ألبسه ربطة عنق يصِر مقبولاً...
يظهر العالمانيون ومن شابههم من المنتسبين للدعوة الإسلامية دائماً بصورة الواقعيين المدركين لواقع العصر، وأنهم أولئك الذين لا يريدون مطاردة أحلام الإسلاميين في استعادة زمن قد ولَّى، وأحياناً يظهرون بصورة الحامين للمجتمع من الوحشية الإسلاموية أو الرجعية والتخلف، وهكذا تراهم يلوكون مصطلحات لا أدري إن كانوا يفهمونها أم لا، ولكن المؤكَّد أن المتلقي لكلامهم لا يضبطها، وإنما يحضر في ذهنه مجموعة من الصور القاتمة التي كوَّنها الإعلام.
أنا كنت أظن أن أطروحاتهم عميقة ومبنية على دراسة ومشاهدة على بطلانها، ولكن ظهر لي بعد زمن أن كثيراً منهم لا يختلف عن مراهقة كونت كثيراً من تصوراتها عن طريق متابعة الدراما وقراءة الروايات.
بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ألحَّت في ذهني أفكار عديدة.
كانوا يصوِّرون لنا أن نظام عقوبات فيه جلد ورجم وقطع يد سيعيش المجتمع تحته في رعب عظيم، وأن الدول الأخرى لن تتعامل معنا والحال هذه (تأمَّل السذاجة وكأنَّ هذه الدول تُهمُّها القيم أكثر من المصالح)!
وقد رأينا بأعيننا نظاماً عنده سجون بلغت الغاية من الوحشية، ومئات الآلاف من السجناء بلا تهم حقيقية، ومقابر جماعية تضم مئات الآلاف، وقتل الملايين وانتهاك الأعراض، ووسائل تعذيب بلغت الغاية من القسوة.
وهنا أكلِّم القوم على عقولهم، وإلا فعندي لو يُرجم ألف شخص فذلك عمل صالح طيب إن كان بحق، وإن سُجن شخص واحد -مجرد سجن- ظلماً فهذا أعظم من الرجم بحق، ولكنهم دائماً يجردون الأمر عن سياقه ويقفون عند صورة العقوبة سواءً كان المُعاقَب ظالماً أو مظلوماً.
باسم الأمن ارتكبت كل هذه الفظائع وتُرتكب في كل مكان في العالم، فلماذا نستشنع أن تُرتكب باسم الأمن عقوبة واردة في القرآن؟
ولاحظ أنهم أشغلوا الزمان في مطاردة عقوبات لا حضور لها في الواقع إلا نادراً، بينما هم في غفلة عن هذه الفظائع.
يصورون لك أن تقسيم الناس على أساس دينهم أمر عظيم ولا يناسب العصر، بينما تحكم أقليات كالنصيرية أغلبية أكثر من خمسين سنة ويضطهدونها بناءً على تقسيم عقائدي (علوي وسني)، وحتى الهند فإن الهندوس فيها يفعلون ما يفعلون بالمسلمين والكل يرى أن التعامل معها ضرورة!
ولا يُعامَل السلفيون معاملة أهل الذمة مثلاً، بل يعامَلون معاملة الطوائف المرتدة، فتوضع أسماؤهم في كشوفات تذكِّرك بمحاكم التفتيش!
إجبار النساء على الحجاب معضلة كبيرة، بينما إجبار الناس على ترك صلاة الفجر أو ترك الصلاة أثناء الخدمة العسكرية ومحاربة الحجاب والنقاب في عدد من الدول الأوروبية، كل ذلك أمر يمكن أن تمشي معه الحياة وينزل معه المطر ويأكل الناس وينعمون، بينما سيلحق بهم القحط إن منعوا التبرج كما تمنع عموم الأنظمة انتقاد النظام أو تمنع الأنظمة الغربية من نقد الكيان الصهيوني أو التشكيك بالهولوكست أو نقد المثلية الجنسية!
من الأمور العجيبة: أنهم تضايقوا من راية (لا إله إلا الله،) فجاءهم بعض الناس بالرئيس الأمريكي وقد وضع راية حزبه إلى جانب علم الولايات المتحدة، ومن سنوات طوال هكذا نستدل عليهم بوجود الأمر في الغرب، وكأنَّ الغرب وقفوا على شفير المستحيل فكل ما لم يفعلوه فهو مستحيل، وما وقع منهم فهو ممكن، وهذا إيمان أعمى عجيب يتجاوز حتى البداهة العقلية في أن الممكن أعم من الواقع! وهذا الإيمان يتبدد إن وجدوا من يقمع الإسلاميين بأمر زائد عما في الغرب، فهنا يصيرون يدركون خصوصية المجتمع!
وعلى كثرة حديثهم عن التعددية هم محصورون في قالب الدولة الحديثة، ليس فقط مؤسسياً، بل حتى شكلياً، فلا بد من ربطة العنق والتشبه بالهيئة الغربية قدر المستطاع، حتى يطمئن العالمانيون على سنَّتهم التي هي ليست قشوراً وشكليات، بينما السنة النبوية التي يرجو فيها المرء الثواب قشور وشكليات وتعيق عن الوصول إلى القمر.
ومن أكثر الأمور طفوليةً أنه لا يجبرك على اعتقاده، ولكنه يجبرك أن تكون دولتك مبنية على نتائج اعتقاده، فهو لاديني يرى الدين أمراً ثانوياً، فإذا بنيت دولة فعليك أن تراعي هذا المعنى، وهم هكذا ليسوا مؤدلجين ولا مجبِرين لغيرهم على أفكارهم!
ودول عانت الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية والحروب الداخلية والاختلاسات، وبقيت قائمة يخوفونها وغيرها من ذهاب بعض مصادر الاقتصاد المحرمة.
وهذا كله خطاب مع القوم على عقولهم وإلا فباب المصالح وترتيبها عندنا مختلف.
يظهر العالمانيون ومن شابههم من المنتسبين للدعوة الإسلامية دائماً بصورة الواقعيين المدركين لواقع العصر، وأنهم أولئك الذين لا يريدون مطاردة أحلام الإسلاميين في استعادة زمن قد ولَّى، وأحياناً يظهرون بصورة الحامين للمجتمع من الوحشية الإسلاموية أو الرجعية والتخلف، وهكذا تراهم يلوكون مصطلحات لا أدري إن كانوا يفهمونها أم لا، ولكن المؤكَّد أن المتلقي لكلامهم لا يضبطها، وإنما يحضر في ذهنه مجموعة من الصور القاتمة التي كوَّنها الإعلام.
أنا كنت أظن أن أطروحاتهم عميقة ومبنية على دراسة ومشاهدة على بطلانها، ولكن ظهر لي بعد زمن أن كثيراً منهم لا يختلف عن مراهقة كونت كثيراً من تصوراتها عن طريق متابعة الدراما وقراءة الروايات.
بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ألحَّت في ذهني أفكار عديدة.
كانوا يصوِّرون لنا أن نظام عقوبات فيه جلد ورجم وقطع يد سيعيش المجتمع تحته في رعب عظيم، وأن الدول الأخرى لن تتعامل معنا والحال هذه (تأمَّل السذاجة وكأنَّ هذه الدول تُهمُّها القيم أكثر من المصالح)!
وقد رأينا بأعيننا نظاماً عنده سجون بلغت الغاية من الوحشية، ومئات الآلاف من السجناء بلا تهم حقيقية، ومقابر جماعية تضم مئات الآلاف، وقتل الملايين وانتهاك الأعراض، ووسائل تعذيب بلغت الغاية من القسوة.
وهنا أكلِّم القوم على عقولهم، وإلا فعندي لو يُرجم ألف شخص فذلك عمل صالح طيب إن كان بحق، وإن سُجن شخص واحد -مجرد سجن- ظلماً فهذا أعظم من الرجم بحق، ولكنهم دائماً يجردون الأمر عن سياقه ويقفون عند صورة العقوبة سواءً كان المُعاقَب ظالماً أو مظلوماً.
باسم الأمن ارتكبت كل هذه الفظائع وتُرتكب في كل مكان في العالم، فلماذا نستشنع أن تُرتكب باسم الأمن عقوبة واردة في القرآن؟
ولاحظ أنهم أشغلوا الزمان في مطاردة عقوبات لا حضور لها في الواقع إلا نادراً، بينما هم في غفلة عن هذه الفظائع.
يصورون لك أن تقسيم الناس على أساس دينهم أمر عظيم ولا يناسب العصر، بينما تحكم أقليات كالنصيرية أغلبية أكثر من خمسين سنة ويضطهدونها بناءً على تقسيم عقائدي (علوي وسني)، وحتى الهند فإن الهندوس فيها يفعلون ما يفعلون بالمسلمين والكل يرى أن التعامل معها ضرورة!
ولا يُعامَل السلفيون معاملة أهل الذمة مثلاً، بل يعامَلون معاملة الطوائف المرتدة، فتوضع أسماؤهم في كشوفات تذكِّرك بمحاكم التفتيش!
إجبار النساء على الحجاب معضلة كبيرة، بينما إجبار الناس على ترك صلاة الفجر أو ترك الصلاة أثناء الخدمة العسكرية ومحاربة الحجاب والنقاب في عدد من الدول الأوروبية، كل ذلك أمر يمكن أن تمشي معه الحياة وينزل معه المطر ويأكل الناس وينعمون، بينما سيلحق بهم القحط إن منعوا التبرج كما تمنع عموم الأنظمة انتقاد النظام أو تمنع الأنظمة الغربية من نقد الكيان الصهيوني أو التشكيك بالهولوكست أو نقد المثلية الجنسية!
من الأمور العجيبة: أنهم تضايقوا من راية (لا إله إلا الله،) فجاءهم بعض الناس بالرئيس الأمريكي وقد وضع راية حزبه إلى جانب علم الولايات المتحدة، ومن سنوات طوال هكذا نستدل عليهم بوجود الأمر في الغرب، وكأنَّ الغرب وقفوا على شفير المستحيل فكل ما لم يفعلوه فهو مستحيل، وما وقع منهم فهو ممكن، وهذا إيمان أعمى عجيب يتجاوز حتى البداهة العقلية في أن الممكن أعم من الواقع! وهذا الإيمان يتبدد إن وجدوا من يقمع الإسلاميين بأمر زائد عما في الغرب، فهنا يصيرون يدركون خصوصية المجتمع!
وعلى كثرة حديثهم عن التعددية هم محصورون في قالب الدولة الحديثة، ليس فقط مؤسسياً، بل حتى شكلياً، فلا بد من ربطة العنق والتشبه بالهيئة الغربية قدر المستطاع، حتى يطمئن العالمانيون على سنَّتهم التي هي ليست قشوراً وشكليات، بينما السنة النبوية التي يرجو فيها المرء الثواب قشور وشكليات وتعيق عن الوصول إلى القمر.
ومن أكثر الأمور طفوليةً أنه لا يجبرك على اعتقاده، ولكنه يجبرك أن تكون دولتك مبنية على نتائج اعتقاده، فهو لاديني يرى الدين أمراً ثانوياً، فإذا بنيت دولة فعليك أن تراعي هذا المعنى، وهم هكذا ليسوا مؤدلجين ولا مجبِرين لغيرهم على أفكارهم!
ودول عانت الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية والحروب الداخلية والاختلاسات، وبقيت قائمة يخوفونها وغيرها من ذهاب بعض مصادر الاقتصاد المحرمة.
وهذا كله خطاب مع القوم على عقولهم وإلا فباب المصالح وترتيبها عندنا مختلف.