القول الحسن ٢:
سؤال في زمن الغفلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخي الغالي،،
ما نصيحتكم لمن ناهز الأربعين، ولما يفارق حاله، وهو فيها يراوح، يُحسن الناس به الظن وهو بحاله عالم،، قد تبلّغ الأربعين ولما ينصر أمته بشيء ذي بال، بل هو يحاول الخلاص وما زال، ولكن لما يُبصرِ المجال،، يرجو دوام ستر الله عليه، واستمرار أفضاله له، ويريد الاستنصاح بحال مرضية غير الحال،، يكون فيها رفدا لأمته، وناصرا لدينه؛ شكرا على منة الله عليه، ووجوبا عليه لدين الله ولأمته الغراء؟
ألتمس نصحكم لمن هذه حاله، وأنتم له بمثابة الوالد الشفوق، والناصح الرفوق، نُصحا يخرجه إلى حالٍ أسمى، ويسلمه من عطب النفس التي تطوقها أسبابه، وتكتنفها عوامله.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله ربي..
فقد أخرج البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلَّغه ستين سنة).
وهذا لا يعني عدم إعذار من بلغ أقل من ستين عاما، بل إن المرء ليعاقب وقد بلغ، ولكن كلما تقدم العمر بالمرء قل عذره في الحجاج يوم القيامة وذلك في قوله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها﴾، وقد ملئ القرآن بحجاج أهل يوم المحشر فيه، ولذلك فبلوغ الأربعين له معنى في القرآن، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)﴾.
يعني قد بلغ عمرا يكتمل فيه عقل الرجل ومداركه، ويزيد ذلك التجارب والدروس.
وقال النووي -رحمه الله- كما في رياض الصالحين:
"نقلوا: أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة؛ تفرَّغ للعبادة".
وقال ابن حبَّان -رحمه الله- كما في روضة العقلاء:
"إذا بلغ الرجل أربعين سنة، ناداه منادٍ من السماء: (دنا الرحيلُ، فأعدَّ زادًا)"
فيا صاحبي:
بلوغ الأبعين يعني حصول الكثير من الحجة على العبد حتى يقل شره ويكثر خيره، فإن بلغت هذا العمر فاحمد الله تغالى أولا أن أجلك وفسح لك في العمر، ففي كل مطلع يوم يجب شكر المنعم على حياته في هذا اليوم، ولذلك سن قول المستيقظ من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، فهذا يعني أن الله فسح لك عمرا لتزداد طاعة وعبادة واستغفارا.
وأما شعور التقصير وعدم التغير وقلة الاستعداد للرحيل فهذا حال كل سالك في طريق الخير، ومن الدين والتقوى حصول هذا المعنى في نفس الابد، فإن حصل اطمئنان على عمله كان مداخل الشيطان إليه أكبر والله يقول: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾، فالعبد على حد الخوف سائرا حتى إذا حضر الموت حضر الرجاء وقوي.
والعبد إن لم يقع في غمط النفس قرأ سيرة الصالحين السابقين فاعتبر بقلة عمله فناداه صوت العمل أن أقبل وأكثر.
والعبد مستور بستر الله ما لم يكد للدين ولم يخن المسلمين ولم يمكر بهم وعامل الناس بطيب النفس والمسامحة والعفو، وغض البصر عن الذنوب وعن طلب الحق منهم، حتى إذا فعل ذلك مع الله رجا أن يعمل به ذلك يوم القيامة.
وأعظم ما يتقرب به العبد إذا بلغ أشده الاستغفار، ولقد تأملت نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لصديق هذه الأمة الأكمل أبي بكر بعد أن طلب منه ذكرا يذكر به ربه فعلمه الاستغفار كما في الحديث عن أَبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّه قَالَ لِرَسولِ اللَّه ﷺ: "عَلِّمني دُعَاءً أَدعُو بِهِ في صَلاتي، قَالَ: قُلْ: اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا، وَلا يَغْفِر الذُّنوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِر لي مغْفِرَةً مِن عِنْدِكَ، وَارحَمْني، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفور الرَّحِيم" متَّفَقٌ عليهِ.
فوجدت أن الاستغفار هو سر ما خلق له العبد من العبادة والتي هي خاصة بهذا الإنسان، لأنه يذنب، وفي الحديث كما في مسلم: لو لم تُذنِبوا لذهبَ اللهُ بكُمْ ولجاءَ بقومٍ يُذنبونَ ثمَّ يستغفرونَ فيغفرَ لهُم.
فأعظم عبادة العبد أن يستغفر ربه، والحديث عن سر الاستغفار يطول، لكن هو مفتاح كل الخيرات بعد التوحيد، وهو مخرج من كل الفتن، وهو كاشف لكل الكربات، فالزمه فإنه أعظم ما يعده المرء حين حضور أمارات الرحيل.
ثم سلامة القلب على المسلمين، فداء هذا الزمان هو الشحناء والبغض بالهوى والحسد بين العاملين لدين الله تعالى، وكل ما تراه من خصومات لا يخلو أغلبها من الحسد والذي يورث الشحناء وبه يقتل المسلم أخاه.
سؤال في زمن الغفلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخي الغالي،،
ما نصيحتكم لمن ناهز الأربعين، ولما يفارق حاله، وهو فيها يراوح، يُحسن الناس به الظن وهو بحاله عالم،، قد تبلّغ الأربعين ولما ينصر أمته بشيء ذي بال، بل هو يحاول الخلاص وما زال، ولكن لما يُبصرِ المجال،، يرجو دوام ستر الله عليه، واستمرار أفضاله له، ويريد الاستنصاح بحال مرضية غير الحال،، يكون فيها رفدا لأمته، وناصرا لدينه؛ شكرا على منة الله عليه، ووجوبا عليه لدين الله ولأمته الغراء؟
ألتمس نصحكم لمن هذه حاله، وأنتم له بمثابة الوالد الشفوق، والناصح الرفوق، نُصحا يخرجه إلى حالٍ أسمى، ويسلمه من عطب النفس التي تطوقها أسبابه، وتكتنفها عوامله.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله ربي..
فقد أخرج البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلَّغه ستين سنة).
وهذا لا يعني عدم إعذار من بلغ أقل من ستين عاما، بل إن المرء ليعاقب وقد بلغ، ولكن كلما تقدم العمر بالمرء قل عذره في الحجاج يوم القيامة وذلك في قوله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها﴾، وقد ملئ القرآن بحجاج أهل يوم المحشر فيه، ولذلك فبلوغ الأربعين له معنى في القرآن، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)﴾.
يعني قد بلغ عمرا يكتمل فيه عقل الرجل ومداركه، ويزيد ذلك التجارب والدروس.
وقال النووي -رحمه الله- كما في رياض الصالحين:
"نقلوا: أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة؛ تفرَّغ للعبادة".
وقال ابن حبَّان -رحمه الله- كما في روضة العقلاء:
"إذا بلغ الرجل أربعين سنة، ناداه منادٍ من السماء: (دنا الرحيلُ، فأعدَّ زادًا)"
فيا صاحبي:
بلوغ الأبعين يعني حصول الكثير من الحجة على العبد حتى يقل شره ويكثر خيره، فإن بلغت هذا العمر فاحمد الله تغالى أولا أن أجلك وفسح لك في العمر، ففي كل مطلع يوم يجب شكر المنعم على حياته في هذا اليوم، ولذلك سن قول المستيقظ من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، فهذا يعني أن الله فسح لك عمرا لتزداد طاعة وعبادة واستغفارا.
وأما شعور التقصير وعدم التغير وقلة الاستعداد للرحيل فهذا حال كل سالك في طريق الخير، ومن الدين والتقوى حصول هذا المعنى في نفس الابد، فإن حصل اطمئنان على عمله كان مداخل الشيطان إليه أكبر والله يقول: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)﴾، فالعبد على حد الخوف سائرا حتى إذا حضر الموت حضر الرجاء وقوي.
والعبد إن لم يقع في غمط النفس قرأ سيرة الصالحين السابقين فاعتبر بقلة عمله فناداه صوت العمل أن أقبل وأكثر.
والعبد مستور بستر الله ما لم يكد للدين ولم يخن المسلمين ولم يمكر بهم وعامل الناس بطيب النفس والمسامحة والعفو، وغض البصر عن الذنوب وعن طلب الحق منهم، حتى إذا فعل ذلك مع الله رجا أن يعمل به ذلك يوم القيامة.
وأعظم ما يتقرب به العبد إذا بلغ أشده الاستغفار، ولقد تأملت نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لصديق هذه الأمة الأكمل أبي بكر بعد أن طلب منه ذكرا يذكر به ربه فعلمه الاستغفار كما في الحديث عن أَبي بكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّه قَالَ لِرَسولِ اللَّه ﷺ: "عَلِّمني دُعَاءً أَدعُو بِهِ في صَلاتي، قَالَ: قُلْ: اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا، وَلا يَغْفِر الذُّنوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِر لي مغْفِرَةً مِن عِنْدِكَ، وَارحَمْني، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفور الرَّحِيم" متَّفَقٌ عليهِ.
فوجدت أن الاستغفار هو سر ما خلق له العبد من العبادة والتي هي خاصة بهذا الإنسان، لأنه يذنب، وفي الحديث كما في مسلم: لو لم تُذنِبوا لذهبَ اللهُ بكُمْ ولجاءَ بقومٍ يُذنبونَ ثمَّ يستغفرونَ فيغفرَ لهُم.
فأعظم عبادة العبد أن يستغفر ربه، والحديث عن سر الاستغفار يطول، لكن هو مفتاح كل الخيرات بعد التوحيد، وهو مخرج من كل الفتن، وهو كاشف لكل الكربات، فالزمه فإنه أعظم ما يعده المرء حين حضور أمارات الرحيل.
ثم سلامة القلب على المسلمين، فداء هذا الزمان هو الشحناء والبغض بالهوى والحسد بين العاملين لدين الله تعالى، وكل ما تراه من خصومات لا يخلو أغلبها من الحسد والذي يورث الشحناء وبه يقتل المسلم أخاه.