«إنها مُجردُ أرقام!»
كان الطلابُ على مشارف الامتحانات، فكتب مدير المدرسة إلى أولياء أمورهم رسالة يقول فيها:“أعلمُ أنكم قلقون على أطفالكم، وتريدون أن يُحصلوا علاماتٍ عالية، هذا حقكم، ولكن تذكروا جيداً أن من بين الذين سيتقدمون للامتحان هناك الفنان الذي لا حاجة له أن يفهم الرياضيات، وهناك المقاول الذي لا يهمه التاريخ والأدب، وهناك المؤلف الذي لا تهمه علامة الكيمياء، وهناك الرياضي الذي سيحتاج اللياقة البدنية أكثر من الفيزياء، فإذا حصل ابنكم على علامة عالية فهذا ممتاز، وإذا لم يحصل فأخبروه أنكم ستحبونه رغم كل شيء، ولا تسلبوا منه ثقته بنفسه، ولا تحكموا عليه بالفشل، فامتحان واحد أو علامة منخفضة ليست مبرراً لقتل المواهب والأحلام، ورجاءً لا تفكروا أن الأطباء والمهندسين هم أسعد الناس في هذا العالم!”.
هذا الرجل تُرفع له القبعة، وهذه المقولة لخليق أن تُكتب بماء الذهب على صحافٍ من فضة! ليس في الأمر انتقاصاً من التفوق والنجاح في المدارس، ولا ازدراءً للاجتهاد وتحصيل العلامات العالية، ولا تشكيكاً بالامتحانات، أساساً أجمع فقهاء التربية أن الامتحانات والعلامات ليست أداة قياس خلاقة للكشف عن قدرات الناس، ولكن لم تهتدِ البشرية حتى الآن لأداة أكثر عدلاً منها!
من حق الآباء أن يفخروا بتفوق أولادهم، فالصياد يختال بصيده، والمزارع يبتهج بمحصوله، والأديب يزدهي بنصه، والرسام يغتبط بلوحته، هذا وهي أشياء، فكيف بمن يُنتج إنساناً! ولستُ أعارض إعجابي بفكر الرجل إذ أقول أن واجب الآباء أن يحثوا أبناءهم على الاجتهاد والدرس والتفوق، ولكن ليس من حق الآباء أن يزنوا أولادهم بما يحصلون من علامات، ولا أن يختاروا لهم طريق حياتهم فيقتلوا مواهبهم اعتقاداً منهم أن التعليم الأكاديمي هو الطريق الوحيد للنبوغ، ولتحقيق حياة مرفهة.
وإحدى مشاكل الأهل المستعصية أنهم يعتقدون أن الشهادات الأكاديمية وسيلة رهيبة لتحقيق الثراء، رغم أن هذا شيء يكذبه الواقع، لاعب كرة قدم شهير يجني مقدار ما يجنيه مئات الأطباء، وشاكيرا تجني لوحدها ما لا يجنيه أساتذة جامعة كامبردج مجتمعون، غير أن نجاح الإنسان لا يُقدر بما يجني من مال، ولكني طرحتُ هذه الأمثلة من باب النقاش ليس إلا! وإلا فاسكوبار جنى من المخدرات أكثر مما جناه آينشتاين في نظرية النسبية!
الأشخاص الذين غيروا مجرى التاريخ أغلبهم لا يملكون شهادات جامعية، أبقراط وابن سينا لم يتخرجا من كلية الطب، ولو كانوا بيننا اليوم لما سُمح لهم بمزاولة المهنة!
بيتهوفن لم يتخرج من المعهد العالي للفنون، والمتنبي لا يحمل شهادة في الأدب العربي، ولو شارك في شاعر المليون فسيتم استبعاده لقلة التصويت!
سيبويه لا يحمل شهادة في النحو، والخليل لا يحمل شهادة في العروض، وبمعيار اليوم لن تقبلهم الجامعات أساتذة فيها، رغم أن الأول وضع النحو، والثاني اكتشف موسيقى الشعر!
نيوتن لا يحمل شهادة جامعية في الفيزياء، وبيكاسو لم يذهب إلى معهد الفنون الجميلة، خالد بن الوليد لم يتخرج من الكلية الحربية ولكنه أفقه بالحرب من جنرالات البنتاغون!
الشافعي لا يحمل شهادة في الشريعة، وأحمد بن حنبل ليس لديه مؤهل أكاديمي يسمح له أن يعتلي منبراً اليوم!
ابن الهيثم لا يحمل شهادة في طب العيون، وعمر بن الخطاب هازم الإمبراطوريات، واضع الدواوين، سائس أمة كاملة بالعدل والحنكة لا يحمل شهادة في القانون الدولي!
حتى بيل غيتس يقول: رسبتُ في بعض مواد الجامعة بينما نجح صديقي في تخطيها جميعاً، وهو اليوم مهندس في مايكروسوفت وأنا مالك الشركة!
خلاصة القول:التفوق الأكاديمي شيء جميل، والمدارس واحدة من أقدس الأماكن على وجه الأرض، ولكن القبيح أن يُكال الأولاد بعلاماتهم فيكون مقدارهم مقدار ما يُحصلون من درجات وكأنهم بضائع تُوزن، وسلع تُثمن، ثم لماذا على الجميع أن يكونوا أطباء وكأن مهمة كل إنسان أن يداوي نفسه، ولماذا على الجميع أن يكونوا مهندسين وكأن شق الطرق ورفع البنايات وبناء الجسور فرض عين!
لا يوجد واحد منا إلا ويعرف عشرات بل مئات الأسماء الناجحة في حياتها والتي لا تحمل شهادات أكاديمية ولم تتخرج من الجامعات، إذا وجدنا النبوغ الأكاديمي علينا أن نشجعه ونرعاه ونثيب عليه، وإذا رأينا موهبة أخرى علينا أن لا نئدها لأن وأد المواهب من وأد الأرواح، ثم قد لا يكون هناك نبوغ ولا موهبة، فهل ندفن أولادنا؟!
إننا نحتاج البقال والنجار والحداد والسمكري وعامل النظافة والطاهي والخياط والاسكافي وبائع الزهور!
فكفوا عن تقديس العلامات إنها مجرد أرقام!
أدهم الشرقاوي
كان الطلابُ على مشارف الامتحانات، فكتب مدير المدرسة إلى أولياء أمورهم رسالة يقول فيها:“أعلمُ أنكم قلقون على أطفالكم، وتريدون أن يُحصلوا علاماتٍ عالية، هذا حقكم، ولكن تذكروا جيداً أن من بين الذين سيتقدمون للامتحان هناك الفنان الذي لا حاجة له أن يفهم الرياضيات، وهناك المقاول الذي لا يهمه التاريخ والأدب، وهناك المؤلف الذي لا تهمه علامة الكيمياء، وهناك الرياضي الذي سيحتاج اللياقة البدنية أكثر من الفيزياء، فإذا حصل ابنكم على علامة عالية فهذا ممتاز، وإذا لم يحصل فأخبروه أنكم ستحبونه رغم كل شيء، ولا تسلبوا منه ثقته بنفسه، ولا تحكموا عليه بالفشل، فامتحان واحد أو علامة منخفضة ليست مبرراً لقتل المواهب والأحلام، ورجاءً لا تفكروا أن الأطباء والمهندسين هم أسعد الناس في هذا العالم!”.
هذا الرجل تُرفع له القبعة، وهذه المقولة لخليق أن تُكتب بماء الذهب على صحافٍ من فضة! ليس في الأمر انتقاصاً من التفوق والنجاح في المدارس، ولا ازدراءً للاجتهاد وتحصيل العلامات العالية، ولا تشكيكاً بالامتحانات، أساساً أجمع فقهاء التربية أن الامتحانات والعلامات ليست أداة قياس خلاقة للكشف عن قدرات الناس، ولكن لم تهتدِ البشرية حتى الآن لأداة أكثر عدلاً منها!
من حق الآباء أن يفخروا بتفوق أولادهم، فالصياد يختال بصيده، والمزارع يبتهج بمحصوله، والأديب يزدهي بنصه، والرسام يغتبط بلوحته، هذا وهي أشياء، فكيف بمن يُنتج إنساناً! ولستُ أعارض إعجابي بفكر الرجل إذ أقول أن واجب الآباء أن يحثوا أبناءهم على الاجتهاد والدرس والتفوق، ولكن ليس من حق الآباء أن يزنوا أولادهم بما يحصلون من علامات، ولا أن يختاروا لهم طريق حياتهم فيقتلوا مواهبهم اعتقاداً منهم أن التعليم الأكاديمي هو الطريق الوحيد للنبوغ، ولتحقيق حياة مرفهة.
وإحدى مشاكل الأهل المستعصية أنهم يعتقدون أن الشهادات الأكاديمية وسيلة رهيبة لتحقيق الثراء، رغم أن هذا شيء يكذبه الواقع، لاعب كرة قدم شهير يجني مقدار ما يجنيه مئات الأطباء، وشاكيرا تجني لوحدها ما لا يجنيه أساتذة جامعة كامبردج مجتمعون، غير أن نجاح الإنسان لا يُقدر بما يجني من مال، ولكني طرحتُ هذه الأمثلة من باب النقاش ليس إلا! وإلا فاسكوبار جنى من المخدرات أكثر مما جناه آينشتاين في نظرية النسبية!
الأشخاص الذين غيروا مجرى التاريخ أغلبهم لا يملكون شهادات جامعية، أبقراط وابن سينا لم يتخرجا من كلية الطب، ولو كانوا بيننا اليوم لما سُمح لهم بمزاولة المهنة!
بيتهوفن لم يتخرج من المعهد العالي للفنون، والمتنبي لا يحمل شهادة في الأدب العربي، ولو شارك في شاعر المليون فسيتم استبعاده لقلة التصويت!
سيبويه لا يحمل شهادة في النحو، والخليل لا يحمل شهادة في العروض، وبمعيار اليوم لن تقبلهم الجامعات أساتذة فيها، رغم أن الأول وضع النحو، والثاني اكتشف موسيقى الشعر!
نيوتن لا يحمل شهادة جامعية في الفيزياء، وبيكاسو لم يذهب إلى معهد الفنون الجميلة، خالد بن الوليد لم يتخرج من الكلية الحربية ولكنه أفقه بالحرب من جنرالات البنتاغون!
الشافعي لا يحمل شهادة في الشريعة، وأحمد بن حنبل ليس لديه مؤهل أكاديمي يسمح له أن يعتلي منبراً اليوم!
ابن الهيثم لا يحمل شهادة في طب العيون، وعمر بن الخطاب هازم الإمبراطوريات، واضع الدواوين، سائس أمة كاملة بالعدل والحنكة لا يحمل شهادة في القانون الدولي!
حتى بيل غيتس يقول: رسبتُ في بعض مواد الجامعة بينما نجح صديقي في تخطيها جميعاً، وهو اليوم مهندس في مايكروسوفت وأنا مالك الشركة!
خلاصة القول:التفوق الأكاديمي شيء جميل، والمدارس واحدة من أقدس الأماكن على وجه الأرض، ولكن القبيح أن يُكال الأولاد بعلاماتهم فيكون مقدارهم مقدار ما يُحصلون من درجات وكأنهم بضائع تُوزن، وسلع تُثمن، ثم لماذا على الجميع أن يكونوا أطباء وكأن مهمة كل إنسان أن يداوي نفسه، ولماذا على الجميع أن يكونوا مهندسين وكأن شق الطرق ورفع البنايات وبناء الجسور فرض عين!
لا يوجد واحد منا إلا ويعرف عشرات بل مئات الأسماء الناجحة في حياتها والتي لا تحمل شهادات أكاديمية ولم تتخرج من الجامعات، إذا وجدنا النبوغ الأكاديمي علينا أن نشجعه ونرعاه ونثيب عليه، وإذا رأينا موهبة أخرى علينا أن لا نئدها لأن وأد المواهب من وأد الأرواح، ثم قد لا يكون هناك نبوغ ولا موهبة، فهل ندفن أولادنا؟!
إننا نحتاج البقال والنجار والحداد والسمكري وعامل النظافة والطاهي والخياط والاسكافي وبائع الزهور!
فكفوا عن تقديس العلامات إنها مجرد أرقام!
أدهم الشرقاوي
اللهم صبّ على أهل غزة رِضاً وصبراً ونصراً وفرجا. اللهم اجبر كسرَهم، وارحم ضعفَهم، فلا ناصر لهم إلا أنت، ولا مولى لهم سواك. اللهم وأبدل خوفهم أمناً، وحزنهم فرحاً، وضيقهم فرجاً.. يا أرحم الراحمين اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبيِّـنَا مُحَمَّدٍ ﷺ