«دكان الخُضَرْجي (4)»
ما كانت أم إبراهيم لتسلم من الموت الأكيد ، لو لم يعد إليها الجاني مدفوعاً بغريزة حب الاستطلاع . وما كان المسافرون مع الجاني ليعرفوا موضع المرأة ، لو لم يصرخ الجاني صرخته العظيمة المدوية بدون شعور منه ولا تفكير متألماً من لدغة الأفعى السامة ، وما كان إبراهيم ليدفع البدل النقدي لو قدمت أول سيارة من المدينة التي كان فيها ، لأنها ستنقل أمه إلى مدينتها وليس إلى مدينته .
ولو حصل هذا .. لضاع عليه الوقت المحدد لدفع البدل النقدي . إذن .. لقد كان ذلك كله من تدبير العلي القدير .
سمع محافظ مدينة أم إبراهيم بقصتها كما سمعها الناس ،فهب هو والجيران ووجهاء الحي وكرماؤه لجمع ثمن الدار ، وذلك حتى تستعيد العائلة دارها من صاحبها الجديد .
لكن صاحب الدار الجديد هو الآخر سمع بقصتها .. فما كان منه إلا أن أعاد إلى أم إبراهيم سند الدار وملكيتها ، وتنازل عن كل المال الذي دفعه لها ثمناً لدارها . فبقى المبلغ الذي جمعه لها المحافظ والجيران معها ، ومعه أيضاً ٣٠٠ ديناراً من أصل ثمن الدار التي كانت قد قبضته من صاحب الدار الجديد والذي تنازل عنه جميعاً ، فجددت بهذا المبلغ الكبير بناء الدار ودكان الخضرة.
أقبل الناس على دكان ولدها إبراهيم يشترون سلعته ويتسابقون على معاونته . وفي خلال سنة واحدة .. تضخم عمله ، وأقبلت عليه الدنيا ، وأصبح تاجراً كبيراً من تجار الخضرة في بغداد .فانتقل إبراهيم إلى دكان أكبر في شارع عام في موقع محترم ، يبيع في دكانه كل أنواع الخضار والفواكه .مرت السنون .. وفي كل عام كان في الدار بناء جديد وتوسعه .
فقد تخرج الأولاد من مدارسهم واحداً بعد الآخر ، فأصبح أحدهم مهندساً والآخر طبيباً والثالث ضابطاً في الجيش . لم يعد طعامهم اليومي من الشاي والخبز ، أو من الخبز والخضرة ، بل كان لهم لحم في كل يوم مع ألوان شهية أخرى من الطعام .
لقد فتح الله عليهم بركاته ، وأغدق عليهم رعايته ، وجعلهم مثالاً للخلق الكريم بين الناس متعاونين في السراء والضراء .
في عام ١٩٦٥ انتقلت العائلة جميعاً إلى دارها الجديدة على ضفاف نهر دجلة قرب الجسر الكبير في بغداد . فقد تزوج الأولاد الكبار الثلاثة وأخصبوا ، فتضاعف عدد العائلة ، فأصبحت أربع عائلات مترابطة متعاونة ، كلمة الفصل فيها لأم إبراهيم .. سيدة البيت بدون استثارة أو إزعاج .
تقول أم إبراهيم عن حالها وشعورها لما تركها الجاني وحيدة تنازع الموت وتنزف جروحها الدم في بطن الوادي السحيق ، تقول : كنت أخاطب الله عز وجل بقولي : يا جبار السموات والأرض ، أنت أعلم بحالي ، فهيىء لي بقدرتك القادرة أسباب دفع البدل النقدي عن ولدي ليعود إلى أهله ويعيلهم .. يا رب . فاستجاب الله دعائي ، وأعاد لي مالي وولدي ، وانتقم لي من خصمي ، وبدل حال عائلتي كلها إلى أحسن حال .
يقول اللواء محمود شيت خطاب راوي هذه القصة الواقعية :
تلك قصة من الواقع ، لكن حوادثها أغرب من الخيال . سيقول بعض الناس : إنَّ ما حدث صدفة . وأقول : ليقل هؤلاء الناس ما يقولون ، لكنني لا أشك أن ما حدث هو من تدبير العلي القدير . ليس من المعقول أن يحدث كل ذلك مصادفة .. فلو أراد إنسان أن يوقت حوادث هذه القصة مثل ذلك التوقيت الدقيق لعجز . إن الناس يغفلون وينامون ، والله وحده حي لا يغفل ولا ينام . ليتذكر الناس هذا .. ليتذكر الناس أنه ما من دابة إلا على الله رزقها ، فالله لم ينس رزق الدودة الصغيرة في الصخرة القاسية وسط عباب المحيط ، فكيف ينسى أرزاق الأرامل واليتامى ؟! ليتذكر الناس أنهم يخشون بعضهم ، والله أحق أن يخشوه . وأخيراً .. ليتذكر الناس أن الله يمهل ولا يهمل ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .
«
أكثروا الدعاء لإخوا
نكم في غزة والمقاومة
اللهم إنا نسألك الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين والسداد والنصر والتوفيق والمعية والتمكين للمجاهدين وتحقق كل مطالب المقاومة اللهم نصرك الذي وعدت اللهم افشل كل مخططات أمريكا والغرب وحرر العالم من صهاينة العالم والعرب اللهم اطفئ نار الحرب بنورك ورحمتك ولطفك ومعيتك»🤲
🏻