لا جديدَ في التاريخ ..
ليس جديداً في تاريخ الفكر، وفي حركة التاريخ، على امتداد الزمان والمكان، بدءاً مِن التحولات الحضارية الكبرى، وانتهاءً بالمجموعات الصغيرة= أنْ تجد -دائماً- مَن فِكرُه يسبق زمنَه، ويتجاوز حدود الجغرافيا، ولا يستوعبه كثيرٌ مِن لداته وأبناء عصره. ومَن يكون -على النقيض- حجرَ َعثرةٍ أمام كلِّ فكرةٍ وأمام كلِّ تَقَدم. وربما كان كِلا الفريقين يظن أنه يخدم الصوابَ وينتصر للحقيقة، ولكنَّ حتميةَ التاريخ -التي لا تقف عند النوايا الطيبة إنْ وُجِدتْ- والتي لم تتغير قط حَفظتْ لنا دائماً ثناءَ اللاحقين على الفريق الأول، وصواب رأيهم، ودِقةَ رؤيتهم، وإدانة الثاني وتقديمه باعتباره أنموذجاً للرؤى القاصرة وضعفِ العقل ومحدوديةِ العلم والجهلِ بسنن الكون ..
وليس جديداً أنّ هذا الفريق الثاني ليس له شأنٌ بالعلم والفكر والفلسفة، وإنما جعلَتْه الظروفُ -لسببٍ أو آخر- في دائرة المنتسبين إلى دوائر المعرفة، لكنه يعلم، ونعلم، ويعلم أننا نعلم = أنه ليس مِن أهل هذا الشأن لا في قبيلٍ ولا دبير، وأنَّ المدونة التاريخية إنما حفظتْ مواقفَهم للاعتبار وبيانِ شؤم المقلدة ..
وليس جديداً أنَّ مما دلتْ عليه حتميةُ التاريخ أنّ هذا الفريق دوماً هو الأعلى صوتاً والأكثر عدداً، لكنهم الأقل تأثيراً على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، لكنْ هكذا كانت السنن، فلا بد أنْ يُوجَد ذاك الفريق في كلّ عصرٍ ومِصر، يُغلون الأسعارَ ويُضيقون الطريقَ ويكدّرون المياه وآية على وجود الشؤم وأنَّ العالِم لا يصفو دهرُه مِن الأكدار، حتى قال بعضُ العارفين: مَن فاتته ركعتا الفجر فليستغفر مِن مجالسة المقلدة ..
وليس جديداً أنَّ مَن أدرك مِن الفريق الأول هذه الحقيقة وعرف تلك الحتمية؛ لم يزعجه وجودُ ذاك الفريق، بل إنَّ الفيلسوف ليُحزنه غيابُهم؛ لأنَّ هذا الغياب قد يُنبي فيما يُنبي أنَّ ما يُقدمه الفريقُ الأول ليس في حيز الأفكار الكبرى التي تصنع الحضارات وتُغيّر حركةَ التاريخ وتمسك زمامَ الفكر والفلسفة. فترى فلاسفةَ الفريق الأول لا يُسعِد أحدَهم شيءٌ كوجودِ ذاك الفريق، والذي يدل وجودُه على أنك في اتجاهٍ صحيح، فَهُمْ علامات الطريق التي نصبَتْها لك السُننُ الكونية، فتلَمّسْ تلك العلامات عند كلّ فكرةٍ تُقدّمها ونظريةٍ تتقدم بها. وتأكّد أنّك على جادة العباقرة الذين يختطون طريق الإصلاح ويمهدون سُبلَ الفكر ويصنعون التغييرَ ويقودون حركة الحياة، وها قد عرفتَ فالزم؛ فإنّ حتمية التاريخ لا تحابي أحداً …
أ.د. خالد القرني
جامعة كامبريدج 8/ 2/ 2023
ليس جديداً في تاريخ الفكر، وفي حركة التاريخ، على امتداد الزمان والمكان، بدءاً مِن التحولات الحضارية الكبرى، وانتهاءً بالمجموعات الصغيرة= أنْ تجد -دائماً- مَن فِكرُه يسبق زمنَه، ويتجاوز حدود الجغرافيا، ولا يستوعبه كثيرٌ مِن لداته وأبناء عصره. ومَن يكون -على النقيض- حجرَ َعثرةٍ أمام كلِّ فكرةٍ وأمام كلِّ تَقَدم. وربما كان كِلا الفريقين يظن أنه يخدم الصوابَ وينتصر للحقيقة، ولكنَّ حتميةَ التاريخ -التي لا تقف عند النوايا الطيبة إنْ وُجِدتْ- والتي لم تتغير قط حَفظتْ لنا دائماً ثناءَ اللاحقين على الفريق الأول، وصواب رأيهم، ودِقةَ رؤيتهم، وإدانة الثاني وتقديمه باعتباره أنموذجاً للرؤى القاصرة وضعفِ العقل ومحدوديةِ العلم والجهلِ بسنن الكون ..
وليس جديداً أنّ هذا الفريق الثاني ليس له شأنٌ بالعلم والفكر والفلسفة، وإنما جعلَتْه الظروفُ -لسببٍ أو آخر- في دائرة المنتسبين إلى دوائر المعرفة، لكنه يعلم، ونعلم، ويعلم أننا نعلم = أنه ليس مِن أهل هذا الشأن لا في قبيلٍ ولا دبير، وأنَّ المدونة التاريخية إنما حفظتْ مواقفَهم للاعتبار وبيانِ شؤم المقلدة ..
وليس جديداً أنَّ مما دلتْ عليه حتميةُ التاريخ أنّ هذا الفريق دوماً هو الأعلى صوتاً والأكثر عدداً، لكنهم الأقل تأثيراً على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، لكنْ هكذا كانت السنن، فلا بد أنْ يُوجَد ذاك الفريق في كلّ عصرٍ ومِصر، يُغلون الأسعارَ ويُضيقون الطريقَ ويكدّرون المياه وآية على وجود الشؤم وأنَّ العالِم لا يصفو دهرُه مِن الأكدار، حتى قال بعضُ العارفين: مَن فاتته ركعتا الفجر فليستغفر مِن مجالسة المقلدة ..
وليس جديداً أنَّ مَن أدرك مِن الفريق الأول هذه الحقيقة وعرف تلك الحتمية؛ لم يزعجه وجودُ ذاك الفريق، بل إنَّ الفيلسوف ليُحزنه غيابُهم؛ لأنَّ هذا الغياب قد يُنبي فيما يُنبي أنَّ ما يُقدمه الفريقُ الأول ليس في حيز الأفكار الكبرى التي تصنع الحضارات وتُغيّر حركةَ التاريخ وتمسك زمامَ الفكر والفلسفة. فترى فلاسفةَ الفريق الأول لا يُسعِد أحدَهم شيءٌ كوجودِ ذاك الفريق، والذي يدل وجودُه على أنك في اتجاهٍ صحيح، فَهُمْ علامات الطريق التي نصبَتْها لك السُننُ الكونية، فتلَمّسْ تلك العلامات عند كلّ فكرةٍ تُقدّمها ونظريةٍ تتقدم بها. وتأكّد أنّك على جادة العباقرة الذين يختطون طريق الإصلاح ويمهدون سُبلَ الفكر ويصنعون التغييرَ ويقودون حركة الحياة، وها قد عرفتَ فالزم؛ فإنّ حتمية التاريخ لا تحابي أحداً …
أ.د. خالد القرني
جامعة كامبريدج 8/ 2/ 2023