وإنما طولت في هذه المسألة الأنفاس؛ لما قد شاع من هذه البدع في الناس، ولأنه قد اغتر كثير من الجهال بزخرف تلك الأقوال، وقد بذلت ما وجب علي من النصيحة، والله تعالى يتولى إصلاح القلوب الجريحة.(2)انتهى كلام القرطبي [بتصرف يسير].
فإنّ العقل السّليم الصّريح لا يعارض النّقل الصحيح كما قال شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل": «والمقصود هنا التنبيه على أنه لو سوغ للناظرين أن يعرضوا عن كتاب الله تعالى ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم لم يكن هناك أمر مضبوط يحصل لهم به علم ولا هدى، فإن الذين سلكوا هذه السبيل كلهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكه، والمسلمون يشهدون عليه بذلك، فثبت بشهادته وإقراره على نفسه وشهادة المسلمين الذين هم شهداء الله في الأرض، أنه لم يظفر من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه بيقين يطمئن إليه ولا معرفة يسكن بها قلبه، والذين ادعوا في بعض المسائل أن لهم معقولا صريحا يناقض الكتاب قابلهم آخرون من ذوي المعقولات، فقالوا: إن قول هؤلاء معلوم بطلانه بصريح المعقول، فصار ما يدعي معارضته للكتاب من المعقول ليس فيه ما يجزم بأنه معقول صحيح: إما بشهادة أصحابه عليه وشهادة الأمة، وإما بظهور تناقضهم ظهورا لا ارتياب فيه، وإما بمعارضة آخرين من أهل هذه المعقولات لهم، بل من تدبر ما يعارضون به الشرع من العقليات وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بطلانه»(3)انتهى.
وقال ابن عقيل في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف في كتابه «الفنون» ونقل كلامه شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل": «المتكلمون وقفوا النظر في الشرع بأدلة العقول فتفلسفوا، واعتمد الصوفية المتوهمة على واقعهم فتكهنوا، لأن الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهان اعتمدوا على ما يلقى إليهم من الإطلاع، وجميعا خوارج على الشرائع، هذا يتجاسر أن يتكلم في المسائل التي فيها صريح نقل بما يخالف ذلك المنقول بمقتضى ما يزعم أنه يجب في العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربي، فلا على هؤلاء أصبحت ولا على هؤلاء أمسيت، لا كان مذهب جاء على غير طريق السفراء والرسل، يريد تعلم بيان الشرايع، وبطلان المذاهب والتوهمات، والطرايق المخترعات: هل لعلم الصوفية عمل في إباحة دم أو فرج، أو تحريم معاملة، أو فتوى معمول بها في عبادة أو معاقدة؟ أو للمتكلمين بحكم الكلام حاكم ينفذ حكمه في بلد أو رستاق؟ أو تصيب للمتوهمة فتاوى وأحكام؟ إنما أهل الدولة الإسلامية والشريعة المحمدية المحدثون والفقهاء: هؤلاء يروون أحاديث الشرع، وينفون الكذب عن النقل، ويحمون النقل عن الاختلاف. وهؤلاء المفتون ينفون عن الأخبار تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، هم الذي سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: الحملة العدول، فقال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين..»» (4) .انتهى
وقال شيخ الجزائر ابن باديس حاكيا سببا من أسباب تناول علم الكلام والبعد عن طريق السلف الكرام «نحن ـ معشر المسلمين ـ قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل وإن كنا به مؤمنين، بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرناها وقلنا تلك أدلة سمعية لا تحصل اليقين، فأخذنا في الطرائق الكلامية المعقدة، وإشكالاتها المتعددة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمرها على الطلبة فضلا عن العامة» (5)
فمن المعلومة بالضّرورة أنّه من فارق الدّليل أكثر من القال والقيل وضلّ السبيل، قال ابن القيم في كتابه القيم مدارج السالكين: «ومن أحالك على غير «أخبرنا» و«حدثنا» فقد أحالك: إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن و«أخبرنا» و«حدثنا» إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم»(6)انتهى.
وعلى إثر هذا فإنه ينجرّ عن إهمال طريق السّلف في إثبات العقيدة الصّحيحة والاستدلال لها بطرائق بدعية الشر والبلية ثم يكون نتاج ذلك الجهل وفشو المحدثات ولهذا ينبغي على العالم تعليم الناس الضروريّ من الدين حتى يدرك الناس الحق المتين، ومما نُقل عن ابن باديس في آثاره وهو يصف سبب جهل المسلمين بعقائد الاسلام ويعطي الدواء لهذا الداء، قال رحمه الله: «أدلة العقائد مبسوطة كلها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير، ... فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية، وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم، إذ يجب على كل مكلف أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم، ولن يجد العامي الأدلة لعقائده سهلة قريبة إلا في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا إليه في تعليم العقائد للمسلمين، أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارة الاصطلاحيّة؛ فإنه من الهجر لكتاب الله، وتصعيب
فإنّ العقل السّليم الصّريح لا يعارض النّقل الصحيح كما قال شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل": «والمقصود هنا التنبيه على أنه لو سوغ للناظرين أن يعرضوا عن كتاب الله تعالى ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم لم يكن هناك أمر مضبوط يحصل لهم به علم ولا هدى، فإن الذين سلكوا هذه السبيل كلهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكه، والمسلمون يشهدون عليه بذلك، فثبت بشهادته وإقراره على نفسه وشهادة المسلمين الذين هم شهداء الله في الأرض، أنه لم يظفر من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه بيقين يطمئن إليه ولا معرفة يسكن بها قلبه، والذين ادعوا في بعض المسائل أن لهم معقولا صريحا يناقض الكتاب قابلهم آخرون من ذوي المعقولات، فقالوا: إن قول هؤلاء معلوم بطلانه بصريح المعقول، فصار ما يدعي معارضته للكتاب من المعقول ليس فيه ما يجزم بأنه معقول صحيح: إما بشهادة أصحابه عليه وشهادة الأمة، وإما بظهور تناقضهم ظهورا لا ارتياب فيه، وإما بمعارضة آخرين من أهل هذه المعقولات لهم، بل من تدبر ما يعارضون به الشرع من العقليات وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بطلانه»(3)انتهى.
وقال ابن عقيل في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف في كتابه «الفنون» ونقل كلامه شيخ الاسلام في "درء تعارض العقل والنقل": «المتكلمون وقفوا النظر في الشرع بأدلة العقول فتفلسفوا، واعتمد الصوفية المتوهمة على واقعهم فتكهنوا، لأن الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهان اعتمدوا على ما يلقى إليهم من الإطلاع، وجميعا خوارج على الشرائع، هذا يتجاسر أن يتكلم في المسائل التي فيها صريح نقل بما يخالف ذلك المنقول بمقتضى ما يزعم أنه يجب في العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربي، فلا على هؤلاء أصبحت ولا على هؤلاء أمسيت، لا كان مذهب جاء على غير طريق السفراء والرسل، يريد تعلم بيان الشرايع، وبطلان المذاهب والتوهمات، والطرايق المخترعات: هل لعلم الصوفية عمل في إباحة دم أو فرج، أو تحريم معاملة، أو فتوى معمول بها في عبادة أو معاقدة؟ أو للمتكلمين بحكم الكلام حاكم ينفذ حكمه في بلد أو رستاق؟ أو تصيب للمتوهمة فتاوى وأحكام؟ إنما أهل الدولة الإسلامية والشريعة المحمدية المحدثون والفقهاء: هؤلاء يروون أحاديث الشرع، وينفون الكذب عن النقل، ويحمون النقل عن الاختلاف. وهؤلاء المفتون ينفون عن الأخبار تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، هم الذي سماهم النبي صلى الله عليه وسلم: الحملة العدول، فقال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين..»» (4) .انتهى
وقال شيخ الجزائر ابن باديس حاكيا سببا من أسباب تناول علم الكلام والبعد عن طريق السلف الكرام «نحن ـ معشر المسلمين ـ قد كان منا للقرآن العظيم هجر كثير في الزمان الطويل وإن كنا به مؤمنين، بسط القرآن عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرناها وقلنا تلك أدلة سمعية لا تحصل اليقين، فأخذنا في الطرائق الكلامية المعقدة، وإشكالاتها المتعددة، واصطلاحاتها المحدثة، مما يصعب أمرها على الطلبة فضلا عن العامة» (5)
فمن المعلومة بالضّرورة أنّه من فارق الدّليل أكثر من القال والقيل وضلّ السبيل، قال ابن القيم في كتابه القيم مدارج السالكين: «ومن أحالك على غير «أخبرنا» و«حدثنا» فقد أحالك: إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي. فليس بعد القرآن و«أخبرنا» و«حدثنا» إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين. ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة. وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم»(6)انتهى.
وعلى إثر هذا فإنه ينجرّ عن إهمال طريق السّلف في إثبات العقيدة الصّحيحة والاستدلال لها بطرائق بدعية الشر والبلية ثم يكون نتاج ذلك الجهل وفشو المحدثات ولهذا ينبغي على العالم تعليم الناس الضروريّ من الدين حتى يدرك الناس الحق المتين، ومما نُقل عن ابن باديس في آثاره وهو يصف سبب جهل المسلمين بعقائد الاسلام ويعطي الدواء لهذا الداء، قال رحمه الله: «أدلة العقائد مبسوطة كلها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير، ... فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية، وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم، إذ يجب على كل مكلف أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم، ولن يجد العامي الأدلة لعقائده سهلة قريبة إلا في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا إليه في تعليم العقائد للمسلمين، أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارة الاصطلاحيّة؛ فإنه من الهجر لكتاب الله، وتصعيب