٢٦. ومن عقوباتها: أنها
تستدعي نسيان الله لعبده، وتركه، وتخليته بينه وبين نقسه وشيطانه. وهناك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة.
٢٧. ومن عقوباتها:
أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه ثواب المحسنين.٢٨. ومن عقوباتها:
أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه، أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة.
٢٩. ومن عقوبات الذنوب
أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة.
٣٠. ومن عقوباتها: ما
يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا.
٣١. ومن عقوباتها: أنها توغل الوحشة العظيمة في القلب، فيجد المذنب نفسه مستوحشًا، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق، وبينه وبين نفسه.
وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة.
٣٢. ومن عقوباتها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضًا معلولًا، لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه.
٣٣. ومن عقوباتها: أنها تعمي بصيرة القلب وتطمس نوره، وتسد طرق العلم وتحجب مواد الهداية.
٣٤. ومن عقوباتها: أنها تصغر النفس، وتقمعها، وتدسيها وتحقرها، حتى تصير أصغر شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها.
٣٥. ومن عقوباتها: أن العاصي دائمًا في أسر شيطانه، وسجن شهواته، وقيود هواه؛ فهو أسير مسجون مقيد.
٣٦. ومن عقوباتها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه.
٣٧. ومن عقوباتها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذم والصغّار.
٣٨. ومن عقوباتها: أنها تؤثر بالخاصة في نقصان العقل. فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله، والآخر عاص، إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل، وفكره أصح، ورأيه أسد، والصواب قرينه.
٣٩. ومن أعظم عقوباتها: أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير.
٤٠. ومن عقوباتها: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة، تمحق بركة الدين والدنيا.
فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله ..
٤١. ومن عقوباتها: أنها تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيًا لأن يكون من العلية.
٤٢. ومن عقوباتها: أنها تجرىء على العبد من لم يكن يجترىء عليه من أصناف المخلوقات. فيجترىء عليه الشياطين بالأذى والإغواء، والوسوسة، والتخويف، والتحزين، وإنسائه ما مصلحته في ذكره، ومضرته في نسيانه؛ فتجترىء عليه الشياطين حتى تؤزه إلى معصية الله أزًّا.
٤٣. ومن عقوباتها: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه.
٤٤. ومن عقوباتها: أنها تعمي القلب، فإن لم تعمه أضعفت بصيرته، ولابد. وقد تقدم بيان أنها تضعفه، ولابد.
فإذا عمي القلب وضعف فاته من معرفة الهدى، وقوته على تنفيذه في نفسه وفي غيره، بحسب ضعف بصيرته وقوته.
٤٥. ومن عقوباتها: أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه، وجيش يقويه به على حربه.
٤٦. ومن عقوباتها: أنها تنسي العبد نفسه، فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها.
٤٧. ومن عقوباتها: أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فنزيل الحاصل، وتمنع الواصل.
٤٨. ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته.
٤٩. ومن عقوباتها: أنها تباعد عن العبد وليه، وأنفع الخلق له، وأنصحهم له، ومن سعادته في قربه منه، وهو الملك الموكل به.
- #ابن_القيم
- كتاب الداء والدواء