وهذا التمييز بين الدين والسياسة ينبني إسلاميا على جملة موجهات هي:
ـ إن «الدين» هو ما كان مطلوبا «لمصالح الآخرة»، أي ما هو مطلق من تعاليم وأحكام في الدين. بينما أحكام السياسة تدخل ضمن مـا هـو مطلوب «لمصالح الدنيا». فهي ليست دينا بالمعنى الأول، أي ليست وحيا ولا أحكاما مطلقة. لكنها دين بالمعنى الثاني، أي خاضعة لرؤية الدين العامة للإنسان وللمجتمع، وملتزمة بمبادئه وأخلاقه وإطاره العام.
ـ إن مقام رئاسة الدولة (أو الإمامة) إذن مقام دنيوي، يسمي شهاب الدين القرافي ما يصدر عنه من سياسات وإجراءات وقرارات «تصرفات بالإمامة»، وتكون «فيما يقع فيه التنازع المصالح الدنيا» احترازا «من مسائل الاجتهاد في العبادات ونحوها، فإن التنازع فيها ليس لمصالح الدنيا بـل لمصالح الآخرة، فلا جرم لا يدخلها حكم الحاكم أصلا»، وبالتالي فإن الحكم «الديني المحض» يصدر عن مقام الإفتاء، بينما «القرار السياسي» يصدر عن الجهة المؤهلة، من رئاسة للدولة أو مستويات المسؤولية الأخرى فيها.
ـ إن لكل تصرف من التصرفات المختلفة ـ عند القرافي ـ مستندًا مختلفًا. فالفتيا تعتمد الأدلة الشرعية، والقضاء يعتمد الحجاج أو الأدلة المقدمة من قبل المتخاصمين. وتصرف الإمام (أو التصرف السياسي) يعتمد المصلحة الراجحة أو الخالصة في حق الأمة «وهي غير الحجة»، أي غير الدليل الشرعي. وقد وضح ذلك قائلا: «اعلم أن العبادات لا يدخلها الحكم البتة، بل الفتيا فقط، فكل ما وجد فيه من الإخبارات فهي فتيا فقط، فليس لحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة، ولا أن هذا الماء دون القلتين، فيكون نجسا، فيحرم على المالكي بعد ذلك استعماله، بل ما يقال في ذلك إنما هو الفتيا إن كان مذهب السامع عمل بها، وإلا فله تركها، والعمل بمذهبه». وهكذا يظهر أن شؤون الدين بالمعنى الخاص هو من مهمة «المفتي» أو غيره من المختصين أو المكلفين بالمهام «الدينية»، بينما القرار السياسي هو من مهمة المختصين أو المكلفين بالمسؤوليات السياسية.
ـ ومما يميز الفتيا عن «التصرف» السياسي، أن الفتيا إخبار عن الحكم الشرعي، وهو غير ملزم. أما التصرف بالإمامة (أو التصرف السياسي) فهو ملزم. ومن هنا ورد القول: «إن الحكم إلزام والفتيا إخبار». ولذلك فإن فتاوى المفتين يمكن أن تختلف، وقد تتعارض، ولا حرج. وللمسلم أن يختار منها انطلاقا من اقتناعه بالأدلة التي يستند إليها. بينما «التصرف» السياسي الذي يأتيه المكلف بالمسؤوليات السياسية فهو ملزم، لأن السلطة السياسية ـ بحكم تعريفها نفسه ـ مفوض لها إلزام مواطنيها بسياساتها وقراراتها التي تهدف من حيث المبدأ حفظ أمن واستقرار المجتمع وتحقيق مصالحه.
د. سعد الدین العثماني (من قيادات حزب العدالة والتنمية [إخوان] المغرب)،
الدین والسیاسة: تمییز لا فصل،
ص102،103
القاهرة: دار الکلمة: 2015.
#الفکر_السیاسي_في_الإسلام
@AdnanFallahi
ـ إن «الدين» هو ما كان مطلوبا «لمصالح الآخرة»، أي ما هو مطلق من تعاليم وأحكام في الدين. بينما أحكام السياسة تدخل ضمن مـا هـو مطلوب «لمصالح الدنيا». فهي ليست دينا بالمعنى الأول، أي ليست وحيا ولا أحكاما مطلقة. لكنها دين بالمعنى الثاني، أي خاضعة لرؤية الدين العامة للإنسان وللمجتمع، وملتزمة بمبادئه وأخلاقه وإطاره العام.
ـ إن مقام رئاسة الدولة (أو الإمامة) إذن مقام دنيوي، يسمي شهاب الدين القرافي ما يصدر عنه من سياسات وإجراءات وقرارات «تصرفات بالإمامة»، وتكون «فيما يقع فيه التنازع المصالح الدنيا» احترازا «من مسائل الاجتهاد في العبادات ونحوها، فإن التنازع فيها ليس لمصالح الدنيا بـل لمصالح الآخرة، فلا جرم لا يدخلها حكم الحاكم أصلا»، وبالتالي فإن الحكم «الديني المحض» يصدر عن مقام الإفتاء، بينما «القرار السياسي» يصدر عن الجهة المؤهلة، من رئاسة للدولة أو مستويات المسؤولية الأخرى فيها.
ـ إن لكل تصرف من التصرفات المختلفة ـ عند القرافي ـ مستندًا مختلفًا. فالفتيا تعتمد الأدلة الشرعية، والقضاء يعتمد الحجاج أو الأدلة المقدمة من قبل المتخاصمين. وتصرف الإمام (أو التصرف السياسي) يعتمد المصلحة الراجحة أو الخالصة في حق الأمة «وهي غير الحجة»، أي غير الدليل الشرعي. وقد وضح ذلك قائلا: «اعلم أن العبادات لا يدخلها الحكم البتة، بل الفتيا فقط، فكل ما وجد فيه من الإخبارات فهي فتيا فقط، فليس لحاكم أن يحكم بأن هذه الصلاة صحيحة أو باطلة، ولا أن هذا الماء دون القلتين، فيكون نجسا، فيحرم على المالكي بعد ذلك استعماله، بل ما يقال في ذلك إنما هو الفتيا إن كان مذهب السامع عمل بها، وإلا فله تركها، والعمل بمذهبه». وهكذا يظهر أن شؤون الدين بالمعنى الخاص هو من مهمة «المفتي» أو غيره من المختصين أو المكلفين بالمهام «الدينية»، بينما القرار السياسي هو من مهمة المختصين أو المكلفين بالمسؤوليات السياسية.
ـ ومما يميز الفتيا عن «التصرف» السياسي، أن الفتيا إخبار عن الحكم الشرعي، وهو غير ملزم. أما التصرف بالإمامة (أو التصرف السياسي) فهو ملزم. ومن هنا ورد القول: «إن الحكم إلزام والفتيا إخبار». ولذلك فإن فتاوى المفتين يمكن أن تختلف، وقد تتعارض، ولا حرج. وللمسلم أن يختار منها انطلاقا من اقتناعه بالأدلة التي يستند إليها. بينما «التصرف» السياسي الذي يأتيه المكلف بالمسؤوليات السياسية فهو ملزم، لأن السلطة السياسية ـ بحكم تعريفها نفسه ـ مفوض لها إلزام مواطنيها بسياساتها وقراراتها التي تهدف من حيث المبدأ حفظ أمن واستقرار المجتمع وتحقيق مصالحه.
د. سعد الدین العثماني (من قيادات حزب العدالة والتنمية [إخوان] المغرب)،
الدین والسیاسة: تمییز لا فصل،
ص102،103
القاهرة: دار الکلمة: 2015.
#الفکر_السیاسي_في_الإسلام
@AdnanFallahi