أخشى أن يكون أهمَّ أركان الشعر إحساسُ الشاعر بمعانيه إحساسًا كاملًا نافذًا متغلغلًا، لا يدعُ للمنطق العقلي المجرّدِ عملًا في تكوين شعوره. وليس معنى ذلك أن يَتَعرَّى الشعر من المنطق العقلي المجرد، بل معناه أن ينقلب المنطق العقلي -بكماله وتمامه وقوته واستوائه واستقامته- حاسة دقيقة مدبِّرة تعمل في حياطة الإحساس والقيام عليه وتصريفه في وجوهه على هُدًى لا يضل معه، فلا يشرُد عن الغرض الذي يرمى إليه في التعبير عن الصور التي تنشأ لهذا الإحساس. وإذن فأكبَرُ عمل المنطق العقلي في الشاعر أن يُمِدَّ الإحساسَ، بما ليسَ لَهُ من الاستواءِ والاستقامةِ والسدَاد، وكذلك تتداعَى إليه الألفاظُ التي يريدُ التعبير بها مقترنًا بعضها إلى بعض، بحيث لا تخرج هذه الألفاظ في الكلام حائرة قلقة، تجول في عبارتها من انقطاع الرباط الذي يربطها بالمعاني التي أحسها الشاعر، فهاجتْه فغلبته فأراد التعبير عنها تعبيرًا صافيًا مهتزًّا متغلغلًا قويًّا، فيه صفاءُ الإحساس، واهتزازه وتغلغله وقوته.
#جمهرة_مقالات_محمود_شاكر
#محمود_شاكر
#جمهرة_مقالات_محمود_شاكر
#محمود_شاكر