رَضْوى (لأجل الصَاحِب الْغَائِب)


Гео и язык канала: Иран, Фарси
Категория: Религия


«بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.»

Связанные каналы

Гео и язык канала
Иран, Фарси
Категория
Религия
Статистика
Фильтр публикаций


فأخذ القربة بِفَمِه، وبينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيَّم، إذ صُوِّب نحوه سهمان، أحدهما أصابَ عينه الشريفة، فَسالَت ونبت السهم فيها.
وأمَّا الآخر فقد أصاب القِربة فَأُرِيق ماؤها، وعندها انقطع أمله من إيصال الماء، فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه، فضربه ملعونٌ بعَمَود من حديد على رأسه فقتله.
فلمَّا رآه الحُسَين (عليه السلام) صريعًا على شاطئ الفرات، بكى وأنشأ يقول:
تعدَّيتُمُ يا شرَّ قومٍ ببغيكم * وخالفتُمُ دِينَ النبيِّ محمَّدِ
أما كانَ خير الرسْل أوصَاكُم بِنا * أمَا نَحنُ مِن نجلِ النبيِّ المُسدَّدِ
أما كانت الزهراء أمِّي دونكـم * أمَا كَان مِن خيرِ البريَّة أحمَدِ
لُعِنْتم وأُخزِيتُـم بما قد جَنَيتُـمُ * فَسـوفَ تُلاقوا حَرَّ نَارٍ تُوقَّدِ
وقد قال الإمام الحُسَين (عليه السلام)، حين قتل أخوه العباس (عليه السلام): (الآن اِنكَسَرَ ظَهرِي، وقَلَّتْ حِيلَتي).
فمضى أبو الفضل العباس وأخوته من أمِّه، شهداء يذبُّون عن حرم الإمام الحُسَين (عليه السلام)، وحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ضاربين أروع أمثلة الشرف، والعِزَّة، والكَرَامة، والإباء، والمواساة، والإيثار، والوفاء.
وأما أمُّه أم البنين (سلام الله عليها) فقد قالت فيهم:
لا تَدعُوَنِّي وَيـكِ أمَّ البنين * تُذكِّرينـي بِلِيـوثِ العَريـنْ
كَانت بَنونٌ ليَ أُدعَى بهـم * واليومُ أصـبحتُ ولا مِنْ بَنينْ
أربَعةٌ مِثل نُسـور الرّبَـى * قَد واصَلُوا الموتَ بِقَطعِ الوَتينْ
تنازع الخِرصان أشلاءهم * فَكُلّهم أمسَـى صَريعًا طَعِينْ
يَا لَيتَ شِعري أَكمَا أخَبَروا * بأنَّ عَبَّاسـًا قَطيـعُ اليَمينْ

فسلامٌ عليك يا أبا الفضل العباس، وعلى أخوتك: عبد الله، وجعفر، وعثمان، يوم وُلِدتُم، ويوم استَشهَدْتُم، مظلومِينَ محتسبين، ويوم تُبعَثون أحياءً في جنَّة الخلد والرضوان.
_


مواقفه البطوليَّة في واقعة الطفِّ:
لمَّا اشتدَّ العطش بالحُسَين (عليه السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)، أمر أخاه العباس (عليه السلام)، فسار في عشرين راجلًا يحملون القرب، فحمل وأصحابه على جيش عمر بن سعد، فكشفوهم وأقبلوا بالماء.
فعاد جيش عمر بن سعد بقيادة عمرو بن الحجَّاج، وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق، فقاتلهم العباس وأصحابه حتى ردُّوهم، وجاءوا بالماء إلى الحُسَين (عليه السلام).
ولمَّا نَشَبت الحرب يوم عاشوراء تقدَّم أربعة من أصحاب الحُسَين (عليه السلام)، وهم الذين جاءوا من الكوفة، ومعهم فرس نافع بن هلال.
فشدُّوا على الناس بأسيافهم، فلمَّا وغلوا فيها عطف عليهم الناس، واقتطعوهم عن أصحابهم، فندب الحُسَين (عليه السلام) لهم أخاه العباس، فحمل على القوم، فضرب فيهم بسيفه حتى فرَّقهم عن أصحابه.
ثمَّ وصل إليهم فسلَّموا عليه، وأتى بهم، ولكنَّهم كانوا جرحى، فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم، حتى قتلوا في مكان واحد، فعاد العباس إلى أخيه وأخبره بخبرهم.
ولما اشتدَّ العطش بالحُسَين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم) يوم العاشر من المحرَّم، وسمع عويل النساء والأطفال يشكون العطش، طلب العباس (عليه السلام) من أخيه الحُسَين (عليه السلام) السماح له بالبراز لجلب الماء.
فأذن له الحُسَين (عليه السلام)، فحمل على القوم، فأحاطوا به من كلِّ جانب، فقتل وجرح عددًا كبيرًا منهم، وكشفهم وهو يقول:
لا أرهـبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَـا * حتى أواري في المصَاليتِ لُقَى
نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَا * إنّي أنا العبَّاس أغدو بالسـقَا
ولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى
ووصل إلى ماء الفرات، فغرف منه غرفة ليطفئ لَظَى عطشه، فتذكَّر عطش الحُسَين (عليه السلام)، ورمى بالماء وهو يرتجز ويقول:
يَا نفسُ مِن بعد الحُسَين هوني * مِن بعدِهِ لا كُنتِ أن تَكُوني
هَذا الحُسَـينُ وَارِدَ المَنــونِ * وتشـرَبينَ بَاردَ المَعيـنِ
تاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني
فملأ القربة وعاد فحمل على القوم، وقتل وجرح عددًا منهم، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي، فضربه على يمينه، فقطعها، فأخذ (عليه السلام) السيف بشماله، وحمل وهو يرتجز:
واللهِ إنْ قَطعتُمُ يَمينـي * إنِّي أُحَامي أبدًا عن ديني
وعَن إمامٍ صَادِقِ اليقين * نَجلُ النبيِّ الطاهِرِ الأمينِ
فقاتل (عليه السلام) حتى ضعف، فكمن له الحَكَم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة، فضربه على شماله فقطعها، فقال (عليه السلام):
يا نفسُ لا تَخشي مِن الكُفَّارِ * وأبشِري بِرَحمة الجَبَّارِ
مَعَ النَّبـيِّ السـيِّد المختار * قَد قطعوا بِبَغيِهم يَساري
فأصْلِهِم يَا ربِّ حَرَّ النَّارِ
_


[مُختصر آخر مُفيد أَيْضًا حول مولانا وسيّدنا العبّاس بن الإمام عليّ (عليهما السلام) لكن بتفاوت عن الذي ذكرناه آنفًا]

العبّاس (عليه السلام) بن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

اسمه ونسبه:
العبّاس بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، أُمّه فاطمة العامرية الكلابية، وتُعرَف بأمِّ البَنين (عليها السلام).

ولادته:
ولد (عليه السلام) سنة (٢٦ هـ).

كنيته ولقبه:
يُكنَّى (أبو الفَضل)، ويلقَّب بـ (السقَّاء)، و (قَمَر بني هاشم)، و (باب الحوائج)، و (سَبْعُ القَنْطَرة)، و (كَافِل زَينب)، و (بَطَل الشريعة).

خصاله الحميدة وشجاعته:
في مقاتل الطالبيِّين: كان العبَّاس رَجُلًا، وَسيمًا، يركب الفرس المطهَّم، ورجلاه تخطَّان في الأرض.
وفي بعض العبارات: إنَّه كانَ شُجاعًا، فارسًا، وسيمًا، جسيمًا.

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (كَانَ عَمُّنا العبَّاس بن عليٍّ نافذ البصيرة، صَلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاءً حسنًا، ومضى شهيدًا).

وقد كان صاحب لِوَاء الحُسَين (عليه السلام)، واللِّواء هو العَلَم الأكبر، ولا يحمله إلاَّ الشجاع الشريف في المعسكر.

ولمَّا جمع الإمام الحُسَين (عليه السلام) أهلَ بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرَّم، وخطبهم، فقال في خطبته: (أمَّا بعد، فإنِّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرُّ ولا أوصل من أهل بيتي، وهذا الليل قد غشيكم، فاتَّخِذوه جملًا، وليأخذ كلُّ واحدٍ منكم بيدِ رجلٍ من أهل بيتي، وتفرَّقوا في سواد هذا الليل، وذَرُوني وهؤلاء القوم، فإنَّهم لا يريدون غيري).
فقام إليه العبّاس (عليه السلام) فبدأهم، فقال: (ولِمَ نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدًا).
ثمّ تكلَّم أهل بيته وأصحابه بمثل هذا ونحوه.
ولمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العباس (عليه السلام) أمانًا من ابن زياد للعباس وأخوته من أمِّه، قال العباس وأخوته: (لا حاجة لنا في الأمان، أمانُ الله خير من أمان ابن سميَّة).

ولمَّا نادى شِمر: أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته؟ فلم يجبه أحد.
فقال الحُسَين (عليه السلام): (أجيبوه وإن كان فاسقًا، فإنَّه بعض أخوالكم).
فقال له العباس (عليه السلام): (ماذا تريد؟).
فقال: أنتم يا بني أختي آمنون.
فقال له العباس (عليه السلام): (لَعَنَك الله، ولعن أمانك، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له؟!).
وتكلَّم أخوته بنحو كلامه، ثمَّ رجعوا.
_


(١) أُنظر: أعيان الشيعة ٧ / ٤٢٩.
(٢) عمدة الطالب: ٣٥٧.
(٣) مقاتل الطالبيين: ٥٦.
(٤) عمدة الطالب: ٣٥٦.
(٥) الأمالي للشيخ الصدوق ٥٤٨.
(٦) عمدة الطالب: ٣٥٧.
(٧) تاريخ الطبري ٤ / ٣١٢.
(٨) أبصار العين: ٣١.
(٩) مقتل الحُسَين: ١٧٩.
بقلم: محمد أمين نجف.
_


موقفه ليلة العاشر:
أتى أمر من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد يستحثه على المنازلة، فركبوا خيولهم وأحاطوا بالحُسَين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، فأرسل الحُسَين (عليه السلام) أخاه العباس ومعه جملة من أصحابه، وقال: (سلهم التأجيل إلى غد إن استطعت) (٨)، فذهب (عليه السلام) إلى قادة العسكر وتكلّم معهم على التأجيل فأجّلوه.

موقفه يوم العاشر:
لمّا اشتدَّ العطش بالحُسَين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (رضوان الله عليهم) يوم العاشر من المحرَّم، وسمع عويل النساء والأطفال يشكون العطش، طلب العبّاس (عليه السلام) من أخيه الحُسَين (عليه السلام) السماح له بالبراز لجلب الماء.
فأذن له الحُسَين (عليه السلام)، فحمل على القوم، فأحاطوا به من كلِّ جانب، فقتل وجرح عددًا كبيرًا منهم، وكشفهم وهو يقول:
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَا * حتّى أواري في المصَاليتِ لُقَى
نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَا * إنّي أنا العبَّاس أغدو بالسقَا
ولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى (٩).
ووصل إلى ماء الفرات، فغرف منه غرفة ليطفئ لَظَى عطشه، (فلم يشرب لعلمه بعطش الحُسَين (عليه السلام))، ورمى بالماء وهو يرتجز ويقول:
يَا نفسُ مِن بعد الحُسَين هوني * مِن بعدِهِ لا كُنتِ أن تَكُوني
هَذا الحُسَينُ وَارِدَ المَنونِ * وتشرَبينَ بَاردَ المَعينِ
تاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني
فملأ القربة وعاد فحمل على القوم، وقتل وجرح عددًا منهم، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي، فضربه على يمينه، فقطعها، فأخذ (عليه السلام) السيف بشماله، وحمل وهو يرتجز:
واللهِ إنْ قَطعتُمُ يَميني * إنِّي أُحَامي أبدًا عن ديني
وعَن إمامٍ صَادِقِ اليقين * نَجلُ النبيِّ الطاهِرِ الأمينِ
فقاتل (عليه السلام)، فكمن له الحَكَم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة، فضربه على شماله فقطعها، فقال (عليه السلام):
يا نفسُ لا تَخشي مِن الكُفَّارِ * وأبشِري بِرَحمة الجَبَّارِ
مَعَ النَّبيِّ السيِّد المختار * قَد قطعوا بِبَغيِهم يَساري
فأصْلِهِم يَا ربِّ حَرَّ النَّارِ
فأخذ القربة بِفَمِه، وبينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيَّم، إذ صُوِّب نحوه سهمان، أحدهما أصابَ عينه الشريفة، فَسالَت ونبت السهم فيها.
وأمَّا الآخر فقد أصاب القِربة فَأُرِيق ماؤها، وعندها انقطع أمله من إيصال الماء، فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه، فضربه ملعون بعمود من حديد على رأسه فقتله.

وقد قال فيه الإمام الحُسين (عليه السلام)، حين شهادته: (الآن اِنكَسَرَ ظَهرِي، وقَلَّتْ حِيلَتي).

شهادته:
استشهد العبّاس (عليه السلام) في العاشر من المحرّم ٦١ هـ بواقعة الطف في كربلاء، دفن فيها.
_


عدم قبوله أمان ابن زياد:
لمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العبّاس (عليه السلام) أمانًا من ابن زياد للعبّاس وأخوته من أُمِّه، قال العبّاس وأخوته: (لا حاجة لنا في الأمان، أمانُ الله خير من أمان ابن سمية).

ولمَّا نادى شمر: أين بنو أختنا؟ أين العبّاس وأخوته؟ فلم يجبه أحد، فقال الحُسَين (عليه السلام): (أجيبوه وإن كان فاسقًا، فإنَّه بعض أخوالكم) (٦).
فأجابه العباس (عليه السلام): (ماذا تريد)؟ فقال: أنتم يا بني أُختي آمنون، فقال له العبّاس (عليه السلام): (لعنك الله، ولعن أمانك، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له)؟! وتكلَّم أخوته بنحو كلامه، ثمَّ رجعوا.

إيصاله الماء إلى معسكر الحُسَين (عليه السلام):
لمّا اشتد العطش على الحُسَين (عليه السلام) وأصحابه أمر أخاه العبّاس (عليه السلام) فسار في عشرين رجلًا يحملون القرب، وثلاثين فارسًا، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ليلًا، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء، فقال عمرو بن الحجّاج من الرجل؟ قال نافع، قال ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: فاشرب هنيئًا، قال: لا والله لا أشرب منه قطرة والحُسَين عطشان هو وأصحابه، فقالوا: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
فقال نافع لرجاله: املؤا قربكم فملئوها، وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه، فحمل عليهم العبّاس ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء، ثمّ عاد عمرو بن الحجّاج وأصحابه، وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس وأصحابه حتّى ردّوهم، وجاءوا بالماء إلى الحُسَين (عليه السلام) (٧).
_


[مُختصر مُفيد حول مولانا وسيّدنا العبّاس بن الإمام عليّ (عليهما السلام)]

العبّاس بن الإمام عليّ (عليهما السلام) (١)
اسمه ونسبه:
السيّد أبو الفضل، العباس بن الإمام عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام).

ألقابه: نذكر منها ما يلي:
السقَّاء، قمر بني هاشم، باب الحوائج، سَبع القنطرة، كافل زينب، بطل الشريعة.

أُمّه:
السيّدة فاطمة بن حزام العامرية الكلابية، المعروفة بأمِّ البنين (عليها السلام).

ولادته:
ولد العبّاس في الرابع من شعبان ٢٦ هـ.

زواج الإمام عليّ (عليه السلام) لأجله:
روي أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عَالِمًا بأخبار العرب وأنسابهم ـ: (أبغي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب؛ لأتزوّجها فتلد لي غلامًا فارسًا)، فقال له: أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية العامرية، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس، فتزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام (٢)، فولدت له وأنجبت، وأوّل ما ولدت العبّاس (عليه السلام)، وبعده عبد الله، وبعده جعفرًا، وبعده عثمان.

صفاته:
كان العباس رجلًا وسيمًا جسيمًا، يركب الفرس المطهَّم، ورجلاه تخطَّان في الأرض (٣).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (كان عمُّنا العبّاس بن عليّ عليهما السلام نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاءً حسنًا، ومضى شهيدًا) (٤).

وقد كان صاحب لواء الحُسَين (عليه السلام)، واللِّواء هو العلم الأكبر، ولا يحمله إلاَّ الشجاع الشريف في المعسكر.

ترحّم الإمام عليه:
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (رحم الله العبّاس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه، فأبدله الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعباّس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة) (٥).
_


ذكر المؤرخون: إنّ العبّاس بن عليّ عليهما السلام كان أعلم أصحاب الحُسَين عليه السلام يوم عاشوراء، وأضجعهم وأصلبهم إيمانًا، وكان بطلًا، فارسًا، وسيمًا، جسيمًا، بين عينيه أثر السجود، وكان إذا ركب الفرس المطهم يخطّان رجلاه في الأرض خطًّا (١).

(١) ثمرات الأعواد، الهاشمي الخطيب، عليّ بن الحسين، ج١ ص٢٢١.
_


جاء في معنىٰ اسم عبَّاس: هو من عَبَسَ.
العَبَّاسُ: الأسَدُ الذي تهربُ منه الأُسودُ.
رَجُلٌ عَبَّاسٌ: مُقَطِّبٌ، عَبُوسٌ، شَرِسٌ، مُتَجَهِّمٌ، صيغة مبالغة من عبَسَ.

أقول: ليس بمعنى أنّ الإمام العَبَّاس عليه السلام كان عَبُوس الوجه، بل إنَّ الأعداء كانوا عندما يرونه، كان يُرىٰ عَلَىٰ وجوههم العَبس من شدّة خوفهم منه، ولعظيم هيبته، وشجاعته، والمعنى الأوَّل أظهر.

قال السيّد جعفر الحلي رحمه الله:

عَبَسَت وُجوهُ القَومِ خَوفَ المَوتِ والـ *** عبّاسُ فيهم ضاحِكٌ مُتَبَسِّمُ
قَلَبَ اليَمينَ على الشِّمالِ وغاصَ في الـ *** أوساطِ يَحصُدُ للرؤوسِ ويَحطِمُ
وثنى أبو الفضلِ الفوارسَ نُكّصًا *** فرأوا أشدَّ ثَباتِهم أن يُهزموا
بَطَلٌ تورَّثَ مِن أبيه شَجاعَةً *** فيها أنُوفُ بني الضَّلالَةِ تُرغَمُ
بَطَلٌ إذا رَكِبَ المُطَّهَمَ خِلتَهُ *** جَبَلًا أشَمَّ يَخِفُّ فيه مُطهَّمُ
قسمًا بصارِمِهِ الصَّقيل وإنّني *** في غير صاعقةِ السَّما لا أقسِمُ
لولا القَضا لَمَحى الوجودَ بِسَيفهِ *** واللهُ يقضي ما يشاءُ ويَحكُمُ
وهوى بجنبِ العلقميِّ فليتَهُ *** للشاربين به يُدافُ العلقَمُ
فمشى لمصرعِهِ الحُسَينُ وطرفُهُ *** بين الخيام وبينَهُ متقسِّمُ
فأكبَّ منحنيًا عليه ودمعُهُ *** صبغَ البسيط كأنَما هو عندَمُ
قد رامَ بلثمُهُ فلم يرَ موضعًا *** لم يُدمِهِ عَضُّ السلاحِ فيُلثَمُ
نادى وقد ملأَ البواديَ صيحةً *** صُمُّ الصخورِ لهولها تتألمُ
أأخيَّ يُهنيكَ النَّعيمُ ولم أخَلْ *** تَرضى بأن أزرى وأنت منعَّمُ
أأخيَّ مَن يحمي بناتِ محمّدٍ *** إن صرنَ يسترحِمْنَ مَن لا يرحَمُ
_


[كيف قضى الحُسَين عليه السلام وأصحابه ليلة عاشوراء؟]

زحف الجيش نحو خيام الحُسَين عليه السلام عند المساء بعد العصر ــ يوم التاسع من المحرم ــ، واقترب نحو خيم الحُسَين والحُسَين عليه السلام جالس أمام خيمته، إذ خفق برأسه على ركبتيه ...
فقال له العبّاس بن عليّ عليهما السلام: يا أخي قد أتاك القوم فانهض.
فنهض ثمَّ قال: يا عباس اركب ـ بنفسي أنت ـ يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم؟ وما تريدون؟
فأتاهم العباس عليه السلام في نحو عشرين فارسًا، فقال لهم العباس عليه السلام: ما بدا لكم وما تريدون؟
قالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم.
فرجع العباس عليه السلام إلى الحُسَين عليه السلام وأخبره بمقال القوم.
فقال الحُسَين عليه السلام: ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه.
فمضى العباس عليه السلام إلى القوم وسألهم ذلك، فأبوا أن يمهلوهم.
فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: ويلكم والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمّد؟!
وبات الإمام الحُسَين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته ليلة العاشر من المحرم، ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد (١).

(١) مقتل الإمام الحُسَين عليه السَّلام للخطيب العلامة السيد محمّد كاظم القزويني (رحمه الله).
_


(١) العجيب أن القندوزي في ينابيع المودة ج٣ قد نقل الحادثة عن أبي مخنف كما يفترض لكن مع شيء من التغيير، أنهم حفروا بئرا، فصادفتهم صخرة ثمّ أُخرى فصادفتهم صخرة أُخرى كذلك، فقال لأخيه امض قال له: "امض إلى الفرات وآتينا الماء"، فقال: "سمعا وطاعة" ، فضم إليه الرجال، فمنعهم جيش عمر بن سعد، فحمل عليهم العباس فقتل رجالًا من الأعداء حتى كشفهم عن المشرعة، ودفعهم عنها، ونزل فملأ القربة، وأخذ غرفة من الماء ليشرب فذكر عطش الحُسَين وأهل بيته فنفض الماء من يده وقال: "والله لا أذوق الماء وأطفاله عطاش والحُسَين" وأنشأ يقول ... إلخ .. يقول ضم إليه الرجال مع أنه في هذه الحملة لم يكن مع الحُسَين غير أبي الفضل كما تذكر الروايات التاريخية، ولعل القندوزي اشتبه عليه الأمر بين الحملة الأولى التي تمت في اليوم السابع حيث كان مع العباس عدد من الرجال وانتهت بأن جلبوا الماء للمخيم، وبين الثانية التي كان فيها وحده واستشهد على إثرها.
(٢) مقتل الحُسَين عليه السلام ـ أبو مخنف الأزدي ص١٧٩.
(٣) إننا نجد حتى الذين يقفون في طرف المنافسة أو العداء، لا يملكون أنفسهم من الاعجاب بمواقف أهل البيت في كربلاء، فهذا مصعب بن الزبير، كما قيل لما أراد قتال عبد الملك بن مروان، بلغ الحائر فوقف على قبر الحُسَين فقال: يا أبا عبد الله أما والله لئن كنت غصبت نفسك ما غصبت دينك، ثم قال: وإن الألى بالطف من آل هــاشم *** تآسوا فسنوا للكرام التأسيــا
(٤) من قضايا النهضة الحُسَينية، (أسئلة وحوارات): الجزء الثاني.
_


يضاف إلى ذلك أن الذكر حينئذ لا يلزم منه الغفلة قبله. خصوصًا وأن للذكر مراتب تتفاوت شدة وضعفًا. كما أنه يمكن على فرض صحة الوصف وكشفه عن حالة أبي الفضل سلام الله عليه، أن يقال بأن العبّاس الذي قد قدم لتوه من عمل عسكري ضخم حيث اخترق الصفوف حتى وصل إلى المشرعة وأزال عنها أربعة آلاف فارس ـ كما نقلوا ـ على رأسهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ونزل إلى شاطئ الفرات، وهنا قد يكون الأمر على نحو الحركة اللاشعورية التي تحدث للظامئ والعطشان عندما يرى الماء فإنه يسارع إليه، في رد فعل سريع لرؤيته، ويملأ كفه، لكن مع أدنى توجه إلى تلك الحركة اللاشعورية، يقوم أبو الفضل عليه السلام بسكب الماء مرة أُخرى ويمتنع عن الشرب. ويا بعد ما بين الشطر الأول والشطر الثاني من السؤال، فإن الأول يستكثر على أبي الفضل عليه السلام تلك الحركة اللاشعورية للظامئ بينما يطالبه الشطر الثاني بأن يشرب الماء وأن يلتذ به!! والجواب عليه: أما حكاية المحافظة على النفس، والنجاة من الموت، فلم يعلم أن أبا الفضل عليه السلام كان قد بلغ به العطش مبلغًا يؤدي إلى إنهاء حياته حتى يجب المحافظة عليها بشرب الماء، وذلك أننا رأيناه يقاتل بعد ذلك قتال الأبطال لفترة غير قصيرة، ومن حاله هكذا لم يكن ليهلكه العطش. وأما أنه لماذا لم يشرب حتى يتقوى على قتال الأعداء، فإضافة إلى الجواب السابق، نقول هؤلاء قوم ليس مشروعهم في الحياة البقاء، وإنما مشروعهم تقديم النموذج الإيماني والأخلاقي العالي. حتى تأتي الأجيال (٣) وتقتدي بهم في إيمانها، وصمودها، ودفاعها، وإلا فما قيمة شربة ماء لن تقدم أو تؤخر في الصورة النهائية للمعركة؟ إنما قيمة الامتناع عنها هي التي تؤسس معنى في الإيثار، والأخوة لم يسبق له نظير. إن الموقف الذي يطالب السائل هو الموقف الذي يلتزم به أكثر الناس، في هذه المواقف حيث لا يقدّمون في مضمار سباق القيم، والحاجات الشخصية إلا الثانية. لكن أهل البيت عليهم السلام ومن تأثر بهم يريدون أن يرفعوا الإنسان إلى سماء أُخرى، ذات آفاق أرحب، لا سيما في كيفية العلاقة مع الأئمة والقادة (٤).
_


[هل كان أبو الفضل العبّاس عليه السلام ناسيًا لعطش الحُسَين عليه السلام عندما اقتحم نهر الفرات فتذكر عطش الحُسَين عليه السلام لما أراد الشرب؟]

نص الشبهة: 
هل كان أبو الفضل العبّاس عليه السلام ناسيًا لعطش الحُسَين عليه السلام عندما اقتحم نهر الفرات، (فتذكر) عطش الحُسَين عليه السلام لما أراد الشرب؟ وألم يكن المناسب أن يشرب الماء لكي يتقوى على قتال الأعداء؟ أو كان يجب عليه الشرب لكي يحافظ على نفسه من الهلاك؟

الجواب: 
أصل الخبر هو ما ورد في مقتل الحُسَين لأبي مخنف الأزدي (١) كما نقل: ( .. فقال له الحُسَين عليه السلام: إن عزمت فاستسق لنا ماء، فأخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة قالوا واغترف من الماء غرفة ثمّ ذكر عطش الحُسَين عليه السلام فرمى بها وقال:
يا نفس من بعد الحُسَين هوني * وبعده لا كنت أن تكوني هذا الحُسَين وارد المنــون * وتشربين بارد المعــين (٢) هذا هو المصدر الرئيس للخبر، وقد ذكره في البحار بعنوان في بعض تأليفات أصحابنا.
الموجود هو وصف المؤرخين لحالة أبي الفضل العبّاس عليه السلام وهو ليس سوى وصف ظاهري للواقعة من دون أن يعلم الراوي عما كان يعتلج في نفس العبّاس عليه السلام حينئذ. كما أنه لم يرد ذلك في نص روائي معتبر عن المعصوم حتى يفيدنا علمًا بالموضوع.
_


[عقل العبّاس وزينب عليهما أفضل الصّلاة والسّلام]

كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) جالسًا يومًا في بيته، وقد جلس إلى جانبيه طِفلان صغيران: العبّاس، وزينب عليهما السلام. قال عليٌّ (عليه السلام) للعبّاس عليه السلام: قُلْ: واحد.
- واحد. - قُلْ: اثنان - أستحيي أنْ أقول باللسان الذي قُلت به: واحد، أنْ أقول اثنان! فقبَّل عليٌّ (عليه السلام) عينيه ثمَّ التفت إلى زينب عليها السلام، وكانت على يساره فقالت: يا أبتا، أتُحبُّنا؟ - نعم يا بُنيَّتي، أولادُنا أكبادُنا!. - يا أبتاه، حُبَّان لا يجتمعان في قلب المؤمن: حُبُّ الله، وحُبُّ الأولاد، وإنْ كان لا بُدَّ، فالشَّفقة لنا والحُبُّ لله خالصًا. فازداد عليٌّ (عليه السلام) بهما حُبًَّا. إنَّ تقبيل الإمام (عليه السلام) عيني طفله الصغير، على صراحته واستقامته، وازدياد حُبِّه له ولأُخته الصغيرة، مُكافأة جميلة لهما؛ على ما صدر منهما. وفي الواقع فإنَّ بيت عليٍّ (عليه السلام) كان طافحًا بالتوحيد والإيمان، مليئًا بالحُبِّ الإلهيِّ والفَناء في ذاته ولذلك؛ فإنَّ الأطفال قد تلقُّوا تربيةً سليمة، وطفحت قلوبهم كأبيهم بحُبِّ الله وتوحيده (١).

(١) القَصص التربويَّة عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي، للطيف الراشدي، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأُولى ٢٠٠٤ م.
_


٢- البصيرة النافذة

في زمن أعمى الغبش بصيرة كثير من الناس كان العبّاس نافذ البصيرة، معتنقًا لفكر الرسالة والإمامة، فكانت خيارات الطريق واضحة جلية لديه، لم يشوشها بريق النضار، ولا زهو المنصب، ولا رداء الوجاهة، ولا الأفكار المتصارعة، فلم يعبأ بإغراءات شمر وغيره بأمان مكفول، أو قيادة جيش عرمرم (١). لقد كان قلبه عامرًا بالله ـ سبحانه وتعالى ـ، ويرى كلّ شيء ويقيّمه من خلال نظرته لله، فما كان يستطيع شيء من الأشياء ـ أنّى كان شكله فاتنًا ـ أن يزيح خطاه الراسخة عن درب الحقّ والصدق.
وتتجلى هاتان الصفتان في حياة أبي الفضل العبّاس ـ عليه السلام ـ حين يصفه الإمام الصّادق (عليه السلام) ـ بلسانه، وحين يقف زائرًا له، فيشهد له بهما، وما أعظمها من شهادة، إنّها شهادة إمام معصوم يتوّجه بهذا الوسام البهي الخالد، فيخاطبه:

"كان عمنا العبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله الحُسَين - عليه السلام -، وأبلى بلاء حسنًا، ومضى شهيدًا".

"نعم الأخ المواسي ﻷخيه".

"أشهد أنّك لم تهن، ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتديًا بالصالحين".

(١) العَرَمْرَمُ: شديد، كثير، جيش عَرَمْرَم: كثير العدد.
_


١- المواساة الصادقة

فأبو الفضل العبّاس عليه السلام هو ذلك القلب الشفاف كالبلور، المرهف كالحرير، الندي كالورد، الحساس لأحزان الإنسانية والبراءة، المصغي لصيحاتها الكليمة وآهاتها الفجيعة، الذي يتفطّر لبكاء طفل صغير أكظه الظمأ، فيهبّ كالسهم الثاقب ليجلب الماء، وهمّه الوحيد الذي يسكن وجدانه أن يُنعم مهجة ذلك الطفل الوديع الظامئ، ويبرّد غليله، ويسكت لوعته، ويطفئ لهب دمعته الوارية.وحين يصل المشرعة وقلبه يتلظى من حرارة الشمس وشراسة الحرب وشدة العطش، ويغترف من معينها البارد جرعة يدنيها من فمه لا تغيب عنه مناظر الأطفال تهفو قلوبهم إلى قطرة ماء تسكّن سعير أكبادهم المتفتتة، وتسقي صحراء مهجتهم الملتاعة، فتتقاطر عليه صور الأطفال يلهبها الظمأ، حتى تصيح من شدة وقدته: (العطش.. العطش)، وتخيّم عليه صورة الطفل الرضيع يبكي وقد دلع لسانه وشحبت ألوانه من شدة العطش بعد أن جفّ ثدي أُمّه التي سبقته لسكنى نار الظمأ، وتتمثل أمامه رقية الغضة ذابلة كالزهرة الذاوية، وسكينة تترقب الجود، وتنتصب صورة أخيه الحُسَين السبط ـ عليه السلام ـ وقد أصبح قلبه كصالية الحديد من الظمأ، يرى ذلك كلّه في حفنة الماء التي اغترفها ليشرب؛ فيلقي الماء على الماء، ويدمدم:
يا نفس، من بعد الحُسَين هوني *** وبعده لا كنتِ أن تكوني
هـذا الحُسَـين وارد المـنون *** وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فـعال دينـي *** وﻻ فعال صادق اليقين
وحتى حين يريد أخوه الحُسَين أن ينقله إلى المخيم بعد أن فلق رأسه العمود المشؤوم، يجيب الحُسَينَ عليه السلام بكلّ شفقة وعطف وحنوّ، ويطلب منه أن يتركه في ساحة الوغى، فيسأله الحُسَين عليه السلام: لِمَ يا أخي؟!، فيقول: لأنّي وعدتُ سكينة بالماء، وأستحي أن تراني دونه!!
_


[أبو الفضل العبّاس صلوات الله وسلامه عليه: المواساة الصادقة والبصيرة النافذة]

تطلّ علينا شمائل الرفعة في أخلاق أبي الفضل العباس بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ كنمير زلال نستمدّ منه أفكارنا وأخلاقياتنا ومواقفنا، ويربطنا بالجذر الراسخ الممتد الذي ننتمي إليه، ونستظلّ بدوحته الوارفة. لقد تحلى أبو الفضل العبّاس عليه السلام بالشمائل الإيمانية والخلقية والعلمية السامية: كصلابة الإيمان، والإنسانية الحانية، والبصيرة النافذة، والمواساة الصادقة، والتواضع الفريد، والشجاعة المذهلة، والفداء العظيم، والعلم الواسع. وفي هذه العجالة الخاطفة سنغترف غيضًا من فيض معين صفتين من صفاته النبيلة:
_


وأمّا الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس فقد كان يشبّه بجده أمير المؤمنين عليه السلام. خرج توقيع المأمون بخطه وفيه: يعطى الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين ألف درهم لشبهه بجدّه أمير المؤمنين. تزوج زينب بنت الحسين بن علي ابن عبد الله بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي، نسبة إلى أُمّه زينب بنت أمير المؤمنين عليهم السلام، وكان حفيده محمد بن علي بن حمزة موجهًا شاعرًا نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره، مات سنة ٢٨٦ هـ كذا جاء في عمدة الطالب، وترجمة الخطيب في تاريخ بغداد ج٢ ص٦٣ وقال: كان رواية للأخبار وهو صدوق وله الرواية عن جماعة كثيرة. وفي تهذيب التهذيب ج٩ ص٣٥٢ وصفه بالعلوي البغدادي ونقل عن ابن أبي حاتم انه صدوق ثقة.

وأما إبراهيم ويعرف بجردقة كان من الفقهاء والأُدباء والزهاد، وابنه علي أحد الأجواد له جاه وشرف مات سنة ٢٦٤ وأولد تسعة عشر ولدًا، ومن أحفاده أبو الحسن علي بن ابراهيم جردقة كان خليفة أبي عبد الله بن الداعي على النقابة ببغداد كذا جاء في (العمدة) وعبد الله بن علي بن إبراهيم جردقة جاء إلى بغداد ثمّ سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثمّ حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة، توفي في مصر في رجب سنة ثلثمائة واثني عشر كما جاء في تاريخ بغداد ج١٠ ص٣٤٦ وكان زاهد عصره قد طاف أكثر الأقطار يكتب عن أهل البيت.

وأما عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس بن أمير المؤمنين عليهم السلام ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري: ما رأيت أحدًا أهيب ولا أهيأ ولا أمرأ من عبيد الله بن الحسن تولّى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيام المأمون سنة ٢٠٤ كما ذكر ذلك البغدادي في تاريخ بغداد ج١٠ ص٣١٣. وفي سنة ٢٠٤ وسنة ٢٠٦ ولاه إمارة الحاج كما ذكر الطبري في ج١٠ ص٣٥٥. مات ببغداد في زمن المأمون وكانت أُمّه وأمّ أخيه العبّاس أُمّ ولد.
__


وقال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) ج١٢ ص١٣٦: العبّاس بن الحسن بن عبيد الله كان عالمًا شاعرًا فصيحًا من أفصح رجال بني هاشم لسانًا وبيانًا وشعرًا، ويزعم أكثر العلوية انه أشعر ولد أبي طالب (١).

ومن شعره يذكره إخاء أبي طالب عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ـ لعبد الله ـ والد رسول الله لأبيه وأُمّه ـ من بين إخوته:
إنا وإن رسول الله يجمعنا *** أبٌ وأُمٌّ وجدٌّ غير موصوم
جاءت بنا ربّةٌ من بين أسرته *** غرّاء من نسل عمران بن مخزوم
حزنا بها دون من يسعى ليدركها *** قرابة من حواها غير مسهوم
رزقا من اللَّه أعطانا فضيلته *** والناس من بين مرزوق ومحروم
قال الداودي (في عمدة الطالب): وأما الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العبّاس فقد كان لسنًا فصيحًا، شديد الدين عظيم الشجاعة محتشمًا عند الخلفاء ويقال له: ابن الهاشمية، وهو الذي يؤبن جده أبا الفضل شهيد الطف بقوله:
أحقُّ النــاسِ أن يُبكى عليه     فتًى أبكى الحُسَينَ بـ (كربلاءِ)
أخــوهُ وابنُ والــــــدِه عليٍّ     أبو الفضلِ المضـــرَّجُ بالدماءِ
ومَن واساهُ لا يثنيـــه شيءٌ     فجــــــــادَ له على ظمـأٍ بمـاءِ (٢)
أقول: وأعقب الفضل من ثلاثة: جعفر والعبّاس ومحمّد.

(١) قال السيّد المقرم في كتابه (قمر بني هاشم): اولد العباس عشرة ذكور وذكر بعضهم.
(٢) ذكر الأبيات أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٨٩ / والشيخ عبد الحسين الأميني في الغدير ج٣ ص٣ / والسيد جواد شبر في أدب الطف ج١ ص١٢٨.
_


[أولاد سيدنا العبّاس عليه السلام وأحفاده]

أولاد سيّدنا العبّاس عليه السلام وأحفاده كانوا جميعًا علماء فضلاء، أبرار أتقياء وكانوا كلّهم ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والعبادة والسخاء والخطابة يستفيد الناس من علومهم وكمالاتهم.
كان لسيّدنا أبي الفضل العبّاس بن عليّ عليهم السلام ولدان: عبيد الله والفضل، وأُمّهما لُبابة عليها السلام بنت عبيد الله بن العبّاس بن عبد المطلب هي زوجة سيّدنا العبّاس عليه السلام. أما عبيد الله بن العبّاس بن أمير المؤمنين عليهم السلام فقد كان عالمًا كبيرًا ومنه العقب فإن الفضل أخاه لا عقب له، وكان عبيد الله بن العبّاس - كما قال النسابة العمري في (المجدي) - من كبار العلماء موصوفًا بالجمال والكمال والمرؤة؛ مات سنة ١٥٥ هـ، تزوج من ثلاث عقائل كريمات الحسب:
١- رقية بنت الحسن بن علي
٢- وبنت معبد بن عبد الله بن عبد المطلب
٣- وبنت المسور ابن مخرمة الزبيري
كذا ذكر السيّد البحاثة المقرم في كتابه (قمر بني هاشم) ثمَّ قال: ولعبيد الله منزلة كبيرة عند السجاد عليه السلام كرامة لموقف أبيه أبي الفضل العباس عليه السلام، وكان اذا رأى عبيد الله بن العبّاس عليهما السلام رقّ واستعبر باكيًا، فإذا سئل عنه قال: إني أذكر موقف أبيه يوم الطّف فما أملك نفسي، ولعبيد الله بن العبّاس ولدان: عبد الله والحسن، وانحصر العقب في الحسن فإن عبد الله أخاه لا عقب له، وذرية الحسن بن عبيد الله ابن العبّاس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء أُدباء وهم: الفضل، الحمزة، إبراهيم، العباس، عبيد الله.
قال الداودي في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: كان أكبرهم العبّاس وكان سيّدًا جليلًا. قال النجاري: ما رؤي هاشمي أعضب (١) لسانًا منه. وفي البحار عن تاريخ بغداد: انه جاء إلى بغداد أيام هارون الرشيد فأكرمه وأعظمه واحترمه وبعده في أيام المأمون زاد المأمون في إكرامه حيث كان فاضلًا شاعرًا فصيحًا، ويظنه الناس أنه أشعر أولاد أبي طالب. ومن شعره قوله مفتخرًا:
وقالت قريش لنا مفخر *** رفيعُ على الناس لا ينكرُ
فقد صدقوا لهمُ فضلهم *** وبينهم رتبُ تقصر
وأدناهم رحمآ بالنبي *** إذا فخروا فيه المفخر
بنا الفخر منكم على غيركم *** فأمّا علينا فلا تفخروا
ففضل النبي عليكم لنا *** أقرّوا به بعد ما أنكروا
فإن طرتم بسوى مجدنا *** فان جناحكم الأقصر (٢)

(١) عَضُب لسانه عُضُوبة إذا صار عضبًا: وهو حديد الكلام. وعَضُب لسانُه بالضم عُضُوبة: صار عضْبًا، أي حديدًا في الكلام.
(٢) عن الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى.
_

Показано 20 последних публикаций.