الشيعية العالمية، وخاصة بعد أن بلورها الشيخ الطوسي وأعاد هيكلتها وصنع من النجف عاصمة لها. ولم يكن هذا النظام يوماً نظاماً دينياً محضاً، بل ظل منظومة شاملة لأغلب جوانب الحياة، من العلوم الدينية، إلى الآداب والفلسفة، إلى النظام الاجتماعي، إلى السياسة والاقتصاد والمال، بما يمكن تسميتها بالدولة ناقصة السيادة.
وقد تطور النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي في القرن العشرين، تطوراً غير مسبوق، وبات يضم أحزاباً سياسية عابرة للحدود، وجماعات جهادية، ورأس مال عالمي، وأوقاف عالمية، ومؤسسات تبليغية عالمية، وصولاً إلى تأسيس دولة كبيرة. وبقي هذا النظام في حالة صعود سريع ونوعي خلال العقود الأربعة الأخيرة، حتى بات أحد الفواعل الأساسية عالمياً، والفاعل الأول في الشرق الأوسط، إلى جانب المشروع الإقليمي الصهيوني ـ الأمريكي، ثم المشروع السعودي الوهابي الطائفي المتحالف مع المشروع الأمريكي، ثم المشروع التركي القومي الطائفي السني الجديد. وبالتالي؛ فإن المشروعين الأساسيين المتصارعين في الشرق الأوسط، هما المشروع الشيعي المقاوِم الذي تقوده إيران، والمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي المهاجِم، وعلى أطرافها يتمدد المشروع التركي النامي.
وبالتالي؛ هل من الحكمة أن يتنكر الشيعة لنظامهم الاجتماعي الثقافي السياسي الجهادي الديني، والتضحية بإنجازاتهم ومكتسباتهم السياسية والمذهبية والتنموية والثقافية والإعلامية التي حققوها عبر مشروعهم الأممي الطبيعي خلال العقود الأربع الأخيرة، لمجرد وجود فحيح يتهمهم بعدم الوطنية؟، أو لحدوث خسارة هنا وثغرة هناك؟، أو لوجود عقدة لدى بعض القوميين العرب الشيعة عنوانها إيران، على اعتبار أن إيران هي التي تقود هذا المشروع الشيعي الأُممي لزاماً، بوصفها الأخ الأكبر؟، أو لوجود أوهام تذهب إلى أن المشروع الأُممي يحول دون تركيز كل مجتمع شيعي تفكيره وأداءه في واقعه الوطني؟
ولا شك أن هذه الهواجس والحساسيات موجودة في الواقع الشيعي؛ فهناك تيارات شيعية دينية انعزالية وخائفة أساساً، وكانت خائفة ومنعزلة حتى قبل نشوء المشروع العالمي الشيعي الجديد بعد العام 1979، وظل يزداد خوفها ودعوتها للانعزال بشكل مطرد، كلما حقق المشروع الشيعي إنجازاً أو تعرّض لخسارة، وهناك خطوط شيعية مرجعية وسياسية خاصة، بعضها جديد، وبعضها قديم، وهي ــ بالأساس ــ لم تكن منسجمة مع الخط المرجعي الشيعي العام وخط ولاية الفقيه. وتنطلق هذه الخطوط من هواجس فئوية ضيقة متخمة بالحسد والعُقد، وتمارس مناكفات ضد الخط المرجعي العام، وتتمنى لو تحطمت كل المكتسبات الشيعي الجديدة، لمجرد أن الذي يحققها هو الخط المرجعي العام أو خط ولاية الفقيه. وتشمل هذه التيارات أيضاً الجماعات والأفراد الذين لديهم عقدة مستعصية من إيران؛ فهؤلاء يروِّجون بأن كل عمل تقوده إيران أو تشترك فيه إيران، هو عمل مرفوض ومشكوك به، لأنه يحقق مصلحة لإيران، حتى لو كانت نتائج هذا العمل مهمة واستراتيجية لكل شيعة العالم وتضمن لهم كثيراً من مصالحهم.
وهناك أيضاً تيارات حذرة متوجسة، ترعبها التهم التي يوجهها الخصوم الطائفيون للشيعة بعدم الوطنية وبالتبعية للخارج، وتحديداً لإيران، ولذلك؛ تقوم هذه التيارات بالانكفاء محلياً، وطرح خطاب معاد للمرجعيات والجماعات والحكومات الشيعية في البلدان الأخرى، وخاصة المنخرطة في المشروع الشيعي العالمي، وتردد المصطلحات نفسها التي يرددها الإعلام الطائفي والصهيوني والأمريكي، بل لا تخفي براءتها أحياناً من الرموز المعبرة عن الهوية الشيعية العالمية، لكي تثبت وطنيتها واندكاكها بالوطن.
وهذه التيارات، تساهم عمداً أو غفلة، في محاولات تقطيع أوصال حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وتفكيك التحالفات بين شيعة البلد الواحد، بذريعة أنها تحالفات طائفية، وكذلك تفكيك التحالفات بين شيعة البلدان المختلفة، بذريعة أنها تتعارض مع الانتماء الوطني. وهي بذلك تقدم أكبر مساعدة للمشروع الأمريكي الصهيوني الإقليمي، والمشروع الوهابي السعودي والمشروع التركي القومي السني، بالرغم من كونها مشاريع شمولية عابرة للحدود، ومعادية للشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64
وقد تطور النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي في القرن العشرين، تطوراً غير مسبوق، وبات يضم أحزاباً سياسية عابرة للحدود، وجماعات جهادية، ورأس مال عالمي، وأوقاف عالمية، ومؤسسات تبليغية عالمية، وصولاً إلى تأسيس دولة كبيرة. وبقي هذا النظام في حالة صعود سريع ونوعي خلال العقود الأربعة الأخيرة، حتى بات أحد الفواعل الأساسية عالمياً، والفاعل الأول في الشرق الأوسط، إلى جانب المشروع الإقليمي الصهيوني ـ الأمريكي، ثم المشروع السعودي الوهابي الطائفي المتحالف مع المشروع الأمريكي، ثم المشروع التركي القومي الطائفي السني الجديد. وبالتالي؛ فإن المشروعين الأساسيين المتصارعين في الشرق الأوسط، هما المشروع الشيعي المقاوِم الذي تقوده إيران، والمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي المهاجِم، وعلى أطرافها يتمدد المشروع التركي النامي.
وبالتالي؛ هل من الحكمة أن يتنكر الشيعة لنظامهم الاجتماعي الثقافي السياسي الجهادي الديني، والتضحية بإنجازاتهم ومكتسباتهم السياسية والمذهبية والتنموية والثقافية والإعلامية التي حققوها عبر مشروعهم الأممي الطبيعي خلال العقود الأربع الأخيرة، لمجرد وجود فحيح يتهمهم بعدم الوطنية؟، أو لحدوث خسارة هنا وثغرة هناك؟، أو لوجود عقدة لدى بعض القوميين العرب الشيعة عنوانها إيران، على اعتبار أن إيران هي التي تقود هذا المشروع الشيعي الأُممي لزاماً، بوصفها الأخ الأكبر؟، أو لوجود أوهام تذهب إلى أن المشروع الأُممي يحول دون تركيز كل مجتمع شيعي تفكيره وأداءه في واقعه الوطني؟
ولا شك أن هذه الهواجس والحساسيات موجودة في الواقع الشيعي؛ فهناك تيارات شيعية دينية انعزالية وخائفة أساساً، وكانت خائفة ومنعزلة حتى قبل نشوء المشروع العالمي الشيعي الجديد بعد العام 1979، وظل يزداد خوفها ودعوتها للانعزال بشكل مطرد، كلما حقق المشروع الشيعي إنجازاً أو تعرّض لخسارة، وهناك خطوط شيعية مرجعية وسياسية خاصة، بعضها جديد، وبعضها قديم، وهي ــ بالأساس ــ لم تكن منسجمة مع الخط المرجعي الشيعي العام وخط ولاية الفقيه. وتنطلق هذه الخطوط من هواجس فئوية ضيقة متخمة بالحسد والعُقد، وتمارس مناكفات ضد الخط المرجعي العام، وتتمنى لو تحطمت كل المكتسبات الشيعي الجديدة، لمجرد أن الذي يحققها هو الخط المرجعي العام أو خط ولاية الفقيه. وتشمل هذه التيارات أيضاً الجماعات والأفراد الذين لديهم عقدة مستعصية من إيران؛ فهؤلاء يروِّجون بأن كل عمل تقوده إيران أو تشترك فيه إيران، هو عمل مرفوض ومشكوك به، لأنه يحقق مصلحة لإيران، حتى لو كانت نتائج هذا العمل مهمة واستراتيجية لكل شيعة العالم وتضمن لهم كثيراً من مصالحهم.
وهناك أيضاً تيارات حذرة متوجسة، ترعبها التهم التي يوجهها الخصوم الطائفيون للشيعة بعدم الوطنية وبالتبعية للخارج، وتحديداً لإيران، ولذلك؛ تقوم هذه التيارات بالانكفاء محلياً، وطرح خطاب معاد للمرجعيات والجماعات والحكومات الشيعية في البلدان الأخرى، وخاصة المنخرطة في المشروع الشيعي العالمي، وتردد المصطلحات نفسها التي يرددها الإعلام الطائفي والصهيوني والأمريكي، بل لا تخفي براءتها أحياناً من الرموز المعبرة عن الهوية الشيعية العالمية، لكي تثبت وطنيتها واندكاكها بالوطن.
وهذه التيارات، تساهم عمداً أو غفلة، في محاولات تقطيع أوصال حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وتفكيك التحالفات بين شيعة البلد الواحد، بذريعة أنها تحالفات طائفية، وكذلك تفكيك التحالفات بين شيعة البلدان المختلفة، بذريعة أنها تتعارض مع الانتماء الوطني. وهي بذلك تقدم أكبر مساعدة للمشروع الأمريكي الصهيوني الإقليمي، والمشروع الوهابي السعودي والمشروع التركي القومي السني، بالرغم من كونها مشاريع شمولية عابرة للحدود، ومعادية للشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64