كلما كان الإنسان عفويًا و بعيدًا عن التكلف و التصنّع كان أكثر تمثيلًا لنفسه الحقيقية و لذاته الشفافة، و بعد مدة مِن وجودي على هذه الأرض و في هذا الوطن و بعد تجربة قصيرة في الحياة يمكنني التأكيد على أن أصعب شيء قد يقوم به الإنسان هو أن يكون حقيقيًا، عفويًا، صريحًا، و مباشرًا، أن يخرج للحياة بوجهه الحقيقي دون مواد تجميل و دون فيلتر، هو يرى ذلك منطقيا و لا يبذل لتحقيقه أي مجهود، لكن الواقع مليء بأشخاص لا ينظرون للحياة مِن ذلك المنظور، ينافقون للظفر بمصالح، و يقولون ما لا يفعلون، ليس هناك تناسق بين أفعالهم و أقوالهم و مشاعرهم أبدًا، لا يجدون حرجًا في الظهور في ثوب غير ثوبهم و الظهور بأوجه مختلفة حسب الحاجة و حسب الحالة، و الشخص الحقيقي يجد صعوبات بالغة في التأقلم مع هذا المحيط، يشعر بالحاجة للعب أدوار لا تشبهه في بعض الأحيان، لا لشيء سوى لمجاراة منطق هؤلاء الناس، يشعر بالغضب و بالحزن، يشعر بعدم الراحة، و يشعر بأنه ليس في المكان المناسب، و لا مع الأشخاص المناسبين، لكنه لن يتمكّن مِن ذلك أبدًا، لن يستطيع لأن ذلك ليس مِن طبيعته، و يدرك أن التمسك بحبل الوضوح و البساطة و الصراحة أفضل مِن التأرجح بين أوجه عديدة للظفر بمصالح أو ليكون هو الغالب، لا شيء يستحق أن ينسلخ المرء مِن طبيعته لأجله، في النهاية هذه الحياة الدنيا تعاش مرة واحدة، بوجه واحد، و كثرة الوجوه تزيد من عُسر الحساب، فأن تُحاسَب على وجه واحد أيسر و أفضل مِن أن تُحاسَب على وجهين أو أكثر، وجه واحد يكفي و يفي بالغرض.*