مِن وَرع الإمام أحمد رحمه الله:
_________________📚قال ابن حبان أبو حاتم البستي في "روضة العقلاء":
سمعت إِسْحَاق بْن أَحْمَد القَطّان البغدادي يقول : كان لنا جارٌ ببغداد ،كنا نُسمّيه " طبيب الفقراء" ، كان يتفقّد الصالحين ويتعاهدهم ، فقال لي: دخلت يوماً على أَحْمَد بْن حنبل ، فإذا هو مغموم مكروب، فقلت : مَا لك يا أبا عَبْد الله؟!
قَالَ: خير .
قلت :وما الخير ؟!
قَالَ : امتُحِنتُ بتلك المحنة ( يعني محنة خلقِ القرآن) ، حتى ضُرِبت ، ثم عالَجوني وشُفِيتُ، إلا أنه بَقِيَ في ظهري موضع يُوجعني، هو أشَدّ عليَّ من ذلك الضرب.
قَالَ : قلتُ اكشِف لي عَن ظهرك.
قَالَ : فكشَف لي ، فلم أر فيه إلا أثَر الضرب فقط.
فقلت : ليس لي بهذا معرفة ، ولكن سأسأل عَن هذا.
قَالَ : فخرجتُ من عنده ، حتى ذهبتُ إلى حارس السجن ، - وكان بيني وبينه معرفة -.
فقلت له : أريد أن أدخل الحَبس في حاجةٍ.
قَالَ : ادخل.
فدخلتُ، وجمعتُ المسجونين، وكان معي دراهم فَرَّقتُها عليهم ، وجعلتُ أُحدّثهم حتى أنِسُوا بي واطمأنُّوا إليّ.
ثم قلت : مِن منكم ضُرِب أكثر ؟
قَالَ : فأخذوا يتفاخرون، حتى اتفقوا على واحدٍ منهم ، أنه أكثرُهم ضرباً وأشدّهم صبراً.
قَالَ : فقلت له : أسألك عَن شيءٍ .
فقال : هات
فقلت : شيخ ضعيفٌ ، ليس صناعتُه كصناعتكم ، ضُرِب ضربا شديدا، إلا أنه لم يَمُت ، وعالَجُوه وبَرَأ، إلا أن موضعاً في ظهره يُوجعه وجعاً ليس له عَلَيْهِ صبر؟!
قال : فَضِحَك.
فقلت : ما لَك ؟!
قَالَ : الذي عالَجه كان حائكاً.
قلت : أيش الخبر ؟
قَالَ : تَرَك في صُلبه قِطعة لحمٍ مَيّتة لم يَقلَعْها.
قلت : فما الحيلة؟
قَالَ: يُشَقُّ بالمِبضَع، وتُؤخَذ تلك القطعة ويُرمَى بها ، وإن تُرِكَت بَلغَت إلى فؤاده فقَتَلَتْه.
قَالَ : فخرجتُ من الحبس ، فدخلتُ على أحمد ابن حنبل ، فوجدتُّه على حالته ، فقصصتُ عَلَيْهِ القِصة.
فقَالَ : ومَن يَشُقُّ صُلبي ؟
قلت: أنا .
قَالَ: أوَ تفعل !!
قلت : نعم .
قَالَ : فقام فدخل البيت ، ثم خرَج وبيده مخدّتان ، وعلى كتفه فُوطة ، فوضَع إحداهما لي والأخرى له ، ثم قعَد عليها ، وقال : استعِن بالله. فكشفتُ الفوطة عَن صُلبه ، وقلتُ : أرِني موضع الوجع ، فقال : ضع إصبعك عَلَيْهِ ، فإني أخبرك به ، فوضعتُ إصبعي ،وقلت : ها هنا موضع الوجع؟ .قَالَ : ههنا أَحْمَد الله على العافية .
فقلت : ها هنا ؟ ، قَالَ : هاهنا أَحْمَد الله على العافية، فقلت : هاهنا ، قَالَ : هاهنا أسأل الله العافية ، قَالَ : فعلمت أنه موضع الوجع . قال : فوضعت المِبضع عَلَيْهِ ، فلما أحس بحرارة المبضع ؛ وضَع يده على رأسه ، وجعل يقول : اللهم اغفر للمعتصم، اللهم اغفر للمعتصم.
حتى شَقَقتُه ، فأخذتُ القطعة الميّتة ، ورميتُ بها ، وشددتُّ العصابة عَلَيْهِ ، وهو لا يزيد على قوله: " اللهم اغفر للمعتصم".
قَالَ : ثم هدأ وسَكن ، ثم قَالَ : كأني كنت مُعلّقاً ، فأصدرتُ.
قلت : يا أبا عَبْد الله! إن الناس إذا امتُحِنوا مِحنةً، دعَوا على مَن ظَلمهم ، ورأيتك تدعو للمعتصم! .
قَالَ : إني فكّرتُ فيما تقول ، فذكرتُ أنه ابن عم رَسُول الله _صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ ، فكرهتُ أن آتي يوم القيامة ، وبيني وبين أحدٍ من قرابته خصومة ، هو مني في حلٍّ.
@sohbasalha