🔘حقيقة السعادة:
تأمّلت في حقيقة السعادة التي يطلبها الناس، فوجدتها شعورًا نفسيًّا يستوي فيه الغني والفقير، شعور كأي شعور غُرس في الطبيعة البشريّة، كالحزن والفرح والحبّ والخوف وغيرها.
لا يختلف اثنان في هذه المشاعر، والتي منها السعادة، حتى لو كان أحدهما غنيًّا والآخر فقيرًا، وإنما يختلفان في الوسيلة التي توصلهما إلى الشعور بالسعادة.
ومِن هنا وقع الخلل والخلط عند أكثر الناس، فهم يظنون أن السعادة هي تلك الوسيلة التي أوصلت لحقيقة السعادة، فكلما رأوا أحدًا يمتلك هذه الوسيلة ظنوه سعيدًا.
والأدهى والأمَرُّ أنهم يُضيّقون واسعًا فلا يرون من الوسائل إلا الوسائل التي يمتلكها الأغنياء، فيتنافسون في تحصيلها، فتعسر على الكثير منهم، فيشعرون أنهم لن يكونوا سعداء إلا بها، وهذا من أسباب الكآبة والحزن وعدم الرضا.
وما علموا أن هناك أسبابًا بين أيديهم أيسر في تحقيق السعادة وأسرع.
وخُذ هذا المثال الحسي ليتبيّن لك حقيقة ما ذكرت:
العطش شعور، يشترك فيه الغني والفقير، وكذلك الرِّي، فلو عطش اثنان أحدهما غني والآخر فقير، فإنهما يجدان الشعور نفسه، فإذا شربا من الماء نفسه فارتويا، هل يختلف شعورهما بالرِّي؟ لا
فلو اشترى الغني علبة الماء بعشرة ريالات، واشتراها الفقير بنصف ريال، هل يختلف ريُّهما؟ لا
إذن، فمن المحظوظ منهما؟
لا شك أنه الفقير؛ لأنه شعر بالرِّي بمبلغ أقل من الغني.
فكذلك السعادة، كلما كانت الوسيلة أيسر للوصول إليها وأسرع، فصاحبها أكثر حظًّا ممن وصل إليها بوسيلة مكلّفة.
فالفقير قد يصل للشعور بالسعادة بشرب كوب شاي أمام منزله، وآخر يشعر بالسعادة بأخذ سجادة يفرشها في أقرب حديقة لبيته، بينما هنالك غني لا يصل لهذا الشعور إلا بقطع آلاف الأميال، ودفع عشرات الآلف من الأموال، ليشرب كوب الشاي على الشاطئ الفلاني، ويأكل وجبته المفضّلة في المطعم الفلاني.
ولست أقول: ازهد في طلب السعادة، ولكن أقول: اعرف حقيقتها واطلبها بالمتاح لديك، ولا تسدّ بابها بحصر وسائلها بما في أيدي الأغنياء مما ليس في يديك.
والوسيلة التي توصلك للسعادة لا تُفرّط بها.
وإن كنت ممن تتوفّر له كل الوسائل فلا تعوّد نفسك على الوسائل المكلّفة، والتي قد لا تتوفّر لك كل وقت.
🔘ومضات في السعادة:
📌السعادة ربح، والعافية رأس مال، فلا تخسر عافيتك لتنال السعادة.
📌البحث عن السعادة كل وقت، مِن أسباب الكآبة، وقد قيل: "كُلَّما ترفَّه الجسد تعقَّدت الروح"
📌السعادة ذُكِرَت في القرآن في موضع واحد، وذلك عند ذِكر الجنة.
وأما الطمأنينة والسكينة فقد ذُكِرتا في مواضع عدّة في القرآن.
والعاقل يدرك أنه في الدنيا محتاجٌ إلى الطمأنينة أكثر من السعادة؛ لأنه في الدنيا يمكن أن تكون حزينًا ومهمومًا، وفي الوقت نفسه مطمئنّ.
وأما السعادة فإنه لا يكون معها همٌّ ولا حزن، ولذلك فهي لا تحصل كل وقت.
فلتَكُنْ غايتك في الدنيا طلب الطمأنينة، وأما السعادة فإن لم تحصل هنا، فيقينًا ستحصل هنالك.
📌السعادة مُتغَيِّر، والطمأنينة ثابت، فلا تطلب المُتغَيِّر، وتنسى الثابت.
📌أعجبني مصطلح جديد في السعادة لأحمد أمين في كتابه (حياتي) وقد أطلق عليه السعادة السلبيّة! يقول: "أما أنا وبيتي فقد كان بيتي هادئًا مطمئًنا سعيدًا سعادةً سلبيّة، وأعني بالسعادة السلبيّة: السعادة الخالية من الآلام. أما السعادة الإيجابيّة مِن فرح ومرح وضحك ونحو ذلك فقد كان بيتنا خاليًا منها تقريبًا؛ لإفراط أبي في جِدِّه وحُبِّه للعزلة وعكوفه على القراءة أكثر وقته."
🔘خير الختام:
قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ﴾ [هود: ١٠٨]
وقال رسول الله ﷺ: "أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ: من قال لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من قلبِه" رواه البخاري.
🖊️أ.د. بندر الشراري
٥/ ٧/ ١٤٤٦هـ
تأمّلت في حقيقة السعادة التي يطلبها الناس، فوجدتها شعورًا نفسيًّا يستوي فيه الغني والفقير، شعور كأي شعور غُرس في الطبيعة البشريّة، كالحزن والفرح والحبّ والخوف وغيرها.
لا يختلف اثنان في هذه المشاعر، والتي منها السعادة، حتى لو كان أحدهما غنيًّا والآخر فقيرًا، وإنما يختلفان في الوسيلة التي توصلهما إلى الشعور بالسعادة.
ومِن هنا وقع الخلل والخلط عند أكثر الناس، فهم يظنون أن السعادة هي تلك الوسيلة التي أوصلت لحقيقة السعادة، فكلما رأوا أحدًا يمتلك هذه الوسيلة ظنوه سعيدًا.
والأدهى والأمَرُّ أنهم يُضيّقون واسعًا فلا يرون من الوسائل إلا الوسائل التي يمتلكها الأغنياء، فيتنافسون في تحصيلها، فتعسر على الكثير منهم، فيشعرون أنهم لن يكونوا سعداء إلا بها، وهذا من أسباب الكآبة والحزن وعدم الرضا.
وما علموا أن هناك أسبابًا بين أيديهم أيسر في تحقيق السعادة وأسرع.
وخُذ هذا المثال الحسي ليتبيّن لك حقيقة ما ذكرت:
العطش شعور، يشترك فيه الغني والفقير، وكذلك الرِّي، فلو عطش اثنان أحدهما غني والآخر فقير، فإنهما يجدان الشعور نفسه، فإذا شربا من الماء نفسه فارتويا، هل يختلف شعورهما بالرِّي؟ لا
فلو اشترى الغني علبة الماء بعشرة ريالات، واشتراها الفقير بنصف ريال، هل يختلف ريُّهما؟ لا
إذن، فمن المحظوظ منهما؟
لا شك أنه الفقير؛ لأنه شعر بالرِّي بمبلغ أقل من الغني.
فكذلك السعادة، كلما كانت الوسيلة أيسر للوصول إليها وأسرع، فصاحبها أكثر حظًّا ممن وصل إليها بوسيلة مكلّفة.
فالفقير قد يصل للشعور بالسعادة بشرب كوب شاي أمام منزله، وآخر يشعر بالسعادة بأخذ سجادة يفرشها في أقرب حديقة لبيته، بينما هنالك غني لا يصل لهذا الشعور إلا بقطع آلاف الأميال، ودفع عشرات الآلف من الأموال، ليشرب كوب الشاي على الشاطئ الفلاني، ويأكل وجبته المفضّلة في المطعم الفلاني.
ولست أقول: ازهد في طلب السعادة، ولكن أقول: اعرف حقيقتها واطلبها بالمتاح لديك، ولا تسدّ بابها بحصر وسائلها بما في أيدي الأغنياء مما ليس في يديك.
والوسيلة التي توصلك للسعادة لا تُفرّط بها.
وإن كنت ممن تتوفّر له كل الوسائل فلا تعوّد نفسك على الوسائل المكلّفة، والتي قد لا تتوفّر لك كل وقت.
🔘ومضات في السعادة:
📌السعادة ربح، والعافية رأس مال، فلا تخسر عافيتك لتنال السعادة.
📌البحث عن السعادة كل وقت، مِن أسباب الكآبة، وقد قيل: "كُلَّما ترفَّه الجسد تعقَّدت الروح"
📌السعادة ذُكِرَت في القرآن في موضع واحد، وذلك عند ذِكر الجنة.
وأما الطمأنينة والسكينة فقد ذُكِرتا في مواضع عدّة في القرآن.
والعاقل يدرك أنه في الدنيا محتاجٌ إلى الطمأنينة أكثر من السعادة؛ لأنه في الدنيا يمكن أن تكون حزينًا ومهمومًا، وفي الوقت نفسه مطمئنّ.
وأما السعادة فإنه لا يكون معها همٌّ ولا حزن، ولذلك فهي لا تحصل كل وقت.
فلتَكُنْ غايتك في الدنيا طلب الطمأنينة، وأما السعادة فإن لم تحصل هنا، فيقينًا ستحصل هنالك.
📌السعادة مُتغَيِّر، والطمأنينة ثابت، فلا تطلب المُتغَيِّر، وتنسى الثابت.
📌أعجبني مصطلح جديد في السعادة لأحمد أمين في كتابه (حياتي) وقد أطلق عليه السعادة السلبيّة! يقول: "أما أنا وبيتي فقد كان بيتي هادئًا مطمئًنا سعيدًا سعادةً سلبيّة، وأعني بالسعادة السلبيّة: السعادة الخالية من الآلام. أما السعادة الإيجابيّة مِن فرح ومرح وضحك ونحو ذلك فقد كان بيتنا خاليًا منها تقريبًا؛ لإفراط أبي في جِدِّه وحُبِّه للعزلة وعكوفه على القراءة أكثر وقته."
🔘خير الختام:
قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ إِلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيرَ مَجذوذٍ﴾ [هود: ١٠٨]
وقال رسول الله ﷺ: "أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ: من قال لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من قلبِه" رواه البخاري.
🖊️أ.د. بندر الشراري
٥/ ٧/ ١٤٤٦هـ