لكن إحالة البخاري على المتن السابق: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة»، وليس فيه ما في رواية أحمد: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ»، وما في رواية محمد بن المثنى ومن تابعه: «فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ»! فلا ندري هل وقع للبخاري عن صدقة كما أحال أم لا؟!
وعليه فلا نستطيع اعتماد ما ذكره البخاري في المقارنة بين رواية أحمد، والروايات الأخرى.
ويتبين لنا أن الاختلاف على يحيى في هذه الألفاظ، فأحمد قال: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ»، ومحمد بن المثنى، وعبدالله بن هاشم، وابن خلاّد قالوا: «فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ»!
وعليه فما قاله أحمد ليست زيادة كما نقل صاحبنا عمّن قاله، وإنما هو اختلاف في اللفظ. فرواية أحمد قيّدت عدم قبول الصلاة بتصديق العرّاف، ورواية الآخرين لم تقيّد، بل مجرد الإتيان والسؤال يعني عدم قبول الصلاة أربعين ليلة.
وفرق بين التصديق ومجرد السؤال، فالسؤال يعني عدم قبول الصلاة هذه المدة، وأما التصديق فهذا كفر مخرج من الملة كما في الأحاديث الأخرى، وأصحها ما قاله عبداللَّهِ بن مسعودٍ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
فمَنْ أَتَى عرّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنزَلَ الله عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ أتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ ليلةً.
وعليه فلا شك أن رواية الجماعة أصح، فهم جماعة، ومتن حديثهم هو الصواب المتفق مع الأحاديث الأخرى.
ولأن الاختلاف على يحيى بين أحمد والجماعة فبمقتضى القواعد الحديثية فنحكم للجماعة، ونقول بأن رواية أحمد خطأ! وهذا ما جعل ذلك الرجل يقول: إن أحمد أخطأ في هذه الرواية، لكن لم يزد كما قال، بل خالف في اللفظ!
والصحيح أن أحمد لم يُخطئ في الحديث، وقد رواه كما سمعه من شيخه القطان، وقد توبع على هذا اللفظ.
روى ابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (2/730) (995) قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو ابنِ البَخْتَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَنْصُورٍ الحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
فها هو عبدالرحمن بن منصور قد تابع أحمد على هذه اللفظ: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ».
وعبدالرحمن هذا هو: ابن محمد بن مَنْصُور، أبو سعيد الحارثيّ البَغْداديُّ، البَصْرِيُّ الأصل، ويلقب كُرْبُزان (ت 271هـ).
سمع يَحْيَى بن سعيد القطان، ومعاذ بن هشام، وسالم بن نوح، ومالك بن إِسْمَاعِيل النهدي، وقريش بن أنس، ووهب بن جرير.
روى عنه: يَحْيَى بن صاعد، ومُحَمَّد بن مخلد، وأبو ذر القاسم بن داود، ومُحَمَّد بن أَحْمَد الحكيمي، وإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، وحمزة بن القاسم الهاشمي، ومُحَمَّد بن عمرو الرزاز، وأبو جعفر بن البَخْتَرِيّ، وعبد الله بن إِسْحَاق الخُراسانيّ، وغيرهم.
وقد أكثر عنه أبو بكر ابن حيّان الملقب بوكيع في «أخبار القضاة».
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/283): "كتبت عنه مع أبي وتكلموا فيه". وقال: سئل أبي عنه؟ فقال: "شيخٌ".
وذكره ابن عدي في «الكامل» (7/223) وقال: "حدّث بأشياء لا يتابعه أحد عليه، ويُقال: إنه آخر من حَدَّث عن يَحيي القطان".
ثم قال: سمعت إبراهيم بن مُحمد الجهني يقول: "كان موسى بن هارون الحمّال يرضاه، وكان حسن الرأي فيه".
وذكر له حديثاً واحداً تفرد به، لم يُتابع عليه.
وقال الدارقطني: "عبدالرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الحَارِثي، أبو سَعِيْد: لَيْسَ بِالقَوِيِّ". [«سؤالات الحاكم للدارقطني» (147)].
قلت: نظرت في حديثه فوجدته لا بأس به، وما يتفرد به يحتاج لوقفة، لكن في حديثنا هذا هو تابع الإمام أحمد، فلا يُرد حديثه.
وعليه فالاختلاف في لفظ الحديث من يحيى القطان نفسه، وهو – وإن كان حافظاً جبلاً إلا أنه يُخطئ، لكنه قليل الخطأ، وهذا من نوادر أخطائه – رحمه الله -.
قال أَبُو حَفْصِ ابنُ شَاهِينَ في «تاريخ أسماء الثقات» (ص: 259) (1586): حدثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِاللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيْثَ". ثُمَّ قَالَ أبو عبدِالله: "وَمَنْ يَعرَى مِنَ الخَطَأِ وَالتَّصْحِيْفِ؟!".
رواه الخطيب أيضاً في «تاريخ بغداد» (16/203) من طريق مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، عن عُثْمَان الدقاق.
قلت: وكأن الوهم دخل على يحيى لأن عنده الحديث باللفظ الآخر لكن بإسناد آخر.
وعليه فلا نستطيع اعتماد ما ذكره البخاري في المقارنة بين رواية أحمد، والروايات الأخرى.
ويتبين لنا أن الاختلاف على يحيى في هذه الألفاظ، فأحمد قال: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ»، ومحمد بن المثنى، وعبدالله بن هاشم، وابن خلاّد قالوا: «فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ»!
وعليه فما قاله أحمد ليست زيادة كما نقل صاحبنا عمّن قاله، وإنما هو اختلاف في اللفظ. فرواية أحمد قيّدت عدم قبول الصلاة بتصديق العرّاف، ورواية الآخرين لم تقيّد، بل مجرد الإتيان والسؤال يعني عدم قبول الصلاة أربعين ليلة.
وفرق بين التصديق ومجرد السؤال، فالسؤال يعني عدم قبول الصلاة هذه المدة، وأما التصديق فهذا كفر مخرج من الملة كما في الأحاديث الأخرى، وأصحها ما قاله عبداللَّهِ بن مسعودٍ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
فمَنْ أَتَى عرّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنزَلَ الله عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ أتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ ليلةً.
وعليه فلا شك أن رواية الجماعة أصح، فهم جماعة، ومتن حديثهم هو الصواب المتفق مع الأحاديث الأخرى.
ولأن الاختلاف على يحيى بين أحمد والجماعة فبمقتضى القواعد الحديثية فنحكم للجماعة، ونقول بأن رواية أحمد خطأ! وهذا ما جعل ذلك الرجل يقول: إن أحمد أخطأ في هذه الرواية، لكن لم يزد كما قال، بل خالف في اللفظ!
والصحيح أن أحمد لم يُخطئ في الحديث، وقد رواه كما سمعه من شيخه القطان، وقد توبع على هذا اللفظ.
روى ابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (2/730) (995) قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو ابنِ البَخْتَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَنْصُورٍ الحَارِثِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا».
فها هو عبدالرحمن بن منصور قد تابع أحمد على هذه اللفظ: «فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ».
وعبدالرحمن هذا هو: ابن محمد بن مَنْصُور، أبو سعيد الحارثيّ البَغْداديُّ، البَصْرِيُّ الأصل، ويلقب كُرْبُزان (ت 271هـ).
سمع يَحْيَى بن سعيد القطان، ومعاذ بن هشام، وسالم بن نوح، ومالك بن إِسْمَاعِيل النهدي، وقريش بن أنس، ووهب بن جرير.
روى عنه: يَحْيَى بن صاعد، ومُحَمَّد بن مخلد، وأبو ذر القاسم بن داود، ومُحَمَّد بن أَحْمَد الحكيمي، وإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الصفار، وحمزة بن القاسم الهاشمي، ومُحَمَّد بن عمرو الرزاز، وأبو جعفر بن البَخْتَرِيّ، وعبد الله بن إِسْحَاق الخُراسانيّ، وغيرهم.
وقد أكثر عنه أبو بكر ابن حيّان الملقب بوكيع في «أخبار القضاة».
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/283): "كتبت عنه مع أبي وتكلموا فيه". وقال: سئل أبي عنه؟ فقال: "شيخٌ".
وذكره ابن عدي في «الكامل» (7/223) وقال: "حدّث بأشياء لا يتابعه أحد عليه، ويُقال: إنه آخر من حَدَّث عن يَحيي القطان".
ثم قال: سمعت إبراهيم بن مُحمد الجهني يقول: "كان موسى بن هارون الحمّال يرضاه، وكان حسن الرأي فيه".
وذكر له حديثاً واحداً تفرد به، لم يُتابع عليه.
وقال الدارقطني: "عبدالرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْصُور الحَارِثي، أبو سَعِيْد: لَيْسَ بِالقَوِيِّ". [«سؤالات الحاكم للدارقطني» (147)].
قلت: نظرت في حديثه فوجدته لا بأس به، وما يتفرد به يحتاج لوقفة، لكن في حديثنا هذا هو تابع الإمام أحمد، فلا يُرد حديثه.
وعليه فالاختلاف في لفظ الحديث من يحيى القطان نفسه، وهو – وإن كان حافظاً جبلاً إلا أنه يُخطئ، لكنه قليل الخطأ، وهذا من نوادر أخطائه – رحمه الله -.
قال أَبُو حَفْصِ ابنُ شَاهِينَ في «تاريخ أسماء الثقات» (ص: 259) (1586): حدثَنَا عُثْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِاللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقَلَّ خَطَأً مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيْثَ". ثُمَّ قَالَ أبو عبدِالله: "وَمَنْ يَعرَى مِنَ الخَطَأِ وَالتَّصْحِيْفِ؟!".
رواه الخطيب أيضاً في «تاريخ بغداد» (16/203) من طريق مُحَمَّد بن أَحْمَد بن رزق، عن عُثْمَان الدقاق.
قلت: وكأن الوهم دخل على يحيى لأن عنده الحديث باللفظ الآخر لكن بإسناد آخر.