Postlar filtri


الإشارات المهمة في كلام حلاق :

يمكن إجمال الكلام عن أهمية ما أشار إليه كلام حلاق في خمس نقاط :

الأولى : تعدُّد دوافع نقد الموضوعية ؛ إذ الإيديولوجيا الموضوعيةُ تعتبر المعارفَ الدينية والفلسفية والأخلاقية والجمالية جميعًا معارفَ ذاتيةً ، لا تُقدِّم بحالٍ علمًا موثوقًا به - وهذا الحكمُ في نقده تفصيلٌ ليس هذا موضعه - ممَّا يعني أنَّ كل من يرى إحدى هذه المعارف يستحقُّ الثقةَ العلمية بمضامينه فإنه سينتقد الموضوعيةَ لإنكارها لهذه الثقة ، ولا ريب أنَّ المُنتصرين لكل نوعٍ من هذه المعارف الأربع كثيرون ، وهم وإن اختلفت مناهجهم ومذاهبهم فهم يتفقون في موقفهم السلبي من الموضوعية ، ومثال ذلك هُنا موقف حلاق السلبي منها انتصارًا منه للأخلاق .

والمقصود : أنَّ نُقَّاد الموضوعية كثيرون جدًّا ومن اتجاهاتٍ مُتباينةٍ ، لا كما قد يقع في وهم بعضهم أنها فكرةٌ يرحِّب بها الجميعُ إلا من شذَّ .


والثانية : في الأصل الفلسفي الوضعي للموضوعية ، وهو ما أشار إليه كلام حلاق من أنَّ الفصلَ الموضوعي بين (المعرفة/والأخلاق) كان من نتائج موقف الفلسفة الميكانيكية الفاصلة بين (الطبيعة/والروح) ، وهذا تفسيرٌ صحيحٌ ؛ فالموضوعية ترجع في تأسيسها الفلسفي لمجموعة أصولٍ فلسفيةٍ هذا أحدُها .

والثالثة : تعدُّد تطبيقات الموضوعية ، وهو ما أشار له حلاق من أنها تظهر في كل الحقول الأكاديمية في العلوم الطبيعية والإنسانية ، فهي موقفٌ إيديولوجيٌّ مبدئيٌّ يمتدُّ مُتساوِقًا مع امتدادات التفسير الوضعي والخيار العلماني في العلوم جميعها .

والرابعة : مغالطة الموضوعية ، وهو ما أشار له حلاق من أنَّ الفصل الموضوعي بين الحقيقة والقيمة يتلبَّس لنفسه لباس القيمة! .

والخامسة : في قصور الموضوعية ، ومظاهر قصور الموضوعية عديدةٌ ، ومن أبرزها ما أشار إليه حلاق من أنَّ الموضوعيةَ تفصل الباحثَ عن مسؤوليته الاجتماعية ؛ لأنه يريد أن يكون آلة تصويرٍ فقط ، لا يُبالي أن يعرض المُنكر دون إنكاره ، أو يحلِّل الشرَّ دون بيان أخطاره ، فآلة التصوير الصمَّاء لا تفعل ذلك . لا بل هو يُلزم نفسه بهذه اللامُبالاة! .


وائل حلاق ونقد الموضوعية :

من الطريف أن تجد مُستشرقًا ينتقد الموضوعية ، لكنَّ عددًا من المستشرقين تعرَّضوا للموضوعية بالانتقاد ، ومنهم : وائل حلاق .

ومشروع وائل حلاق - البنائيُّ منه والجدليُّ - مشروعٌ ذو نزعةٍ أخلاقيةٍ طاغيةٍ ، وفي هذا السياق يأتي نقد حلاق لما تقوم عليه الموضوعية من فصل المعرفة عن الأخلاق ، وذلك في البحث التاريخي والاجتماعي وبقية المجالات البحثية الأخرى .

ونصوص الرجل في هذه المسألة متناثرةٌ في كتبه ، منها قوله في معرض بيان انتقاد إدوارد سعيد للاستشراق في سياق الحديث عن خطر وفساد الفلسفة الميكانيكية الحديثة في نظرتها للطبيعة ( .. نُحيِّت كل الفواعل الروحية من الكون ، واُعتبرت المادةُ شيئًا جامدًا لا روح له ، وإن ظلَّت ذاتَ أهميةٍ بمعنىً ماديٍّ قائمٍ على فكرةِ مركزية الإنسان .. وتحديدًا الإنسانُ الذي يملك القوة لكي يعرف .
.. فلو أنَّ الطبيعةَ غاشمةٌ وهامدةٌ [كما تصفها الفلسفة الميكانيكية] فإننا نستطيع أن نتعامل معها من دون أيِّ قيدٍ أخلاقيٍّ .. ومن ثَمَّ يُمكننا دراستُها وإخضاعُها لكامل نطاق منظومتنا التحليلية دون أن يكون لها أيُّ حقوقٍ أخلاقيةٍ علينا .

سمح هذا الفصلُ بظهور ما أُطلق عليه (الفكر الموضوعي المحايد) الذي يظهر في كل الحقول الأكاديمية ، من العلوم الطبيعية والهندسية والاقتصاد وإدارة الأعمال والقانون والتاريخ وغيرها من العلوم التي تدَّعي الموضوعية . يتحوَّل (الانفصال) هنا إلى فضيلةٍ ؛ إذ يفتح أيُّ غيابٍ له البابَ واسعًا لطبيعة الإنسان الشريرة .. ) .

ويُضيف حلاق في الهامش قائلًا ( .. بيدَ أنَّ الأهمَّ هُنا - والذي قال به بعض المتخصِّصين في العلوم الاجتماعية .. - هو أنَّ الفصلَ الذي يُعرِّي البحث الفكري/العلمي من القيمة (غير مُستقيمٍ أخلاقيًّا) ؛ إذ إنه (يفصلُ الباحثَ عن المسؤولية الاجتماعية التي يُفترَض أن تُصاحب تحليلاته ، كما أنها تُظهر الوضعَ القائمَ وكأنه طبيعيٌّ وحقيقيٌّ ، وليس بوصفه مُركَّبًا ومُتحيِّزًا) .
لا يُمكننا أبدًا المبالغةُ في أهمية هذا البعد الأخلاقي والمسؤولية الأخلاقية ) .


قصور الاستشراق ، (ص١٦٢و١٦٣) .


هذا النصُّ يحوي عددًا من الإشارات المُهمَّة جدًّا ، سأذكرها لاحقًا بإذن الله .


حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ، (ص٦) .




قصور الموضوعية :

شبَّه المسيريُّ الباحثَ الموضوعيَّ (بآلة التصوير) ؛ لأنه يريد أن ينقل الحقيقةَ نقلًا وصفيًّا محضًا ، خاليًا من الأحكام المعيارية ، تمامًا كما تحفظ لنا آلةُ التصوير الصورةَ دون أن نستفيد منها حُكمًا على مضمون الصورة -المنقول بدقَّةٍ- بأنه حقٌ أو باطلٌ ، وحسنٌ أو قبيحٌ ، آلة التصوير تسكت عن هذا ، والمُؤدلَج بالموضوعية يسكت عن أمثال هذه الأحكام حين يقضي الله عليه أن يكتب أو يتكلَّم .

وتشبيهُ المسيريِّ الباحثَ الموضوعيَّ بآلة التصوير يُطابق في معناه ما شبَّه به نيتشه هذا النوع من الباحثين ، ونيتشه على عادته - يكتب بالمطرقة ، ويتحدَّث كأنه يتفجَّر - ذكر تشبيهاتٍ عديدةً ، منها أنه شبَّه المُؤدلَج بالموضوعية بالمرآة العاكسة ، وبالوعاء .

والغرض من كل هذه التشبيهات : بيان (قصور الموضوعية) عن الوفاء بمطلوب النفس البشرية من العلم والمعرفة ؛ فإنها مجبولةٌ على إتباع معرفتها الشيءَ بتطلُّب معرفة قيمته ، فتجمعُ بين إدراكها للشيء وإدراكها لموقفها منه وحاجتها له ، لا أن يُقال لها : افهمي ولا تحكُمي .

وهذا الفصلُ البغيضُ النكِدُ بين الحقيقة والقيمة فصلٌ تنويريٌّ أوروبيٌّ بامتيازٍ ، وله سياقهُ السجاليُّ الأوروبيُّ بامتيازٍ ، لا يمتُّ بصلةٍ لفطرة النفس ، ولم يشهد له التاريخُ البشريُّ مثيلًا .

وحديثي هنا عن الموقف المنهجيِّ لا الإجرائيِّ ، وسأذكر الفرق بينهما لاحقًا بإذن الله ، وسأضع هنا كلام نيتشه لمن أحبَّ الاطلاع عليه .


هوسرل ونقد الموضوعية الاختزالية :

ليست الموضوعيةُ مُجرَّد إجراءٍ بحثيٍّ يلتزم الإنصافَ ، بل هي موقفٌ منهجيٌّ لتمييز ما يستحقُّ الحكمَ عليه بأنه (معرفةٌ) وما لا يستحقُّ ذلك ، وبناءُ البحث على هذا الأساس .

ويُعتبر هوسرل من أبرز نُقَّاد الموضوعية ، ونقدهُ لها مهمٌّ جدًّا ؛ لأنه كشف فيه عن أساسها الفلسفي ، وذلك في كتابه الذي خصَّصهُ لنقد الموقف الوضعيِّ الاختزاليِّ من العلم ، وبيان موقفه الفلسفي المُعارِض له ، أعني كتابه (أزمة العلوم الأوروبية ..) .

يقول هوسرل في مطلع كتابه ( إنَّ رؤية الإنسان الحديث للعالَم تحدَّدت كلُّها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قِبَل العلوم الوضعية وحدها .. كثيرًا ما نسمع بأنَّ العلمَ ليس له ما يقوله لنا في المحنة التي تُلِمُّ بحياتنا . إنه يُقصي مبدئيًا تلك الأسئلةَ بالذات التي تُعتَبر هي الأسئلة المُلحَّة بالنسبة للإنسان المُعرَّض في أزمنتنا المشؤومة لتحوُّلاتٍ مصيريةٍ .. ماذا يمكن أن يقول لنا العلمُ عن العقل واللاعقل ؟ عنَّا نحن البشر كذواتٍ لهذه الحرية ؟

إنَّ العلم الذي يدرسُ الأجسامَ المحضة ليس له طبعًا ما يقول ، فهو يغضُّ النظر عن كل ما هو ذاتيٌّ .

أمَّا علومُ الروح التي تهتمُّ في كلِّ فروعِها الخاصة والعامة بالإنسان في وجوده الروحيِّ .. فإنَّ علميتَها الصارمةَ تتطلَّبُ - كما يُقال - أن يُنحِّيَ الباحثُ بعنايةٍ كلَّ مواقفه القِيمية .. الحقيقةُ العلميةُ الموضوعيةُ هي مُجرَّدُ تسجيلٍ لما هو العالَمُ -سواءً العالَمُ الطبيعيُّ أو الروحيُّ - في الواقع .

لكن هل يمكن في الحقيقة أن يكون للعالَم وللوجود البشريِّ فيه معنىً إذا كانت العلوم لا تعتبر حقيقيًّا إلا ما يقبل الملاحظة الموضوعية بهذه الكيفية ؟ )

ثم بيَّن هوسرل أنَّ هذا الموقفَ الاختزاليَّ من العلم لم يكن هو الموقف السائد في التاريخ ، يقول ( .. لم يكن العلمُ يفهم دائمًا مطلبَ التأسيس الصارم للحقيقة بمعنى تلك الموضوعية التي تُهيمن منهجيًّا على علومنا الوضعية ، ويمتدُّ تأثيرُها بعيدًا خارج هذه العلوم ، مُوفِّرةً بذلك سندًا وانتشارًا عامًّا لنزعةٍ وضعيةٍ في الفلسفة وفي رؤية العالَم .

لم تكن الأسئلةُ النوعيةُ المُتعلِّقةُ بالإنسانية تُقصى دائمًا من مجال العلم ، ولم تكن علاقتُها الداخليةُ بالعلوم - حتى بتلك التي لا يكون فيها الإنسانُ تيمةً (مثل علوم الطبيعة) - تُوضَعُ دائمًا خارجَ الاعتبار .

طالما لم تكن الأمور على هذا النحو ، كان يمكن للعلم أن يلعب دورًا لدى البشرية الأوروربية ، وهي تُعيد تشكيل ذاتِها كُليِّةً منذ عصر النهضة .. لماذا فقد العلمُ هذه الريادة ؟ لماذا حدَثَ هذا التحوُّل الجوهريُّ ، هذا الاختزالُ الوضعيُّ لفكرة العلمِ - إنَّ فهمَ ذلك انطلاقًا من حوافزه العميقة هو من الأهمية بمكانٍ بالنسبة لما تسعى إليه هذه المُحاضرات .. ) .

أزمة العلوم الأوروبية (ص44-46) .


المقصود : بيانُ أنَّ الموضوعيةَ تعبيرٌ عن موقفٍ منهجيٍّ وضعيٍّ من حقيقة المعرفة ، وجميعُ ما تُوصَف به من أنصارِها من أنها الإنصافُ والدقَّةُ والصدقُ وغيرُ ذلك ، فكلُّ هذا صحيحٌ = لكن من منظور التفسير الوضعيِّ لهذه المفاهيم ، ومعلومٌ فسادُ هذا التفسيرِ وبُطلانُهُ .


طه حسين والموضوعية الانفصامية :

يمكن اعتبار طه حسين رائد الموضوعية العلمانية في الفكر العربي الحديث ، والكلام عنه يطول في هذه القضية ، لكني أورد عنه من لسانَي حاله ومقاله ما يُطابق كلام بول فييرابند السابق في الانفصام الذي تُسبِّبُه الموضوعيةُ للمؤدَلج بها :

حين أخرج طه كتابه (في الشعر الجاهلي) كان ممَّا قال فيه ( للتوراة أن تُحدِّثنا عن إبراهيم وإسماعيل ، وللقرآن أن يُحدِّثنا عنهما أيضًا ، ولكنَّ ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي )
في الشعر الجاهلي (ص26) .

وقد أثار هذا الكلام - مع عباراتٍ أخرى في نفس الكتاب - الإنكارَ البالغ عليه ، ورُفع عليه بلاغٌ إلى النيابة بالطعن الصريح في القرآن العظيم .


فبماذا دافع طه حسين عن نفسه أمام التحقيق ؟
تجد الإجابة في أوراق النيابة : ( .. ولا بد لنا هنا من أن نشير إلى ما قرَّره المؤلف في التحقيق من أنه كمسلمٍ لا يرتاب في وجود إبراهيم وإسماعيل وما يتصل بهما ممَّا جاء في القرآن ، ولكنه كعالِمٍ مُضطَّرٌ إلى أن يُذعن لمناهج البحث ، فلا يُسِّلم بالوجود العلمي التاريخي لإبراهيم وإسماعيل ، فهو يُجرِّد من نفسه شخصيتيَن . وقد وجدنا المؤلفَ قد شرح نظريته هذه شرحًا مُستفيضًا في مقالٍ نشرهُ* .. )
قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين (ص29) ، محمد نور .

* المقال المقصود بعنوان (بين العلم والدين) ، وتجده في كتاب طه (من بعيد) فانظره هناك ، وفيه قال طه حسين بنظرية الشخصيتيَن ، فجعل العقلَ من نصيب العلم ، والمشاعرَ من نصيب الدين .

وإذا لم تكن الموضوعية علمانيةً بعد هذا فمتى تكون ؟!


الموضوعية وانفصام الهوية :

( ينقسم المؤمن إلى جزءٍ يعمل (كعالِم) ، وجزءٍ آخر يعمل (كمُتديِّن) ؛ فهو باعتباره عالِمًا يرفض الإيمان والوحي ويبتعد عن المعاني ، أمَّا باعتباره مُتديِّنًا فيعتمد على الإيمان ويتبع النماذج الإلهية .. ) .

طغيان العلم (ص٣٥) ، بول فييرابند .






من نقد عبدالوهاب المسيري للموضوعية :


توضيحات في نقد الموضوعية (١) :

الغرض مما أضعه هنا في نقد الموضوعية هو إزاحة اللبس الحاصل في فهم حقيقتها والكشفُ عن أصلها وقاعدتها ، ولا يزال الحديث في أوله .

فالهدف من هذا البيان : نفع القارئ المهتم بهذه القضية ، فقط .

وليس المراد الانخراط في جدلٍ لا طائل منه ؛ فإن هذا مما دلَّت التجارب أنه كثير العناء قليل الغَناء .

وسيأتي في قادم الكلام بإذن الله تحرير موضع الإشكال بدَّقةٍ ، أي بيانُ حقيقة ما يُنتقَد في مبدأ الموضوعية ، مع ضرب بعض الأمثلة التطبيقية .


المدرسة العلمانية (الموضوعية) :


يقول محمد أركون : ( في المدرسة العلمانية ، المدرِّس لا ينحاز إلى حزبٍ سياسيٍّ ، كما لا ينحاز إلى دين . عدم الإنحياز إلى الإيديولوجيا أيًّا كانت ، والدين يتضمَّن نوعًا من الإيديولوجيا ، فلا يُدرَّسُ الدين ، إلا من وجهة نظر المؤرِّخ ، من قبيل : متى ظهر الإسلام ؟ كيف ظهر الإسلام ؟ من هم المقاتلون في المعارك الأولى ؟ وهكذا ) .


الدين وأسئلة الحداثة (ص١٥) .


كيف تنظر الماركسية إلى الموضوعية ؟

هذا السؤال مهمٌّ ؛ لأنَّ من أحسن مداخل نقد الفكر الغربي - وهو في عمومه ليبراليٌّ رأسماليٍّ - النظرُ في الموقف النقدي الماركسي لهذا الفكر ، والذي تميَّز بتعقُّباته الكثيرة عليه ، مع كونه يُشاركه كثيرًا من إرثه .

والموضوعية عند الماركسية تُعرَّف على أنها ( مبدأٌ محدَّدٌ في تناول ظواهر الواقع ، يدعو إلى الامتناع عن أيِّ تقييمٍ نقديٍّ أو استنتاجاتٍ مُتحيِّزةٍ ؛ على أساسٍ مزعومٍ بأنَّ العلمَ عاجزٌ عن التوصُّل إلى مثل هذه الاستنتاجات ) .

ويتمُّ - على ضوء ذلك - نقدُ الموضوعية والتعقيبُ عليها ( .. وقد فضح لينين الموضوعيةَ البورجوازية الضيِّقة ، وبرهن على أنَّ الماركسية تمقتُها تمامًا كما تمقت الذاتوية ؛ لأنَّ الماركسية تستنبط وجهةَ نظرِها المُتحيِّزة بطريقةٍ علميةٍ ، أي أنها تقود الدراسة العلمية نحو استنتاجاتٍ وتقييماتٍ مُتحيِّزةٍ تتطابق مع الحالة الفعلية للأمور ) .

الموسوعة الفلسفية ، روزنتال (ص٥١١) .


وبغضِّ النظر عن خطأ وجهة النظر الماركسية ، فإنَّ موقفَها المنهجيَّ هُنا من اكتشاف الحقيقة ودراسة العلم = هو الموقف الصحيح ، والموافق للتصوُّر الإسلاميِّ لهذه القضية .


أقوى وجوه نقد الموضوعية الحيادية = بيان أنها ناتجٌ عضويٌّ للإطار الفلسفي الغربي ، وهو إطارٌ علمانيٌّ لا يرى الدين علمًا ، بل اختيارًا ذاتيًا لا يمكن التحقق من صحته بطريقةٍ "علميةٍ" ، مما يجعل القول بالموضوعية الحيادية قولًا مفهومًا ومبرَّرًا في سياق هذا الإطار .

لكن الأمر يختلف في سياق الإطار الإسلامي ؛ لأن الدين فيه هو أصل العلم كله ، ويمكن التحقق من صحته بطريقةٍ "علميةٍ" ، مما لا يجعل للموضوعية الحيادية محلًّا في سياق الإطار الإسلامي ، ولا تحضر - إذا حضرت عند الباحث المسلم - إلا في صورةٍ انفصاميةٍ مشوَّهة .

يقول جعفر شيخ إدريس في بيان معنى ما سبق ( .. والدعوة إلى إسلامية العلوم هي إذن دعوةٌ إلى تأكيد الموضوعية لا إلى التخلي عنها ؛ لأنها دعوةٌ إلى أن يكون إطارُها الفلسفيُّ نفسُه قائمًا على حقائق موضوعيةٍ ، إنها دعوةٌ إلى أن يفكر العالِمُ ويشاهد ويجرِّب ويستنتج وهو مؤمنٌ بالله وبأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن القرآن كلامُ الله ؛ لأن هذه نفسُها حقائقُ موضوعيةٌ عنده دليلٌ عقليٌّ على صحتها .. وإذا كانت الدعوة إلى إسلامية العلوم لا تخالف الموضوعية بل تؤيدُها ، فإنها تضع للعالِم المسلم حلًّا لمشكلةٍ نفسيةٍ لا يشعر بها العالِمُ الملحد ، ولكن يشعر بها كثيرٌ من العلماء المؤمنين بالنصرانية أو المعتقدين في وجود الخالق وفاعليته ، أعني مشكلة الانفصام بين شخصية الإنسان وهو يبحث في مجاله العلمي ويكتب ويناقش ، وشخصيته وهو يتلو كتاب الله تعالى ويصلِّي ويصوم ويتزوج ويعاشر الناس .

والانفصام سببه أنَّ الحالةَ الأولى تفرضُ عليه أن ينسى إيمانه أو يُعلِّقه ، والحالة الثانية تدعوه إلى أن يذكر هذا الإيمان ويستشعره .. إن المبدأ الذي يجمع هذا الشتات هو مبدأ التوحيد ، مبدأ الإيمان بالله واحدًا لا معبود بحقٍّ سواه ، والإيمان بأن طريق محمدٍ صلى الله عليه وسلم هو وحده الطريق الموصل إلى الله ) .

مناهج التفكير الموصلة للحقائق الشرعية والكونية (١٧٤-١٧٩) .


د. فريد الأنصاري
(أبجديات البحث في العلوم الشرعية)


في التفسير الإسلامي للموضوعية .. :




( .. فالمراد الظاهر ب"الموضوعية" هو فصل الظواهر المدروسة عن تأثير العوامل الذاتية ، ولكن القصد الحقيقي هو فصل هذه الظواهر عن القيم الروحية ، والمراد الظاهر ب"العلمانية" هو فصل الدولة السياسية عن ظلم رجال الدين ، ولكن القصد الحقيقي هو فصل القرارات التشريعية عن الأحكام الدينية ، والمراد الظاهر ب" إصلاح التعليم" هو فصل مناهج التعليم عن تأثير القيم الفاسدة ، ولكن القصد الحقيقي هو فصل تربية المواطن عن التوجيه الديني .

وهكذا ، تُفرَض على الأمة مفاهيم ظاهرها الرحمة وباطنها التهلكة ، وهي (الموضوعية) وحقيقتها (فصل المعرفة عن الدين) ، و(العلمانية) وحقيقتها (فصل الدولة عن الدين) ، و(إصلاح التعليم) وحقيقته (فصل التربية عن الدين) ) .


طه عبدالرحمن ، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري (ص٣٠٢و٣٠٣) .


سألت ChatGPT : كيف يكون البحث الأكاديمي علمانيًا ؟


فأجاب :
البحث الأكاديمي يمكن أن يُعتبر علمانيًا إذا كان يعتمد على أسس ومناهج بحثية تتجنب التدخلات الدينية أو المعتقدات الفلسفية الخاصة التي قد تؤثر في النتائج أو التحليل. العلمانية في هذا السياق تعني فصل الدين والمعتقدات الشخصية عن المنهجيات والأدوات العلمية المُعتمدة في البحث الأكاديمي. إليك بعض الجوانب التي يمكن أن تجعل البحث الأكاديمي علمانيًا:

1. الاعتماد على المنهج العلمي والموضوعية:
• البحث الأكاديمي العلماني يعتمد على المنهج العلمي الذي يشمل جمع البيانات، تحليلها، واختبار الفرضيات باستخدام الأدوات الموضوعية والقابلة للتكرار. وهذا المنهج يعتمد على الأدلة والتجارب المثبتة، بدلاً من الاعتماد على النصوص الدينية أو المعتقدات غير القابلة للتحقق.

2. الابتعاد عن التأثيرات الدينية في تفسير النتائج:
• في البحث الأكاديمي العلماني، يجب أن يُفصل بين المعتقدات الدينية الشخصية والتفسير الأكاديمي للبيانات. على سبيل المثال، إذا كان الباحث يدرس ظاهرة اجتماعية أو بيئية، فإن التحليل يعتمد على الحقائق العلمية وليس على تفسيرات دينية أو فلسفية قد تؤثر في النتائج.

3. التعددية الفكرية:
• البحث الأكاديمي العلماني يتعامل مع مختلف وجهات النظر والمعتقدات الفكرية دون تفضيل أو تمييز. يجب أن يُفتح المجال للبحث في كافة المجالات العلمية بعيدًا عن أي تحيز ديني أو أيديولوجي، مما يسمح للباحثين بمناقشة الأفكار بحرية واستقلالية.

4. الحياد والموضوعية في تحليل البيانات:
• الحياد هو أحد المبادئ الأساسية في البحث العلمي العلماني. يجب أن يكون الباحث موضوعيًا في جمع البيانات، وتحليلها، وتفسيرها، بحيث لا يتأثر بأي تأثيرات دينية أو شخصية. الفرضيات والنتائج يجب أن تكون مستندة إلى الأدلة الملموسة وليس إلى مواقف دينية.

5. الابتعاد عن المراجع أو المصادر الدينية:
• في البحث الأكاديمي العلماني، يتم تجنب الاعتماد على المراجع الدينية (مثل الكتب المقدسة أو التفسيرات الدينية) كمصادر رئيسية للبيانات أو الأدلة. بدلاً من ذلك، يعتمد الباحث على المصادر الأكاديمية الموثوقة، مثل المقالات العلمية، الدراسات البحثية، والكتب التي تعتمد على أسس علمية.

6. التركيز على القضايا العالمية والشاملة:
• البحث الأكاديمي العلماني قد يركز على القضايا الشاملة التي يمكن أن تكون ذات أهمية لجميع البشر بغض النظر عن دينهم أو ثقافاتهم، مثل الصحة العامة، التغير المناخي، والعدالة الاجتماعية. هذه المواضيع تُدرس باستخدام أدوات علمية قابلة للتطبيق على نطاق عالمي، وتكون مفتوحة لجميع الأشخاص بغض النظر عن خلفياتهم الدينية.

7. الاستقلالية الفكرية:
• البحث الأكاديمي العلماني يعزز الاستقلالية الفكرية في اتخاذ القرارات البحثية. الباحث في هذا النوع من البحث يتحرر من أي قيد ديني أو اجتماعي قد يفرضه عليه الآخرون، وبالتالي يمكنه تقديم أطروحات ونظريات استنادًا إلى ما يُكتشف من خلال البحث العلمي بدلًا من التأثر بمواقف دينية أو أيديولوجية.

8. التشجيع على التفكير النقدي:
• البحث الأكاديمي العلماني يشجع على التفكير النقدي والتحليل العميق. يتطلب هذا النهج من الباحثين فحص الأدلة والمصادر بشكل دقيق، ويحثهم على التساؤل عن الافتراضات التقليدية والتأكد من صحتها، حتى لو كانت تلك الافتراضات مرتبطة بمعتقدات دينية.

مثال عملي:
• على سبيل المثال، إذا كان باحث في مجال علم النفس يدرس تأثيرات التوتر على الصحة النفسية، فهو في بحث علماني سيركز على البيانات التجريبية والملاحظات الميدانية بدلاً من البحث عن تفسيرات دينية أو روحانية. سيعتمد على الأدلة المستخلصة من الدراسات الميدانية والاستبيانات وليس على نصوص دينية أو تفسيرات مذهبية لتحديد أفضل الطرق لمعالجة التوتر.

خلاصة:

البحث الأكاديمي العلماني لا يعني بالضرورة تجاهل الدين أو القيم الشخصية، ولكن يعني فصل تلك العوامل عن عملية البحث، بحيث يبقى البحث مبنيًا على أسس علمية موضوعية ويخدم الفهم العام بعيدًا عن التأثيرات الذاتية أو الدينية.

20 ta oxirgi post ko‘rsatilgan.