قناة | توّاق dan repost
••
دوامة المحتوى القصير
إشكالية هذه المقاطع القصيرة Shorts ليست في طولها، بل في انسيابها الناعم إلى وعي الإنسان فيظنّ الحريص أن الدقائق التي تستهلكها هذه المشاهد المتناثرة لا تُعدّ هدرًا، فهي لحظات يسيرة لا تبلغ مقام الضياع! غير أن عمق الإشكال ليس في الزمن المسلوب، بل في تآكل الهيبة المعرفية، وانزلاق الهمة إلى سفاسف الطرح.
العاقل يتوهم أنّ الدقيقة والاثنتين لا تفتّ في عضده، ولا تنقص من مهابته، فإذا بالمساحات الصغيرة تتحوّل إلى جرف هار، تنسف مقام الوقت، وتهتك نسيج التركيز، وتورث النفس تبلّدًا يفتك بها أكثر مما يتصور، وخطر هذه الشرائح المبتسرة أعظم من غيرها، إذ هي تتسلّل إلى الوعي بلا استئذان، وتستوطن الأعصاب بلا مقاومة، حتى يصحو المرء ليجد نفسه قد صار أسيرًا للمُلهيات، مستسلِمًا للعبث، مغتربًا عن همته ووجهته.
ومما يبعث على التأمل العميق في هذه الظاهرة وأخواتها من المقاطع الخاطفة، أنها تمارس عملية "السحب البطيء" للوقت، بطريقة تجعل المرء لا يستشعر مقدار التهامها لعمره، ولذلك، فالمسألة ليست مجرد "إضاعة وقت" كما يظن بعض
الفضلاء، بل هي إعادة برمجة ذهنية تفرّغ الفكر من العمق، وتصرفه عن المعاني الثقيلة، وتروضه على أن لا يحتمل إلا جرعاتٍ معرفيةٍ خفيفة، لا تسمن ولا تغني من يقين، فتتضاءل عنده القدرة على التأمل الطويل، وتضعف ملكة الاستيعاب المنهجي، حتى إذا وقف أمام نصٍّ علميٍّ رصينٍ، أو فكرةٍ متماسكة، ضاق بها ذرعًا، وسارع في البحث عن "الملخص المختصر" أو "التفسير السريع" الذي يسدّ عنده نهمة التلقي اللحظي دون أن يُنتج في عقله أي بناءٍ متين.
ولعل هذا هو أخطر ما في هذه المقاطع العابثة، أنها تخلق "نفسًا عجولة"،و"ذهنًا قلقًا"، و"إدراكًا مجزّأً"، يعجز صاحبه عن الصبر على مدارج المعرفة الجادة، ويقنع بالقشور بدلًا عن الغوص في الحقائق، فتخيل..أيّ أثر يمكن أن يحدثه هذا النمط من التلقي على جيل بأكمله، وأيّ مستقبل ينتظر أمةً اعتادت على "اختزال المعرفة"، بدلًا من "بنائها"! فهل يُصلح المسير من جعل وِرده اليومي جرعات من التوافه، ثم يتساءل عن سبب وهن بصيرته وتشوّش مداركه؟!
••
دوامة المحتوى القصير
إشكالية هذه المقاطع القصيرة Shorts ليست في طولها، بل في انسيابها الناعم إلى وعي الإنسان فيظنّ الحريص أن الدقائق التي تستهلكها هذه المشاهد المتناثرة لا تُعدّ هدرًا، فهي لحظات يسيرة لا تبلغ مقام الضياع! غير أن عمق الإشكال ليس في الزمن المسلوب، بل في تآكل الهيبة المعرفية، وانزلاق الهمة إلى سفاسف الطرح.
العاقل يتوهم أنّ الدقيقة والاثنتين لا تفتّ في عضده، ولا تنقص من مهابته، فإذا بالمساحات الصغيرة تتحوّل إلى جرف هار، تنسف مقام الوقت، وتهتك نسيج التركيز، وتورث النفس تبلّدًا يفتك بها أكثر مما يتصور، وخطر هذه الشرائح المبتسرة أعظم من غيرها، إذ هي تتسلّل إلى الوعي بلا استئذان، وتستوطن الأعصاب بلا مقاومة، حتى يصحو المرء ليجد نفسه قد صار أسيرًا للمُلهيات، مستسلِمًا للعبث، مغتربًا عن همته ووجهته.
ومما يبعث على التأمل العميق في هذه الظاهرة وأخواتها من المقاطع الخاطفة، أنها تمارس عملية "السحب البطيء" للوقت، بطريقة تجعل المرء لا يستشعر مقدار التهامها لعمره، ولذلك، فالمسألة ليست مجرد "إضاعة وقت" كما يظن بعض
الفضلاء، بل هي إعادة برمجة ذهنية تفرّغ الفكر من العمق، وتصرفه عن المعاني الثقيلة، وتروضه على أن لا يحتمل إلا جرعاتٍ معرفيةٍ خفيفة، لا تسمن ولا تغني من يقين، فتتضاءل عنده القدرة على التأمل الطويل، وتضعف ملكة الاستيعاب المنهجي، حتى إذا وقف أمام نصٍّ علميٍّ رصينٍ، أو فكرةٍ متماسكة، ضاق بها ذرعًا، وسارع في البحث عن "الملخص المختصر" أو "التفسير السريع" الذي يسدّ عنده نهمة التلقي اللحظي دون أن يُنتج في عقله أي بناءٍ متين.
ولعل هذا هو أخطر ما في هذه المقاطع العابثة، أنها تخلق "نفسًا عجولة"،و"ذهنًا قلقًا"، و"إدراكًا مجزّأً"، يعجز صاحبه عن الصبر على مدارج المعرفة الجادة، ويقنع بالقشور بدلًا عن الغوص في الحقائق، فتخيل..أيّ أثر يمكن أن يحدثه هذا النمط من التلقي على جيل بأكمله، وأيّ مستقبل ينتظر أمةً اعتادت على "اختزال المعرفة"، بدلًا من "بنائها"! فهل يُصلح المسير من جعل وِرده اليومي جرعات من التوافه، ثم يتساءل عن سبب وهن بصيرته وتشوّش مداركه؟!
••