنُوحِ
وأرتكبُ المواجعَ فيكِ ظَنَّاً
وأرجعُ بالخسارِ من الرَبيحِ
مُفارَقَةٌ أضجُّ بها وأبكي
وأنتِ على غرابَتِها ضريحي
*
ويا تعبَ السنين مَضتْ وولَّتْ
أما آنَ الأوانُ لتستريحي؟
وأنتِ حَمَلْتِني وَجَعاً نذيراً
وكنتِ على محامِلِه رميحي
تَوزِّعُني الرياحُ وكيفَ شاءتْ
ولكنِّي أعودُ وأنتِ رِيحي
وإنَّكِ لي ثيابٌ غير أنِّي
أحاوِلُها كأَنْ لي ألفَ روحِ
*
تُقلِّبُني يداكِ وأنتِ أدرى
بأنَّكِ كنتِ في عُمُري جروحي
وإنِّي فيكِ طفلُكِ ليس يدري
إذا ما الشيبُ ضلَّ به بريحِ
عهدُتُكِ أنتِ وحدُكِ لي وجوهٌ
تحاولُني فترجعُ بالفتوحِ
وَكُنتَكِ فِطرةً مُذْ كنتُ طفلاً
وَمَتْناً ليسَ يعبأُ بالشروحِ
وإنَّكِ لا الصحاحُ رَوَتْكِ فيها
ولكنِّي رويتُكِ في صحيحي
أزيحي بعضَ وجهِكِ عن وجوهي
وأنّى شئتِ سائمةً أزيحي
وأنتِ بها الغريبُ، يجودُ لُطفاً
وما أحسنتِ فيهِ سوى القبيحِ
*
تسائِلُني خُطاكِ وأنتِ أدرى
بأنَّ الطينَ يعبثُ في جموحي
حملتُكِ بين" ستِّيني" صليباً
يدورُ به زمانُكِ في الوضوحِ
وترتكبينَ غيبَكِ لي عقوقاً
كأنَّكِ تشمتينَ إذا تبوحي
كأنِّي فيكِ أحملُ ألفَ ميتٍ
تُدثِّرُهُ الحكايا في الصروحِ
ووحدي قبرُ روحِكِ في حياةٍ
وتفترقينَ عنِّي في الضريحِ!
*
وروحي طفلةٌ عثرتْ بظلِّي
فألبَسَتِ القوافي في مُسوحي
ولم تكبرْ بذي الستين يوماً
وإنَّ الشيبَ بعضُ ندى المليحِ
إذا سائلتُها سبباً تَأبَّتْ
فمن صبحٍ تؤوبُ إلى صَبيحِ
أراها كالجبال لو استطالت
وتشرقُ بالطفولةِ في السفوحِ
وروحي غيمةٌ لو أمطرتني
فمن دمعٍ تسيلُ ومن قروحِ
وَتُكْرمُ غيبتي عنها كأنَّي
كريمٌ ليس يوصفُ بالشحيحِ
وروحي لاتبيحُ بكلِّ سِرٍّ
ولستُ هناك فيها بالمُبيحِ
بلى روحي بدايتها اغترابٌ
وخاتمةُ السُرى فيها طموحي
وروحي أُمَّةٌ وأنا غريبٌ
وتذبحني الرؤى، وأنا ذبيحي
فيالَكِ طفلةً رقصتْ وغنّتْ
وقد تركتْ خُطاها في السطوحِ
أضاعتني الوجوهُ بها ولكن
رضيتُ بها الهجاءَ عن المديحِ
*
آه يروحي .... ريلچ الأعمى غريب
والمحطّات الجزيناهن تحير
لا "حمد" بيهه ولاچنچ حبيب
غربتي تابوت مابين الگبور
آه يروحي أو علِّميتچ بالدروب
وانت طيره ماي لوتعطش تدور
ترفة روحي شما طفت تبقه تلوب
وحشة روحي تيِّهتني إبحلگ بير
علّمتني من الزغر تعلوم ذيب
لو تجوع الروح سويهه حصير
إنتِ روحي اشما طفح منّچ عذاب
خلنه نتفاصل إذا عندچ دِليل
آنه والغربة وثيابي السود باب
هالوجه مابين شمسچ كله ليل
آنه وانتِ وللجره بيهن حساب
هالمَتن صخرة على اضلوعي تميل
آه يروحي الماصفه منّچ عتاب
او لاصحه من عِلّته بيهه العِليل
غرّبتني الناس روحي والغياب
وانت فوگ الناس حملچ هم ثجيل
*
وياطعمَ الزمانِ على شِفاهٍ
أعيذُ شفاهَ مبسمِكِ اللحوحِ
ومن خَجَلِ الكؤوسِ على النُدامى
وقدْ وَثَبَتْ خُطى الرَشَأِ المَليحِ
شربتُكِ ألفَ طَوْرٍ في حياةٍ
وفي موتي سَأَظْمأُ في قروحي
وياخمري ويالغةَ القوافي
ستورِقُ بعد موتي في الفصيحِ
أُعيذُكِ في التَولّهِ من معانٍ
سكنتُ ثيابَها فَأَبَنْتُ دَوْحي
وأوقِنُ أنَّني سأعودُ رجعاً
إلى ماكنتُ فيهِ من السطوحِ
ولي خطواتُ طفلِكِ وهو شيخٌ
يَجرُّ خُطاهُ من قَلَقٍ بِسُوحي
عصاهُ بها الحروفُ يصوغُ حرفاً
لينسُجَ بُردَهُ بين البروحِ
ولي وحدي التَقلَّبُ بين جمري
كَأنَّي بعضُ نارِكِ في القديحِ
ولكنَّ المَلامَ أَلَذُّ طعماً
إذا الستون تشرقُ في صَبوحي
كأنَّ الشيبَ بعضُ ندى نديفٍ
تنزَّلَ واستفاضَ على سفوحي
أَكُنّا بعضَ ماهجرتْ يراعاً
نقطِّرُهُ بكأسِكِ في النضوحِ
ونرجعُ بالأخيذِ وقد تولّى
هناك العمرُ في متنِ الشروحِ
*
سأنبيكِ اليقينَ وقد تساوى
لديَّ الموتُ بالعيشِ الفسيحِ
وإنِّي لستُ أعبأُ فيكِ صوتاً