هوسرل ونقد الموضوعية الاختزالية :
ليست الموضوعيةُ مُجرَّد إجراءٍ بحثيٍّ يلتزم الإنصافَ ، بل هي موقفٌ منهجيٌّ لتمييز ما يستحقُّ الحكمَ عليه بأنه (معرفةٌ) وما لا يستحقُّ ذلك ، وبناءُ البحث على هذا الأساس .
ويُعتبر هوسرل من أبرز نُقَّاد الموضوعية ، ونقدهُ لها مهمٌّ جدًّا ؛ لأنه كشف فيه عن أساسها الفلسفي ، وذلك في كتابه الذي خصَّصهُ لنقد الموقف الوضعيِّ الاختزاليِّ من العلم ، وبيان موقفه الفلسفي المُعارِض له ، أعني كتابه (أزمة العلوم الأوروبية ..) .
يقول هوسرل في مطلع كتابه ( إنَّ رؤية الإنسان الحديث للعالَم تحدَّدت كلُّها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قِبَل العلوم الوضعية وحدها .. كثيرًا ما نسمع بأنَّ العلمَ ليس له ما يقوله لنا في المحنة التي تُلِمُّ بحياتنا . إنه يُقصي مبدئيًا تلك الأسئلةَ بالذات التي تُعتَبر هي الأسئلة المُلحَّة بالنسبة للإنسان المُعرَّض في أزمنتنا المشؤومة لتحوُّلاتٍ مصيريةٍ .. ماذا يمكن أن يقول لنا العلمُ عن العقل واللاعقل ؟ عنَّا نحن البشر كذواتٍ لهذه الحرية ؟
إنَّ العلم الذي يدرسُ الأجسامَ المحضة ليس له طبعًا ما يقول ، فهو يغضُّ النظر عن كل ما هو ذاتيٌّ .
أمَّا علومُ الروح التي تهتمُّ في كلِّ فروعِها الخاصة والعامة بالإنسان في وجوده الروحيِّ .. فإنَّ علميتَها الصارمةَ تتطلَّبُ - كما يُقال - أن يُنحِّيَ الباحثُ بعنايةٍ كلَّ مواقفه القِيمية .. الحقيقةُ العلميةُ الموضوعيةُ هي مُجرَّدُ تسجيلٍ لما هو العالَمُ -سواءً العالَمُ الطبيعيُّ أو الروحيُّ - في الواقع .
لكن هل يمكن في الحقيقة أن يكون للعالَم وللوجود البشريِّ فيه معنىً إذا كانت العلوم لا تعتبر حقيقيًّا إلا ما يقبل الملاحظة الموضوعية بهذه الكيفية ؟ )
ثم بيَّن هوسرل أنَّ هذا الموقفَ الاختزاليَّ من العلم لم يكن هو الموقف السائد في التاريخ ، يقول ( .. لم يكن العلمُ يفهم دائمًا مطلبَ التأسيس الصارم للحقيقة بمعنى تلك الموضوعية التي تُهيمن منهجيًّا على علومنا الوضعية ، ويمتدُّ تأثيرُها بعيدًا خارج هذه العلوم ، مُوفِّرةً بذلك سندًا وانتشارًا عامًّا لنزعةٍ وضعيةٍ في الفلسفة وفي رؤية العالَم .
لم تكن الأسئلةُ النوعيةُ المُتعلِّقةُ بالإنسانية تُقصى دائمًا من مجال العلم ، ولم تكن علاقتُها الداخليةُ بالعلوم - حتى بتلك التي لا يكون فيها الإنسانُ تيمةً (مثل علوم الطبيعة) - تُوضَعُ دائمًا خارجَ الاعتبار .
طالما لم تكن الأمور على هذا النحو ، كان يمكن للعلم أن يلعب دورًا لدى البشرية الأوروربية ، وهي تُعيد تشكيل ذاتِها كُليِّةً منذ عصر النهضة .. لماذا فقد العلمُ هذه الريادة ؟ لماذا حدَثَ هذا التحوُّل الجوهريُّ ، هذا الاختزالُ الوضعيُّ لفكرة العلمِ - إنَّ فهمَ ذلك انطلاقًا من حوافزه العميقة هو من الأهمية بمكانٍ بالنسبة لما تسعى إليه هذه المُحاضرات .. ) .
أزمة العلوم الأوروبية (ص44-46) .
المقصود : بيانُ أنَّ الموضوعيةَ تعبيرٌ عن موقفٍ منهجيٍّ وضعيٍّ من حقيقة المعرفة ، وجميعُ ما تُوصَف به من أنصارِها من أنها الإنصافُ والدقَّةُ والصدقُ وغيرُ ذلك ، فكلُّ هذا صحيحٌ = لكن من منظور التفسير الوضعيِّ لهذه المفاهيم ، ومعلومٌ فسادُ هذا التفسيرِ وبُطلانُهُ .
ليست الموضوعيةُ مُجرَّد إجراءٍ بحثيٍّ يلتزم الإنصافَ ، بل هي موقفٌ منهجيٌّ لتمييز ما يستحقُّ الحكمَ عليه بأنه (معرفةٌ) وما لا يستحقُّ ذلك ، وبناءُ البحث على هذا الأساس .
ويُعتبر هوسرل من أبرز نُقَّاد الموضوعية ، ونقدهُ لها مهمٌّ جدًّا ؛ لأنه كشف فيه عن أساسها الفلسفي ، وذلك في كتابه الذي خصَّصهُ لنقد الموقف الوضعيِّ الاختزاليِّ من العلم ، وبيان موقفه الفلسفي المُعارِض له ، أعني كتابه (أزمة العلوم الأوروبية ..) .
يقول هوسرل في مطلع كتابه ( إنَّ رؤية الإنسان الحديث للعالَم تحدَّدت كلُّها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قِبَل العلوم الوضعية وحدها .. كثيرًا ما نسمع بأنَّ العلمَ ليس له ما يقوله لنا في المحنة التي تُلِمُّ بحياتنا . إنه يُقصي مبدئيًا تلك الأسئلةَ بالذات التي تُعتَبر هي الأسئلة المُلحَّة بالنسبة للإنسان المُعرَّض في أزمنتنا المشؤومة لتحوُّلاتٍ مصيريةٍ .. ماذا يمكن أن يقول لنا العلمُ عن العقل واللاعقل ؟ عنَّا نحن البشر كذواتٍ لهذه الحرية ؟
إنَّ العلم الذي يدرسُ الأجسامَ المحضة ليس له طبعًا ما يقول ، فهو يغضُّ النظر عن كل ما هو ذاتيٌّ .
أمَّا علومُ الروح التي تهتمُّ في كلِّ فروعِها الخاصة والعامة بالإنسان في وجوده الروحيِّ .. فإنَّ علميتَها الصارمةَ تتطلَّبُ - كما يُقال - أن يُنحِّيَ الباحثُ بعنايةٍ كلَّ مواقفه القِيمية .. الحقيقةُ العلميةُ الموضوعيةُ هي مُجرَّدُ تسجيلٍ لما هو العالَمُ -سواءً العالَمُ الطبيعيُّ أو الروحيُّ - في الواقع .
لكن هل يمكن في الحقيقة أن يكون للعالَم وللوجود البشريِّ فيه معنىً إذا كانت العلوم لا تعتبر حقيقيًّا إلا ما يقبل الملاحظة الموضوعية بهذه الكيفية ؟ )
ثم بيَّن هوسرل أنَّ هذا الموقفَ الاختزاليَّ من العلم لم يكن هو الموقف السائد في التاريخ ، يقول ( .. لم يكن العلمُ يفهم دائمًا مطلبَ التأسيس الصارم للحقيقة بمعنى تلك الموضوعية التي تُهيمن منهجيًّا على علومنا الوضعية ، ويمتدُّ تأثيرُها بعيدًا خارج هذه العلوم ، مُوفِّرةً بذلك سندًا وانتشارًا عامًّا لنزعةٍ وضعيةٍ في الفلسفة وفي رؤية العالَم .
لم تكن الأسئلةُ النوعيةُ المُتعلِّقةُ بالإنسانية تُقصى دائمًا من مجال العلم ، ولم تكن علاقتُها الداخليةُ بالعلوم - حتى بتلك التي لا يكون فيها الإنسانُ تيمةً (مثل علوم الطبيعة) - تُوضَعُ دائمًا خارجَ الاعتبار .
طالما لم تكن الأمور على هذا النحو ، كان يمكن للعلم أن يلعب دورًا لدى البشرية الأوروربية ، وهي تُعيد تشكيل ذاتِها كُليِّةً منذ عصر النهضة .. لماذا فقد العلمُ هذه الريادة ؟ لماذا حدَثَ هذا التحوُّل الجوهريُّ ، هذا الاختزالُ الوضعيُّ لفكرة العلمِ - إنَّ فهمَ ذلك انطلاقًا من حوافزه العميقة هو من الأهمية بمكانٍ بالنسبة لما تسعى إليه هذه المُحاضرات .. ) .
أزمة العلوم الأوروبية (ص44-46) .
المقصود : بيانُ أنَّ الموضوعيةَ تعبيرٌ عن موقفٍ منهجيٍّ وضعيٍّ من حقيقة المعرفة ، وجميعُ ما تُوصَف به من أنصارِها من أنها الإنصافُ والدقَّةُ والصدقُ وغيرُ ذلك ، فكلُّ هذا صحيحٌ = لكن من منظور التفسير الوضعيِّ لهذه المفاهيم ، ومعلومٌ فسادُ هذا التفسيرِ وبُطلانُهُ .