معركة الوِرد ...
بعدَ كل فجرٍ وأول عملٍ يُمكن أن تقوم به، هو أن تقرأ وِردَك من القرآن، فهذا سرُّ البركة في يومك وباب الفتح، وأساس التوفيق قَلَّ أو كثُر، هذا الورد لا عذرَ لك إن تخلَّيتَ عنه أو تركتَه.
الوِرد هو رئتُك الثالثة في ظل دخان الحياة القاتم الذي يَخنق الأنفاس، ويُضيق الحياة ويعكِّر الصفو، وما حافَظ أحدٌ عليه إلا صفت له الحياة وطابَت له الأنفاسُ.
الورد هو وجبتُك الرابعة، بل الأُولى أهميَّةً وترتيبًا؛ حيث تبدأ بتناولها، فتجد الصحة والنشاط والسرور والسعادة، ويجري في دمك منها غذاءُ القلب وقوتُ الرُّوح، وإكسير الحياة..
كثيرٌ من الناس يصارعون في معركة الوِرد، ولكن لتعلم يقينًا أن اليوم الذي تبدأه بوردك هو يومٌ مكلَّل بالنجاح، عليه أفانين السعادة، ويوم تتكاسل فيه عن وردك يوم تعيسٌ ليس له طعمٌ ولا شمٌّ ولا لون، وهو معكَّر لا يُسمن ولا يغني..
الورد يعتبر منَّة من الله عليك وفضلًا كبيرًا ساقه إليك، وهو خَلوة بالملك عز وجل في بداية يومك، وهو انطراحٌ على عتبات الملك الكريم صاحب الغنى والطَّول والكرم والفضل، ولأنه منَّة منه عز وجل، فقد يكرم بهِ عبدًا من عباده لا يحفَظ كتابه ويُحرَمُ منه بعضُ الحفاظ، فأنا أعرف الضابط الكبير في الجيش الذي وصل إلى رتبة لواء ركن، والتاجر المشهور صاحب المال، والوزير المرموق صاحب النشاط الواسع ممن يحافظون عليه، ولا يدعونه مهما يكن الأمر، وهم في ذلك لا يحفظون القرآن وقراءتهم له مكسرة، لكنهم يعتبرون ذلك ضرورة من ضرورات يومهم، وهناك من العامة مَن هم في غاية الانشغال بأعمالهم، وتستغرب منهم في أهمية محافظتهم على أورادهم، حتى لكأنها جزءٌ لا يتجزأ من أنشطة يومهم، وأعرف بعض الحفاظ لربما يمر عليه الشهر لا يختم القرآن، بل أعرف بعض الأئمة ممن قال لي: أنا لا أختم المصحف إلا في شعبان ورمضان حين أراجعه لأصلي بالناس..
حدَّد العلماء مدة أربعين يومًا إن لم تختم فيها القرآن، فأنت ممن هجره والعياذ بالله، وقد قال تعالى مخبرًا لنا عن شكوى رسوله الأليمة: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، هذا أقصى ورد ولك أن تقسم ستمائة صفحة على أربعين، هذا لك إن لم تكن حافظًا، أما إن كنت حافظًا فلا عذر لك إن لم تَختمه مرتين على الأقل خلال الشهر بمعدل جزأين في اليوم، قد تقول هذا يكلفني كثيرًا من الوقت، وأقول لك هذا الوقت الذي تظنه كثيرًا وثقيلًا هو الأساس وبقيته فرع، هو المتن وسواه حاشية، هو العمدة وبقيته فضلة، تعامل معه كما لو أنك تتعامل مع فريضة أنت تفرِضها على نفسك، وتوقِّع في قرارة نفسك على أن تلتزم بها ولا تتركها مهما يكن الأمر..
يُتبع..... 👇
...