ساطع الحصري: مؤسس الآيديولوجيا العنصرية الطائفية في العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن
سواء كان المفكر القومي العربي ساطع الحصري (1879- 1968) سوريّاً أو قوقازيّاً أو تركيّاً؛ فإنه كان عثمانياً ولاءً وشعوراً ولغةً ووظيفة؛ فقد كان هو وأبوه من كبار موظفي الدولة التركية العثمانية، ومندوبَين لها في أكثر من بلد أوروبي وعربي، ومقاتلَين متعصبَين من أجلها ومن أجل القومية التركية الطورانية. ورغم ذلك؛ فإن الحصري يعد أحد أبرز مؤسسي الآيديولوجيا القومية العربية المعاصرة. وهنا تكمن المفارقة، التي لا تقتصر على الحصري، بل تشمل أغلب القوميين العرب المؤسسين، الذين كانوا عثمانيين متعصبين لتركيا وجنرالات في جيشها، ثم أصبحوا خلال العقد الثاني من القرن العشرين عملاء للانجليز ودعاة للايديولوجيا القومية العربية، بعد بروز مظاهر انهيار الدولة العثمانية.
ظل ساطع الحصري حتى كهولته عثمانياً متعصباً، يدعو الى سياسة التتريك وتحويل الشعوب العثمانية الى شعوب تركية، بمن فيها الشعوب العربية، وذلك من خلال تحويل الاحتلال التركي للبلدان العربية إلى احتلال لغوي وقومي محلي، لضمان استمرار الوجود القومي التركي الى الأبد، مستفيداً بذلك من فكرة الفتوحات الإسلامية التي حوّلت الشعوب غير العربية الى ناطقة باللغة العربية، ثم عربية بالانتساب والثقافة.
وتعلّم الحصري اللغة العربية في العاصمة اليمانية صنعاء التي ولد فيها، لكنه بقي يتكلم العربية بلهجة تركية نافرة حتى وفاته، وكان من كوادر حزب الاتحاد والترقي التركي، ويمارس عمله السياسي والوظيفي في اسطنبول حتى العام 1920، وهي السنة التي شهدت تنكّره لدولته العثمانية وانخراطه في المشروع البريطاني؛ إذ ظل الحصري حتى العام 1920 معادياً لما سمي بـ (الثورة العربية ضد الدولة العثمانية)، والتي حضّر لها البريطانيون، وسلّموا قيادتها الى عميليهم الشريف حسين وابنه فيصل في العام 1916.
وقد نجح الإنجليز في أغراء ساطع الحصري بالمناصب والمستقبل السياسي الزاهر، مستغلين خلافه الشخصي مع قادة حزبه الحاكم في تركيا (الإتحاد والترقي)، وأقنعوه بأن الدولة العثمانية وسلطنتها ستنهاران، ولا مستقبل له فيهما. وبالفعل، تحوّل ولاء الحصري، بقدرة قادر، من الهلال العثماني الى الصليب الانجليزي، حاله حال كثير من العثمانيين من ضباط الجيش التركي وموظفي الدولة العثمانية، الذين خانوا أولياء نعمتهم الأتراك في المرحلة نفسها، وتحوّل ولاؤهم الى الإنجليز، أمثال: نوري السعيد (التركماني)، وجعفر العسكري، وعبد المحسن السعدون، وعبد الرحمن الكيلاني (الإيراني)، وياسين الهاشمي (التركي)، وتوفيق السويدي، وناجي السويدي، وناجي شوكت (الداغستاني)، وحكمت سليمان (الشركسي)، وجميل المدفعي، وعلي شوكت الأيوبي (الكردي)، ورشيد عالي الكيلاني (الإيراني)، وطه الهاشمي (التركي)، وحمدي الباججي ومزاحم الباججي وأرشد العمري، وجميعهم عثمانيون، وهم الذين ترأسوا الوزارات العراقية طيلة العهد الملكي، الذي حكمته العائلة الأجنبية المستوردة من الحجاز.
وبعد أن نجح الإنجليز من توظيف ساطع الحصري في العام 1920؛ طلبوا منه الرحيل الى دمشق للالتحاق بأمير سوريا فيصل بن الشريف حسين، الذي عيّنه مديراً للمعارف (وزيراً للتربية). وبقي الحصري مع فيصل بعد هروبه من سوريا، ثم التحق به في العراق بعد أن منح الإنجليز عرش العراق لعميلهم فيصل، حسب الاتفاق معه ومع أبيه الشريف حسين منذ العام 1914؛ ثمناً لعمالتهما للإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى، وقيادتهما ما سمي بالثورة العربية ضد العثمانيين.
ويمكن تلخيص الأسباب التي اضطرت ساطع الحصري الى التحول من تركي متعصب الى عربي متعصب، بما يلي:
1- سعيه الحثيث للتغطية على تاريخه التركي العنصري، من أجل أن يجد قبولاً لدى النخب العربية والوطنية الحقيقية، التي تختزن في ذاكرتها أوجاعاً تراكمية من الاحتلال العثماني وممارساته الوحشية والعنصرية.
2- الانهيار التدريجي للدولة العثمانية، وتمكن الفرنسيين والإنجليز من السيطرة على البلدان العربية في إطار معاهدة (سايكس ــ بيكو)، وهو ما جعل ساطع الحصري ينفض يديه من تركيا، ويراهن على الإنجليز ومشروعهم في المنطقة، لضمان مستقبله السياسي والوظيفي والثقافي.
3- استشعاره بأن موقعه البديل عن تركيا هو البلدان العربية، وتحديداً سوريا والعراق، ومن ثم مصر، ولذلك لا بد أن يكون له حضوره السياسي والثقافي والفكري، ولن يتأتّى له ذلك إلّا من خلال مشروع آيديولوجي يتناغم وعواطف النخب العربية المتطلعة إلى النماء الوطني والتحرر من الاستعمار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن
سواء كان المفكر القومي العربي ساطع الحصري (1879- 1968) سوريّاً أو قوقازيّاً أو تركيّاً؛ فإنه كان عثمانياً ولاءً وشعوراً ولغةً ووظيفة؛ فقد كان هو وأبوه من كبار موظفي الدولة التركية العثمانية، ومندوبَين لها في أكثر من بلد أوروبي وعربي، ومقاتلَين متعصبَين من أجلها ومن أجل القومية التركية الطورانية. ورغم ذلك؛ فإن الحصري يعد أحد أبرز مؤسسي الآيديولوجيا القومية العربية المعاصرة. وهنا تكمن المفارقة، التي لا تقتصر على الحصري، بل تشمل أغلب القوميين العرب المؤسسين، الذين كانوا عثمانيين متعصبين لتركيا وجنرالات في جيشها، ثم أصبحوا خلال العقد الثاني من القرن العشرين عملاء للانجليز ودعاة للايديولوجيا القومية العربية، بعد بروز مظاهر انهيار الدولة العثمانية.
ظل ساطع الحصري حتى كهولته عثمانياً متعصباً، يدعو الى سياسة التتريك وتحويل الشعوب العثمانية الى شعوب تركية، بمن فيها الشعوب العربية، وذلك من خلال تحويل الاحتلال التركي للبلدان العربية إلى احتلال لغوي وقومي محلي، لضمان استمرار الوجود القومي التركي الى الأبد، مستفيداً بذلك من فكرة الفتوحات الإسلامية التي حوّلت الشعوب غير العربية الى ناطقة باللغة العربية، ثم عربية بالانتساب والثقافة.
وتعلّم الحصري اللغة العربية في العاصمة اليمانية صنعاء التي ولد فيها، لكنه بقي يتكلم العربية بلهجة تركية نافرة حتى وفاته، وكان من كوادر حزب الاتحاد والترقي التركي، ويمارس عمله السياسي والوظيفي في اسطنبول حتى العام 1920، وهي السنة التي شهدت تنكّره لدولته العثمانية وانخراطه في المشروع البريطاني؛ إذ ظل الحصري حتى العام 1920 معادياً لما سمي بـ (الثورة العربية ضد الدولة العثمانية)، والتي حضّر لها البريطانيون، وسلّموا قيادتها الى عميليهم الشريف حسين وابنه فيصل في العام 1916.
وقد نجح الإنجليز في أغراء ساطع الحصري بالمناصب والمستقبل السياسي الزاهر، مستغلين خلافه الشخصي مع قادة حزبه الحاكم في تركيا (الإتحاد والترقي)، وأقنعوه بأن الدولة العثمانية وسلطنتها ستنهاران، ولا مستقبل له فيهما. وبالفعل، تحوّل ولاء الحصري، بقدرة قادر، من الهلال العثماني الى الصليب الانجليزي، حاله حال كثير من العثمانيين من ضباط الجيش التركي وموظفي الدولة العثمانية، الذين خانوا أولياء نعمتهم الأتراك في المرحلة نفسها، وتحوّل ولاؤهم الى الإنجليز، أمثال: نوري السعيد (التركماني)، وجعفر العسكري، وعبد المحسن السعدون، وعبد الرحمن الكيلاني (الإيراني)، وياسين الهاشمي (التركي)، وتوفيق السويدي، وناجي السويدي، وناجي شوكت (الداغستاني)، وحكمت سليمان (الشركسي)، وجميل المدفعي، وعلي شوكت الأيوبي (الكردي)، ورشيد عالي الكيلاني (الإيراني)، وطه الهاشمي (التركي)، وحمدي الباججي ومزاحم الباججي وأرشد العمري، وجميعهم عثمانيون، وهم الذين ترأسوا الوزارات العراقية طيلة العهد الملكي، الذي حكمته العائلة الأجنبية المستوردة من الحجاز.
وبعد أن نجح الإنجليز من توظيف ساطع الحصري في العام 1920؛ طلبوا منه الرحيل الى دمشق للالتحاق بأمير سوريا فيصل بن الشريف حسين، الذي عيّنه مديراً للمعارف (وزيراً للتربية). وبقي الحصري مع فيصل بعد هروبه من سوريا، ثم التحق به في العراق بعد أن منح الإنجليز عرش العراق لعميلهم فيصل، حسب الاتفاق معه ومع أبيه الشريف حسين منذ العام 1914؛ ثمناً لعمالتهما للإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى، وقيادتهما ما سمي بالثورة العربية ضد العثمانيين.
ويمكن تلخيص الأسباب التي اضطرت ساطع الحصري الى التحول من تركي متعصب الى عربي متعصب، بما يلي:
1- سعيه الحثيث للتغطية على تاريخه التركي العنصري، من أجل أن يجد قبولاً لدى النخب العربية والوطنية الحقيقية، التي تختزن في ذاكرتها أوجاعاً تراكمية من الاحتلال العثماني وممارساته الوحشية والعنصرية.
2- الانهيار التدريجي للدولة العثمانية، وتمكن الفرنسيين والإنجليز من السيطرة على البلدان العربية في إطار معاهدة (سايكس ــ بيكو)، وهو ما جعل ساطع الحصري ينفض يديه من تركيا، ويراهن على الإنجليز ومشروعهم في المنطقة، لضمان مستقبله السياسي والوظيفي والثقافي.
3- استشعاره بأن موقعه البديل عن تركيا هو البلدان العربية، وتحديداً سوريا والعراق، ومن ثم مصر، ولذلك لا بد أن يكون له حضوره السياسي والثقافي والفكري، ولن يتأتّى له ذلك إلّا من خلال مشروع آيديولوجي يتناغم وعواطف النخب العربية المتطلعة إلى النماء الوطني والتحرر من الاستعمار.