"من المعاني العظيمة التي نتلمسها في أحوال السبّاقين والصّالحين؛ هي الاصطفاءات التي جعلتهم يعيشون بالإيمان والعمل أصل الغاية الحقيقية في عبادة الله عزّ وجل! مع حرصهم ومحاسبة أنفسهم كثيرًا عندما يصرفهم عن هذا المعنى! ولابن تيمية -رحمه الله- قولٌ نفيس في هذا: "العبوديَّة معناها الحُبّ مع غاية الذُّل" فهو سبحانه أرسل الرسل، وخلق المخلوقات، وأنزل الكتب، وسخّر الأشياء، وشرع الشرائع، وابتلى المؤمنون، كلها من أجل هذا الأصل؛ أن يحبّ الله غاية الحُبّ مع غاية الذُّل! فكلما زاد هذا المعنى في نفوسهم؛ دَعَت جوارحهم بترجمتها صدقًا وحُبًّا واتّباعًا، فما أن تصدق الجوارح في الحُبّ له؛ إلا والتصق إليها الذلّ والفقر والكسر والمَسكنة عند بابه ولابدّ؛ فإنّك تجد بينهما التّلازم! ترى دائمًا ذلك الوجل يصبّ أرجاء قلبه، والبكاء الذي يشعل فَتيله، والمناجاة التي تطرح به، والشّفقة التي تهضم نفسه إليه، والطلب الذي يعلّقه به بكثرة إلحاحه، والرّجوع إليه في كلّ حال، مقابل تلك الأعمال العظيمة والكبيرة التي يعملها، وبلوغ المقام والمنزلة، بل وتلك النوايا التي يصطحبها إلزامًا في خطواته ولا يقدم إلا بها وإلّا فلا، والمجاهدة والصّبر، كلّه.. لأجل رضاه وحُبّه وحده!
فتجد بين العملين؛ حُبًّا لله يَسوقه بالعمل إلى أصل المحبّة، وذُلًّا لله يُعيده إلى أصل وصف عبوديّته!"
فتجد بين العملين؛ حُبًّا لله يَسوقه بالعمل إلى أصل المحبّة، وذُلًّا لله يُعيده إلى أصل وصف عبوديّته!"