عين الأمر لعمرو بالزكاة؛ إلى غير ذلك من الأبحاث المبتدعة التي لم يأمر الشرع بالبحث عنها، وسكت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سلك سبيلهم، عن الخوض فيها؛ لعلمهم بأنها بحث عن كيفية ما لا تُعلم كيفيته؛ فإنَّ العقول لها حد تقف عنده، وهو العجز عن التكييف لا يتعداه، فرق بين البحث في كيفية الذات وكيفية الصفات، ولذلك قال العليم الخبير: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ولا تبادر بالإنكار فعل الأغبياء الأغمار؛ فإنك قد حُجبت عن كيفية حقيقة نفسك مع علمك بوجودها، وعن كيفية إدراكاتك، مع أنك تدرك بها. وإذا عجزت عن إدراك كيفية ما بين جنبيك، فأنت عن إدراك ما ليس كذلك أعجز. وغاية علم العلماء وإدراك عقول الفضلاء أن يقطعوا بوجود فاعل هذه المصنوعات منزه عن صفاتها، مقدس عن أحوالها، موصوف بصفات الكمال اللائق به.
ثم مهما أخبرنا الصادقون عنه بشيء من أوصافه وأسمائه، قبلناه واعتقدناه، وما لم يتعرضوا له سكتنا عنه، وتركنا الخوض فيه. هذه طريقة السلف، وما سواها مهاوٍ وتَلَف، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما قد ورد في ذلك عن الأئمة المتقدمين، فمن ذلك قول عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر الشغل، والدين قد فرغ منه، ليس بأمر يؤتكف على النظر فيه. وقال مالك: ليس هذا الجدال من الدين في شيء. وقال: كان يقال: لا تمكن زائغ القلب من أذنك؛ فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك. وقال الشافعي: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه، ما عدا الشرك، خير له من أن ينظر في علم الكلام. وإذا سمعت من يقول: الاسم هو المسمى، أو غير المسمى، فاشهد أنه من أهل الكلام، ولا دين له. قال: وحكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام. وقال الإمام أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبدا، علماء الكلام زنادقة. وقال ابن عقيل: قال بعض أصحابنا: أنا أقطع أن الصحابة - رضي الله عنهم - ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر، فبئس ما رأيته. قال: وقد أفضى هذا الكلام بأهله إلى الشكوك، وبكثير منهم إلى الإلحاد، وأصل ذلك: أنهم ما قنعوا بما بعثت به الشرائع، وطلبوا الحقائق، وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحكم التي انفرد بها، ولو لم يكن في الجدال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه الضلال، كما قال فيما خرجه الترمذي: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل (رواه الترمذي (3253)، وقال: إنه صحيح.
وقد رجع كثير من أئمة المتكلمين عن الكلام بعد انقضاء أعمار مديدة، وآماد بعيدة، لما لطف الله تعالى بهم، وأظهر لهم آياته، وباطن برهانه، فمنهم: إمام المتكلمين أبو المعالي، فقد حكى عنه الثقات أنه قال: لقد خليت أهل الإسلام وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك رغبة في طلب الحق، وهربا من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، وأختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، والويل لابن الجويني. وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به.
وقال أحمد بن سنان: كان الوليد بن أبان الكرابيسي، خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدا أعلم مني؟ قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، أفتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم. وقال أبو الوفا بن عقيل: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثم عدت القهقرى إلى مذهب المكتب.
ولو لم يكن في الكلام شيء يذم به إلا مسألتان هما من مبادئه، لكان حقيقا بالذم، وجديرا بالترك. إحداهما: قول طائفة منهم: إن أول الواجبات الشك في الله تعالى. والثانية: قول جماعة منهم: إن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها، والأبحاث التي حرروها، فلا يصح إيمانه، وهو كافر.
فيلزمهم على هذا تكفير أكثر المسلمين من السلف الماضين، وأئمة المسلمين، وأن من يبدأ بتكفيره أباه وأسلافه وجيرانه، وقد أورد على بعضهم هذا، فقال: لا يشنع علي بكثرة أهل النار، وكما قال، ثم إن من لم يقل بهاتين المسألتين من المتكلمين ردوا على من قال بهما بطرق النظر والاستدلال بناء منهم على أن هاتين المسألتين نظريتان، وهذا خطأ فاحش، فالكل يخطئون الطائفة الأولى بأصل القول بالمسألتين، والثانية بتسليم أن فسادها ليس بضروري، ومن شك في تكفير من قال: إن الشك في الله تعالى واجب؛ وأن معظم الصحابة والمسلمين كفار، فهو كافر شرعا، أو مختل العقل وضعا؛ إذ كل واحدة منهما معلومة الفساد بالضرورة الشرعية الحاصلة بالأخبار المتواترة القطعية، وإن لم يكن كذلك فلا ضروري يصار إليه في الشرعيات ولا العقليات. عصمنا الله من بدع المبتدعين، وسلك بنا طرق السلف الماضين.
ثم مهما أخبرنا الصادقون عنه بشيء من أوصافه وأسمائه، قبلناه واعتقدناه، وما لم يتعرضوا له سكتنا عنه، وتركنا الخوض فيه. هذه طريقة السلف، وما سواها مهاوٍ وتَلَف، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما قد ورد في ذلك عن الأئمة المتقدمين، فمن ذلك قول عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر الشغل، والدين قد فرغ منه، ليس بأمر يؤتكف على النظر فيه. وقال مالك: ليس هذا الجدال من الدين في شيء. وقال: كان يقال: لا تمكن زائغ القلب من أذنك؛ فإنك لا تدري ما يعلقك من ذلك. وقال الشافعي: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه، ما عدا الشرك، خير له من أن ينظر في علم الكلام. وإذا سمعت من يقول: الاسم هو المسمى، أو غير المسمى، فاشهد أنه من أهل الكلام، ولا دين له. قال: وحكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام. وقال الإمام أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبدا، علماء الكلام زنادقة. وقال ابن عقيل: قال بعض أصحابنا: أنا أقطع أن الصحابة - رضي الله عنهم - ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر، فبئس ما رأيته. قال: وقد أفضى هذا الكلام بأهله إلى الشكوك، وبكثير منهم إلى الإلحاد، وأصل ذلك: أنهم ما قنعوا بما بعثت به الشرائع، وطلبوا الحقائق، وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحكم التي انفرد بها، ولو لم يكن في الجدال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه الضلال، كما قال فيما خرجه الترمذي: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل (رواه الترمذي (3253)، وقال: إنه صحيح.
وقد رجع كثير من أئمة المتكلمين عن الكلام بعد انقضاء أعمار مديدة، وآماد بعيدة، لما لطف الله تعالى بهم، وأظهر لهم آياته، وباطن برهانه، فمنهم: إمام المتكلمين أبو المعالي، فقد حكى عنه الثقات أنه قال: لقد خليت أهل الإسلام وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك رغبة في طلب الحق، وهربا من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، وأختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، والويل لابن الجويني. وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به.
وقال أحمد بن سنان: كان الوليد بن أبان الكرابيسي، خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدا أعلم مني؟ قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، أفتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم. وقال أبو الوفا بن عقيل: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثم عدت القهقرى إلى مذهب المكتب.
ولو لم يكن في الكلام شيء يذم به إلا مسألتان هما من مبادئه، لكان حقيقا بالذم، وجديرا بالترك. إحداهما: قول طائفة منهم: إن أول الواجبات الشك في الله تعالى. والثانية: قول جماعة منهم: إن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها، والأبحاث التي حرروها، فلا يصح إيمانه، وهو كافر.
فيلزمهم على هذا تكفير أكثر المسلمين من السلف الماضين، وأئمة المسلمين، وأن من يبدأ بتكفيره أباه وأسلافه وجيرانه، وقد أورد على بعضهم هذا، فقال: لا يشنع علي بكثرة أهل النار، وكما قال، ثم إن من لم يقل بهاتين المسألتين من المتكلمين ردوا على من قال بهما بطرق النظر والاستدلال بناء منهم على أن هاتين المسألتين نظريتان، وهذا خطأ فاحش، فالكل يخطئون الطائفة الأولى بأصل القول بالمسألتين، والثانية بتسليم أن فسادها ليس بضروري، ومن شك في تكفير من قال: إن الشك في الله تعالى واجب؛ وأن معظم الصحابة والمسلمين كفار، فهو كافر شرعا، أو مختل العقل وضعا؛ إذ كل واحدة منهما معلومة الفساد بالضرورة الشرعية الحاصلة بالأخبار المتواترة القطعية، وإن لم يكن كذلك فلا ضروري يصار إليه في الشرعيات ولا العقليات. عصمنا الله من بدع المبتدعين، وسلك بنا طرق السلف الماضين.