١- المواساة الصادقة
فأبو الفضل العبّاس عليه السلام هو ذلك القلب الشفاف كالبلور، المرهف كالحرير، الندي كالورد، الحساس لأحزان الإنسانية والبراءة، المصغي لصيحاتها الكليمة وآهاتها الفجيعة، الذي يتفطّر لبكاء طفل صغير أكظه الظمأ، فيهبّ كالسهم الثاقب ليجلب الماء، وهمّه الوحيد الذي يسكن وجدانه أن يُنعم مهجة ذلك الطفل الوديع الظامئ، ويبرّد غليله، ويسكت لوعته، ويطفئ لهب دمعته الوارية.وحين يصل المشرعة وقلبه يتلظى من حرارة الشمس وشراسة الحرب وشدة العطش، ويغترف من معينها البارد جرعة يدنيها من فمه لا تغيب عنه مناظر الأطفال تهفو قلوبهم إلى قطرة ماء تسكّن سعير أكبادهم المتفتتة، وتسقي صحراء مهجتهم الملتاعة، فتتقاطر عليه صور الأطفال يلهبها الظمأ، حتى تصيح من شدة وقدته: (العطش.. العطش)، وتخيّم عليه صورة الطفل الرضيع يبكي وقد دلع لسانه وشحبت ألوانه من شدة العطش بعد أن جفّ ثدي أُمّه التي سبقته لسكنى نار الظمأ، وتتمثل أمامه رقية الغضة ذابلة كالزهرة الذاوية، وسكينة تترقب الجود، وتنتصب صورة أخيه الحُسَين السبط ـ عليه السلام ـ وقد أصبح قلبه كصالية الحديد من الظمأ، يرى ذلك كلّه في حفنة الماء التي اغترفها ليشرب؛ فيلقي الماء على الماء، ويدمدم:
يا نفس، من بعد الحُسَين هوني *** وبعده لا كنتِ أن تكوني
هـذا الحُسَـين وارد المـنون *** وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فـعال دينـي *** وﻻ فعال صادق اليقين
وحتى حين يريد أخوه الحُسَين أن ينقله إلى المخيم بعد أن فلق رأسه العمود المشؤوم، يجيب الحُسَينَ عليه السلام بكلّ شفقة وعطف وحنوّ، ويطلب منه أن يتركه في ساحة الوغى، فيسأله الحُسَين عليه السلام: لِمَ يا أخي؟!، فيقول: لأنّي وعدتُ سكينة بالماء، وأستحي أن تراني دونه!!
_
فأبو الفضل العبّاس عليه السلام هو ذلك القلب الشفاف كالبلور، المرهف كالحرير، الندي كالورد، الحساس لأحزان الإنسانية والبراءة، المصغي لصيحاتها الكليمة وآهاتها الفجيعة، الذي يتفطّر لبكاء طفل صغير أكظه الظمأ، فيهبّ كالسهم الثاقب ليجلب الماء، وهمّه الوحيد الذي يسكن وجدانه أن يُنعم مهجة ذلك الطفل الوديع الظامئ، ويبرّد غليله، ويسكت لوعته، ويطفئ لهب دمعته الوارية.وحين يصل المشرعة وقلبه يتلظى من حرارة الشمس وشراسة الحرب وشدة العطش، ويغترف من معينها البارد جرعة يدنيها من فمه لا تغيب عنه مناظر الأطفال تهفو قلوبهم إلى قطرة ماء تسكّن سعير أكبادهم المتفتتة، وتسقي صحراء مهجتهم الملتاعة، فتتقاطر عليه صور الأطفال يلهبها الظمأ، حتى تصيح من شدة وقدته: (العطش.. العطش)، وتخيّم عليه صورة الطفل الرضيع يبكي وقد دلع لسانه وشحبت ألوانه من شدة العطش بعد أن جفّ ثدي أُمّه التي سبقته لسكنى نار الظمأ، وتتمثل أمامه رقية الغضة ذابلة كالزهرة الذاوية، وسكينة تترقب الجود، وتنتصب صورة أخيه الحُسَين السبط ـ عليه السلام ـ وقد أصبح قلبه كصالية الحديد من الظمأ، يرى ذلك كلّه في حفنة الماء التي اغترفها ليشرب؛ فيلقي الماء على الماء، ويدمدم:
يا نفس، من بعد الحُسَين هوني *** وبعده لا كنتِ أن تكوني
هـذا الحُسَـين وارد المـنون *** وتشربين بارد المعين
تالله ما هذا فـعال دينـي *** وﻻ فعال صادق اليقين
وحتى حين يريد أخوه الحُسَين أن ينقله إلى المخيم بعد أن فلق رأسه العمود المشؤوم، يجيب الحُسَينَ عليه السلام بكلّ شفقة وعطف وحنوّ، ويطلب منه أن يتركه في ساحة الوغى، فيسأله الحُسَين عليه السلام: لِمَ يا أخي؟!، فيقول: لأنّي وعدتُ سكينة بالماء، وأستحي أن تراني دونه!!
_