🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*محاسبة النفس سبيل النجاة*
*للشـيخ / محـمـد سـويـدان*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الذي لا مانعَ لِما وهب، ولا معطيَ لِما سلب، طاعته للعاملين أفضل مكتسب، هيَّأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب، أحمده على ما منحنا من فضله ووهب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هزم الأحزاب وغلب، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه وانتخب، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الفائق في الفضائل والرُّتَب، وعلى عمر الذي فر الشيطان منه وهرب، وعلى عثمان ذي النورين التَّقِيِّ النَّقِيِّ الحسب، وعلى عليٍّ صهره وابن عمه في النسب، وعلى بقية أصحابه الذين اكتسَوا في الدين أعلى فخر ومكتسب، وعلى التابعين لهم بإحسان ما أشرق النجم وغرب، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله: فنحن نودع عامًا قد طُوِيَ من عمر الزمان، ولا بد لنا من وقفة محاسبة نودع بها عامًا مضى وفات، ونستقبل بها عامًا حل وحضر، فما أحوجنا إلى محاسبة النفس ومراجعتها؛ لعلها تنتبه من غفلتها، وتستفيق من رَقدتها، وتقوم من سُباتها، وترجع عن غيِّها وضلالتها!
ومحاسبة النفس أمرُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
وروى الترمذي وقال: حديث حسن، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكيِّسُ من دان نفسه، وعمِل لِما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني))؛ دان نفسه: أي: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يُحاسب يوم القيامة.
وروى ابن ماجه عن ابن عمر أنه قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار، فسلم على النبي، ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقًا، قال: فأي المؤمنين أكيس (أعقل)؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لِما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس)).
وهي وصية السلف؛ فقد روى أحمدُ في كتاب الزهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا؛ فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وفي شعب الإيمان للبيهقي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله أن: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة؛ فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد مرجعه إلى الرضا والغِبطة، ومن ألْهَتْهُ حياتُه وشُغله بهواه، عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة".
وروى النسائي في السنن الكبرى أن الحسن البصري قال: "إن المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفَّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة"، وقال أيضًا: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته"؛ [محاسبة النفس لابن أبي الدنيا].
وفي حلية الأولياء عن ميمون بن مهران، أنه قال: "لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، حتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه، أمن حِلٍّ ذلك أم من حرام؟".
وفي حلية الأولياء أيضًا: أن سهل بن عبدالله قال: "المؤمن من راقب ربه، وحاسب نفسه، وتزوَّد لمعاده".
أحبتي الكرام: إذا كانت محاسبة النفس هي أمر الله ورسوله، ووصية السلف، فتعالَوا بنا لنرى ما هي المحاسبة:
المحاسبة وأنواعها: يقول الماوردي في تعريفه للمحاسبة: "أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل".
ومحاسبة النفس نوعان؛ النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل؛ فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه؛ قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر".
أما النوع الثاني، فهو محاسبة النفس بعد العمل؛ وهو ثلاثة أنواع:
أولًا: محاسبتها على طاعة قصَّرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقِعْها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص لله في العمل، النصيحة لله فيه، متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، شهود مشهد الإحسان فيه، شهود منة الله عليه، شهود تقصيره فيه، بعد ذلك يحاسب نفسه، هل وفَّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
ثانيًا: أن يحاسب نفسه على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية.
ثالثًا: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركُهُ خيرًا من فعله.
*خطبة جمعة بعنوان:*
*محاسبة النفس سبيل النجاة*
*للشـيخ / محـمـد سـويـدان*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الذي لا مانعَ لِما وهب، ولا معطيَ لِما سلب، طاعته للعاملين أفضل مكتسب، هيَّأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب، أحمده على ما منحنا من فضله ووهب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هزم الأحزاب وغلب، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه وانتخب، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الفائق في الفضائل والرُّتَب، وعلى عمر الذي فر الشيطان منه وهرب، وعلى عثمان ذي النورين التَّقِيِّ النَّقِيِّ الحسب، وعلى عليٍّ صهره وابن عمه في النسب، وعلى بقية أصحابه الذين اكتسَوا في الدين أعلى فخر ومكتسب، وعلى التابعين لهم بإحسان ما أشرق النجم وغرب، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله: فنحن نودع عامًا قد طُوِيَ من عمر الزمان، ولا بد لنا من وقفة محاسبة نودع بها عامًا مضى وفات، ونستقبل بها عامًا حل وحضر، فما أحوجنا إلى محاسبة النفس ومراجعتها؛ لعلها تنتبه من غفلتها، وتستفيق من رَقدتها، وتقوم من سُباتها، وترجع عن غيِّها وضلالتها!
ومحاسبة النفس أمرُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
وروى الترمذي وقال: حديث حسن، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكيِّسُ من دان نفسه، وعمِل لِما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني))؛ دان نفسه: أي: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يُحاسب يوم القيامة.
وروى ابن ماجه عن ابن عمر أنه قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار، فسلم على النبي، ثم قال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقًا، قال: فأي المؤمنين أكيس (أعقل)؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لِما بعده استعدادًا، أولئك الأكياس)).
وهي وصية السلف؛ فقد روى أحمدُ في كتاب الزهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا؛ فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وفي شعب الإيمان للبيهقي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله أن: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة؛ فإنه من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة، عاد مرجعه إلى الرضا والغِبطة، ومن ألْهَتْهُ حياتُه وشُغله بهواه، عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة".
وروى النسائي في السنن الكبرى أن الحسن البصري قال: "إن المؤمن قوَّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفَّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة"، وقال أيضًا: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته"؛ [محاسبة النفس لابن أبي الدنيا].
وفي حلية الأولياء عن ميمون بن مهران، أنه قال: "لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، حتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه، أمن حِلٍّ ذلك أم من حرام؟".
وفي حلية الأولياء أيضًا: أن سهل بن عبدالله قال: "المؤمن من راقب ربه، وحاسب نفسه، وتزوَّد لمعاده".
أحبتي الكرام: إذا كانت محاسبة النفس هي أمر الله ورسوله، ووصية السلف، فتعالَوا بنا لنرى ما هي المحاسبة:
المحاسبة وأنواعها: يقول الماوردي في تعريفه للمحاسبة: "أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل".
ومحاسبة النفس نوعان؛ النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل؛ فهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه؛ قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر".
أما النوع الثاني، فهو محاسبة النفس بعد العمل؛ وهو ثلاثة أنواع:
أولًا: محاسبتها على طاعة قصَّرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقِعْها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص لله في العمل، النصيحة لله فيه، متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، شهود مشهد الإحسان فيه، شهود منة الله عليه، شهود تقصيره فيه، بعد ذلك يحاسب نفسه، هل وفَّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
ثانيًا: أن يحاسب نفسه على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية.
ثالثًا: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركُهُ خيرًا من فعله.