Репост из: ⚖الميزان⚖
المختصر المفيد في فتنة الصعافقة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل بالهداية على من شاء، سبحانه، يحكم ما يريد، ويفعل ما يشاء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فقد كنت أظن أن من تصدى لفتنة الصعافقة من طلبة العلم وعامة السلفيين؛ لم يوفق للجواب الصحيح لهذه الفتنة، لم يوفقوا له أولا، ثم أعرض بعضهم عنه، وتجاهلوه ثانيا، ولما نشر كتاب "الجامع الهادي إلى أدلة الشيخ محمد بن هادي"، وما تبعه من تفاصيل المناظرة أو الحوار الذي دار بين الإمام ربيع والشيخ رائد آل طاهر حفظهما الله، تأكد ذلك الظن أكثر وأكثر، وصار جليا أن سبب استمرار هذه الفتنة واستمرار آثارها الضارة على الدعوة السلفية خصوصا في بعض البلدان؛ كبلاد ليبيا، هو الذهول عن الجواب الصحيح لها بوجه عام، وإعراض بعض طلبة العلم عنه بوجه خاص، حيث عرضت هذا الجواب عليهم، وسألتهم التوجيه فيه، والنصيحة بشأنه، ومنهم بعض كبار طلبة العلم، وممن لهم جهود طيبة في التصدي لهؤلاء المفسدين، ومع ذلك لم أجد جوابا من أحد منهم، لا تأييدا ولا تفنيدا، لا إقرارا ولا تصويبا، باستثناء ثلاث بشارات بشرني بها الشيخ خالد عثمان حفظه الله، ومع أنه قد مضى على هذه البشارات الثلاث أكثر من عامين كاملين، فأني لازالت في انتظار بشارته!.
وإنه من المؤسف أن يصير التصديق بالحق، فضلا عن الصدع به، أمرا خاضعا للاختيار والتشهي، وأن يتحول الإصلاح إلى سوق يتخذ فيه كل مصلح دكانا خاصا به، يعرض فيه ما أعجبه من الحق، ويعرض ويتجاهل عما لم يعجبه، بل بعض المتصدين للإصلاح والدعوة، يعرضون ما يروج وينفق في هذا السوق، ويتجنبون ويجبنون عما يرون فيه سببا للمتاعب أو أذية الخلق لهم!
ولا شك أن كلا الطريقين -التشهي والاختيار في حمل الحق أو الجبن ومداهنة الناس فيه - ليس من سبيل المصلحين، ولا من خصال الإيمان والتقوى، وقد قال الله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
الزمر (32)(33)
يقول العلامة السعدي في الآية الثانية بعد تفسيره للآية الأولى: ((ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق. { وَصَدَّقَ بِهِ } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. { أُولَئِكَ } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به)). انتهى من تفسيره رحمه الله
فإذا لم يكن هذا الجواب الذي عرض عليهم حقا يستوجب التصديق به، فكان الواجب إرشاد السائل للحق، وبيان وجه الخطأ فيما يعرض، فإن هذا من واجب النصيحة، ومن آداء الأمانة التي حملوها!.
وإن من الأمور التي تكشفت في هذه الفتنة، وغيرها من الأحداث، هو التساهل العجيب بالأمانة لدى المتصدين للدعوة، والمتصدرين للتعليم والإرشاد، بل يصل أحيانا حد الاستخفاف بها، فمن مظاهر هذا التساهل بآداء الأمانة: المزاجية المفرطة في التعامل مع القضايا العلمية والدعوية، ومن مظاهره أيضا الاستقلال والتفرد عند كل داعية ومصلح، على خلاف ما أمر الله به من التعاون على البر والتقوى، مما يوحي بتدابر وتنافر وتباغض خفي بين الدعاة لمنهج واحد، وطريقة سلفية سنية واحدة، تواجه فرقا وأحزابا متكاثرة متكالبة على هذا المنهج الحق وأهله.
فكأن هذا التساهل والاستخفاف بالأمانة، هو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من رفع الأمانة، كما في الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان: ﻗﺎﻝ : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺪﻳﺜﻴﻦ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﺍﻵﺧﺮ ﺣﺪﺛﻨﺎ : ( ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﺬﺭ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ) ﻭﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺭﻓﻌﻬﺎ ﻗﺎﻝ : ( ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻴﻈﻞ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻮﻛﺖ ﺛﻢ ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺠﻞ ﻛﺠﻤﺮ ﺩﺣﺮﺟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻚ ﻓﻨﻔﻂ ﻓﺘﺮﺍﻩ ﻣﻨﺘﺒﺮﺍً ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﺒﺎﻳﻌﻮﻥ ﻓﻼ ﻳﻜﺎﺩ ﺃﺣﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻴﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﻓﻼﻥ ﺭﺟﻼً ﺃﻣﻴﻨﺎً ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﺃﻋﻘﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﻇﺮﻓﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﺟﻠﺪﻩ ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺣﺒﺔ ﺧﺮﺩﻝ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل بالهداية على من شاء، سبحانه، يحكم ما يريد، ويفعل ما يشاء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فقد كنت أظن أن من تصدى لفتنة الصعافقة من طلبة العلم وعامة السلفيين؛ لم يوفق للجواب الصحيح لهذه الفتنة، لم يوفقوا له أولا، ثم أعرض بعضهم عنه، وتجاهلوه ثانيا، ولما نشر كتاب "الجامع الهادي إلى أدلة الشيخ محمد بن هادي"، وما تبعه من تفاصيل المناظرة أو الحوار الذي دار بين الإمام ربيع والشيخ رائد آل طاهر حفظهما الله، تأكد ذلك الظن أكثر وأكثر، وصار جليا أن سبب استمرار هذه الفتنة واستمرار آثارها الضارة على الدعوة السلفية خصوصا في بعض البلدان؛ كبلاد ليبيا، هو الذهول عن الجواب الصحيح لها بوجه عام، وإعراض بعض طلبة العلم عنه بوجه خاص، حيث عرضت هذا الجواب عليهم، وسألتهم التوجيه فيه، والنصيحة بشأنه، ومنهم بعض كبار طلبة العلم، وممن لهم جهود طيبة في التصدي لهؤلاء المفسدين، ومع ذلك لم أجد جوابا من أحد منهم، لا تأييدا ولا تفنيدا، لا إقرارا ولا تصويبا، باستثناء ثلاث بشارات بشرني بها الشيخ خالد عثمان حفظه الله، ومع أنه قد مضى على هذه البشارات الثلاث أكثر من عامين كاملين، فأني لازالت في انتظار بشارته!.
وإنه من المؤسف أن يصير التصديق بالحق، فضلا عن الصدع به، أمرا خاضعا للاختيار والتشهي، وأن يتحول الإصلاح إلى سوق يتخذ فيه كل مصلح دكانا خاصا به، يعرض فيه ما أعجبه من الحق، ويعرض ويتجاهل عما لم يعجبه، بل بعض المتصدين للإصلاح والدعوة، يعرضون ما يروج وينفق في هذا السوق، ويتجنبون ويجبنون عما يرون فيه سببا للمتاعب أو أذية الخلق لهم!
ولا شك أن كلا الطريقين -التشهي والاختيار في حمل الحق أو الجبن ومداهنة الناس فيه - ليس من سبيل المصلحين، ولا من خصال الإيمان والتقوى، وقد قال الله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
الزمر (32)(33)
يقول العلامة السعدي في الآية الثانية بعد تفسيره للآية الأولى: ((ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق. { وَصَدَّقَ بِهِ } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. { أُولَئِكَ } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به)). انتهى من تفسيره رحمه الله
فإذا لم يكن هذا الجواب الذي عرض عليهم حقا يستوجب التصديق به، فكان الواجب إرشاد السائل للحق، وبيان وجه الخطأ فيما يعرض، فإن هذا من واجب النصيحة، ومن آداء الأمانة التي حملوها!.
وإن من الأمور التي تكشفت في هذه الفتنة، وغيرها من الأحداث، هو التساهل العجيب بالأمانة لدى المتصدين للدعوة، والمتصدرين للتعليم والإرشاد، بل يصل أحيانا حد الاستخفاف بها، فمن مظاهر هذا التساهل بآداء الأمانة: المزاجية المفرطة في التعامل مع القضايا العلمية والدعوية، ومن مظاهره أيضا الاستقلال والتفرد عند كل داعية ومصلح، على خلاف ما أمر الله به من التعاون على البر والتقوى، مما يوحي بتدابر وتنافر وتباغض خفي بين الدعاة لمنهج واحد، وطريقة سلفية سنية واحدة، تواجه فرقا وأحزابا متكاثرة متكالبة على هذا المنهج الحق وأهله.
فكأن هذا التساهل والاستخفاف بالأمانة، هو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من رفع الأمانة، كما في الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان: ﻗﺎﻝ : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺪﻳﺜﻴﻦ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﺍﻵﺧﺮ ﺣﺪﺛﻨﺎ : ( ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﺬﺭ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ) ﻭﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺭﻓﻌﻬﺎ ﻗﺎﻝ : ( ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻴﻈﻞ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻮﻛﺖ ﺛﻢ ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺠﻞ ﻛﺠﻤﺮ ﺩﺣﺮﺟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻚ ﻓﻨﻔﻂ ﻓﺘﺮﺍﻩ ﻣﻨﺘﺒﺮﺍً ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﺒﺎﻳﻌﻮﻥ ﻓﻼ ﻳﻜﺎﺩ ﺃﺣﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻴﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﻓﻼﻥ ﺭﺟﻼً ﺃﻣﻴﻨﺎً ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﺃﻋﻘﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﻇﺮﻓﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﺟﻠﺪﻩ ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺣﺒﺔ ﺧﺮﺩﻝ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ )