اعلم أن والديك هما أعظم نعمة أكرمك الله بها، فهما أصل وجودك وسر نجاحك، وهما من تعبَا وسهِرَا وضحيا بأغلى ما يملكان ليصلح حالك وتنعم بما أنت عليه الآن. إن التقصير مع والديك، سواء في المال أو في الوقت أو في الاهتمام، ليس فقط جحودًا بحقهم، بل هو نقص في الإنسانية وقصور في فهم الحياة. هل فكرت يومًا في كم احتياجاتهم؟ ليس فقط المادية، بل أيضًا العاطفية؟ هل فكرت في شعور أمك التي ربما تخجل أن تطلب منك وأنت تعلم أنها في حاجة؟ أو في أبيك الذي ربما يمر بضائقة لكنه يتعفف عن الشكوى؟
الحياة تدور، وكما أنك تعيش الآن شابًا مليئًا بالطموحات، ستصبح يومًا ما في مكانهم، وستدرك حينها كم كنت بحاجة لأن يقدرك أبناؤك ويقفوا بجانبك. المال الذي قد تبخل به عليهم اليوم، تنفقه على كماليات أو أشياء لا تُذكر، هو بالنسبة لهم بركة وسعادة وطمأنينة. تذكر أن الرزق الذي أعطاك الله إياه ليس ملكك وحدك؛ هو اختبار من الله لتعرف أين ستضعه ومن أحق به. وصدقني، مالك لن يزيد بالبخل عليهم، لكنه سيبارك ويزهر بالبر والإحسان لهم.
أما تفضيل الزوجة على الوالدين، فهو أمر يجلب خسارة عظيمة على المدى البعيد. الزوجة الصالحة ستعينك على برهما وستذكرك بواجبك تجاههما، أما إن كانت الزوجة سببًا لقطيعة أو تقصير، فاعلم أنك لا تظلم والديك فقط، بل تظلم نفسك وزوجتك وأسرتك بأكملها. زوجتك قد جاءت إلى حياتك في مرحلة متقدمة، بينما والداك كانا معك منذ اللحظة الأولى، دعماك دون شروط أو مقابل. حبك لزوجتك لا يجب أن يكون خصمًا من حبك لوالديك، بل يجب أن يكون مكمّلًا له. تذكّر أن والدتك كانت في مكان زوجتك يومًا ما، تعطي بلا مقابل وتُضحي بلا نهاية. هل ترضى أن يُقصر أبناؤك معك يومًا كما تقصر أنت الآن؟
استمع لهذه الآية جيدًا وتأمل معانيها:
"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" (الإسراء: 23).
البرّ لا يعني فقط الكلمة الطيبة أو الزيارة، بل هو تقديم احتياجاتهم على احتياجاتك، ورسم الابتسامة على وجوههم كما رسموها على وجهك في صغرك. تذكر دائمًا أن رضا الله في رضاهم، وأن من يعق والديه يُغلق في وجهه أبواب الرزق والسعادة، مهما بدا له العكس. عامل والديك كما تحب أن يعاملك أبناؤك يومًا، واجعل حبهم ورضاهم تاجًا على رأسك، فإنه تاج من نور لن تراه إلا حين تفقده.
لا تنتظر حتى تندم، فربما يكون الوقت قد فات. بادر الآن، ابعث لهم رسالة حب، قدّم لهم هدية، أسعدهم ولو بكلمة طيبة. الحياة قصيرة، والفرص قد لا تتكرر. والداك هما بوابتك إلى الجنة، فلا تضيّعها بيدك.