ولم يكن الدكتور علي المؤمن بمعزل عن تلك المواجهات، وهو العارف بخبايا تلك المعارك الفكرية، وهو ابن الفرات العربي الأصيل ونجفه الحضاري وتلميذ المحافل الحوزوية الإسلامية والأكاديمية الجامعية، واستطاع بحدّة ذكائه تجميع المتفرق وتفريق المتجمع في نقطة لم يلتفت لها من كتب حول الرجلين، ألا وهي البيئة الفكرية التي يستقيان منها، وكذلك التفرق بين مجتمعين لا يلتقيان في خصيصة واحدة، إلّا ما شذّ وندر، فضلاً عن بقية الخصائص.
فمثلاً؛ تناول الدكتور المؤمن بالنقد الموضوعي الدكتور علي الوردي في أغلب تشخيصاته للمجتمع العراقي وإسقاطاته التي يجانب معظمها الصواب حين يصوِّب سهام نقده للدين عبر بوابة المؤسسة الدينية، وكأنها تصفية حسابات أو ثارات، وهي السمة التي جمعت بينه وبين الدكتور علي شريعتي على ما أظن. وكم أعدتُ قراءة تلك الورقة البحثية للسيد المؤمن مرات ومرات، وخلصت بحسب نظري القاصر إلى أن الهدف منها هو إبراز ما للرجلين وما عليهما، وهي مهمة تستنزف طاقة كبيرة من جهد الباحث بالطبع من حيثيات كثيرة، من أكبرها: جرد أعمال الرجلين، أعني ما تركاه من حبر على ورق وتغلغل في العقول بعد ذلك، وقد جردها ودرسها بنظرة حيادية لا نظرة تحمل أحكاماً مسبقة، وهو ما نجده ماثل في منظومة فكر الدكتور المؤمن عموماً، والذي ينبغي أن يتحلى به كل باحث ناقد لا ناقم حاقد.
ولا أخال الدكتور المؤمن، بل أحاشيه، أن تكون منطلقاته منطلقات عداوة فكرية بحته، أو كما يقوم به بعض النقاد من معارضة من أجل المعارضة، بل هو إثراء للساحة الفكرية عن الجمود أو ما يخلص إليه الكبار من نتائج وكأنه وحي منزل أو سنة قطعية يحرم الخروج عليها؛ فما نقص من مادة البحث في بعض فصوله سهواً مني يمكنك إكماله، إما على نحو الاستدراك أو على نحو المطارحة؛ فقد أوافقك وتتخلخل قناعتي أو توافقني بحسب أصول البحث العلمي؛ فأستنير برأيك وأثني عليك إذا لم تخضع لانفعالاتك. ولذلك؛ وجدت الدكتور المؤمن يقبل ببعض أفكار الرجلين واستنتاجاتهما، ويرفض أخرى، وليخط لنفسه منهجاً ثالثاً متمايزاً في الرؤية الاستنهاضية والتوعوية الاجتماعية الشيعية، متميزاً.
أقولها وجازم بها لما لحظته في ثنايا مؤلفات السيد علي المؤمن وأوراقه البحثية، وقد تعمدت انتخاب ورقته البحثية هذه لسببين وجيهين وأوصي بالرجوع إليها، ألا وهما:
الأول: الموسوعية التي يتمتع بها الدكتور علي المؤمن، وهو ما لا يجحده إلّا مكابر، وأعني بها الموسوعية الفاحصة المدققة لا الالتقاطية السارقة؛ فكم هو فارق بين الاثنتين، وهو ما يعيه الدكتور المؤمن، لإنها أمانة العلم التي نذر نفسه من أجلها.
الثاني: القيمة العلمية التي تُظهر تضلع السيد المؤمن في فنون شتى، وما كانت تظهر بهذا الجمال لولا اقتحامه هذا الميدان أخص به، وهو ميدان البحوث المقارنة؛ فإنها من أصعب البحوث، وتحتاج إلى نفس طويل، وتجنب العجلة في إطلاق الأحكام؛ لأنها حينئذ والحال هذه سوف تكون مجافية للحقائق وتنتوشها عقول أولي الألباب، وتوصيف صاحبها بالسطحية وبالضحالة الفكرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال مستل من كتاب «علي المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري»، إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (40) مفكراً وباحثاً.
(**) باحث وعالم دين بحراني، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين
فمثلاً؛ تناول الدكتور المؤمن بالنقد الموضوعي الدكتور علي الوردي في أغلب تشخيصاته للمجتمع العراقي وإسقاطاته التي يجانب معظمها الصواب حين يصوِّب سهام نقده للدين عبر بوابة المؤسسة الدينية، وكأنها تصفية حسابات أو ثارات، وهي السمة التي جمعت بينه وبين الدكتور علي شريعتي على ما أظن. وكم أعدتُ قراءة تلك الورقة البحثية للسيد المؤمن مرات ومرات، وخلصت بحسب نظري القاصر إلى أن الهدف منها هو إبراز ما للرجلين وما عليهما، وهي مهمة تستنزف طاقة كبيرة من جهد الباحث بالطبع من حيثيات كثيرة، من أكبرها: جرد أعمال الرجلين، أعني ما تركاه من حبر على ورق وتغلغل في العقول بعد ذلك، وقد جردها ودرسها بنظرة حيادية لا نظرة تحمل أحكاماً مسبقة، وهو ما نجده ماثل في منظومة فكر الدكتور المؤمن عموماً، والذي ينبغي أن يتحلى به كل باحث ناقد لا ناقم حاقد.
ولا أخال الدكتور المؤمن، بل أحاشيه، أن تكون منطلقاته منطلقات عداوة فكرية بحته، أو كما يقوم به بعض النقاد من معارضة من أجل المعارضة، بل هو إثراء للساحة الفكرية عن الجمود أو ما يخلص إليه الكبار من نتائج وكأنه وحي منزل أو سنة قطعية يحرم الخروج عليها؛ فما نقص من مادة البحث في بعض فصوله سهواً مني يمكنك إكماله، إما على نحو الاستدراك أو على نحو المطارحة؛ فقد أوافقك وتتخلخل قناعتي أو توافقني بحسب أصول البحث العلمي؛ فأستنير برأيك وأثني عليك إذا لم تخضع لانفعالاتك. ولذلك؛ وجدت الدكتور المؤمن يقبل ببعض أفكار الرجلين واستنتاجاتهما، ويرفض أخرى، وليخط لنفسه منهجاً ثالثاً متمايزاً في الرؤية الاستنهاضية والتوعوية الاجتماعية الشيعية، متميزاً.
أقولها وجازم بها لما لحظته في ثنايا مؤلفات السيد علي المؤمن وأوراقه البحثية، وقد تعمدت انتخاب ورقته البحثية هذه لسببين وجيهين وأوصي بالرجوع إليها، ألا وهما:
الأول: الموسوعية التي يتمتع بها الدكتور علي المؤمن، وهو ما لا يجحده إلّا مكابر، وأعني بها الموسوعية الفاحصة المدققة لا الالتقاطية السارقة؛ فكم هو فارق بين الاثنتين، وهو ما يعيه الدكتور المؤمن، لإنها أمانة العلم التي نذر نفسه من أجلها.
الثاني: القيمة العلمية التي تُظهر تضلع السيد المؤمن في فنون شتى، وما كانت تظهر بهذا الجمال لولا اقتحامه هذا الميدان أخص به، وهو ميدان البحوث المقارنة؛ فإنها من أصعب البحوث، وتحتاج إلى نفس طويل، وتجنب العجلة في إطلاق الأحكام؛ لأنها حينئذ والحال هذه سوف تكون مجافية للحقائق وتنتوشها عقول أولي الألباب، وتوصيف صاحبها بالسطحية وبالضحالة الفكرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال مستل من كتاب «علي المؤمن: قراءات في آثاره ومشروعه الفكري»، إعداد الباحثة والأكاديمية اللبنانية الدكتورة رفاه معين دياب، ومشاركة أكثر من (40) مفكراً وباحثاً.
(**) باحث وعالم دين بحراني، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين