توقف بالسيارة أخيرًا بعد سفر طويل على طرقات وعرة مارًا بصحراء سيناء الشاسعة إلى أن وصل لهذا المكان، لهذه البادية القابعة وسط محيط من الرمال الذهبية التي تشبعت بحرارة الشمس حتى بدأ الوهج يخرج من جوفها.
ترجل من السيارة ثم أمر من فيها بالنزول قائلاً:
-يلا يا عايده انزلي، ونزلي آدم.
فتحت السيدة باب السيارة وترجلت هي والصغير صاحب الخمس سنوات. وما إن وضعوا أرجلهم على الرمال حتى أخذت السيدة تتلفت حولها بقلق، ودب الرعب في أوصالها لما تراه حولها؛
فعلي مرمى البصر لا ترى سوى صحراء يتخللها بعض أشجار النخيل، وبعض الخيام المتراصة! وبئر، وأشياء بدائية لا يوجد بها أي من مظاهر التمدن أو حتى بناء واحد من طوب!
فقالت بصوت خائف:
-محمود، ايه المكان ده؟! هو معقول فيه ناس عايشين هنا؟! لا لا يا محمود، أنا مش موافقة. يلا بينا نرجع، خلينا نسيب البلد بحالها ونسافر بره، خلينا ناخده ونمشي خالص ولا اننا نعمل فيه كده.
هدر بها محمود بصوت عالي:
-عايده، إحنا اتفقنا على كل حاجه من زمان، خلاص يا عايده انتهى وقت النقاش.
ودلوقتي يلا اتفضلي قدامي.
نظرت عايده حولها مرة أخرى، ثم نظرت إلى صغيرها في شفقة بالغة، وقالت في نفسها:
-لله الأمر من قبل ومن بعد... منهم لله.
قالتها ثم تقدمت ممسكة بيد الطفل الذي كان يطالع المنطقة من حوله مبتسمًا، فهذه التضاريس جديدة عليه كليًا. فها هو يرى الرمال التي كان يراها فقط على تلفازه في أفلام الكارتون،
والتي تختلف كثيرًا عن رمال شواطئ البحار التي كان يراها حين يسافر مع أبويه للمصيف.
استمرا في التقدم ببطء وصعوبة بسبب الرمال إلى أن وصلا خيمة كبيرة تليها مجموعة خيام أصغر منها متوزعة على جوانبها بعشوائية. وعلى مسافات من بعضهم البعض.
ويا للعجب الذي أخذ آدم حين رأى أطفال يلعبون!
يلحق أحدهم الآخر يطوفون حول أشجار النخيل! ومن الجمال الكثيرة منها الواقف ومنها النائم !
همس وهو يشد على يد أمه ينبهها لشيء ما:
-ماما، شوفي.. هورسس أند ألوت اوف انيمالز!
لتنظر أمه في اتجاه إصبعه الصغير، فتجد خيولًا مصطفة بجوار بعضها البعض تأكل، وأغنامًا وماعزًا كبيرة وصغيرة متفرقة في أنحاء المكان، وكلابًا تجري خلف الأغنام المبتعدة فتعيدها وتمنعها من الابتعاد أكثر.
وفي الجانب الآخر نساء تجلس أمام قدور سوداء وضُعت فوق بناء طيني صغير يسمى "موقد" وتحتها قطع من الخشب يحترق لطهوا الطعام. وأخريات ذاهبات نحوا البئر حاملين جرارًا فوق رؤوسهم.
فسحب آدم يده من يد أمه وصفق وهو يرى هذا الكم الهائل من الحيوانات، والذي جعله يعتقد بأنه في حديقة للحيوانات، أو في مكان جديد للتنزه كما يأخذه والده دائمًا ويريه الأشياء الغريبة والجميلة.
وقف محمود في مكانه وهو يرى رجلاً بدويًا يتقدم منه سريعًا، وكان يستقبله بترحاب شديد وهو يهتف: - - هلا هلا بالحبيب، هلا برفيق الشيخ، هلا بالضيف الغالي،كيفك وكيف صحتك؟
ثم صافح محمود بعدها، والذي رد عليه قائلاً:
-تسلم يا "قصير"، الله يسلمك من كل شر، انا بخير انتوا كلكم عاملين إيه، والشيخ منصور عامل إيه؟
قصير:
- والله الشيخ والكل بأفضل حال بفضل الله الكريم، والحين هو بروحه يطمنك عن احواله.
قالها ثم بدأ بالصياح بصوت عالٍ:
-شيخ منصور! يا شيخ منصور! حبيبك اجا يا شيخ، ضيف ماراح تصدق عيونك لشوفته.
اجلس ياراجل ليش واقف انت وجماعتك، اجلسوا.
وأشار لهم على شيء أشبه بالكرسي مصنوع من جريد النخل ثم نادى بصوت عالٍ:
-معزوزه! بنِت يا معزوزه!"
أجابته فتاة ممن يجلسون حول المواقد يطهون الطعام،
: اي يبه، شو بتأمر؟"
قصير:
-تعي هون.
تركت الفتاة مابيدها وجاءته تهرول ووقفت تعدل في غطاء رأسها، فقال لها قصير معترضًا:
- اتركي شيلتك ولا تشوشي مافي حدا غريب
مدي يدك سلمي بلاول، وردي سوي قهوة وقهوجي ضيوفنا.
معزوزه:
-تم يابوي من هالعين قبل هاي. قالتها ومدت يدها لمصافحة الجميع تباعًا، وما إن انتهت من المصافحة، حتى عادت مهرولة مرة أخرى من حيث أتت.
دقائق معدودة، وخرج من فتحة الخيمة شيخ كبير ذات لحية بيضاء وملامح وجه حادة، زادت الرعب في قلب عايده فور رؤيتها له، فأحتضنت ابنها خائفة وهي تنظر لهذا الرجل المخيف، وهمست لنفسها:
-يا رب، لا دا كتير! يعني لا مكان كويس، ولا ناس كويسين... يا رب لطفك."
وماأن خرج الرجل من الخيمة بكامل جسده حتى نظر لمحمود وصاح مُرحبًا:
- ياهلا، يامية هلا بالقناديل النوروا قبيلتنا، ياهلا بأحبابنا، ياهلا..."
وتقدم من محمود واحتضنه فرد عليه محمود بنفس لهجته: "هلا شيخ منصور، الله كيفك؟
منصور: صرت زين بشوفتك ياعزيز القلب والعين، ايش علومك يامحمود والله زمن ماريناك، ليش هي القطيعة كِلها؟
- والله مشاغل ياشيخ ماانت عارف كل حاجة. واديني جيت لما ربنا اراد.
ابتعد عنه منصور وأومأ لعايده برأسه مُرحبًا، ثم نظر للصبي وأردف قائلاً:
-هاد هو العليه العين؟
رد عليه محمود بتنهيدة:
-أيوه.. هو دا ابني آدم يا شيخ منصور.
ترجل من السيارة ثم أمر من فيها بالنزول قائلاً:
-يلا يا عايده انزلي، ونزلي آدم.
فتحت السيدة باب السيارة وترجلت هي والصغير صاحب الخمس سنوات. وما إن وضعوا أرجلهم على الرمال حتى أخذت السيدة تتلفت حولها بقلق، ودب الرعب في أوصالها لما تراه حولها؛
فعلي مرمى البصر لا ترى سوى صحراء يتخللها بعض أشجار النخيل، وبعض الخيام المتراصة! وبئر، وأشياء بدائية لا يوجد بها أي من مظاهر التمدن أو حتى بناء واحد من طوب!
فقالت بصوت خائف:
-محمود، ايه المكان ده؟! هو معقول فيه ناس عايشين هنا؟! لا لا يا محمود، أنا مش موافقة. يلا بينا نرجع، خلينا نسيب البلد بحالها ونسافر بره، خلينا ناخده ونمشي خالص ولا اننا نعمل فيه كده.
هدر بها محمود بصوت عالي:
-عايده، إحنا اتفقنا على كل حاجه من زمان، خلاص يا عايده انتهى وقت النقاش.
ودلوقتي يلا اتفضلي قدامي.
نظرت عايده حولها مرة أخرى، ثم نظرت إلى صغيرها في شفقة بالغة، وقالت في نفسها:
-لله الأمر من قبل ومن بعد... منهم لله.
قالتها ثم تقدمت ممسكة بيد الطفل الذي كان يطالع المنطقة من حوله مبتسمًا، فهذه التضاريس جديدة عليه كليًا. فها هو يرى الرمال التي كان يراها فقط على تلفازه في أفلام الكارتون،
والتي تختلف كثيرًا عن رمال شواطئ البحار التي كان يراها حين يسافر مع أبويه للمصيف.
استمرا في التقدم ببطء وصعوبة بسبب الرمال إلى أن وصلا خيمة كبيرة تليها مجموعة خيام أصغر منها متوزعة على جوانبها بعشوائية. وعلى مسافات من بعضهم البعض.
ويا للعجب الذي أخذ آدم حين رأى أطفال يلعبون!
يلحق أحدهم الآخر يطوفون حول أشجار النخيل! ومن الجمال الكثيرة منها الواقف ومنها النائم !
همس وهو يشد على يد أمه ينبهها لشيء ما:
-ماما، شوفي.. هورسس أند ألوت اوف انيمالز!
لتنظر أمه في اتجاه إصبعه الصغير، فتجد خيولًا مصطفة بجوار بعضها البعض تأكل، وأغنامًا وماعزًا كبيرة وصغيرة متفرقة في أنحاء المكان، وكلابًا تجري خلف الأغنام المبتعدة فتعيدها وتمنعها من الابتعاد أكثر.
وفي الجانب الآخر نساء تجلس أمام قدور سوداء وضُعت فوق بناء طيني صغير يسمى "موقد" وتحتها قطع من الخشب يحترق لطهوا الطعام. وأخريات ذاهبات نحوا البئر حاملين جرارًا فوق رؤوسهم.
فسحب آدم يده من يد أمه وصفق وهو يرى هذا الكم الهائل من الحيوانات، والذي جعله يعتقد بأنه في حديقة للحيوانات، أو في مكان جديد للتنزه كما يأخذه والده دائمًا ويريه الأشياء الغريبة والجميلة.
وقف محمود في مكانه وهو يرى رجلاً بدويًا يتقدم منه سريعًا، وكان يستقبله بترحاب شديد وهو يهتف: - - هلا هلا بالحبيب، هلا برفيق الشيخ، هلا بالضيف الغالي،كيفك وكيف صحتك؟
ثم صافح محمود بعدها، والذي رد عليه قائلاً:
-تسلم يا "قصير"، الله يسلمك من كل شر، انا بخير انتوا كلكم عاملين إيه، والشيخ منصور عامل إيه؟
قصير:
- والله الشيخ والكل بأفضل حال بفضل الله الكريم، والحين هو بروحه يطمنك عن احواله.
قالها ثم بدأ بالصياح بصوت عالٍ:
-شيخ منصور! يا شيخ منصور! حبيبك اجا يا شيخ، ضيف ماراح تصدق عيونك لشوفته.
اجلس ياراجل ليش واقف انت وجماعتك، اجلسوا.
وأشار لهم على شيء أشبه بالكرسي مصنوع من جريد النخل ثم نادى بصوت عالٍ:
-معزوزه! بنِت يا معزوزه!"
أجابته فتاة ممن يجلسون حول المواقد يطهون الطعام،
: اي يبه، شو بتأمر؟"
قصير:
-تعي هون.
تركت الفتاة مابيدها وجاءته تهرول ووقفت تعدل في غطاء رأسها، فقال لها قصير معترضًا:
- اتركي شيلتك ولا تشوشي مافي حدا غريب
مدي يدك سلمي بلاول، وردي سوي قهوة وقهوجي ضيوفنا.
معزوزه:
-تم يابوي من هالعين قبل هاي. قالتها ومدت يدها لمصافحة الجميع تباعًا، وما إن انتهت من المصافحة، حتى عادت مهرولة مرة أخرى من حيث أتت.
دقائق معدودة، وخرج من فتحة الخيمة شيخ كبير ذات لحية بيضاء وملامح وجه حادة، زادت الرعب في قلب عايده فور رؤيتها له، فأحتضنت ابنها خائفة وهي تنظر لهذا الرجل المخيف، وهمست لنفسها:
-يا رب، لا دا كتير! يعني لا مكان كويس، ولا ناس كويسين... يا رب لطفك."
وماأن خرج الرجل من الخيمة بكامل جسده حتى نظر لمحمود وصاح مُرحبًا:
- ياهلا، يامية هلا بالقناديل النوروا قبيلتنا، ياهلا بأحبابنا، ياهلا..."
وتقدم من محمود واحتضنه فرد عليه محمود بنفس لهجته: "هلا شيخ منصور، الله كيفك؟
منصور: صرت زين بشوفتك ياعزيز القلب والعين، ايش علومك يامحمود والله زمن ماريناك، ليش هي القطيعة كِلها؟
- والله مشاغل ياشيخ ماانت عارف كل حاجة. واديني جيت لما ربنا اراد.
ابتعد عنه منصور وأومأ لعايده برأسه مُرحبًا، ثم نظر للصبي وأردف قائلاً:
-هاد هو العليه العين؟
رد عليه محمود بتنهيدة:
-أيوه.. هو دا ابني آدم يا شيخ منصور.