ظالم أم مظلوم!
قال المقريزي في ترجمة أحمد المعروف بصارو سيدنا في كتاب «درر العقود الفريدة» [1/342]: "قال لي، وقد جاءني بدمشق زائراً في سنة ثلاث عشرة وثماني مئة،
والناس إذ ذاك من الظلم في أخذ الأموال والعقوبة على أخذ أجر مساكنهم بحالٍ شديدة، وأخذنا نتذاكر ذلك فقال لي:
ما السبب في تأخُّر إجابةِ دعاءِ الناس في هذا الزمان، وهم قد ظُلِموا غاية الظلم؟
بحيث أنَّ امرأةً شريفةً عوقبت لعجزها عن القيام بما أُلزمت به من أجرة سكنها الذي هو ملكها مع قوله عليه الصلاة والسلام: «اتَّق دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، وها نحن نراهم منذ سنين يدعون على من ظلمهم ولا يُستجاب لهم؟
فأفضنا في ذلك حتى قال: سببُ ذلك أن كلَّ أحد في هذا الوقت صار موصوفاً بأنه ظالم، لكثرة ما فشا من ظلمِ الراعي والرعية، وكأنه لم يبق مظلومٌ في الحقيقة، لأنا نجدُ عند التأمل كلَّ أحد من الناس في زمننا -وإن قلَّ- يظلمُ في المعنى الذي هو فيه مَن قَدَرَ على ظُلمه، ولا نجدُ أحداً يترك الظلمَ إلا لعجزه عنه، فإذا قَدَرَ عليه ظلَم، فبان أنهم لا يتركون ظُلمَ مَن دونَهم إلا عجزاً لا عِفة".
أقول: دعوة المظلوم يستجاب لها ولو بعد حين، وإن كان كافراً، ويستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي.
غير أنني أعجبني في هذا الكلام كون المظلوم ظالماً من حيث لا يشعر.
فمما خبرته من أحوال الناس: أن كثيراً منهم يرى الظلم يقع على غيره، فيسكت ولا يتحرك، وربما أثنى على الظالم وعظَّمه وربما أيَّد ظلمه.
حتى إذا وقع الظلم عليه شق ذلك عليه وأكثر التظلم وهو من قبل ظالم.
ربما يُبتلى المرء بولاية أو سلطة تمكِّنه من ظلم الناس.
ويعافى آخر فلا يُبتلى بذلك، فيأبى هذا المعافى إلا أن يشارك الظالم بظلمه عن طريق تأييد ما يفعل، فيُضيِّع دينه بدنيا غيره، وهؤلاء كثيرون اليوم.
وفي صحيح مسلم من حديث أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال: "«إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع»، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»، أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه".
ولا شك من أن مقتضيات العدل أن يكون المظلوم الذي يُنكر الظلم -ولو بقلبه- ويواسي المظلومين في حال سلامته من الظلم، أقرب إلى إجابة دعوته من مظلوم قصَّر في هذا، فضلاً عن مظلوم كان ظالماً أو معيناً للظالمين.
وهذا ليس مختصاً بظلم الولاة، فهناك تظالم كثير بين الناس لا يفطن له كثيرون، فحتى بيئة طلاب العلم الشرعي تنضح بذلك.
وأهم من إجابة الدعوة: سلامة الدين في الآخرة، ففي الآخرة تنقلب الموازين ويصير المظلوم صاحب اليد العليا، وساعتئذٍ يتمنى من قصَّر في نصرته أن يكون قد أسرع في ذلك.
قال المقريزي في ترجمة أحمد المعروف بصارو سيدنا في كتاب «درر العقود الفريدة» [1/342]: "قال لي، وقد جاءني بدمشق زائراً في سنة ثلاث عشرة وثماني مئة،
والناس إذ ذاك من الظلم في أخذ الأموال والعقوبة على أخذ أجر مساكنهم بحالٍ شديدة، وأخذنا نتذاكر ذلك فقال لي:
ما السبب في تأخُّر إجابةِ دعاءِ الناس في هذا الزمان، وهم قد ظُلِموا غاية الظلم؟
بحيث أنَّ امرأةً شريفةً عوقبت لعجزها عن القيام بما أُلزمت به من أجرة سكنها الذي هو ملكها مع قوله عليه الصلاة والسلام: «اتَّق دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، وها نحن نراهم منذ سنين يدعون على من ظلمهم ولا يُستجاب لهم؟
فأفضنا في ذلك حتى قال: سببُ ذلك أن كلَّ أحد في هذا الوقت صار موصوفاً بأنه ظالم، لكثرة ما فشا من ظلمِ الراعي والرعية، وكأنه لم يبق مظلومٌ في الحقيقة، لأنا نجدُ عند التأمل كلَّ أحد من الناس في زمننا -وإن قلَّ- يظلمُ في المعنى الذي هو فيه مَن قَدَرَ على ظُلمه، ولا نجدُ أحداً يترك الظلمَ إلا لعجزه عنه، فإذا قَدَرَ عليه ظلَم، فبان أنهم لا يتركون ظُلمَ مَن دونَهم إلا عجزاً لا عِفة".
أقول: دعوة المظلوم يستجاب لها ولو بعد حين، وإن كان كافراً، ويستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي.
غير أنني أعجبني في هذا الكلام كون المظلوم ظالماً من حيث لا يشعر.
فمما خبرته من أحوال الناس: أن كثيراً منهم يرى الظلم يقع على غيره، فيسكت ولا يتحرك، وربما أثنى على الظالم وعظَّمه وربما أيَّد ظلمه.
حتى إذا وقع الظلم عليه شق ذلك عليه وأكثر التظلم وهو من قبل ظالم.
ربما يُبتلى المرء بولاية أو سلطة تمكِّنه من ظلم الناس.
ويعافى آخر فلا يُبتلى بذلك، فيأبى هذا المعافى إلا أن يشارك الظالم بظلمه عن طريق تأييد ما يفعل، فيُضيِّع دينه بدنيا غيره، وهؤلاء كثيرون اليوم.
وفي صحيح مسلم من حديث أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال: "«إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع»، قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»، أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه".
ولا شك من أن مقتضيات العدل أن يكون المظلوم الذي يُنكر الظلم -ولو بقلبه- ويواسي المظلومين في حال سلامته من الظلم، أقرب إلى إجابة دعوته من مظلوم قصَّر في هذا، فضلاً عن مظلوم كان ظالماً أو معيناً للظالمين.
وهذا ليس مختصاً بظلم الولاة، فهناك تظالم كثير بين الناس لا يفطن له كثيرون، فحتى بيئة طلاب العلم الشرعي تنضح بذلك.
وأهم من إجابة الدعوة: سلامة الدين في الآخرة، ففي الآخرة تنقلب الموازين ويصير المظلوم صاحب اليد العليا، وساعتئذٍ يتمنى من قصَّر في نصرته أن يكون قد أسرع في ذلك.