تُثبِت تجارب التاريخ أنّ أولى العداوات وأفدحها عداوة الأقرباء، في الفكر كما في الحياة. نزاع القريب في حقيقته نزاعان؛ نزاع تختل ذاتك ما دامت غير ظافرة به، وهو النزاع لأجل ذاتك، ونزاع آخر لأجل غاية منفصلة. كلما قَرُب موطن التهديد أصبح الخلاف معه غير قابل للمساومة؛ الأخ والقريب والصديق إن نازعوك فهم ينازعونك ذاتك، وأخوة الإيمان ينازعونك مبادئك. أما العدو الذي لا تجتمع معه على شيء فهو كالذئب الذي بسببه تؤخذ الحيطة وتحضّر الحيلة دون الانشغال بوجوده طوال اليوم. العدو البعيد وإن هزمك لن ينجح في محو ذكراك كعدو له، انتصاره يؤكد وجودك أكثر مما ينفيه. أما القريب فلأنه ينازعك في مُشتركٍ يُحدد ذاته كما يحدد ذاتك، فالخسارة منه مساوية للعدم. لا يمكن للبعيد أن يأخذ منك حق التواجد في الحلبة، أما القريب ينازعك في التذكرة التي تضمن لك حق الدخول.