Фильтр публикаций




عجبت من الفتن وشدة عرضها على القلوب، وكيف أن ذلك لا يستثني أحدا، حتى قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك" وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام:( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وقال لكليمه موسى عليه السلام: (فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا).

وكم من عالم وداعية يكون حسن السيرة في الفتن، حتى تأتيه الفتنة على غير ما مارس من الوجوه، وفي غير ما تعود من الرسوم، كأن يظهر الله له الحق الذي خالفه أضعف ما يكون، مجردا عن كل رغبة ورهبة، إلا الرغبة في الله والرهبة منه، ليبتلي صدقه وإخلاصه، ومدى قيامه بأمر الله، لا يريد بذلك إلا وجهه سبحانه وتعالى .. وإن الله ناصر دينه، ومظهره على الدين كله لا محالة، ولكن ليبلو بذلك من شاء من عباده، وإن العالم حقا من إذا وردت الفتنة على قلبه عرفها.

فيا لله العجب من تصريف هذه الفتن، وكم يخرج الله بها من مكنونات الصدور، وخوافي أمراض القلوب، وإن السعيد من إذا ظهر له شيء من ذلك، أناب إلى ربه، واعترف بذنبه، ولم يكابر ويعاند، أو يغض الطرف عما أبداه الله له رحمة به، بل اشتغل في علاجه، ورغب إلى الله في إصلاح أحواله .. فاللهم أصلحنا وأصلح بنا، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.


Репост из: قناة السلف ب الحافاب والفريخة والضانقيل والعسياب والقمبرات
❀•°
🌱قائِمَةُ↫زَادُ المُتَّقِينَ🌱


🌱قال ابن سيرين رحمه الله:
«إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم»
▪️[رواه مسلم]

🌱↜إِليكُم القَنَوات السّلفيّة المَوثُوقة الطّيِّبَة "بإِذن اللّه" 👇🏻:
▪️https://t.me/Hafab5

•••═══ ༻✿༺═══ •••
🌴↫تصاميم دعوية ••🌱

🌴↫قناة الأتــــرجة •• | 🍊

🌴↫مُخْتَـارَاتٌ أَدَبِيَّةٌ وَشِعْرِيَّـةٌ🌧

🌴↫قناة آثار العلامة محمد علي فركوس

🌴↫🖋خواطِرٌ عَــابِــرَةٌ ❀•°

🌴↫🌱 جمِيل الأَثَر

🌴↫•❁ قناة أعلام وتاريخ الإسلام❁•

🌴↫هَمْسَة 'ﮮ

🌴↫أَذْكَـــارِي 📚

🌴↫قناة المحجة البيضاء

🌴↫قناة تأملات قرآنية

🌴↫⚖️قناة المـيزان⚖️

🌴↫قناة أطايب الثمر📖🕯

🌴↫🌸🍃 حـــبْــرُ نَــقَــ🎊ـــآء 🍃🌸

🌴↫قناة درر إسلامية

🌴↫قناة أكبر تجمع لقوائم القنوات السلفية📻

🌴↫قناة الشيخ محمد بله النعيم حفظه الله

🌴↫قناة "يَنابــ⸙ـــــــــيــ؏ِ العِلــــم «للنساء فقط»

🌴↫قناة جواهر من أقوال السلف🌺

🌴↫عَلَى خُطَى السَّلَف نَسِير

🌴↫قناة رَوضَةُ العُقلَاءِ وَنُزهَةُ الفُضَلَاءِ📖

🌴↫قناة إذاعة نهر النيل السلفية بالسودان

🌴↫بصمة

🌴↫🌻••|حصن المسلم|••🌻

🌴↫قناة طيبة المدينة

🌴↫✍️.. قناة أقوال أهل العلم..✍️

🌴↫قناة نصيحتي للنساء ‌|| ❀

🌴↫قناة محدث العصر الألباني رحمه الله

🌴↫❀•°فَوَائِدُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ

🌴↫قناة مكة المكرمة

🌴↫قناة🍁الْكِتَابْ وَاَلْسُنَّة بِفَهْمْ سّلَفْ اَلْأُمَّة🍁

🌴↫قناة📚 نوآفع آلگلم 📚

🌴↫قناة📚 الأثر السلفية 📚

🌴↫قناة السفيرة الدعوية

🌴↫قناة 🍃قـدِۆتٌــيَ آلُـسـلُــفَ، 🥀

🌴↫قناة رَيْــحَــانَہ

🌴↫قناة قناة التوحيد و السنة

🌴↫قناة •نـۦبہٰﹻڕاس الخَـۦيرۦۦٰ‏'ے 🍂

🌴↫قناة تاريخُ الأمّة وحاضرها ❀•°

🌴↫قناة اللُّبابُ مِن وَاحَة الآدَابِ | 🍇

🌴↫قناة مصحف مرتل مقسم لصفحات برواية حفص للشيخ الحصري رحمه الله تعالى

🌴↫قناة فهرس القنوات السلفية

🌴↫قناة على خطى السلف الصالح الدعوية

🌴
↫قناة💎|الجوهرة السنية|💎

🌴↫ قناة ★☆ مــعـرفـة الــصــحـابـة ☆★

🌴↫قناة السلف بالحافاب الفريخة الضانقيل العسياب القمبرات

🌴↫قناة مركز الفوزان لتحفيظ القرآن والدراسات الإسلامية

🌴↫قناة السعودية بلاد التوحيد

🌴↫قناة تراث الشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم ❀•°

🌴↫قناة مدينة عطبرة بالسودان

🌴↫قناة مدينة بربر بالسودان

🌴↫قناة✿••| تـلاواتــ و عبـر|•• ✿

🌴↫قناة اثبتي إنها أيام قلائل والموعد الجنة📚🍃

🌴↫قناة فتاوى لــكبار العلماء

🌴↫قناة صوت

🌴↫ قناة إحياء السنن

🌴↫قناة 📚🍃أَسْــــرَارْ اللُّغـَـــة الْعرَبِية 🍃📚

🌴↫قناة تعلموا التوحيد ياعباد الله📚

•••═══ ༻✿༺═══ •••

⚠️ تنبيه: القائمة يمكنكم النشر تحتها و حذفها يكون بعد 4 ساعات.
⚠️ تنبيه آخر للقنوات التي تشارك قوائم مشبوهة، أرجو التنبه لهذا لأنه قد نحذف القنوات الغير ملتزمة بهذا والله الموفق.
⚠️ القناة التي تظهر أسفل القائمة تتغير كل مرة حسب ترتيب القائمة، فهي عبارة عن دعم فردي للقنوات المنضمة للقائمة لكي لا يكون ظهور قناة صاحب القائمة وفقط.


⛔️ ملاحظة: سنحذف القائمة نهائيا عند انتهاء الدعم لكل القنوات. والله الموفق


Репост из: ★☆ مــعـرفـة الــصــحـابـة ☆★
❀•°
🌱قائِمَةُ↫زَادُ المُتَّقِينَ🌱


🌱قال ابن سيرين رحمه الله:
«إنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم»
▪️[رواه مسلم]

🌱↜إِليكُم القَنَوات السّلفيّة المَوثُوقة الطّيِّبَة "بإِذن اللّه" 👇🏻:
▪️https://t.me/mareft_alsahaba

•••═══ ༻✿༺═══ •••
🌴↫تصاميم دعوية ••🌱

🌴↫قناة الأتــــرجة •• | 🍊

🌴↫مُخْتَـارَاتٌ أَدَبِيَّةٌ وَشِعْرِيَّـةٌ🌧

🌴↫قناة آثار العلامة محمد علي فركوس

🌴↫🖋خواطِرٌ عَــابِــرَةٌ ❀•°

🌴↫🌱 جمِيل الأَثَر

🌴↫•❁ قناة أعلام وتاريخ الإسلام❁•

🌴↫هَمْسَة 'ﮮ

🌴↫أَذْكَـــارِي 📚

🌴↫قناة المحجة البيضاء

🌴↫قناة تأملات قرآنية

🌴↫⚖️قناة المـيزان⚖️

🌴↫قناة أطايب الثمر📖🕯

🌴↫🌸🍃 حـــبْــرُ نَــقَــ🎊ـــآء 🍃🌸

🌴↫قناة درر إسلامية

🌴↫قناة أكبر تجمع لقوائم القنوات السلفية📻

🌴↫قناة الشيخ محمد بله النعيم حفظه الله

🌴↫قناة "يَنابــ⸙ـــــــــيــ؏ِ العِلــــم «للنساء فقط»

🌴↫قناة جواهر من أقوال السلف🌺

🌴↫عَلَى خُطَى السَّلَف نَسِير

🌴↫قناة رَوضَةُ العُقلَاءِ وَنُزهَةُ الفُضَلَاءِ📖

🌴↫قناة إذاعة نهر النيل السلفية بالسودان

🌴↫بصمة

🌴↫🌻••|حصن المسلم|••🌻

🌴↫قناة طيبة المدينة

🌴↫✍️.. قناة أقوال أهل العلم..✍️

🌴↫قناة نصيحتي للنساء ‌|| ❀

🌴↫قناة محدث العصر الألباني رحمه الله

🌴↫❀•°فَوَائِدُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ

🌴↫قناة مكة المكرمة

🌴↫قناة🍁الْكِتَابْ وَاَلْسُنَّة بِفَهْمْ سّلَفْ اَلْأُمَّة🍁

🌴↫قناة📚 نوآفع آلگلم 📚

🌴↫قناة📚 الأثر السلفية 📚

🌴↫قناة السفيرة الدعوية

🌴↫قناة 🍃قـدِۆتٌــيَ آلُـسـلُــفَ، 🥀

🌴↫قناة رَيْــحَــانَہ

🌴↫قناة قناة التوحيد و السنة

🌴↫قناة •نـۦبہٰﹻڕاس الخَـۦيرۦۦٰ‏'ے 🍂

🌴↫قناة تاريخُ الأمّة وحاضرها ❀•°

🌴↫قناة اللُّبابُ مِن وَاحَة الآدَابِ | 🍇

🌴↫قناة مصحف مرتل مقسم لصفحات برواية حفص للشيخ الحصري رحمه الله تعالى

🌴↫قناة فهرس القنوات السلفية

🌴↫قناة على خطى السلف الصالح الدعوية

🌴
↫قناة💎|الجوهرة السنية|💎

🌴↫ قناة ★☆ مــعـرفـة الــصــحـابـة ☆★

🌴↫قناة السلف بالحافاب الفريخة الضانقيل العسياب القمبرات

🌴↫قناة مركز الفوزان لتحفيظ القرآن والدراسات الإسلامية

🌴↫قناة السعودية بلاد التوحيد

🌴↫قناة تراث الشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم ❀•°

🌴↫قناة مدينة عطبرة بالسودان

🌴↫قناة مدينة بربر بالسودان

🌴↫قناة✿••| تـلاواتــ و عبـر|•• ✿

🌴↫قناة اثبتي إنها أيام قلائل والموعد الجنة📚🍃

🌴↫قناة فتاوى لــكبار العلماء

🌴↫قناة صوت

🌴↫ قناة إحياء السنن

🌴↫قناة 📚🍃أَسْــــرَارْ اللُّغـَـــة الْعرَبِية 🍃📚

🌴↫قناة تعلموا التوحيد ياعباد الله📚

•••═══ ༻✿༺═══ •••

⚠️ تنبيه: القائمة يمكنكم النشر تحتها و حذفها يكون بعد 4 ساعات.
⚠️ تنبيه آخر للقنوات التي تشارك قوائم مشبوهة، أرجو التنبه لهذا لأنه قد نحذف القنوات الغير ملتزمة بهذا والله الموفق.
⚠️ القناة التي تظهر أسفل القائمة تتغير كل مرة حسب ترتيب القائمة، فهي عبارة عن دعم فردي للقنوات المنضمة للقائمة لكي لا يكون ظهور قناة صاحب القائمة وفقط.


⛔️ ملاحظة: سنحذف القائمة نهائيا عند انتهاء الدعم لكل القنوات. والله الموفق


ولا إخال كذبكم وصفاقة وجوهكم - مع أنها بلغت مبلغا عظيما - تبلغ بكم أن تدعوا غفلة ذلك الهولندي، ثم إن ادعيتموها له فمن سيقدر على تصديقكم!! إن ذلك الهولندي نفسه سيشهد في قرارة نفسه أنكم كاذبون، وأن الغفلة لم تعرف له طريقا وهو يعيش في مستنقع الكفر والرذيلة!!

أما الوصف الثالث، وهو وصف الإيمان فدون إثباته لذاك الهولندي نجوم السماء، ولم يبق للصعافقة إلا أن يشهدوا له بالجنة، ويشهدوا للشيخ محمد بن هادي بالنار أعاذنا الله وإياه من النار.

ولكن من صار يتكلم عن الله بالغيب، ويوقع لعنة الله على من شاء، ويرفعها عمن يشاء، قد لا يستغرب منه ذلك، فإن الصعافقة نزعوا إلى الصوفية في فتنتهم هذه بشبه كبير، وما غلوهم في الشيخ ربيع عنا ببعيد. فهل يفعلها منير ويشهد لنا بإيمان الهولندي حتى يصح منه الإخبار بلعنة المعين!! مع أنه لو شهد بإيمانه لما صح منه الشهادة بلعنة من قذفه.

هذا، وإن في كتب التفاسير ما هو أشد على هذا المسكين مما سبق ذكره، فقد قيل إن آية اللعن نزلت في قذفة عائشة رضوان الله عليها خاصة بعضهم لا كلهم، كابن سلول وأشباهه، وقال بعضهم هي في كل من يقذف أمهات المؤمنين عموما دون غيرهن. وقيل إنها نزلت في مشركي قريش: كانوا إذا هاجرت المرأة؛ قالوا إنما خرجت لتفجر، فنزلت هذه الآية ردا على المشركين، ودفاعا عن المهاجرات رضوان الله عليهن، فجاء هذا المخذول فأنزلها على مسلم معين، يدافع بها عن مهاجر، ولكن إلى أين؟! إلى حيث تبرأ ذمة رسول الله ممن يقيم هنالك، إلى بلاد الكفر والإلحاد!!.

وليته أنزلها على مسلم عادي، ولكنه أنزلها على عالم من العلماء الذين يتدين لله بمحبتهم وتوقيرهم، والذين يجب كف الأذى عنهم، وستر ما يصدر منهم تعظيما وصيانة وتقديرا لما يبذلونه من نشر دين الله، أنزلها على داعية من الدعاة إلى دين الله، الذي تشهد آثاره بدعوته، مما لا يسع الصعافقة إنكاره، إلا إذا أرادوا أن يكذبوا الشيخ ربيع ويتهموه بالغش والتدليس فيما سبق من ثناءه القديم عليه.

بل إننا نرى أن تحذيره من الصعافقة حسنة من حسنات دعوته، ولو أعطي الصعافقة رشدهم لشكروه على ذلك، ولحمدوا منه ذلك يوم القيامة.

إن الله أحق من يتقى يا منير السعدي، وإن الكذب على الله ليس ككذب على أحد، وقد رأيت كيف أوقعك الله فيما وقعت فيه من الإثم والحوب العظيم وأنت لا تشعر، حتى رجمت بالغيب عن الله، وتقولت عليه ما لا علم لك به، ولا تأمن أنت ولا أشباهك من الوقوع فيما هو أشد من ذلك، ولا تأمن أن يستدرجك الله حتى تقع في شر أعمالك إذا أصررتم على البقاء على ما أنتم عليه من الضلال ((فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )) ولكم في هاني بن بريك لخير عبرة إن كنتم تذكرون، بل قد تكونون واقعين فيما هو أشد من هذا وأنتم لا تشعرون.

إن من يستخف بالله فقد أوبق نفسه وأهلكها، وخسر آخرته ودنياه، ولا يستخف بالله وأمره وعقابه ومكره إلا جاهل مغرور، ومن يبيت النية السوء، ويبارز الله بها، ويلبس الحق بالباطل وهو يعلم، ويمكر بدينه وبأوليائه، ويصر على إضلال عباد الله، فقد استخف بالله، واغتر، والله شديد المحال فماذا ينتظر أمثال هؤلاء إن لم يتوبوا؟! .

فليتب منير السعدي من رجمه بالغيب، وقوله على الله بغير علم، قبل أن يلقى الله بها، ثم لا يجد منها مخلصا، وليتب هو وأشباهه وأتباعه من الطعن في العلماء، والخوض في أعراضهم، قبل أن يبعثوا يوم القيامة مفاليس، والويل ثم الويل لمن أفلس في ذلك اليوم. (وستذكرون ما أقول لكم).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، محمد بن عبدالله وعلى آله وصحابته أجمعين.


إن الساعة لآتية لا ريب فيها يا منير السعدي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد، فقد أصبحنا نشعر أنه ليس يقين لا شك فيه، أشبه عند الصعافقة بشك لا يقين معه، من القيامة وأهوالها، وما فيها من الحساب والقصاص، وما فيها من العذاب والنكال، ولو لا ذلك لما كان حال الصعافقة هذا الحال، ولما هان عليهم دينهم، وغامروا بآخرتهم كل هذه المغامرة.

فهل يظن هؤلاء أنهم خالدون في الدنيا أبدا، وهم يرون مصارع من يليهم ومن خلا! ويرون يد الموت لا تكل ولا تفتر، فمن تخطته اليوم أخذته غدا. أم يظنون أن الله يخفى عليه ما انطوت عليه ضمائرهم وقلوبهم من الشر والإثم .. هيهات هيهات .. ولكنه الغرور والأماني الباطلة التي يمدهم بها الشيطان وحزبه...

فمن آخر ما أحدثوه، ما تفوه به منير السعدي، من قوله: (محمد بن هادي قاذف ثبت عليه القذف وإن برّأته المحكمة من حكم الجلد فلا يُنْفَ عنه بقية الأحكام المتعلّقة بحكم القذف كالفسق وردّ الشهادة وصفة الكذب واللعن في الدنيا والآخرة والوعيد بالعذاب الشديد).

ولا أريد أن أقف معه في كم كبير من الضلال الذي احتواه هذا الكلام الذي تظهر فيه لوثات مذهب الخوارج وغلوهم، فقد سبق نقاش كثير من هذا الضلال من قبل، وطالب الحق يكفيه دليل واحد، وأما المبطل فلو وضعت الشمس بين عينيه لما أبصر.

ولكني سأقف معه وقفة واحدة، وهي ما استجد من شأن الصعافقة في هذا الكلام، وهي سقطة شنيعة جدا، أربت وفاقت بمراحل سقطة صاحبه البخاري، عندما زعم أن محمدا بن هادي قاذف بنص كتاب الله، ألا وهي قوله: "واللعن في الدنيا والآخرة" فتقوّل هذا السعدي على الله بغير علم، ونسب إليه تعالى وتقدس سبحانه أنه يلعن فلانا من المعينين، وأن هذا اللعن واقع لا محالة بالمعني سواء برأته المحكمة أم لا، وسواء تاب فتاب الله عليه أم لا!!

فليت شعري هل أوحى الله إليك بذلك يا مسكين، أم أن الله أحيى لك رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أخبرك أن الله يلعن فلانا!! لقد والله جازفت وتهورت وتهوكت وأوقعك الله في شر عملك وخلقك، حتى أصبحت تكذب على أهل السماء، بعد أن كنت وصحبك تكذبون على أهل الأرض، وصرت ترجم بالغيب عن الله، تعالى الله عن قول الظالمين الأفاكين علوا كبيرا.

ولا يخفى أن ما أوقع منير السعدي فيما وقع فيه من الكذب على الله هي أمراضهم القديمة التي لأجلها وصفهم الشيخ محمد بن هادي بما وصفهم به، وهي أمراض عديدة يجملها لفظ الصعافقة، أما على التفصيل فهي كثيرة، منها: الظلم والبغي والتطاول على الشرع وعلى العلماء، والعناد والإصرار على الباطل، والكذب الذي وصلوا فيه الآن إلى الكذب على أهل السماء، بالإضافة إلى الجهل المتين، وما نحن بصدده من كلام منير السعدي عينة واحدة من هذا الجهل.

فليتهم حين وصفهم العلماء بما وصفوهم به اشتغلوا بإصلاح عيوبهم ومداوة أمراضهم وعللهم، ولو فعلوا ذلك لما وقع هذا السعدي فيما وقع فيه من القول الشنيع، والفرية العظيمة على الله تقدست أسماؤه، ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

إن الله تبارك اسمه علق حد القذف في الدنيا على وصف واحد وهو الإحصان، فقال عز وجل:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
النور (4) أما العقوبة الأخروية فقد علقت على ثلاثة أوصاف، وهي الإحصان والغفلة والإيمان، فقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ).

فهب أننا صدقناكم فيما تدعونه وتتمحلون في إثباته من إحصان ذلك الهولندي، فهل كان غافلا يا ترى، لا يخطر بباله شيء مما رمي به، طاهر القلب بريئا من هذا المرض، وهو في بلاد الكفر يباشر انحلالهم وشذوذهم ببصره وسمعه كلما غدا أو راح!!

أما إنك يا منير وقد رجمت بالغيب وتقولت على الله قولا عظيما، حتى أثبت اللعن بحق مسلم من المسلمين بناء على جهلك العريض، فيلزمك الآن أن تثبت وعلى الملأ أن ذلك الهولندي كان غافلا طاهرا نقيا، لم تحم الفاحشة حول قلبه أبدا، ولم ترواده نفسه بها قط، مع أنه يعيش بين ظهراني أهلها، يشاهدهم صباح مساء، وأن كل ما انتشر عنه من فسقه حتى طبق الآفاق، لم يخدش وجه عفته وغفلته أبدا، حتى استحق من يقذفه اللعن في الدنيا والآخرة!!


( الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )
إبراهيم (1)

يخبر تعالى أنه أنزل كتابه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لنفع الخلق، ليخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة وأنواع المعاصي إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة، وقوله: { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي: لا يحصل منهم المراد المحبوب لله، إلا بإرادة من الله ومعونة، ففيه حث للعباد على الاستعانة بربهم.

ثم فسر النور الذي يهديهم إليه هذا الكتاب فقال: { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } أي: الموصل إليه وإلى دار كرامته، المشتمل على العلم بالحق والعمل به، وفي ذكر { العزيز الحميد } بعد ذكر الصراط الموصل إليه إشارة إلى أن من سلكه فهو عزيز بعز الله قوي ولو لم يكن له أنصار إلا الله، محمود في أموره، حسن العاقبة. انتهى من تفسير السعدي رحمه الله تعالى


ومنها ما ذكر في الآية السابقة، وهو قوله: (ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ )، ومنها ما جاء في قوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ). ومنها ما تضمنته السورة العظيمة الجليلة؛ سورة العصر، وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر: ( وَالْعَصْرِ )( إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ )( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ).

ومنها صدق اللجأ إلى الله، وشدة الافتقار إليه عز وجل، والضراعة إليه، والإلحاح في الدعاء له، مع حسن الظن به، والتوكل عليه سبحانه وتعالى، فإن الله حيي كريم، قريب مجيب، ليس شيء أكرم عليه من الدعاء.

وكما أن لنصر الله أسبابا، فله موانع تمنع منه، من أعظمها أمران: ترك التوبة، والاختلاف والتنازع في الأمر، فإذا أردنا النصر من الله، فعلينا أولا تحقيق التوبة النصوح إليه سبحانه، وترك الإصرار على الذنوب جميعها، الظاهرة منها والباطنة، وجمع الكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف، والله الموفق والهادي، وهو نعم المولى ونعم النصير.


اسم الله (المؤمن)



بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله؛ في مبحث اسم الله "المؤمن" وهو الاسم الذي ورد في قوله تعالى: ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ).الحشر (23). جاء في الكتاب المذكور قول الشيخ حفظه الله:

وبما تقدم يعلم أن اسم الله ((المؤمن)) يدل على معان عظيمة وأمور جليلة، يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

فمن دلائل اسمه ((المؤمن)) شهادته سبحانه لنفسه بالتوحيد، وهي أعظم شهادة، من أعظم شاهد، لأعظم مشهود به.

ومنها تصديقه سبحانه للشاهدين له بالتوحيد، والشهادة لهم بأن ما قالوه حق وصدق.

ومنها تصديقه لأنبيائه بالحجج والبينات بأن ما قالوه وبلغوه عن الله حق لا ريب فيه، وصدق لا امتراء فيه.

ومنها أنه يصدق عباده ما وعدهم من النصر والتمكين، قال تعالى:( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ). الأنبياء (9)، وقال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ). النور (55).

ومنها: أن يؤمن عباده المؤمنين وأولياءه المتقين من عذابه وعقابه، قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ). الأنعام (82)، وقال تعالى:(أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). فصّلت (40) وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ). الأحقاف (13)

ومنها أنه ينجزهم ما وعدهم من الفوز العظيم ودخول جنات النعيم، قال تعالى: ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ).الزمر (74)

ومنها تأمينه سبحانه الخائفين بإعطائهم الأمان وهو ضد الإخافة، كما قال سبحانه: ( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ). قريش (4). انتهى

من كتاب فقه الأسماء الحسنى ص(٢١٤-٢١٥)، بتصرف يسير جدا، وهو إتمام الآية من سورة الأنبياء، وهو قوله عز وجل: (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ). فإهلاكهم هو من صدق وعده لرسله أيضا، ولا أدري سبب اقتصار الشيخ على الشطر الأول من الآية، إلا إذا قيل إن الشطر الثاني منها من الوعيد، وهو قد يتخلف، وهذا مبين في قوله تعالى: (وَمَن نَّشَاءُ) فهي شاملة لكل من تخلف الوعيد بحقه، وهذا لا يعارض صدق الله لرسله في إهلاك الظالمين، والانتقام من أعداءه واعداء رسله، كما في قوله تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ). الروم (47) وقال تعالى: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ )( وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ). إبراهيم (13- 14)

يقول العلامة السعدي رحمه الله: ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال ما بقي حينئذ إلا أن يمضي الله أمره، وينصر أولياءه، { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } بأنواع العقوبات.{ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ } أي: العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه، { وَخَافَ وَعِيدِ } أي: ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله. انتهى

واعلم - رحمك الله - أن لنصر الله أسبابا أعظمها وأجلها وهو الجامع لها والمعبر عن جملتها، ألا وهو تحقيق الإيمان، وما أدراك ما الإيمان.


إن الرائد لا يكذب أهله، والسلفيون هم الرواد لقومهم اليوم في ليبيا، فعليهم أن يحملوا هذا الحكم، ويسعوا جاهدين لتبليغه لأهل الحل والعقد ولعموم المسلمين في هذا البلد، فإذا خانوا هذه الأمانة، وتقاعسوا فيها، فسيكونون هم أول من يجني حصاد هذه الخيانة، وقد يزول بسببها هذا الظهور للسلفية الذي استبشرنا به أول الأمر، ويعود السلفيون من حيث بدأوا، وحيث كانوا، سنة الله فيمن ضيع أمره، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وأخشى أن يأتي يوم نقول فيه ما قال الشاعر:
ﺑﺬﻟﺖ ﻟﻬﻢ ﻧُﺼﺤﻲ ﺑِﻤُﻨﻌﺮَﺝِ ﺍﻟﻠِّﻮﻯ ... ﻓﻠﻢ ﻳَﺴﺘﺒﻴﻨﻮﺍ ﺍﻟﻨﺼﺢَ ﺇﻻ ﺿُﺤﻰ ﺍﻟﻐَﺪِ

ولقد ترددت في نشر هذه الرسالة، ثم استخرت الله، وعزمت على بعثها لعلها تجد من يفهمها، وأرجو من الله أن تصل إلى السلفيين الغيورين على دينهم ووطنهم، الذين لهم قدرة على التأثير في السلفيين وفي عموم المسلمين في هذا البلد، ولو بالوعظ والإرشاد والتوجيه، والذين يقدرون على التواصل مع أهل الحل والعقد، فهؤلاء قد يتعين عليهم حمل الحكم الذي سبقت الإشارة إليه، ودعوة الناس إليه. وقيامهم به هو من تبليغ دين الله وهي وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قيامهم به هو من شكر نعمة الله، أن جعل في أيديهم ما كانوا به من أهل الأعمال والتكاليف الخاصة التي يشرف الله بها من شاء من عباده:

لقد هيأوك لأمر عظيم لو فطنت له لم ترع مع الهمل.

فمن قام بهذا التكليف الخاص، مخلصا فيه لربه، متوكلا عليه وحده في القيام به، طالبا به وجهه سبحانه وتعالى، فليبشر بالتمكين في الدنيا، وبالأجور العظيمة والثواب الجزيل من الله ذي الفضل العظيم في الآخرة

ويوشك أن يصان هذا البلد، ويحفظ دينه، وتحفظ كرامته وسيادته واستقلاله بفضل الله، إذا انتدب من السلفيين ومن غيرهم من يقوم بهذا الواجب العظيم، الذي فيه ظهور الإسلام وعز المسلمين.

فاللهم يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام أبرم لنا في هذا البلد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويحكم فيه بكتابك وسنة نبيك، إنك أنت القوي المتين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

----------------------------------------------------------
١-الأحكام السلطانية للماوردي رحمه الله.
٢-السياسة الشرعية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
٣-رسالة تحكيم القوانين للعلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله.


أما العامة فواجبهم في مثل هذا الوضع الخاص، هو اعتزال الفرق كلها، حتى يجتمع أهل الحل والعقد على إمام، فإذا اجتمعوا؛ وجب عليهم بيعته وطاعته في غير معصية الله، فيما استطاعوا، وحرم عليهم الخروج عليه، وإذا ندبهم لقتال الخارج عن جماعة المسلمين وجب عليهم القتال معه بحسب الاستطاعة، إذا استنفذت محاولة الإصلاح، كما قال تعالى: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .

كما أنه إذا بايع أهل الحل والعقد إماما بيعة شرعية لا ديمقراطية، ثم لم يقدروا على تنصيبه إلا بالاضطرار إلى هذه الطرق الديمقراطية بسبب فرض الكفرة لها، وعجز المسلمين عن رد ما يلزمونهم به منها، فقد أفتى بعض العلماء بجواز المشاركة في مثل هذه العمليات الديمقراطية من باب الضرورة، ولا شك أن الدخول في هذه الضرورة بعد عقد البيعة الشرعية يجعل الأمر أكثر وضوحا بحيث يدخل فيه المؤمن على بينة من دينه وأمره، أما القول بالدخول في هذه العمليات الديمقراطية قبل حصول هذه البيعة الشرعية فهو صعب جدا، وهو مسلك مظلم موحش، وإن قال به من قال من العلماء.

فهذا هو الحكم في هذا الوضع الخاص فيما يظهر لي والله أعلم، ومن كان له علم يدل على غير هذا فليسعف به، فإن حال المسلمين في هذا البلد، وما آل إليه من فساد، لم يعد خافيا على أحد، وإن كانوا هم أنفسهم لا يشعرون بخطورة ما هم عليه، لما أصابهم من تبلد الإحساس، وفقدان البصيرة، والتخبط في العماية التي - لا سمح الله - قد تلقي بهم في هوة سحيقة من الاقتتال والحرب الأهلية التي لا يعلم منتهاها إلا الله.

وحتى من يعتقد أن من في الشرق، أو من في الغرب هم الولاة الشرعيون، لا يستطيع أن ينكر حالة الانقسام الكبير الواقع بين الإقليمين، وما أدى ويؤدي إليه من أضرار وخيمة على الدين والدنيا في هذا البلد مما لا يمكن حصره هنا، وليس تسلط الكفرة على هذا البلد، وتدخلهم السافر في شؤونه استغلالا لحالة الانقسام هذه إلا واحدا فقط من أضرار هذا الانقسام، وإذا كان كذلك، فالواجب في مثل هذه الحال هو الدعوة إلى الصلح بين أطراف هذا الانقسام، كما قال تعالى: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). الحجرات (9). وسبيل الصلح الشرعي يكون أولا بتشاور أهل الحل والعقد لعقد إمامة شرعية للأكفأ والأقدر على توليها، ثم قد يدخل في هذا الصلح ما يتفرع عن ذلك من القضايا، كأخذ الضمانات لجميع الأطراف، والتوصل إلى خطة عادلة في طريقة تولي من يختارونه، إلى غير ذلك من القضايا التي تدعم هذا الصلح الشرعي وتفعله وترسخه وتقويه. أما السعي في الصلح عن طريق الديمقراطية وطريق الأمم المتحدة ولجانها فهو ركض خلف سراب، وهو فوق ذلك مما لا يقره الإسلام ولا يرضاه المؤمنون.

ثم من يقر بالولاية الشرعية لهذا الطرف أو ذاك، لا يقر بها بناء على بيعة شرعية صحيحة، بل غاية أمره أن يدعي هذه الولاية بالغلبة واستتباب الأمر لمن يؤيده، ومع مخالفة هذا للواقع، فإن هذا لا يمنع من السعي في عقد بيعة شرعية على كتاب الله وسنة رسوله، لا سيما وأن هذه البيعة هي التي ستسهم في الصلح بين الأطراف، وحل هذا الانقسام، كما وقع من الصلح بين معاوية والحسن بن علي رضي الله عنهما، مع أن الحسن بويع بالخلافة من قبل أنصاره قبل الصلح، ومع ذلك فقد تنازل عنها حقنا للدماء وإصلاح بين المسلمين، فصار الأمر إلى معاوية على رضا وتوافق من المسلمين، وسمي ذلك العام عام الجماعة.

وبهذا يتبين أن الدعوة إلى عقد البيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هي الأساس لإصلاح الأوضاع في ليبيا في كل الأحوال، وعلى جميع التقديرات، سواء قيل بشغور منصب الولاية الكبرى وهو الصحيح، أو قيل بولاية هذا الطرف أو ذاك.

وإذا كان الحكم كذلك، فمما لا يخفى على عاقل، أن الأحكام الشرعية لا تسري في الهواء، ولكن يحملها المكلفون، ونحن في زمن غربة وتأخر، قد انطمست فيه كثير من معالم هذا الشرع المطهر، وعطلت كثير من أحكامه، في كثير من ديار المسلمين، وهذا هو سبب ذلنا، وتسلط الأمم الكافرة وتكالبها علينا

فإذا لم يحمل السلفيون هذا الحكم، وأضاعوه كما أضاعوا غيره من أحكام الله، فمن سيحمله بعدهم، وكيف يصلح الله أحوال هذا البلد، بعدما أضاعوا شرعه، وضيعوا أمره، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.


فالوضع في ليبيا وضع خاص، ولابد أن يكون لهذا الوضع الخاص حكم في الشرع، ومن الممتنع أن لا يكون لله في هذا الوضع حكم على عباده، هذا ما لا يمكن أن يكون أبدا.

وإذا كان كذلك، فالوضع في ليبيا يدل على شغور منصب الولاية الكبرى، وعدم استتباب الأمر فيها لحاكم يسري أمره في عموم البلاد كلها، ومن يتصرف في البلاد اليوم هي الأحزاب والأجسام المتصارعة التي أنتجها الفكر الديمقراطي، وشرعنها الغرب عبر الأمم المتحدة، لترسخ سلطة هذه المنظمة في هذا البلد المسلم عبر اتفاقات سياسية، وحكومات هزيلة، ليس لها من الولاية الشرعية أدنى نصيب، ولذلك تجد الغرب وهذه المنظمة الصهيونية الماسونية المسماة بالأمم المتحدة لا يعترفون بأي جسم من هذه الأجسام اعترافا كليا، بل يعترفون بها كأطراف صراع، وأمراء حرب لا أكثر، فهم مثلا يعترفون بمجلس النواب، ثم لا يعترفون بالحكومة المنبثقة عنه ولا بالقرارات والقوانين الصادرة عنه، ويعترفون بحكومة موازية هم من أنشأها باتفاق سياسي مشبوه، ومع ذلك فحتى هذه الحكومة لا يعترفون لها بالصلاحية المطلقة وحقها في امتلاك قرارها، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يوجد جسم من هذه الأجسام يصح أن يكون وليا شرعيا تنطبق عليه شروط الولاية الشرعية، أما شرعية الأمم المتحدة والشرعية الديمقراطية فليس لهما أي قيمة في دين الله، ولا يجوز أن يرفع المسلم بهما رأسا إذا لم تتوافق مع شريعة الإسلام وكلمة الله العليا، والإسلام أعز وأرفع وأعلى من أن يحكم بهذه الطرق الشيطانية التي ما أنزل الله بها من سلطان.

وواجبنا أن نعتز بهذا الإسلام ونسعى في تطبيق أحكامه وإظهارها إذا كنا حقا من المؤمنين به. ومن منة الله على هذا البلد أن أكثر أهلها لا يزالون على الفطرة الإسلامية، لم تحرفهم الدعوات الديمقراطية، ولم تؤثر فيهم المناهج الأرضية المستوردة من الغرب والشرق، وهذه الأكثرية من زعماء القبائل والفعاليات الاجتماعية، وقيادات الجيش، وطلبة العلم والدعاة، هم الذين بيدهم السلطة الحقيقية على الأرض، وهم أهل الحل والعقد.

وعليه فإن الحكم الشرعي في مثل هذا الوضع الخاص، يوجب على أهل الحل والعقد العمل الحثيث على تنصيب إمام واحد ينفذ أمره في عموم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وعلى الخاص والعام من أهلها، وذلك بعقد بيعة شرعية للأقدر من أهل هذه البلاد على تولي الحكم فيها، والسعي في تمكينه من تقلد هذا الأمر بحسب قدرتهم واستطاعتهم، ولو استلزم ذلك جهاد من يخرج عن كلمتهم، بعد استفراغ الوسع في نصحه، والصلح معه.

فإذا لم يفعل أهل الحل والعقد ذلك أثموا جميعا، كما هو معلوم مقرر. وتأثيم أهل الحل والعقد إذا لم يقوموا بهذا الواجب العظيم يدفع المسلم الحريص في هذه البلاد أن يتعرف من هم أهل الحل والعقد، حتى لا يلحقه الإثم وهو لا يشعر، وحتى لا يتحمل وزر المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في هذا البلد، الذين أصبحوا يفتنون في دينهم ودنياهم، بسبب ضياع الإمامة الشرعية، وانفراط عقد الجماعة المسلمة، وخضوع المسلمين في هذا البلد واستكانتهم لإملاءات الكفرة وشرائعهم التي يلزموننا بها، ويتحمل كذلك وزر ما يصيب هذا البلد المسلم ودينه وأهله من فتن ومصائب كان يمكن دفعها بإذن الله إذا قام أهل الحل والعقد بما يجب عليهم ديانة لله عز وجل.

وفي هذا المقال المقتضب قد نتجاوز التعريف بمن هم أهل الحل والعقد، لنقول إنه ينبغي على كل من له جاه أو سلطة دينية أو اجتماعية أو مادية مهما كانت محدودة أن يسعى في تحقيق هذا الواجب العظيم، وبذل ما في وسعه لإقامة هذه الشعيرة العظيمة التي لما عطلها المسلمون ذلوا وتسلط عليهم الكفرة وأذنابهم، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية، فإنه إذا عدم الإمام الذي تجب له البيعة، فإن الواجب السعي في تنصيبه كل بحسب استطاعته، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ويجب أن نؤكد هنا أن الدعوة السلفية بما لها من ثقل في هذا البلد، هم من أهل الحل والعقد، لا شك ولا ريب في هذا، فلو اجتمع وجهاؤها وأصحاب الرأي فيها مع قادة الجيش وزعماء القبائل على أمير يبايعونه على سنة الله ورسوله واليا على أهل هذه البلاد كلها، وعلى السمع والطاعة في غير معصية الله، صار هذا الحاكم واليا شرعيا، شاء من شاء وأبى من أبى، وإن رغمت أنوف أهل البدع، وأهل النفاق، ومن خلفهم قوى الشر والكفر في الغرب أو الشرق، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولكن المنافقين لا يعلمون

فيجب على السلفيين وعلى كل مسلم في هذا البلد أن يعتزوا بدين الله وبشعائر هذا الدين، وأن يظهروها ويعلنوا بها، ولا يستخفوا بها، لا سيما هذه الشعيرة العظيمة التي هي من أصول هذا الدين، ألا وهي البيعة وما ينبني عليها من قيام الإمامة التي هي خلافة النبوة في حراسة الدين والدنيا، وبها يحفظ كيان الجماعة المسلمة ودينها وأمنها واستقرارها وسيادتها وكرامتها


والمقصود هنا هو وجوب وجود هذه الدعوة من طلبة العلم، والجهاد بالكلمة والبيان فيها، والصبر عليها، ومناقضة الدعوات الديمقراطية بها، فلا يخفى على أحد منهم أن الديمقراطية كفر، وإذا وجد من يدعو إلى هذا الكفر بين أظهر المسلمين، فلابد أن يوجد من يدعو إلى نقض هذا الكفر بالدعوة إلى حكم شريعة الله في هذا الأمر الذي يدعو من يدعو فيه إلى حكم الديمقراطية. وهذا من إظهار الدين، والإعلان بشرائعه، وهو واجب على المسلمين؛ أن يظهروا دينهم ويقابلوا به دعوات الكفر والشرك والإلحاد، وهو كذلك من مقتضيات الإيمان ولوازمه التي لا يتم الإيمان إلا بها، كما قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
النساء (65). "فنفى الإيمان عمن لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم؛ نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، ثم لم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، والحرج: الضيق، بل لابد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب، ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم والتسليم المطلق لأوامره"٣.

ولا يخفى أن هذا التحاكم لا يحصل إلا بوجود الدعوة إليه، فثبت بهذا أن هذه الدعوة من مقتضيات الإيمان أيضا، وعدم وجودها نقص عظيم في الإيمان. وهذا الداعي إلى حكم الله في هذا الأمر المخصوص؛ ينبغي أن لا تكون دعوته نظرية فقط، بل لابد أن يقرن القول بالفعل، وأن يجتهد في الأخذ بالأسباب المحققة لذلك، ما يبين أن دين الله صالح لكل زمان ومكان، وأن شرائعه هي التي تحقق مصالح العباد الدينية والدنيوية. وتحت هذه الجملة تفاصيل يجب أن يتشاور فيها الدعاة وطلبة العلم ليصلوا إلى أقرب الطرق وأقصدها وأقومها بهذا الأمر العظيم، وإن كان الغرض الأهم هو وجود هذه الدعوة، أما استجابة الناس لها من عدمها، فلا يكلفهم الله به إذا قاموا بما يجب عليهم القيام الأمثل، مع التوكل على الله فيه والضراعة إليه، وإحسان الظن به سبحانه، والصبر على ذلك، فإذا فعلوا ذلك فهم موعودون بالنصر يقينا، كما قال عز شأنه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ). محمد (7)

يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره: هذا أمر منه تعالى للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، والقصد بذلك وجه الله، فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره. انتهى

ثم إن من أعظم ثمار هذه الدعوة وغاياتها الجليلة، أن تكون فرقانا عظيما بين من يدعو إلى الله حقا، وإلى حكمه وحكم رسوله، ممن يدعو إلى البدع والضلالات ممن أشعلوا هذه الفتنة أولا واستمروا في النفخ فيها إلى الآن، وليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حيي عن بينة، سنة الله في استمرار تلاحم المعسكرين، وتلاقي الصفين: صف أولياء الله وحزبه وأنصار دينه، الذين يدعون إلى حكمه وحكم رسوله، وصف أولياء الشيطان وحزبه وأنصاره وأشياعه ممن يدعون إلى حكم الطواغيت كطاغوت الديمقراطية وغيره.

هذا، ومما يجب التأكيد عليه هنا، أن هذا الكلام ليس إنكارا لإمرة من تأمر سواء في الشرق أو في الغرب، وهذه الإمرة خير من الفوضى العامة، ولذا ينبغي على المسلمين التعاون مع هؤلاء الأمراء فيما فيه مصلحة للمسلمين، كل في دائرة إمرته وسيطرته، ولكن ادعاء أن هذا أو ذاك هو ولي الأمر الشرعي على القطر كله، وأنه هو الذي تجب له السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي السلم وفي الحرب، وهو الذي يقاتل معه، وما إلى ذلك من خصائص الولاية العامة؛ هذا الادعاء ادعاء كاذب من الطرفين، لا يصدقه الشرع ولا الواقع، بل بعض هذه الولايات مبني على حكم الديمقراطية فقط، ومن المؤسف أن بعض العلماء رحمهم الله تعالى قرر أن المنتخب بطريقة ديمقراطية يصير إماما شرعيا ولو لم تتحقق فيه أسباب الولاية الشرعية، وهذا باطل من القول وزورا.

أما الولاية الشرعية فإنها تتحقق بثلاثة طرق، إما بتغلبه واستتباب الأمر له، وهذا غير واقع في ليبيا لا من هذا الطرف ولا من الطرف الآخر، وإما بعهد من سبق، وهذا أبعد من الأول، ولا يقدر أن يدعيه أحد من هذه الأطراف، وإما ببيعة أهل الحل والعقد بيعة شرعية صحيحة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا أبعد الأمور عن الأطراف كلها، وهو ما نحن بصدده، وهو الذي يجب أن يقوم بالدعوة إليه الدعاة إلى دين الله من أهل المنهج الحق، لا سيما وأنه صار لهم ظهور بين الناس، ولهم حضورهم الاجتماعي والإعلامي الكبير في ليبيا.


هم ليسوا من أهل الحل والعقد، وليس لهم السلطة على الأرض، إلا ما توهمهم به الأمم المتحدة ولجانها.

ثم يجلس أهل الحل والعقد من قادة الجيش والتشكيلات العسكرية، وزعماء القبائل والفعاليات الاجتماعية، وكذلك المشايخ والدعاة وخطباء المساجد وأئمتها؛ يجلسون مكتوفي الأيدي ينتظرون الأمم المتحدة وشركاءها الدوليين والمحليين، أن تنصب لهم إماما يرعى مصالح دينهم ودنياهم!!

فإن سألت عن سبب تضييع أهل العقد والحل لهذا الواجب العظيم، فإن أول أسباب ذلك هو عدم وجود من يدعو إلى دين الله في هذه الجزئية العظيمة، مع أن الدعوة إلى ذلك من فروض الكفايات التي قد لا تقتصر على الدعاة في هذا البلد، بل قد تلحق غيرهم من علماء الأقطار الإسلامية الأخرى ممن لهم قدرة على الاشتراك في حمل هذا الواجب العظيم، وذلك بتقرير الأحكام الشرعية والتذكير بها، وحث أهل الحق على الجد والاجتهاد في الدعوة إلى هذا الواجب الخاص، والفريضة المتعينة في هذا الزمن المخصوص على أهل الحل والعقد من الليبين.

ومن البراهين على هذا التضييع؛ أنك تجد أهل الحل والعقد من الفعاليات الاجتماعية، ومن الدعاة وطلبة العلم أيضا يدعون إلى أمور أخرى أقل شأنا من هذا الأمر العظيم، كالصلح بين متخاصمين، أو التوسط في نزاعات، أو الشفاعة لإيصال بعض الحقوق لأطراف عامة وخاصة، وكل هذا مما يحمدون عليه إذا لم يكن فيه إقرار لمحرم أو دعوة إليه، وهو مما يدل على أن لهم قدرة وشيئا من الأمر الذي يتمكنون من خلاله من الدعوة إلى ذلك الأمر والفرض العظيم، وهو أوجب عليهم وآكد من هذه الأمور الخاصة، ومع ذلك لا تجد من يقوم بذلك على وجهه الصحيح، لا من الدعاة وطلبة العلم، ولا من الوجهاء والقادة الاجتماعيين، وإن كنا قد نعذر الوجهاء لغياب العلم بهذا الواجب الخاص عن أذهانهم، وعدم اهتدائهم إلى طريق تحقيقه، لكن ما هو عذر طلبة العلم؟! والله يقول: ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ). آل عمران (104). ويقول عز وجل: ( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ )( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ). هود (116/ 117)

ويقول سبحانه وتعالى: ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ). آل عمران (139)

ويقول في الآية الأخرى: ( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ). محمد (35)

يقول العلامة السعدي رحمه الله في التفسير: { فَلَا تَهِنُوا } أي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف، بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد، طلبا لمرضاة ربكم، ونصحا للإسلام، وإغضابا للشيطان.

ولا تدعوا إلى المسالمة والمتاركة بينكم وبين أعدائكم، طلبا للراحة، { و } الحال أنكم { أنتم الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ } أي: ينقصكم { أَعْمَالُكُم }

فهذه الأمور الثلاثة، كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن كونهم الأعلين، أي: قد توفرت لهم أسباب النصر، ووعدوا من الله بالوعد الصادق، فإن الإنسان، لا يهن إلا إذا كان أذل من غيره وأضعف عددا، وعددا، وقوة داخلية وخارجية.

الثاني: أن الله معهم، فإنهم مؤمنون، والله مع المؤمنين، بالعون، والنصر، والتأييد، وذلك موجب لقوة قلوبهم، وإقدامهم على عدوهم.

الثالث: أن الله لا ينقصهم من أعمالهم شيئا، بل سيوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، خصوصا عبادة الجهاد، فإن النفقة تضاعف فيه، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وقال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

فإذا عرف الإنسان أن الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده، أوجب له ذلك النشاط، وبذل الجهد فيما يترتب عليه الأجر والثواب، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة فإن ذلك يوجب النشاط التام، فهذا من ترغيب الله لعباده، وتنشيطهم، وتقوية أنفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم. انتهى


كارثة درنة أمام كوارث لا حصر لها!!
[الإعلام بالنازلة الليبية وما تستلزمه من أحكام]




بسم الله الرحمن الرحيم

"الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين، ومنّ علينا بالكتاب المبين، وشرع لنا من الأحكام، وفصل لنا من الحلال والحرام ماجعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق، وثبتت به قواعد الحق، ووكل إلى ولاة الأمور ماأحسن فيه التقدير، وأحكم به التدبير، فله الحمد على ماقدر ودبر، وصلوته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره، وقام بحقه محمد النبي وعلى آله وصحابته"١.

"الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز، وختمهم بمحمد صلي الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير"٢.

الحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فإنه لا يصيب المسلمين أعظم من ضياع شيء من أحكام دينهم، أما المصائب القدرية فمع كونها حصاد ما يضيع المسلمون من دينهم، فإن أهل الإيمان فيها بين مصاب عليه الصبر وله الأجر، ومعافا عليه الشكر والاعتبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له."رواه مسلم"

وإن المتأمل في حال الفزع والحزن الذي أصاب الليبين جميعا بعد تلك الكارثة التي حلت بمدينة درنة - جبر الله مصاب أهلها ورحم من مات منهم -، وشدة التألم لها الذي عم أهل الإسلام حتى خارج الديار الليبية، مع اغتباطه وارتياحه لهذا الشعور الذي يدل على قوة الرابطة بين المسلمين، وأنهم إن شاء الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كالجسد الواحد" إلا أنه إذا نظر إليه من منظور آخر، أدرك أن أكثر المسلمين لا يستشعرون نوعا من المصائب النازلة بهم طرا، والمترادفة عليهم تترا، وإن شعر بعضهم فإنه لا يتألم لها إلا قليلا، فضلا عن أن يسعى في رفعها وإعادة إعمار ما تخلفه من دمار في عقائد المسلمين وأخلاقهم وجميع شؤون حياتهم واقعا ومستقبلا.

وهذا النوع من المصائب هو المصائب الناتجة عن ضياع أحكام دينهم، مهما كان حجم هذا الضياع، ومهما كان الجانب الذي ضاعت منه تلك الأحكام، فإن أقل حكم يضيعه المسلمون أعظم في المصيبة من هذا السيل العرم. فكيف ونحن في زمان تكاد ترفع فيه أحكام الإسلام جملة إلا ما شاء الله!! .. فهل بعد هذا المصاب مصاب، وهل بعد هذه الكارثة كارثة، ولكن ما لجرح بميت إيلام.

وهذا مما يفاقم الأمر، ويزيد الخطر، أن المسلمين لا يشعرون بهذه المصائب، ولا يعتبرون بالمصائب القدرية، فتكون واعظا ومذكرا لهم بتلك المصائب، فيرجعوا وينيبوا إلى الله، ويتضرعوا إليه أن يمنّ عليهم بتوبة نصوح يصلحون بها ما أفسدوا بتلك المصائب الشرعية فيرفع الله عنهم ما حل ويحل بهم من المصائب القدرية مما هو شيء يسير مما كسبته أيدهم، كما قال تعالى:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى (30).

هذا؛ وإن مما لا شك فيه أن المؤمنين يؤمنون بأن دينهم صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وكذلك مما يؤمن به المؤمنون أيضا أن كل ما يصيبهم من شرور، وما يحل بهم من مصائب فهو بما كسبت أيديهم، ومن عدم حفظهم لأوامر الله وتضييعهم لحدوده، كما قال تعالى:( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ) وقال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). آل عمران (165)

فهاتان القضيتان مما يؤمن به كل مؤمن من حيث الجملة، ولكن في أحايين كثيرة لا يهتدي كثير من المسلمين إلى تفاصيل هاتين الجملتين في أعيان الحوادث، وخواص المسائل النازلة بهم، فلا يدركون المأخذ الذي أتتهم المصيبة من قبله، ولا المسلك الذي ترتفع به عنهم هذه المصيبة بإذن الله، ثم إن أدرك بعضهم ذلك لم ينشط لسلوكه، والعمل به، وذلك لضعف الإيمان، وقلة الصبر، ونقص اليقين والتوكل على الله، مع أدواء وأمراض أخرى.

فالواقع في ليبيا مثلا من هذه الأزمة المستمرة، والفتنة المتتابعة، سببه الأساس هو تضييع أهل الحل والعقد لما أوجبه الله عليهم من ضرورة نصب إمام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، وتفويضهم هذا الأمر العظيم الذي جعله الله في أعناقهم، إما إلى الأمم المتحدة الكافرة، ولجانها وآلياتها الديمقراطية، وإما إلى شرذمة من السياسيين المغامرين من سفهاء الأحلام، ومن الأحزاب البدعية الضالة، الذين


Репост из: ⚖الميزان⚖
وحتى بعد رفع القضية للحاكم، تظل هذه القضية قضية خاصة بالمتخاصمين فقط، وهما الشيخ محمد بن هادي، وذلك الهولندي، كأي نزاع يقع بين مسلمين في دم أو مال أو عرض، فلا علاقة لطلبة العلم ولا حتى للشيخ ربيع بهذه القضية، ومردها للقاضي وحده، فهو الذي يفصل بينهما، ويعطي كل ذي حق حقه فيها، أما الخطأ العملي فقد اعترف الشيخ به، ولم يصر عليه كما يصر الصعافقة على أخطائهم وضلالاتهم، والعلماء غير معصومين من الخطأ، ولا من الوقوع في الذنوب صغيرها وكبيرها، لكنهم لا يصرون على الكبائر، وقد وقع في القذف بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، كما أن الصحابة كانوا يتقاضون الى رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلم يحكم لبعضهم على بعض، وربما طبق الحدود على البعض، ولم يعتبر أحد من الناس هذه الأمور موجبة للطعن، إلا بعض من لا خلاق لهم من الزنادقة الطاعنين في دين الله، وفي الصحابة الكرام، الذين لا غرض لهم إلا التشويه، وإبطال دين الله بإثارة مثل هذه الأمور التي جرت من الصحابة، وهي من عوارض الأهلية، وهاهم الصعافقة يستنون بسنة الزنادقة والمنافقين، ويستعملونها مع العلماء كما يستعملها الزنادقة مع الصحابة، فهل هناك دليل على انحراف الصعافقة أبلغ من هذا الدليل!!

أما الجهة الثانية من الغلو، فهو الغلو في هؤلاء المتكلم فيهم، والتعامل معهم كأنهم أقوام قد جاوزوا القنطرة، وأن أعراضهم ارتفعت عن اجتهادات العلماء فلم تعد تقبل اجتهادا من عالم سواء أخطأ أو أصاب، وأن ظلمهم بالاجتهاد بجرح مبهم أو مفسر أو تحذير منهم، يعد جرما عظيما يستوجب الطعن في الجارح واسقاطه وتسليط السفهاء عليه، وإلحاق كل من يثني عليه به!!

بل تعدى الكلام فيهم، زلات العلماء التي تغتفر في جانب حسناتهم، وفاق ما كان يجري بين العلماء والأئمة من كلام بعضهم في بعض؛ حتى صار قضية منهجية خطيرة، تستوجب التفريق بين المسلمين، والموالاة والمعادة عليها، فإما أن تكون مع محمد بن هادي وإما أن تكون مع الحق!!

ولا شك أن هذا أمر في غاية البطلان، وتاريخ الإسلام كله شاهد على هذا، فكلام العلماء بعضهم في بعض لا يكاد يحصر، ومنه ما هو بلا أدلة مطلقا، وبلا تفسير مقبول، بل هو من عوارض الأهلية، ونوازع النفس البشرية، ومع هذا لم يقل أحد أن مثل هذا الكلام في الأئمة والعلماء -فضلا عن أغمار أغرار كهؤلاء الصعافقة- يوجب الطعن في المتكلم واستباحة عرضه!!

فالعجب من الاستهانة بهذا الخطأ، وعدم التركيز عليه، والتركيز على الأدلة والاشتغال بها، مع أن الاشتغال بها على هذا النحو ليس من منهج الجرح والتعديل، وإن كان في ذكرها تبعا فوائد، إلا أن الخلل في الاقتصار عليها، والعدول عن منهج الجرح والتعديل، في مناظرة إمام الجرح والتعديل، والذي في كلامه هو ما يؤكد هذا ويبينه، كما في كتاب اللباب من مجموع نصائح وتوجيهات الشيخ ربيع للشباب حيث قال السائل: هل صحيح أننا لانقبل الجرح لأحد حتى نرى الجرح ونقع عليه؟ فأجاب الشيخ ربيع حفظه الله بقوله: هذا منهج أبي الحسن الباطل، لأنه يريد أن يسقط أحكام العلماء وفتاواهم ونقدهم لأهل الباطل بهذه السفسطة، وبهذا المنهج الشيوعي، هذا المنهج مشتق من الشيوعية لأن الشيوعي لايؤمن إلا بما يراه أو يسمعه؛ ومذهب السمنية الذين قد يكابرون في المحسوسات، فهذا كلام باطل.
والله عز وجل يقول: "يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا". فإذا كان المخبر فاسقا لانرد كلامه بل نتبين قد يكون حقا، فإن كان عدلا ثقة حافظا متقنا، فيجب قبول خبره حتى لو تحدث عن الله ورسوله فضلا عن الناس، لأن الله ما حذرنا إلا من قبول أخبار الفساق، لأنه يؤدي إلى الباطل والإضرار بالناس، " أن تصيبوا قوما بجهلة فتصحبوا على مافعلتم ندمين".
فلا تتهم الناس بجهالة تتثبت، التثبت ألا تقبل الخبر وتسلم به وتصدقه إذا جاء عن طريق الفساق حتى تتبين، فإذا جاء عن طريق الثقات الضابطين فالأصل وجوب قبوله، كماهو مفهوم الأية وكما هو عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح من الصحابة واهل الحديث والفقه. اهـ

فكأننا أصبحنا في شك من أصالة هذا المنهج، وهو منهج الجرح والتعديل، وكونه من العلوم والفنون المستفادة والمستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعمل السلف الصالح رضوان الله عليهم، والباقية ببقائهما إن شاء الله تعالى.

نسأل الله أن يبصرنا بالحق، ويعيننا على التصديق به، والعمل بمقتضاه، فإن هذا من أعظم موارد الفتن، التي حكم الله بامتحان الخلق بها، كما قال تعالى: {ﺍﻟﻢ ۝ ﺃَﺣَﺴِﺐَ ﺍﻟﻨَّﺎﺱُ ﺃَﻥ ﻳُﺘْﺮَﻛُﻮﺍ ﺃَﻥ ﻳَﻘُﻮﻟُﻮﺍ ﺁﻣَﻨَّﺎ ﻭَﻫُﻢْ ﻟَﺎ ﻳُﻔْﺘَﻨُﻮﻥَ ۝ ﻭَﻟَﻘَﺪْ ﻓَﺘَﻨَّﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻣِﻦ ﻗَﺒْﻠِﻬِﻢْ ﻓَﻠَﻴَﻌْﻠَﻤَﻦَّ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺻَﺪَﻗُﻮﺍ ﻭَﻟَﻴَﻌْﻠَﻤَﻦَّ ﺍﻟْﻜَﺎﺫِﺑِﻴﻦَ ۝ } .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين.


Репост из: ⚖الميزان⚖
أما إذا حاكمهم في أول الخطأ وأساسه، وهو خطأ المطالبة الأدلة، والتفريق بينه وبين التفسير للجرح، فإنهم إما أن يدعوا أنه جرح غير مفسر، وبهذا يظهر تناقضهم وعنادهم للحق، فهو في غاية التفسير، حتى إن لفظة الصعافقة بذاتها مشعرة بالتفسير، فالصعفوق هو الذي يدخل السوق ولا مال له، يزاحم التجار الكبار، وهؤلاء يزاحمون العلماء ويتصدرون، ويتقدمون بين أيديهم، ولا علم عندهم، بل هم من أجهل خلق الله، وكثير من الفتن السابقة بين العلماء أو بين طلبة العلم هي من نتاج هذا التصدر، ومحاولة التحكم في شؤون الدعوة من قبل هؤلاء الصعافقة، حتى جعلوا قربهم من العلماء سلاحا يهددون به من لا يأتمر بأمرهم!!

فكيف إذا انضاف إلى هذا العبث، والجهل المركب الذي تدل عليه لفظة الصعافقة؛ الكذب المنتشر عن هؤلاء والذي بلغ الآفاق، وكيف إذا انضاف إليه أيضا؛ الغش للعلماء، وتقليب الحقائق عندهم، ليستخرجوا منهم ما يوافق أهوائهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، من أبرزها دفاعهم المستميت عن هاني بن بريك، ومحاولة جر العلماء للثناء عليه أو الإعتذار له، وقد نجحوا في ذلك مع الشيخ عبيد الجابري حتى اضطرب كلامه فيه اضطرابا كبيرا، ثم لم ييأسوا من الشيخ ربيع رغم ثبات موقفه من هاني، حتى حاول عرفات استخراج فتوى من الشيخ ربيع تؤيد القتال مع هاني والمليشيا التابعة له، دون ذكر اسم هاني للشيخ، وهذا يدل على مبلغ الغش للعلماء الذي عليه هؤلاء الصعافقة، وكذلك مبلغ استخفافهم بدماء المسلمين، بله السلفيين!!

فهل يملك أحد بعد هذا كله؛ أن يقول عن هذا الجرح إنه جرح غير مفسر!!

فإذا بين هذا، وقرر، وأقر المناظر أو المدافع عن الصعافقة كالشيخ ربيع بأنه جرح مفسر، لم يبق للدفاع عنهم إلا ادعاء خطأ الشيخ محمد بن هادي في هذا الجرح المفسر، وهذا يدفع إلى بيان الخطأ الثاني الذي سبقت الإشارة إليه، وهو الخطأ الأعظم في هذه الفتنة، ألا وهو الطعن في العلماء بسبب خطأ اجتهادي، بل وتحزيب السلفيين، وجعلهم فريقين، بسبب هذا الخطأ الاجتهادي، على فرض كونه خطأ، فإما أن تكون موافقا للشيخ محمد بن هادي، أو موافقا للحق!! كما جاء في حوار الإمام ربيع مع الشيخ رائد آل طاهر

ولا شك أن هذا مما يشهد ببطلانه كل سلفي، فإن مما يتفق عليه الجميع أن العلماء إذا اجتهدوا واختلفوا فيما يسع فيه الخلاف، فإن كلهم على الحق إن شاء الله، المصيب والمخطئ، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وخطأه مغفور إن شاء الله، إلا أن يقول الصعافقة، إن عدالتنا وتزكيتنا ليست مما يسع فيه الخلاف!!!

وبهذا يتبين أن هذا الخطأ أعظم وأخطر من الخطأ الأول الذي هو المطالبة بالأدلة، أو إنكارها على فرض جواز المطالبة بها ابتداء، ومع ذلك لا يتم التركيز على هذا الخطأ، كما يتم التركيز على الأدلة وإظهارها، مع أن هذا الخطأ أشد، وهو من أسباب زرع الفرقة والعدواة والبغضاء بين المؤمنين، وهو كذلك من الغلو المنهي عنه، وهذا الغلو من جهتين:

الأولى هي مقابلة الجرح بالجرح، والطعن بالطعن، ومصادرة حق عالم في الاجتهاد، ومنعه من الحكم والشهادة بما رأى وعلم من أحوال المتكلم فيهم، مع أن الله لا يكلفه إلا بالحكم بما علم، بل لو كتم الشهادة وتعامى عما أطلعه الله عليه من أحوال هؤلاء المجروحين لكان غاشا للمسلمين، وإن كان الواقع بخلاف ما علمه، فكيف والوقائع كلها تشهد بصحة ما شهد به على هؤلاء المفسدين

بل هذه الفتنة نفسها شاهدة على صحة الجرح في هؤلاء النمامين، المفسدين بين الأحبة، الملتمسين للبرئآء العيب، ولو كانوا صادقين لحرصوا على بقاء الألفة والمودة بين العلماء، مع رد كلام من تكلم فيهم، وتخطئته بأدب واحترام!!

وحتى مسألة القذف التي يشغب بها الصعافقة، لهي أيضا من الأدلة المهمة التي تبين سير الصعافقة على نهج الحدادية، في استغلال أخطاء العلماء وزلاتهم، والنفخ فيها لغرض إسقاطهم وتشويههم، وتنفير الناس عنهم

فالقذف من الأخطاء والذنوب العملية التي تستوجب الستر؛ خصوصا إذا صدرت من أهل الفضل والمنزلة، وليس خطأ علميا منهجيا يستوجب الرد والبيان، فضلا عن التشهير بالمحاكم، ومحاولة الابتزاز، يقول العلامة السعدي رحمه الله:(([الواجب على المسلمين] إن يحرصوا غاية الحرص على ستر عورات المسلمين وعدم تتبعها خصوصا مايصدر من رؤساء الدين والعلماء وطلبة العلم الذين لهم الحق الأكبر على جميع المسلمين بما قاموا به من علم الشرع وتعليمه ،الذين لو لا هم ماعرف الناس أمر دينهم ومعاملاتهم فلولاهم لم يعرفوا كيف يصلون ويزكون ويصومون ويحجون، بل لايعرفون يبيعون ويشترون بل لو لاهم لكان الناس كالبهائم لايعرفون معروفا ولاينكرون منكرا ولا عرفوا حلالا ولا حراما، فالواجب على المسلمين :احترامهم وكف الشر عنهم وعدم نشره لأن نشره فساد عريض)). انتهى كلامه رحمه الله من رسالة في الحث على اجتماع المسلمين.


Репост из: ⚖الميزان⚖
وإن من الأمور التي قد تكون غائبة عن هؤلاء الدعاة، أن إخلالا بالأمانة وتقصيرا فيها، مهما بدى لصاحبه صغيرا، فإنه قد يخلف من الشر والفساد ما لا يحصيه إلا الله، ولذلك عظم خطر الأمانة، وثقل حملها، واشتد النكير على مضيعها، خصوصا إذا تعلقت بشرع الله وحكمه، ولو كشف الغطاء عن بعض المقصرين في هذه الفتنة مثلا، لأبصروا ما لم يكن يخطر لهم على بال، من دماء سفكت، وأموال خيض فيها بغير حق، وحدود انتهكت، وحقوق منعت، وغير ذلك من الشرور والفساد الذي من أسبابه تهاون من تهاون في الأمانة التي أشفقت السموات والأرض منها، وأبين أن يحملنها، ( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ).

جاء في الحديث الصحيح ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ‏(ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﺪﺙ ﺇﺫ ﺟﺎﺀﻩ ﺃﻋﺮﺍﺑﻲ ﻓﻘﺎﻝ : ﻣﺘﻰ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ : إﺫﺍ ﺿﻴﻌﺖ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﻗﺎﻝ ﻛﻴﻒ ﺇﺿﺎﻋﺘﻬﺎ؟ ﻗﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻭﺳﺪ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺃﻫﻠﻪ ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ‏).
والساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين يعم الفساد ويطبق في أرجاء الأرض، فكأن من المعنى المستفاد من الحديث -والله أعلم- أن إضاعة الأمانة من أقوى الأسباب وأدعاها إلى انتشار الفساد واستفحاله، وتضخم آثاره وتعديها حتى يعم الفساد الأرض.

فصل

أما الجواب الصحيح لهذه الفتنة، فهو بالتفريق بين تفسير الجرح ببيان سببه الذي هو من منهج الجرح والتعديل، وبين المطالبة بالأدلة على الجرح الذي هو من بدع أبي الحسن المأربي، كما في ردود الشيخ ربيع عليه، كما سيأتي إن شاء الله، فخطأ الشيخ ربيع ليس في إنكار الأدلة، بل في المطالبة بها ابتداء، ولو قدر أن الشيخ ربيع أقر بالأدلة ووافق الشيخ محمد بن هادي على جرحه لهم، لظل هذا الخطأ قائما، ولخشي أن ينسب هذا الخطأ لمنهج الجرح والتعديل، وإلى دين الله، وكلما استعمل عالم الجرح، طولب بالأدلة، ثم انقسم الناس عليها فريقين، بين مثبت لها ومنكر، بل ربما طعن كل فريق في الآخر، هذا بحجة الظلم والجرح بلا أدلة، والآخر بحجة جحد الأدلة وإنكارها!

قد يقول قائل إن مقصودهم بطلب الأدلة هو طلب التفسير، ولا مشاحة في الاصطلاح! وهذا غير صحيح، لأن جواب التفسير لا يكون بالإنكار والمطالبة بالأدلة، بل جوابه بالقبول أو الرد، كما أن هذا هو جواب الجرح أساسا، فالجرح من قبيل الأخبار والشهادات التي لا تحتمل إلا القبول أو الرد، سواء كان مبهما أو مفسرا

فإذا كان من يرد جرح الشيخ محمد بن هادي؛ يرده لأنه جرح مبهم، فالواجب أن يفصح عن هذا، ويبيينه بالعبارة البينة الواضحة التي لا تحتمل حقا وباطلا، كأن يقول أن هذا الجرح مبهم وليس مفسرا، ليكون جوابه بحسب ما يفصح عنه، ولكن لما حادوا عن هذا البيان، واستعملوا عبارة المطالبة بالأدلة التي هي من الكلام المشتبه الذي قد يحمل حقا وباطلا، التبست الأمور، وخفي الحق، وتحير من تحير في هذه الفتنة، ثم زاد الأمر سوءا لما وافقهم من يرد عليهم؛ على المطالبة بالأدلة، وسعى في إبرازها لهم، وكلما أظهر لهم دليلا جحدوه، وحاولوا نقضه، إما بادعاء التوبة منه، أو باتهام خصومهم بمثله، أو غير ذلك من التشويش والتلبيس المعهود عنهم

ولو أن من يرد عليهم، وقف معهم عند الخطأ الأول، ولم يوافقهم فيه، وألزمهم ببيان مرادهم من المطالبة بالأدلة، لاستبان الحق من أول الطريق، ولصار المخطئ هو المطالب بالأدلة لتصحيح خطأه والدفاع عنه، لا العكس، وهو أن يطالب المحق بإقامة الأدلة على جرح مفسر غاية التفسير.

ولما احتيج كذلك إلى الدخول في كثير من التفاصيل والجزئيات التي أدت إلى التحاكم إلى الوقائع والأحداث، لا إلى الكتاب والسنة الذين هما العصمة من الخطأ الضلال، ومن الاختلاف والفرقة، أما الوقائع والأحداث فهي حمالة أوجه، وكل يستطيع أن يروي فيها ما شاء، وأن يفسرها بما شاء، خصوصا مع كثرة الكذب في هذا الزمان، وذهاب المروءة، وقلة الخوف من الله!


ثم إن من فوائد الوقوف معهم عند أول الخطأ وعدم موافقتهم فيه، هو سهولة الانتقال منه إلى الخطأ الأكبر الذي قامت عليه هذه الفتنة، وهو الطعن في العلماء بسبب مسألة اجتهادية قد يخطئ العالم فيها ويصيب، بخلاف من وافقهم على الخطأ الأول، فإنه لا يكاد يتمكن من ذلك؛ فإنه لما وافقهم على المطالبة بالأدلة، حصروه في هذه المطالبة، وشتتوا جهده في إقامة الأدلة وتقريرها، مع أنهم لا غرض لهم في الأدلة أساسا، بل لعل أكثرهم يعلمون من أنفسهم أكثر مما يظهره الخصوم عنهم، فصار الساعي إلى إقامة الأدلة، كالمقر بصحة الطعن إذا كان الجرح بلا أدلة، مع أنه خطأ عظيم، وهو أشد من خطأ المطالبة بالأدلة، فإن هذا نوع غلو؛ وتساهل في أعراض العلماء يشبه تساهل الحدادية فيها!!


Репост из: ⚖الميزان⚖
المختصر المفيد في فتنة الصعافقة



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفضل بالهداية على من شاء، سبحانه، يحكم ما يريد، ويفعل ما يشاء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.


أما بعد فقد كنت أظن أن من تصدى لفتنة الصعافقة من طلبة العلم وعامة السلفيين؛ لم يوفق للجواب الصحيح لهذه الفتنة، لم يوفقوا له أولا، ثم أعرض بعضهم عنه، وتجاهلوه ثانيا، ولما نشر كتاب "الجامع الهادي إلى أدلة الشيخ محمد بن هادي"، وما تبعه من تفاصيل المناظرة أو الحوار الذي دار بين الإمام ربيع والشيخ رائد آل طاهر حفظهما الله، تأكد ذلك الظن أكثر وأكثر، وصار جليا أن سبب استمرار هذه الفتنة واستمرار آثارها الضارة على الدعوة السلفية خصوصا في بعض البلدان؛ كبلاد ليبيا، هو الذهول عن الجواب الصحيح لها بوجه عام، وإعراض بعض طلبة العلم عنه بوجه خاص، حيث عرضت هذا الجواب عليهم، وسألتهم التوجيه فيه، والنصيحة بشأنه، ومنهم بعض كبار طلبة العلم، وممن لهم جهود طيبة في التصدي لهؤلاء المفسدين، ومع ذلك لم أجد جوابا من أحد منهم، لا تأييدا ولا تفنيدا، لا إقرارا ولا تصويبا، باستثناء ثلاث بشارات بشرني بها الشيخ خالد عثمان حفظه الله، ومع أنه قد مضى على هذه البشارات الثلاث أكثر من عامين كاملين، فأني لازالت في انتظار بشارته!.

وإنه من المؤسف أن يصير التصديق بالحق، فضلا عن الصدع به، أمرا خاضعا للاختيار والتشهي، وأن يتحول الإصلاح إلى سوق يتخذ فيه كل مصلح دكانا خاصا به، يعرض فيه ما أعجبه من الحق، ويعرض ويتجاهل عما لم يعجبه، بل بعض المتصدين للإصلاح والدعوة، يعرضون ما يروج وينفق في هذا السوق، ويتجنبون ويجبنون عما يرون فيه سببا للمتاعب أو أذية الخلق لهم!

ولا شك أن كلا الطريقين -التشهي والاختيار في حمل الحق أو الجبن ومداهنة الناس فيه - ليس من سبيل المصلحين، ولا من خصال الإيمان والتقوى، وقد قال الله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ) ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
الزمر (32)(33)

يقول العلامة السعدي في الآية الثانية بعد تفسيره للآية الأولى: ((ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق. { وَصَدَّقَ بِهِ } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. { أُولَئِكَ } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به)). انتهى من تفسيره رحمه الله

فإذا لم يكن هذا الجواب الذي عرض عليهم حقا يستوجب التصديق به، فكان الواجب إرشاد السائل للحق، وبيان وجه الخطأ فيما يعرض، فإن هذا من واجب النصيحة، ومن آداء الأمانة التي حملوها!.

وإن من الأمور التي تكشفت في هذه الفتنة، وغيرها من الأحداث، هو التساهل العجيب بالأمانة لدى المتصدين للدعوة، والمتصدرين للتعليم والإرشاد، بل يصل أحيانا حد الاستخفاف بها، فمن مظاهر هذا التساهل بآداء الأمانة: المزاجية المفرطة في التعامل مع القضايا العلمية والدعوية، ومن مظاهره أيضا الاستقلال والتفرد عند كل داعية ومصلح، على خلاف ما أمر الله به من التعاون على البر والتقوى، مما يوحي بتدابر وتنافر وتباغض خفي بين الدعاة لمنهج واحد، وطريقة سلفية سنية واحدة، تواجه فرقا وأحزابا متكاثرة متكالبة على هذا المنهج الحق وأهله.

فكأن هذا التساهل والاستخفاف بالأمانة، هو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من رفع الأمانة، كما في الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان: ﻗﺎﻝ : ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺪﻳﺜﻴﻦ ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﺘﻈﺮ ﺍﻵﺧﺮ ﺣﺪﺛﻨﺎ : ‏( ﺃﻥ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻧﺰﻟﺖ ﻓﻲ ﺟﺬﺭ ﻗﻠﻮﺏ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ‏) ﻭﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ ﺭﻓﻌﻬﺎ ﻗﺎﻝ : ‏( ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻣﻦ ﻗﻠﺒﻪ ﻓﻴﻈﻞ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻮﻛﺖ ﺛﻢ ﻳﻨﺎﻡ ﺍﻟﻨﻮﻣﺔ ﻓﺘﻘﺒﺾ ﻓﻴﺒﻘﻰ ﺃﺛﺮﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﺠﻞ ﻛﺠﻤﺮ ﺩﺣﺮﺟﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻚ ﻓﻨﻔﻂ ﻓﺘﺮﺍﻩ ﻣﻨﺘﺒﺮﺍً ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﺼﺒﺢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺘﺒﺎﻳﻌﻮﻥ ﻓﻼ ﻳﻜﺎﺩ ﺃﺣﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ ﻓﻴﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻓﻲ ﺑﻨﻲ ﻓﻼﻥ ﺭﺟﻼً ﺃﻣﻴﻨﺎً ﻭﻳﻘﺎﻝ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﺃﻋﻘﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﻇﺮﻓﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﺟﻠﺪﻩ ﻭﻣﺎ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﻣﺜﻘﺎﻝ ﺣﺒﺔ ﺧﺮﺩﻝ ﻣﻦ ﺇﻳﻤﺎﻥ ‏)


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد، فقد صادفتني مثل هذا الإعلانات الممولة أكثر من مرة، وهي عبارة عن معاملة ربوية، يسميها الفقهاء بمسألة "مد عجوة" وهي لا تجوز على الصحيح من أقوال الأئمة والفقهاء، وهو قول مالك والشافعي وأظهر الروايات عند الحنابلة، وعلة التحريم كونه بيع لربويين من صنف واحد دون تحقيق التماثل الشرعي بينهما، ففي مثل هذا الإعلان مثلا يبادل الزبون مئتي دينار بمئة دينار ومع المائة سلعة أخرى مقابل المئة الزائدة التي دفعها.

ومن يجيز هذه المعاملة يدعي تحقق التماثل من خلال القيمة، مع أن التساوي في القيمة غير مخلص من الربا، ولذلك يعتبر قولهم في غاية الضعف لا ينبغي التعويل عليه، وشرح هذه المسألة "مد عجوة" مبسوط في دواوين الفقه، (انظر المجموع والمغني وغيرهما).

ويبدو أن هذه المعاملة تقع حتى من بعض التجار الصغار، وقد يظن التاجر أنه محسن لزبونه، بإعانته على الحصول على السيولة النقدية، بينما يستفيد هو من زيادة مبيعاته وزيادة زبائنه أيضا، ولا يدري أنه أوقع نفسه وزبائنه في الربا بسبب ذلك.

لذلك وجب الحذر والتحذير من هذه المعاملة، وإشاعة هذا التحذير حتى يتعلم الجاهل ويتذكر الغافل والناسي، ولا تعم المؤاخذة الجميع ..

والله تعالى أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

Показано 20 последних публикаций.

315

подписчиков
Статистика канала