💍 دروس في تفسير القرآن 💍


Kanal geosi va tili: Eron, Forscha


دروس في علوم القرآن ( ٢٥٦ ) درس لأهم علوم القرآن ( رابط القناة https://t.me/LLBBJJDD )
وبعدها بدأنا بتفسير القرآن اعتمادا على تفسير الأمثل .

Связанные каналы

Kanal geosi va tili
Eron, Forscha
Statistika
Postlar filtri


س : ما هي صلاة الاستغاثة بالسيدة الزهراء عليها السلام لطلب الحاجة ؟



https://t.me/dDllOOii/9183

رابط مؤقت أنظم قبل الحذف ❤️‍🔥




3⃣ ـ وهو المعنى الذي ينسجم مع معنى ( الرأي ) في ( مدرسة الرأي ) في الفقه الاسلامي، ففي الفقه الاسلامي يوجد اتجاهان في (الاستنباط) :

١ . الاتجاه الذي يعتمد في الاستنباط وفهم الحكم الشرعي على القرآن وسنة المعصوم (عليه السلام) باعتبارهما المصدرين الأساسيين ، واليهما يرجع (العقل) و (الاجماع) أيضا .

٢ . اعتماد الفقيه في استنباط الحكم الشرعي - إذا لم يجد نصا يدل عليه في الكتاب والسنة - على (الاجتهاد) و (الرأي) بدلا من النص ، و (الاجتهاد) هنا يعني الرأي الشخصي للفقيه ، مثل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها .

وحينئذ يكون (الاجتهاد) دليلاً من أدلة الفقه ومصدراً من مصادره ، إضافة إلى الكتاب والسنة .
وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السني ، وقامت منذ أواسط القرن الثاني مدرسة فقهية كبيرة كانت تحمل اسم مدرسة ( الرأي والاجتهاد ) ، حيث إنه لم يصح لدى أبي حنيفة صاحب هذه الدروس إلا عدد محدود من الأحاديث قيل : إنها دون العشرين .

وقد انتقد الأئمة (عليهم السلام) هذه المدرسة واتجاهها انتقاداً شديداً ، وقد يشكل هذا الانتقاد الشديد للأئمة (عليهم السلام) قرينة على أن المراد من (التفسير بالرأي) المنهي عنه هو (الرأي) في هذه المدرسة باعتبار أنها تشكل اتجاهاً خطيراً في الفكر الاسلامي ، لا من ناحية النتائج التي انتهت إليها فقهياً فقط ، وانما باعتبار الاتجاه والطريق الخاطئ الذي انتهجته في عملية الاستنباط والمعتمد بالأساس على القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ، وما أشبه ذلك من قضايا مرجعها إلى الرأي ، والتي تنتهي في نهاية المطاف إلى انحراف خطير في فهم القرآن والسنة .

وعلى هذا الأساس كان النقد الذي وجهه أهل البيت إلى هذا الاتجاه أكبر من نقد المذاهب الفقهية الأخرى ، والتي لم تلتزم بهذا الطريق الخطير في عملية الاستنباط وان كانت نتائجها غير صحيحة أيضا .

وحينئذ قد يراد من التفسير بالرأي هذ النوع من الرأي هو الاعتماد في فهم المضامين القرآنية على الذوق والاستحسان فيرى أن هذا النوع من المضمون هو الأقرب إلى النفس أكثر من غيره .

٢ . لا يجوز وقد دلت روايات متعددة على عدم الجواز أنقل لكم بعضها :

منها : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله جل جلاله : ما آمن بي من فسر برأيه كلامي .

ومنها : قال الإمام الصادق (عليه السلام) : من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ كان إثمه عليه .

منها : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار .

ومنها : عنه (صلى الله عليه وآله) : من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .

ومنها : عنه (صلى الله عليه وآله) : من قال في القرآن بغير ما علم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار .

ومنها : عنه (صلى الله عليه وآله) : أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن يضعه على غير مواضعه .


س : ما معنى التفسير بالرأي ؟ وهل يجوز تفسير القرآن الكريم بذلك ؟


ج : ١ . هناك احتمالات ثلاثة في معنى  (التفسير بالرأي ) الذي يكون موضوعاً لذاك النهي الوارد عن المعصوم (عليه السلام) في روايات كثيرة ، وهذه الاحتمالات الثلاثة هي :

1⃣ ـ أن المراد من التفسير بالرأي هو أن يفسر الانسان النص القرآني اعتماداً على رأيه وذوقه الشخصي ، في مقابل الفهم العام للقرآن المتمثل بالظهور العرفي والذي يعتمد على القرائن السابقة .

وتوضيح ذلك : أن علماء الأصول يذكرون أن ظهور الكلام يمكن ان يكون على نحوين :

١ . ( الظهور النوعي ) : وهو أن يكون ظهور الكلام ظهوراً قائماً لدى العرف العام ويفهمه عامة الناس حسب اساليب المحاورة المعروفة لديهم .

٢ . ( الظهور الشخصي ) : وهو الفهم الذي يختص به شخص ما من الناس والذي يعتمد عادة على الظروف الذهنية والنفسية والذوقية لذاك الانسان ، حيث تجعله تحت تأثيرات معينة بحيث يفهم من الكلام معنى خاصاً لا يفهمه غيره من الناس .

وهذا النحو من الفهم للقرآن الكريم وهو الفهم الشخصي له والمعتمد على الظهور الشخصي لدى المفسر هو تفسير للقرآن بالرأي وهو التفسير المنهي عنه ، مثل تفسير المتصوفة أو بعض أصحاب العقائد الفاسدة الذين لهم ذهنيات ومصطلحات خاصة تكونت ضمن ثقافتهم ، ويفسرون القرآن على أساس تلك التصورات والمصطلحات .

وهذا النحو من التفسير يختلف تماماً عن فهم القرآن وتفسيره اعتماداً على الخلفية الذهنية والعقائدية الصحيحة للمفسر ، لان هذا التفسير تفسير معتمد على رأي شخصي ووفق ظروف الشخص وأوضاعه ، وأما ذلك فهو رأي وفهم للقرآن الكريم بقرينة العقيدة الصحيحة المأخوذة من القرآن ذاته .

2⃣ ـ أن يكون النهي الوارد على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) عن التفسير بالرأي هو معالجة لظاهرة برزت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) في تفسير القرآن وبشكل محدد ، ثم تطورت وبشكل واسع حتى تكونت على أساسها مدارس في المجتمع الاسلامي .
حيث ورد النهي آنذاك عن البحث في تفسير الآيات العقائدية أو التأريخية تأثراً بالديانات السابقة ، وفلسفاتها وتأريخها كاليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها ، الامر الذي أدى إلى ابتعاد بعض المسلمين عن المفاهيم القرآنية .
ونتيجة لذلك ، فقد حاول بعض المسلمين الأوائل ان يفرضوا مثل هذه الآراء على القرآن ، ويفسروا بها على خلاف مضمونه ومعناه الصحيح ، متأثرين في ذلك بالمتبنيات الذهنية والفكرية والعقائدية المسبقة على القرآن :

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } البقرة ٧٥ .

{ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِه … } المائدة ١٣ِ

ولا شك أن هذا النوع من التفسير يختلف عن تفسير القرآن على أساس العقائد المستنبطة من القرآن نفسه .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

الأخلاق والتربية في الأحايث الإسلاميّة:

لا شكّ أنّ المدرسة الأولى‌ للإنسان، هي واقع الاسرة، فمنها يتعلم الإنسان الدّروس الاولى‌ للفضيلة أو الرذيلة. وإذا ما تناولنا مفهوم التربية بشكله العام: «التكوين والتشريع»، فإنّ أوّل مدرسةٍ يدخلها الإنسان، هي رحم الام وصلب الأب، و الّتي تؤتي معطيّاتها بصورةٍ غير مباشرةٍ على الطفل، و تهيى‌ء الأرضيّة للفضيلة، أو الرّذيلة في حركته المستقبليّة.

و قد ورد في الأحاديث الإسلاميّة، تعبيراتٌ لطيفةٌ و دقيقةٌ جدّاً في هذا المجال، نشير إلى قسم منها:
١ - قال عليٌّ عليه السلام: «حُسْنُ الأَخلاق بُرهانُ كَرَمِ الأَعراقِ» .
و بناءً عليه فإنّ الاسر الفاضلة، غالباً ما تقدّم للمجتمع أفراداً متمّيزين على مستوى الأخلاق الحسنة، وبالعكس فإنّ الأفراد الطالحين، ينشؤون غالباً من عوائل فاسدة.

٢ - ورد في حديث آخر عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «عَلَيكُم فِي طَلبِ الحَوائِجِ بأشراف النُّفُوسِ وَذَوي الاصُولِ الطَّيِّبَةِ، فإِنَّها عِنْدَهُم أَقضى‌، وَهِي لَدَيهِم أَزكَى‌» .

٣ - و في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله، ووصاياه له في إختيار الضّباط للجيش الإسلامي، قال له:
«ثُمَّ الصَقْ بِذَوي المُروُءاتِ والأَحسابِ وَأَهلِ البُيُوتاتِ الصَّالِحَةِ والسَّوابِقِ الحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجدَةِ وَالشَّجَاعَةِ والسَّخاءِ وَالسَّمَاحَةِ فإِنَّهُم جِماعُ مِنَ الكَرَمِ وَشُعَبٌ مِنَ العُرفِ» .

٤ - وورد عن الإمام الصادق عليه السلام، حديث يُبيّن تأثير الآباء الفاسدين على شخصية الأطفالِ و سلوكهم الأخلاقي، فقال: «أَيَّما إِمرَأَةٍ أَطاعَتْ زَوجَها وَ هُوَ شارِبٌ لِلخَمْرِ، كَانَ لَها مِنَ الخَطايا بِعَدَدِ نُجُومِ السَّماءِ وَكُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ مِنْهُ فَهُوَ نَجِسٌ» .
وقد ورد النّهي الأكيد، في رواياتٍ اخرى كثيرةٍ عن تزويج الشّارب للخمر، و السّي‌ء الأخلاق‌ .

٥ - و قد ورد في الحديث النبوي المشهور، بالنّسبة إلى تأثير تربية الأب والام على الأولاد، أنّه قال:
«كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ حتى‌ يَكُونَ أَبواهُ هُمَا اللَّذانِ يُهِوِّدانِهِ وَيُنَصِّرانِهِ» .
فالتربية التي تعمل على تغيير إيمان و عقيدة الطّفل، كيف لا تعمل على تغيير سلوكه الأخلاقي في الدّائرة الإجتماعية؟

٦ - و هذا الأمر جعل مسألة التربية الصّالحة، من أهم حقوق الطّفل على الوالدين، فنقرأ في الحديث النبوي الشّريف:
«حَقُّ الوَلَدِ عَلى الوَالِدِ أَنْ يُحْسِنَ إسمَهُ وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ» .
فمن الواضح أنّ مداليل الأسماء، لها أثرها الأكيد على نفسيّة و روحيّة الطّفل، فأسماء الشّخصيات الكبيرة من أهل التّقوى والفضيلة، تجذب الإنسان المُسمّى بأسمائهم إليهم، و تدعوه للتّقرب إليهم، و بالعكس، فإنّ أسماء الفسقة و الكفّار، تقرّب من يتسمى بأسمائهم منهم أيضاً .

٧ - و نقرأ في النبوي الشريف أيضاً: «ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفضَلَ مِنْ أَدبٍ حَسَنٍ» .

٨ - وقال الإمام السجّاد عليه السلام، بتعبيرٍ أوضح:
«وَإِنَّكَ مَسؤولٌ عَمَّا وَلِّيتَهُ بِهِ مِنْ حَسَنِ الأَدبِ وَالدَّلالَةِ عَلَى‌ رَبِّهِ عَزَّوَجَلَّ وَ المَعُونَةَ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ» .

٩ - و قال الإمام علي عليه السلام، بأنّ أخلاق الأبوين، هي عبارةٌ عن ميراث الأبناء منهما، فيقول عليه السلام: «خَيرُ ما وَرَّثَ الآباءُ الأَبناءَ الأَدَبَ» .

١٠ - و نختم هذا البحث بحديثٍ آخر عن الإمام على عليه السلام، حيث بيّن الإمام عليه السلام، شخصيته للجهّال الذين يقيسونه بغيره، فقال:
«وَقَدْ عَلِمْتُم مَوضِعي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ بِالقَرابَةِ القَريبَةِ وَالمَنزِلَةِ الخَصِيَّةِ، وَ ضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَ أَنا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدرِهِ ... يَرفَعُ لِي كُلَّ يَومٍ عَلَماً مِنْ أَخلاقِهِ وَ يَأَمُرُنِي بِالإِقتِداءِ ..».

و اللطيف في الأمر، أنّ الإمام عليه السلام وفي أثناء حديثه، بيّن قسماً من أخلاق الرّسول صلى الله عليه و آله، فقال:
«وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُنْ أَن كانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مَنْ مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَرِيقَ المَكارِمِ وَ مَحَاسِنَ أَخلاقِ العالَمِ لَيلَهُ و نَهارَهُ» .

و صحيح أنّ الصفات النفسية و الأخلاقيّة، سواء كانت سيئة أم حسنة، فهي تنبع من باطن الإنسان وإرادته، ولكن لا يمكن إنكار معطيات البيئة وأجواء المحيط، في تكوين وترشيد الأخلاق الحسنة والسّيئة، و كذلك عنصر الوراثة من الوالدين والاسرة بصورة أعم، و توجد شواهد عينيّة كثيرة، و أدلة قطعيّة على ذلك، ترفع الشّك و الترديد في المسألة.
وبناءً على ذلك، و لأجل بناء مجتمعٍ صالحٍ و أفرادٍ سالمين، علينا الإهتمام بتربية الطّفل تربيةً سليمةً، و الإنتباه لعوامل الوراثة و أخذها بنظر الإعتبار، في واقع الحياة الفرديّة و الإجتماعيّة .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

وقد ورد في‌ «الآية الثالثة»: مقدّمةٌ لقضية مريم عليها السلام، و كفالة زكريّا عليه السلام لها، وفيها الكلام عن تأثير العامل الوراثي، و عامل التربية في تكريس الطهارة و التقوى و الفضيلة، في مضمون‌الإنسان و محتواه الداخلي، فقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».
فالذرّية التي بعضها من بعضٍ، إشارة لعامل الوراثة أو التربية الاسريّة، أو كلاهما وهو شاهد حيٌّ يؤيد مُدّعانا من تأثير عناصر الوراثة و التربية، في الشّخصيّة و معطياتها في خط التّقوى و الفضيلة.

و أشارت الرّوايات التي نُقلت في ذيل هذه الآية، لذلك المعنى‌ أيضاً، وعلى كل حال، فإنّ الآيات الآنفة الذّكر، تدلّ على مدى تأثير معطيات التربية والبيئة و الوراثة، في نفسية الإنسان، و أثرها العميق في صياغة قابليّاته، و الإرتفاع به للتّصدي لمقام الرئاسة المعنويّة على الخلق، ولا يمكن إنكار تلك المَعطيات، و لا يمكن أبداً مُقايسة هؤلاء الأطهار الذين عاشوا أجواءَ الفضيلة، بالّذين ورثوا الكفر و الفساد و النّفاق من آبائهم وأجدادهم .

و في‌ «الآية الرابعة»: خاطب الباري تعالى المؤمنين وقال لهم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ».

وقد تَلت هذه الآية، الآيات الّتي جاءت في بداية سورة التّحريم، و التي حذّرت فيها نساء النّبي صلى الله عليه و آله من أعمالهنّ، وبعدها ذكر المطلب بصورة حكمٍ عامٍّ شمل كلّ المؤمنين.

و من المعلوم أنّ المقصود من هذه النار، هي نار الآخرة، ولا يمكن الإتقاء من تلك النار، إلّا بالإهتمام بعمليّة التعليم و التربية السّليمة في واقع الاسرة، و التي بدورها توجب ترك المعاصي، و الإقبال على الطّاعة و تقوى‌ اللَّه تعالى. و بناءً على ذلك فإنّ هذه الآية تعيّن و تبيّن وظيفة ربّ الاسرة، و دوره في التّربية والتعليم، وكذلك تبيّن أهميّة و تأثير عنصر التربية و التعليم، في ترشيد الفضائل و الأخلاق الحميدة، و السيّرة الحسنة.

و يجب الإهتمام في ترجمة هذا البرنامج، إلى عالم الممارسة و التطبيق، من أوّل لبنةٍ توضع في بناء الاسرة، أي منذ إجراء عقد الزّواج و الرّباط المُقدس، و يجب الإهتمام بإسلوب التربية، من أوّل لحظةٍ يولد فيها الطّفل، و يستمر البرنامج التّربوي في كلّ المراحل التي تعقبها.

فنقرأ في حديثٍ عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أنّه عندما نزلت هذه الآية الشّريفة، سأله أحد أصحابه، عن كيفيّة الوقاية من النار، له و لعياله، فقال له الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله:
«تَأمُرُهُم بِما أَمَرَ اللَّهُ وَتَنهاهُم عَمّا نَهاهُم اللَّهُ إنْ أَطاعُوكَ كنْتَ قَدْ وَقَيتَهُم وَإِنْ عَصَوكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيتَ ما عَلَيكَ» .

و يجب أن يكون معلوماً، أنّ الأمر بالمعروف يعدّ من الوسائل الناجعة لوقاية الاسرة من الإنحراف و السّقوط في هاوية الجحيم، ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، علينا الإستعانة بكلّ الوسائل المتاحة لدينا، و كذلك الإستعانة بالجوانب العملية والنفسية و الكلامية، ولا يُستبعد شمول الآية لمسألة الوارثة، فمثلًا أكل لقمة الحلال عند إنعقاد النّطفة و ذكر اللَّه، يُؤثر إيجابياً في تكوين النّطفة، و تنشئة الطّفل و حركته في المستقبل في خطّ الإيمان .

«الآية الخامسة والأخيرة»: تشير إلى قصّة مريم عليها السلام و ولادتها للمسيح عليه السلام، الذي وُلد من دون أب، و تعجّب قومها من ذلك الأمر الفظيع بنظرهم!، فقال الباري تعالى على لسان قومها:
«يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً».

فهذا التعبير، (و خصوصاً نقل القرآن الكريم من موقع الإمضاء و التأييد)، إن دل على شي‌ء فهو يدلّ على معطيات عوامل الوراثة من الأب والام، وكذلك تربية الاسرة وتأثيرها في أخلاق الطفل، وكلّ الناس لمسوا هذه الأمر بالتجربة، فإذا شاهدوا أمراً مُخالفاً للمعهود، إستغربوا و تعجّبوا.

و من مجموع ما تقدم، يمكننا أن نستوحي هذه الحقيقة، وهي أنّ الوراثة و التربية، من العوامل المهمّة، في رسم و غرس القيم الأخلاقيّة في حركة الواقع النفسي للإنسان، إن على مستوى الأخلاق الحسنة أو السيئة .


قال تعالى : (( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ )) الأنفال ٢٢ .

تقول الآية التي قبل هذه الآية : ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون .

إن هذا التعبير الطريف يشير للذين يعلمون ولا يعملون، ويسمعون ولا يتأثرون، وفي ظاهرهم أنهم من المؤمنين، ولكنهم لا يطيعون أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله)، فهؤلاء لهم آذان سامعة لكل الأحاديث ويعون مفاهيمها، وبما أنهم لا يعملون بها ولا يطبقونها فكأنهم صم لا يسمعون ، لأن الكلام مقدمة للعمل فلو عدم العمل فلا فائدة من أية مقدمة .

وأما المراد من هؤلاء الأشخاص الذين يحذر القرآن المسلمين لكيلا يصيروا مثلهم، فيرى بعض أنهم المنافقون الذين اتخذوا لأنفسهم مواقع في صفوف المسلمين، وقال آخرون : إنما تشير إلى طائفة من اليهود، وذهب بعض بأنهم المشركون من العرب. ولا مانع من انطباق الآية على هذه الطوائف الثلاث، وكل ذي قول بلا عمل .

ولما كان القول بلا عمل، والاستماع بلا تأثر، أحد الأمراض التي تصاب بها المجتمعات، وأساس الكثير من التخلفات، فقد جاءت هذه الآية لتؤكد على هذه المسألة بأسلوب آخر، فقالت : إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون .

ولما كان القرآن كتاب عمل فإنه ينظر إلى النتائج دائما، فيعتبر كل موجود لا فائده فيه كالمعدوم، وكل حي عديم الحركة والتأثير كالميت، وكل حاسة من حواس الانسان مفقود إذا لم تؤثر فيه تأثيرا ايجابيا في مسيرة الهداية والسعادة، وهذه الآية اعتبرت الذين لهم آذن سالمة لكنهم لا يستمعون لآيات الله ودعوة الحق ونداء السعادة، كمن لا أذن له ولا سمع لديه، والذين لهم ألسنة سالمة لكنها ساكتة عن الدعوة إلى الحق ومكافحة الظلم والفساد، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، بل يضيعون هذه النعمة في التملق والتذلل أمام الطواغيت أو تحريف الحق وتقوية الباطل، فهؤلاء كمن هو أبكم لا يقدر على الكلام، وكذلك الذين يتمتعون بنعمة الفكر والعقل ولكنهم لا يصححون تفكيرهم، فهؤلاء في عداد المجانين .

وتقول الآية بعدها إن الله لا يمتنع من دعوة هؤلاء إن كانوا صادقين في طلبهم وعلى استعداد لتقبل الحق: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم.
وقد ورد في الروايات أن بعض عبدة الأصنام جاءوا النبي (صلى الله عليه وآله) وقالوا: إذا أخرجت لنا جدنا الأكبر (قصي بن كلاب) حيا من قبره، وشهد لك بالنبوة، فسوف نسلم جميعا! فنزلت الآية لتقول : إنه لو كان حديثهم صادقا لفعل الله ذلك لهم بواسطة المعجزة، لكنهم يكذبون ويأتون بأعذار واهية، بهدف التخلص من الإذعان لدعوة الحق ....

ويقول تعالى : ولو أسمعهم لتولوا وهو معرضون.
فالذين سمعوا دعوة الحق كثيرا، وبلغت آذانهم آيات القرآن، وفهموا مضامينها العالية، لكنهم أنكروها بسبب عتوهم وعصبيتهم، فهم غير مؤهلين للهداية لما اقترفت أيديهم، ولا شأن بعدئذ لله ورسوله بهم، فهم في ظلام دامس وضلال بهيم .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


تفسير و استنتاج:

«الآية الاولى»: تتحدث عن نوح ودعائه على قومه بالهلاك، حيث إستدلّ على ذلك‌ بقوله: «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً».
فهذا الكلام يدلّ على أنّ الفجار و المنحرفين، لا يلدون إلّا الفجّار و المنحرفين، و لا يستحقون الحياة الكريمة من موقع الرّحمة، بل يجب أن ينزل عليهم العذاب أينما وجدوا وحلّوا، و الحقيقة أنّ البيئة، و تربية الاسرة وكذلك الوراثة، كلّها عوامل تؤثر في الأخلاق و العقيدة، في حركة الحياة والإنسان، والمهم في الأمر أنّ نوحاً عليه السلام، قطع بكفر وفساد أولادهم اللّاحقين، لأنّ الفساد إنتشر في المجتمع بصورةٍ كبيرةٍ جدّاً، فلا يمكن لأحدٍ أن يفلت منه بسهولةٍ، و طبعاً وجود مثل هذه العوامل، لا يعني سلب الإرادة من الإنسان، وقد ذهب البعض إلى أنّ نوح عليه السلام، توجّه لهذه الملاحظة عن طريق الوحي الإلهي، عندما قال له الباري تعالى: «إنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إلّا مَن آمن» .

و من الواضح، أنّ هذه الآية لا تشمل الأجيال القادمة، لكنّه لا يُستبعد أنّه عليه السلام حكم عليهم بالإعتماد على الامور الثلاثة السّابقة الذّكر، و هي: (البيئة، وتربية الاسرة، و عامل الوراثة).
و قد ورد في بعض الرّوايات أنّ الكفّار من القوم، كانوا يأتون بصبيانهم المميزين عند نوح عليه السلام، و يقول الأب لإبنه؛ أترى هذا الشّيخ يا بُني؟ إنّه شيخٌ كذّاب، فلا تقترب منه، هكذا أوصاني أبي، «وإفعل أنت ذلك مع إبنك أيضاً».
و ظلّ الأمر على هذا المنوال على تعاقب الأجيال‌ .

و في‌ «الآية الثانية»: يحدثنا القرآن الكريم عن السيّدة مريم عليها السلام، والتي تعتبر من أهم وأبرز الشخصيات النسائية في العالم، و قد ورد في النّصوص الدينيّة، ما يبيّن أنّ مسألة التربية والوراثة و البيئة، لها أهميّة كبيرةٌ في رسم وصياغة شخصيّة الإنسان، في خطّ الحقّ أو الباطل، و لأجل تربية أفرادٍ صالحين، يجب علينا التّوجه لتلك الامور.
و من جملتها، حالة الام في زمان الحَمل، فترى أنّ امّ مريم كانت تستعيذ باللَّه تعالى من‌ الشّيطان الرجيم، وكانت تتمنى دائماً أن يكون من خُدّام بيت اللَّه، بل نذرت أن يكون وليدها كذلك.
فتقول الآية الكريمة: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً».

تشبيه الإنسان الطّاهر بالنبات الحَسن، هو في الحقيقة إشارةٌ إلى أنّ الإنسان كالنبات، يجب ملاحظته ملاحظةً دقيقةً، فالنبات ولأجل أن ينبت نباتاً حسناً مثمراً، يجب في بادى‌ء الأمر الإستفادة من البذور الصّالحة، و الإعتناء به من قبل الفلّاح في كل مراحل رشده، إلى أن يصبح شجرةً مثمرةً، فكذلك الطفل في عَمليّة التربية، حيث ينبغي التّعامل معه من منطلق الرّعاية و العناية، و تربيته تربيةً صحيحةً، لأنّ عامل الوراثة يؤثر في نفسه وروحه، و الاسرة التي يعيش فيها، و كذلك البيئة والمحيط الذي يَتعايش معه، كلّها تمثل عناصر ضاغطة في واقعه النّفساني و المزاجي.
و الجدير بالذّكر، أنّ اللَّه سبحانه جاء بجملة: «وكَفّلَها زكَريا» في ذيل الآية، وهي الكفالة لمريم عليها السلام‌ ، و معلوم حال من يتربى‌ على يد نبيٍّ من أنبياء اللَّه تعالى، بل اللَّه تعالى هو الذي إختاره لكفالتها ورعايتها.
فلا غرابة والحال هذه، أن تصل مريم عليها السلام لدرجاتٍ ساميةٍ، من الإيمان و التّقوى، و الأخلاق و التربية، ففي ذيل هذه الآية، يقول القرآن الكريم:
«كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الِمحرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ».

نعم فإنّ التربية الإلهيّة: تُثمر الأخلاق الإلهيّة، و الرزق من اللَّه في طريق التّكامل المعنوي للإنسان .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

٣ - تأثير الاسرة والوراثة في الأخلاق‌

من المعلوم أنّ أوّل مدرسةٍ لتعليم القيم الأخلاقيّة، يدخلها الإنسان هي الاسرة، فكثيرٌ من اسس الأخلاق، تنمو في واقع الإنسان هناك، فالمحيط السّليم أو الملّوث للُاسرة، له الأثر العميق في صياغة السّلوك الأخلاقي، لأفراد الاسرة، إنّ على مستوى الأخلاق الحسنة أو السيئة، فالحجر الأساس للأخلاق في واقع الإنسان يوضع هناك.

و تتبيّن أهميّة الموضوع، عندما يتّضح أنّ الطفل في حركته التكامليّة، و مسيرته في خط التّربية:
أولًا: يتقبّل ويتأثر بالمحيط بسرعةٍ كبيرةٍ.

ثانياً: إنّ ما يتعلمه الطّفل في صغره، سوف ينفذ إلى أعماق نفسه و روحه، و قد سمعنا الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام، يقول فيه:
«العِلمُ فِي الصِّغَرِ كالنَّقشِ فِي الحَجَرِ» .

فالطفل يستلهم كثيراً من سجايا أبيه وامّه واخوته وأخواته، فالشّجاعة و السّخاء و الصّدق و الوفاء، و غيرها من الصّفات و السّجايا الأخلاقيّة الحميدة، يأخذها و يكسبها الطّفل من الكبار بسهولةٍ، و كذلك الحال في الرّذائل، حيث يكسبها الطّفل من الكبار بسهولةٍ أيضاً.

و بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطّفل يكسب الصّفات من أبويه عن طريقٍ آخر، و هو الوراثة، فالكروموسومات لا تنقل الصفات الجسمانية فحسب، بل تنقل الصفات الأخلاقيّة أيضاً، ولكن من دون تدخل عنصر الإجبار، حيث تكون هذه الصّفات قابلةٌ للتغيير، ولا تسلب المسؤوليّة من الأولاد أيضاً.

و بعبارةٍ اخرى، أنّ الأبوين يؤثران على الطّفل أخلاقياً من طريقين، طريق التّكوين، و
طريق التّشريع، و المراد من التّكوين هو الصفات و السّجايا المزاجيّة و الأخلاقيّة المتوفرة في الكروموسومات و الجينات، و الّتي تنتقل لا إرادياً للطفل في عمليّة الوراثة.

و الطريق التشريعي يتمثل في إرشاد الأبناء، من خلال أساليب التّعليم و التّربية للصفات الأخلاقيّة، التي يكتسبها الطفل من الأبوين بوعي وشعور.

و من المعلوم أنّ أيّاً من هذين الطّريقين، لا يكون على مستوى الإجبار، بل كلّ منهما يُهيّى‌ء الأرضيّة لنمو و رشد الأخلاق في واقع الإنسان، ورأينا في كثيرٍ من الحالات أفراداً صالحين و طاهرين، لأنّ بيئتهم كانت طاهرةً و سليمةً، والعكس صحيح أيضاً.

ولا شك من وجود إستثناءات في الحالتين تبيّن أنّ تأثير هذين العاملين، و هي: «التربية والوراثة»، لا يكون تأثيراً على مستوى جَبر، بل يخضع لأدوات التّغيير و عنصر الإختيار.

و نعود بعد هذه الإشارة إلى أجواء القرآن الكريم، لنستوحي من آياته الكريمة ما يرشدنا إلى الحقيقة:

١ - «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً» .

٢ - «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» .

٣ - «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» .

٤ - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» .

٥ - «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً» .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

تأثير العِشرة في التحليلات المنطقيِّة:

يقولون : إنّ أحسن وأفضل دليلٍ لإمكان الشي‌ء، هو وقوعه، و في موضوع بحثنا، فإنّ رؤية نماذج عينيّة من مُعاشرة بعض الأفراد للأراذل، و كيف أنّها أصبحت مصدراً لأنواع المفاسد و الإنحرافات الخُلقيّة لهم، و بالعكس، فإنّ مُصاحبة الأخيار، ساهمت لدى البعض، على تطهير أنفسهم، من شوائب الرّذيلة و الزّيغ، و هذه الموارد هي خير دليلٍ على بحثنا هذا.

فالتشبيه القديم القائل: إنّ الأخلاق القبيحة، مثل الأمراض السّارِيَة، تنتشر بين الأصدقاء و الأقارب بسرعةٍ فائقةٍ، هو تشبيهٌ صحيحٌ، خصوصاً في الموارد التي يكون فيها الشخص، حَدث السّن أو ضعيف الإعتقاد و الإيمان، و تكون نفسه مستعدّةً لقبول أخلاق الآخرين، فالمُعاشرة لمثل هؤلاء الأفراد، مع أصدقاء السّوء، تكون بمثابة سهمٍ مُهلكٍ و قاتلٍ في دائرةِ الإيمان، و عناصر الخَير في الشّخصية، و قد شاهدنا الكثير من الأفراد والأشخاص من الطيّبين، الذين تغيّروا بالكامل بسبب معاشرتهم لرفقاء السوء، و تحوّل مجرى حياتهم من أجواء الخير إلى أجواء الشّر، و هُناك إثباتاتٌ و أدلّةٌ مختلفةٌ من تقرير هذه الحالةٌ في واقع الإنسان من النّاحية النّفسية و الرّوحية:

١ - من جملة الامور الّتي توصل إليها علماء النّفس، هو وجود روح الُمحاكاة في الإنسان، يعني أنّ الأفراد ينطلقون في حركة الحياة، من موقع الشّعور أو اللّأشعور، بمُحاكاة أصدقائهم وأقاربهم، فالأشخاص الّذين يعيشون حالة الفرح و السرور، ينشدون الفرحة و الحُبور من حواليهم، والعكس صحيح.

فالأفراد المُتشائمين، الذين يعيشون اليأس و سوء الظن، يؤثرون على أصحابهم، و يجعلونهم يعيشون حالة سوءِ الظّن، و هذا الأمر يبين لنا السّبب في تأثير الأصدقاء بعضهم بالبعض الآخر بسرعةٍ.

٢ - مَشاهدة القبائح و تكرارها، يُقلّل من قبحها في نظر المشاهد، و بالتدريج تصبح أمراً عاديّاً، ونحن نعلم أنّ إحدى العوامل المؤثّرة في ترك الذنوب و القبائح، هو الإحساس بقبحها في الواقع النّفسي للإنسان.

٣ - تأثير التّلقين في الإنسان غير قابل للإنكار، و أصدقاء السّوء يؤثرون دائماً على رفقائهم في دائرة الفكر و السّلوك من خلال عمليّة التلقين والايحاء، فيقلبون عناصر الشرّ في إعتقادهم إلى عناصر الخير، ويغيّرون حسّ التّشخيص لديهم لعناصر الخير و الشرّ في منظومة القيم، فتختلط عليهم الامور، في خطّ المستقبل و كيفيّة التعامل مع الغير.

٤ - المُعاشرة لرفاق السّوء، يشدّد سوء الظن في الإنسان مع الجميع، وتفضي به هذه الحالة النّفسية السلبيّة إلى السّقوط في وادي الذّنوب والفساد الأخلاقي، فنقرأ في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مُجالَسَةُ الأَشرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بالأَخيارِ» .

وجاء في حديث آخر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أنّ معاشرة رفاق السّوء تميت القلب، فقال:
«أَربَعٌ يُمِتنَ القَلبَ ... وَمُجالَسَةُ المَوتى‌؛ فَقِيلَ لَهُ يا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا المَوتى‌؟، قَالَ صلى الله عليه و آله: كُلُّ غَنِيٍّ مُسْرِفٍ» .

وهذا الموضوع، يعني سريان الحُسن و القُبح الأخلاقي بين الأصدقاء، في أجواء المُعاشرة إلى درجةٍ من الوضوح، ممّا حدى بالشّعراء إلى نظم الشعر في هذا المضمار، من قبيل قولهم:
عن المرء لا تسلْ وسلْ عن قرينه‌
فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي‌


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢


دور الأخلّاء في الرّوايات الإسلاميّة:

وردت روايات وأحاديث مستفيضة في هذا المضمار عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، و الأئمّة الأطهار عليهم السلام، تعكس أهميّة هذه المسألة، ففي حديث الرّسول الأكرم صلى الله عليه و آله، أنّه قال: «المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» .

وجاء هذا المعنى أيضاً في حديثٍ آخر، نقل عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:
«وَلْا تَصحَبُوا أَهْلَ البِدَعِ وَلْا تُجالِسُوهُم فَتَصيرُوا عِنْدَ النّاسِ كَواحِدٍ مِنْهُم».

قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: «المَرءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ وَقَرِينِهِ» .

و نفس هذا المعنى ورد عن الإمام علي عليه السلام أيضاً، وفيه تصوير عن حالة التّأثير المُتقابل، في دائرة التّفاعل المشترك بين الأفراد فقال:
«مُجالَسةِ الأخيارِ تَلحَقُ الأَشرارِ بالأخيارِ وَمُجالِسةِ الأَبرارِ لِلفُجَّارِ تَلحَقُ الأبرارِ بِالفُجَّارِ».

وجاء في ذيل هذا الحديث، عبارةٌ في غاية الأهميّة، حيث يقول: «مَنْ إِشتَبَهَ عَلَيكُمِ أَمرُهُ وَلَم تَعرِفُوا دِينَهُ فانظُرُوا إِلى‌ خُلَطائِهِ» .

وفي بعض الروايات، ورد هذا المعنى في دائرة الّتمثيل، فقال: «صُحبَةُ الأَشرارِ تَكسِبُ الشَّرَّ كَالرِّيحِ إُذا مَرَّتْ بِالنَّتِنِ حَمَلَتْ نَتِناً» .

و يُستفاد من هذه التّعبيرات: أنّه وكما أنّ المعاشرة و الصّحبة للأراذل، تهيى‌ء الأرضية لحركة الإنسان نحو الانزلاق في طريق الشر، فإنّ المعاشرة مع الأَخيار تنير قلب الإنسان بضياء الهدى، و تحُيي فيه عناصر الخير.

ونقرأ هذا المعنى في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: «عَمارَةُ القُلُوبِ في مُعاشَرَةِ ذَوِي العُقُولِ» .

و جاء في حديثٍ آخر عنه عليه السلام، أنّه قال: «مُعاشَرَةُ ذَوِي الفَضائِلِ حَياةُ القُلُوبِ» .

فتأثير الُمجالسة على قدرٍ من الأهميّة، بحيث قال فيه النّبي سليمان عليه السلام:
«لا تَحْكُمُوا عَلى‌ رَجُلٍ بِشي‌ءٍ حَتّى‌ تَنْظُرُوا إِلى‌ مَنْ يُصاحِبُ فَإِنَّما يُعْرَفُ الرَّجُلُ بِأَشكَالِهِ وَأَقرَانِهِ؛ ويُنْسَبُ إِلى‌ أَصحابِهِ وَأَخدَانِهِ» .

ونقرأ في حديثٍ جاء عن لقمان الحكيم، في نصائحه لإبنه، فقال له:
«يا بُنَيَّ صاحِبِ العُلَماءَ، وأَقرِبْ مِنْهُم، وَجالِسهُم وَزُرهُم فِي بِيُوتِهِم، فَلَعَلَّكَ تَشْبَهُهُم فَتَكُونَ مَعَهُم» .

و على كلّ حال، فإنّ الرّوايات الشّريفة، مليئة بمثل هذه النصائح، في دائرة الإهتمام بالرّفقة و أثر الصّديق في أخلاق وسلوك الإنسان، ولو جُمعت في إطارٍ واحدٍ لأمكن تأليف بحثٍ شاملٍ كاملٍ في هذا المضمار.

و نختم الكلام بحديث عن الإمام علي عليه السلام، في وصاياه لإبنه الحسن الُمجتبى عليه السلام:
«قارِنْ أَهْلَ الخَيرِ، تَكُن مِنْهُم، وبايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ مِنْهُم» .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

«الآية الثانية»: من هذه الآيات محل البحث، تتحدث عن الأشخاص الذين عاشوا مع‌ أصحاب السّوء، و كانوا يتحركون معهم في أجواء الضّلالة والإنحراف، ولكن اللّطف الإلهي شملهم، و إستطاعوا بسعيهم وجدّهم في التّحرك بعيداً عن وساوس الشّيطان، و أنقذوا أنفسهم من الوقوع في براثنه، بعد أن كانوا قد وصلوا إلى حافّة الهاوية، فُهنا يتحدث القرآن الكريم عن تأثير قرين السّوء في تكوين عقائد الإنسان وأخلاقه، ولكن ليس بالشّكل الذي يكون فيه الإنسان مجبوراً و غيرُ قادرٍ على إنقاذ نفسه من شراك الزيغ فقال: «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنّي كَانَ لي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الُمصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ» .

و في هذا الأثناء يذكر قرينه القديم، و يشرع بالبحث عنه، فينظر من أعالي الجنّة، فإذا به يراه في أعماق الجحيم: «فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ».
فقال له: «قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الُمحْضَرِينَ».
فنرى من هذه الآيات، أنّ قرين السّوء بإمكانه أن يؤدي بالإنسان إلى الجحيم، لولا الإيمان و التّقوى ولطف اللَّه تعالى في واقع الإنسان .


و في‌ «الآية الثالثة»: نرى التأسف الشّديد و التأثرّ العميق، الذي يعيشه الظالمون في يوم القيامة، بسبب إختيارهم ومصاحبتهم لأصدقاء السّوء، لأنّهم كانوا العامل الأساس في محنتهم الفعلية:
«وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا».

وبناءاً على ذلك فإنّ الظّالم في يوم القيامة، أول ما يتأسف على تركه الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله، و قطعه للعلاقة معه، وبعدها يتأسف على توثيق العلاقة مع أصدقاء السّوء، و بعدها يصرّح، أنّ‌ العامل الأصلي لضلاله، هو نفس هؤلاء الأصدقاء المنحرفين، و مرضى‌ القلوب، و أن تأثيرهم عليه كان أشدّ من تأثير النداءات الإلهيّة: (طبعاً عند المنحرفين فقط) .


و أمّا «الآية الأخيرة»: فقد تحدثت عن أصدقاء السوء، و عبّرت عنهم بجنود الشيطان و أنّهم من شياطين الإنس، والجدير بالذكر، أنّ التعبير عن تأسّف هذه الجماعة، ورد بجملة:
«وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ...»، و هي أعلى مراحل التّأسف، ففي البداية، يعضّ الإنسان اصبعه بدافع الندم، و في مرحلةٍ أقوى يعضّ باطن كفّه، و في مرحلةٍ أشدّ يعضّ على يديه الإثنتين، وهو في الحقيقة نوعٌ من الإنتقام من نفسه، و أنّه لماذا قصّر في حقّ نفسه ورماها في التهلكة ؟

فما يُستفاد من الآيات الآنفة الذّكر، هو أنّ الأصدقاء و الأصحاب، لهم أثرهم الكبير في سعادة أو شقاء الإنسان، ليس على مستوى التّأثير في السّلوك الأخلاقي فحسب، بل وعلى مستوى العقائد أيضاً، فهنا يجب على المرشد أن يهتم في عمليّة صيانة الأفراد من الزيغ و الإنحراف، و يرعاهم بتوجيهاته بعيداً عن أجواء التلوّث، و خصوصاً في عصرنا الحاضر، الذي إنتشرت فيه وسائل الفساد، عن طريق رِفاق السّوء بصورةٍ مُخيفةٍ، و أصبحت سبباً من أسباب الإنحراف و السّير في خطّ الباطل .


🟢 كتاب الأخلاق في القرآن الجزء الأول 🟢

٢ - دور الأصدقاء والعِشرة

و الموضوع الآخر، الذي أثبتت التجربة تأثيره العميق على السلوك الأخلاقي، و إتّفق عليه جميع علماء الأخلاق والتربية والتعليم، هو عنصر الأصدقاء ودور المعاشرة معهم، ففي‌ حال كون الصّديق فاسداً و منحرفاً، في دائرة السّلوك الأخلاقي، فسيؤثّر على صديقه السليم، من موقع الانحراف كذلك، والعكس صحيح أيضاً، فالكثير من المؤمنين، و الأقوياء الإرادة، إستطاعوا أن يؤثّروا على زملائهم الفاسدين، على مستوى الهداية و الإصلاح، بحيث جعلوا منهم اناساً أتقياء، و ملتزمين في دائرة السّلوك الدّيني و الأخلاقي.

ونعود للقرآن الكريم، و الآيات الّتي تتناول هذ الموضوع:
١ - «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ» .

٢ - «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الُمصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِي * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الُمحْضَرِينَ» .

٣ - «وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَني وَ كَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا» .

تفسير و إستنتاج :

الآيات الاولى، التي وردت في محلّ البحث، تحدّثت عن جلوس الشّيطان، مع الغافلين عن ذكر اللَّه، من منطق الغُواية، وتوضح تأثير قرين السّوء، في السّلوك الأخلاقي للإنسان ومستقبله، فتقول أولًا: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ» .

و بعدها يُبيّن القرآن الكريم، دور قرين السّوء في حركة الإنسان و الحياة، فإنّ الشّياطين يوصدون طريق الهداية و الحركة إلى اللَّه تعالى، أمام الإنسان، و يقفوا عقبةً في طريق الوصول إلى الهدف المقدس، والأنكى من ذلك، أنّ هؤلاء المنخدعين يحسبون أنّهم مهتدون: «وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ».
وبعدها يتطرّق القرآن الكريم إلى النتيجة، فيقول: إنّ هذا الإنسان عندما يرد في عرصات القيامة، و عند حضور الجميع عند اللَّه تبارك و تعالى، و كشف الأسرار والحقائق، يقول لقرينه الشّيطاني: «حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ».

حيث نستوحي من هذه التعبيرات، بأنّ قرين السّوء، يمكن أن يحرف الإنسان من موقع الأغواء، عن طريق الباري تعالى، و يصدّه عن سبيل الهداية و الصّلاح، فيهدم عليه دعائم الأخلاق، و يشوّه الواقع النّفسي و الفكري له، فينخدع هذا المسكين ويحسب أنّه على هدىً، فإرجاعه عن غيّه، و العودة به إلى الصّراط المستقيم، سيكون ضرباً من المحال، ولن يستيقظ من أوهام الغفلة، إلّا وقد فات الأوان، و بعد غلق طريق العودة عليه.

و كذلك يُستفاد من الآية الشريفة، أنّ قرين السّوء يبقى دائماً مع الإنسان في حياته الاخرويّة الأبديّة، و كم هو مؤلم، أن يرى الشّخص المسبّب في بؤسه و هلاكه، يعيش معه دوماً، ولن تنفع معه اليوم الأماني و الآمال بالإنفصال عنه ومفارقته، فيقول: «وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ» .

وفي مضمون الآيات الآنفة الذّكر، الآية (٢٥) من سورة فصّلت، فتقول:
«وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ» .


🍃 الحث على التدبر في القرآن 🍃


قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) :

آيات القرآن خزائن العلم ، فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها .


قال الإمام علي (عليه السلام) :

تدبروا آيات القرآن واعتبروا به ، فإنه أبلغ العبر .


قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) التحريم ٦ .

تخاطب الآيات السابقة جميع المؤمنين، وترسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والأسرة بشكل عام، فهي تقول أولا: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.

وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كل رذيلة ونقص.

وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الأولى لبناء العائلة، أي منذ أول مقدمات الزواج، ثم مع أول لحظة لولادة الأولاد، ويراعى ويلاحظ بدقة حتى النهاية.

وبعبارة أخرى: إن حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل، بل الأهم تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة.

والتعبير ب‍ " قوا " إشارة إلى أن ترك الأطفال والزوجات دون أية متابعة أو إرشاد سيؤدي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا. لذا عليكم أن تقوهم وتحذروهم من ذلك .

" الوقود " هو المادة القابلة للاشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلا - فإن العرب يطلقون عليه (الزناد) .

وبناء على هذا فإن نار جهنم ليس كنيران هذا العالم، لأنها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسرين، فإن لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور .

وقد اتضح في هذا العصر أن كل قطعة من الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرات التي إذا ما تحررت الطاقة الكافية فيها فسينتج عن ذلك نار هائلة يصعب على الإنسان تصورها .

وقال بعض المفسرين: إن " الحجارة " عبارة عن تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها.

ويضيف القرآن قائلا: عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب، ولن يؤثر البكاء والالتماس والجزع والفزع.

ومن الواضح أن أصحاب الأعمال والمكلفين بتنفيذها، ينبغي أن تكون معنوياتهم وروحيتهم تنسجم مع تلك المهام المكلفين بتنفيذها. ولهذا يجب أن يتصف مسؤولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة والخشونة، لأن جهنم ليست مكانا للرحمة والشفقة، وإنما هي مكان الغضب الإلهي ومحل النقمة والسخط الإلهيين. ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حد العدالة والأوامر الإلهية. إنما: يفعلون ما يؤمرون دون أية زيادة أو نقصان .


س : قال تعالى : (( مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۖ لَا يَرَوۡنَ فِيهَا شَمۡسٗا وَلَا زَمۡهَرِيرٗا ))
وقال تعالى : (( هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ ))

ما معنى كلمة زمهريرا وكلمة حميم وغساق ؟


ج : (زمهرير) : من مادة (زمهر) وهو البرد الشديد، أو شدة الغضب أو احمرار العين من أثر الغضب، والمراد هنا هو المعنى الأول، وورد في الحديث: أن في جهنم نقطة تتلاشي فيها الأعضاء من شدة البرد .


الحميم : هو الماء الحار الشديد الحرارة، والذي هو أحد أنواع أشربة أهل جهنم، ويقابل (الشراب الطهور) الذي ذكرته الآيات السابقة المخصص لأهل الجنة .

وكلمة (غساق) من (غسق) : وتعني شدة ظلمات الليل. أما ابن عباس فقد فسرها بأنها شراب بارد جدا (بحيث إن برودته تحرق وتجرح أحشاء الإنسان) ولكن ليس هناك في مفهوم هذه الكلمة ما يدل على هذا المعنى، غير مقارنتها بالحميم وهو الماء الحار الشديد الحرارة، وهذه المقارنة قد تكون منشأ هذا الاستنباط .

وقال الراغب في مفرداته : إن (غساق) تعني القيح الذي يسيل من جلود أهل جهنم ومن الجراحات الموجودة في أجسامهم .

ولا بد أن يكون لونه الغامق هو السبب في إطلاق هذه الكلمة عليه، لأن الذي يحترق في نار جهنم لا يبقى منه سوى هيكل محروق وقيح أسود اللون .

على أية حال، فإن ما يستشف من بعض الكلمات هو أن (غساق) تعني الرائحة الكريهة النتنة التي تزعج الآخرين .


قال تعالى : (( وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ )) الحجر .


يقول تعالى : { وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } أي إنّهم قد ظنوا بحصول لقمة جديدة سائغة عن طريق ضيوف لوط!

إِنّ تعبير {أهل المدينة} ليوحي إِلى أن الذين تحركوا صوب منزل لوط (عليه السلام) كانوا جمعاً كبيراً، وهو ما يوضح بجلاء تلك الوقاحة والقبح والجسارة التي كانوا عليها، وخصوصاً قوله {يستبشرون} التي تحكي عمق تلوثهم بذلك الدرك السافل، مع أنّ مثل هذا الفعل القبيح ربّما لا يشاهد حتى بين الحيوانات، وإِذا ما ابتلي به إِنسان (والعياذ باللّه) فإِنّه سوف يحاول كتمه وإِخفاءه، حيث أن الإِتيان به مدعاة للتحقير والإِزدراء من قبل الآخرين.. أمّا قوم لوط، فكانوا مستبشرين بذلك الصيد الجديد وكل يهنيء الآخر على ما سيصيبه من نصيب!!

وحينما سمع لوط أصواتهم وضجيجهم أغتم غمّاً شديداً لأجل ضيوفه، لأنّه ما كان يدري أنّهم ملائكة العذاب الى ذلك الوقت ولهذا { قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ}.

أي إِن كنتم لا تؤمنون باللّه ولا تصدقون بالنّبي ولا تعتقدون بثواب وعقاب، فراعوا حق الضيافة التي هي من السنن المتعارف عليها عند كل المجتمعات سواء كانت مؤمنة أم كافرة، أيِّ بشر أنتم ؟ لا تفهمون أبسط المسائل الإِنسانية، فإِنْ لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم!

ثمّ أضاف قائلا: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ } أمام ضيفي .

ولكنّهم من الوقاحة والإِصرار على الإِنحراف بحيث صاروا لا يشعرون بالخجل من أنفسهم، بل راحوا يحاججون لوطاً ويحاسبونه، وكأنّه ارتكب جرماً في استضافته لهؤلاء القوم { قَالُوا أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ}، باستضافتهم! فلماذا خالفت أمرنا ؟!

وكان قوم لوط من البخل بحيث أنّهم لا يحبون الضيافة، وكانت مدينتهم على طريق القوافل، ويبررون فعلهم القبيح ببعض الواردين لأجل أن لا ينزل عندهم أحد من القوافل المارة، وتعارفوا على ذلك حتى أصبح عندهم عادة.

وكما يبدو أنّ لوطاً كان حينما يسمع بأحد الغرباء يدخل المدينة يسرع لاستضافته خوفاً عليه من عمل قومه الخبيث، ولما علم أهل المدينة بذلك جاؤوا إِليه غاضبين ونهوه عن أن يستضيف أحداً مستقبلا.

وعليه، فكلمة «العالمين» في الآية أعلاه ـ ما يبدو ـ إِشارة إِلى عابري السبيل، ومن هم ليسوا من أهل تلك المدينة.

وعندما رآهم لوط على تلك الحال من الوقاحة والجسارة، أتاهم من طريق آخر لعلهم يستفيقون من غفلتهم وسكر انحرافهم، فقال لهم: إِن كنتم تريدون إِشباع غرائزكم فلماذا تسلكون سبيل الإِنحراف ولا تسلكون الطريق الصحيح (الزواج) { قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}.

ممّا لا شك فيه أنّ بنات لوط لا يكفين لذلك العدد الهائل من المتحجرين حول داره، ولكن لوطاً الذي كان يهدف إِلى إِلقاء الحجّة عليهم أراد أن يقول لهم: انني مستعد الى هذه الدرجة للتضحية من أجل الضيف، وكذلك لأجل إِنقاذكم من الفساد ونجاتهم من الإِنحراف.

وذهب البعض إِلى أنّ المقصود من {هؤلاء بناتي} كل بنات المدينة، باعتباره أباً روحياً للجميع. (إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى معنى الآية).

وليس نجافِ أنّ لوطاً ما كان ليزوج بناته من أُولئك المشركين الضالين، ولكنّه أراد أن يقول لهم: تعالوا آمنوا لأزوجكم بناتي.

لكنّ الويل، كل الويل من سكرات الشهوة، الإِنحراف الغرور والعناد.. التي مسحت عنهم كل قيم الأخلاق الإِنسانية وأفرغتهم من العواطف البشرية، والتي بها يحسون بالخجل والحياء أمام منطق لوط (عليه السلام)، أو أن يتركوا بيت لوط وينسحبوا عن موقفهم، ولكنّ أنّى لهم ذلك، والأكثرية بسبب عدم تأثرهم بحديث لوط استمروا في غيهم وأرادوا أن يمدوا أيديهم إِلى الضيوف.

وهنا يخاطب اللّه تعالى نبيّه قائلا: { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

ثم أنّ ملائكة العذاب قد كشفوا عن أمرهم وقالوا للوط: لا تخف إنّهم لن يصلوا إِليك.

وفي الآية السابعة والثلاثين من سورة القمر نقرأ { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ }.

وفي بعض الرّوايات: إِنّ أحد هؤلاء الضيوف أخذ قبضة من تراب فرماها في وجوه القوم فأصبحوا لا يبصرون جميعاً.


قال تعالى : (( فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا )) مريم ٢٣ .

لقد غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن، وأحسست بأن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، اللحظة التي مهما أخفيت فإنها ستتضح هناك، وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس.

لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعبا جدا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إرادة وقالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

إن من البديهي أن الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يعصر قلب مريم ويقلقها، وإن كان هذا الموضوع يشغل فكر مريم أكثر من أية مسألة أخرى، إلا أن مشاكل ومصائب أخرى كوضع الحمل لوحدها بدون قابلة وصديق ومعين في الصحاري الخالية، وعدم وجود مكان للاستراحة، وعدم وجود الماء للشرب، والطعام للأكل، وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد، وغير هذه الأمور كانت تهزها من الأعماق بشدة.

قد يتساءل البعض باعتراض: كيف أن مريم المؤمنة والعارفة بالتوحيد حيث رأت كل ذلك اللطف والإحسان الإلهي، أجرت مثل هذه الجملة على لسانها وقالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، إلا أن هؤلاء لم يدركوا أبدا حال مريم في تلك الساعة، ولو أنهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكل فإنهم سينسون حتى أنفسهم .


قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) التحريم ٦ .

تخاطب الآيات السابقة جميع المؤمنين، وترسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والأسرة بشكل عام، فهي تقول أولا: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.

وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كل رذيلة ونقص.

وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الأولى لبناء العائلة، أي منذ أول مقدمات الزواج، ثم مع أول لحظة لولادة الأولاد، ويراعى ويلاحظ بدقة حتى النهاية.

وبعبارة أخرى: إن حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل، بل الأهم تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة.

والتعبير ب‍ " قوا " إشارة إلى أن ترك الأطفال والزوجات دون أية متابعة أو إرشاد سيؤدي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا. لذا عليكم أن تقوهم وتحذروهم من ذلك .

" الوقود " هو المادة القابلة للاشتعال مثل (الحطب) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلا - فإن العرب يطلقون عليه (الزناد) .

وبناء على هذا فإن نار جهنم ليس كنيران هذا العالم، لأنها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسرين، فإن لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور .

وقد اتضح في هذا العصر أن كل قطعة من الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرات التي إذا ما تحررت الطاقة الكافية فيها فسينتج عن ذلك نار هائلة يصعب على الإنسان تصورها .

وقال بعض المفسرين: إن " الحجارة " عبارة عن تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها.

ويضيف القرآن قائلا: عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب، ولن يؤثر البكاء والالتماس والجزع والفزع.

ومن الواضح أن أصحاب الأعمال والمكلفين بتنفيذها، ينبغي أن تكون معنوياتهم وروحيتهم تنسجم مع تلك المهام المكلفين بتنفيذها. ولهذا يجب أن يتصف مسؤولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة والخشونة، لأن جهنم ليست مكانا للرحمة والشفقة، وإنما هي مكان الغضب الإلهي ومحل النقمة والسخط الإلهيين. ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حد العدالة والأوامر الإلهية. إنما: يفعلون ما يؤمرون دون أية زيادة أو نقصان .


قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) إبراهيم ٤ .


تبين الآية أن دعوة الأنبياء وكتبهم السماوية نزلت بلسان أول قوم بعثوا إليهم. يقول تعالى :
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه.
لأن الأنبياء يرتبطون في الدرجة الأولى مع قومهم، وأول نور الوحي يشع من بينهم، وأول الصحابة والأنصار ينتخبون منهم، لذلك فإن الرسول يجب أن يحدثهم بلغتهم وبلسانهم ليبين لهم .
وفي الحقيقة فإن هذه الجملة تشير إلى أن دعوة الأنبياء لا تنعكس في قلوب أتباعهم بأسلوب مرموز وغير معروف، بل كانت توضح لهم من خلال التبيين والتعليم والتربية وبلسانهم الرائج.

ثم يضيف القرآن الكريم بعد أن بين لهم الدعوة الإلهية فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء فليست الهداية والضلال من عمل الأنبياء، بل عملهم الإبلاغ والتبيين، الله سبحانه وتعالى هو الموجه والهادي الحقيقي لعباده.
ولكي لا يتصور أحد أن هذا القول بمعنى الجبر وسلب الحريات، فيضيف القرآن مباشرة وهو العزيز الحكيم وبمقتضى عزته وقدرته فإنه قادر على كل شيء ، ولا أحد له قدرة على المقاومة في مقابل إرادته تعالى، ولكن بمقتضى حكمته لا يهدي ولا يضل أحدا بدون سبب ودليل، بل الخطوة الأولى تبدأ من قبل العباد وبكامل الحرية في السير إلى الله، ثم يشع نور الهداية وفيض الحق في قلوبهم، كما في سورة العنكبوت الآية (٦٩) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
وكذلك حال الذين تاهوا في وادي الضلالة وحرموا من فيض الهداية، فهو نتيجة لتعصبهم الأعمى ومحاربتهم للحق، وغرقهم في الشهوات، وتلوثهم بالظلم والجور. كما يقول تعالى: كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب،  ويقول أيضا: وما يضل به إلا الفاسقين، وقوله تعالى : ويضل الله الظالمين .

وعلى هذا النحو فإن محور الهداية والضلال في أيدي الناس أنفسهم .

20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.

3 627

obunachilar
Kanal statistikasi