حول عدم قناعة المكلّف بالحكم الشرعي
علي المؤمن
إن قناعة المكلّف بالحكم الشرعي أو الموقف العقدي الذي يكشف عنه الفقيه والمحدّث وعالم الكلام؛ يشبه قناعة المستثمر أو المقاول بحجم الإنشاءات التي يصفها المهندس الاختصاص وفق الخارطة التي يضعها، كما يشبه قناعة المريض بتشخيص الطبيب لمرضه والعلاج الذي يصفه له. وفي كلا الحالتين ينصح المهندس والطبيب أصحاب العلاقة بالقبول بما يحكمان به، ثم يحذرانهم، لكنهما يتركانهم لقناعاتهم والمصير الذي سيواجهونه فيما لو يعملوا برأيهما.
وربما لا يقتنع المستثمر أو المقاول بالموقف الذي يكشف عنه المهندس، كما لا يقتنع المريض بالعلاج الذي يصفه الطبيب له، لكن عدم القناعة هذه لا تلغي ضرورة الأخذ برأي المهندس والطبيب؛ لأنهما متخصصان في تشخيص الحاجات والعلاجات، في حين أن المستثمر والمريض ليسا متختصصين، وإن كانا صاحبي الشأن المباشر.
ولكن؛ حين يصر المستثمر على مجادلة المهندس وعدم الإذعان للمواصفات التي يضعها، ويصر المريض على مجادلة الطبيب وعدم القبول بتشخيصه والعلاج الذي وصفه؛ فإن النتيجة ستكون انهيار المبنى، وهو ما يتسبب في أضرار بصاحب المبنى والمستثمر والمقاول، وفي الوقت نفسه لن يلحق بالمهندس أي ضرر مادي؛ لأن المهندس يقرر وفق اختصاصه الدقيق، ولا شأن له بالجانب المادي وحسابات صاحب المال. كما سيتسبب عدم استخدام المريض للدواء الذي وصفه الطبيب، إلى تضرر المريض وتفاقم حالته الصحية، دون أن يتضرر الطبيب نفسه.
ودورا المهندس والطبيب هنا يشبهان دور الفقيه؛ فهو يقرر الحكم الشرعي وفق ما يتوصل إليه اجتهاده وفهمه للنص والقواعد الشرعية، ويترك للمكلّف حرية الأخذ بالحكم أو عدم الأخذ؛ فإذا لم يقتنع المكلّف بالحكم؛ فإنه سيلحق الضرر بنفسه في موقفه الشرعي، ولن يلحق الضرر بالفقيه. وهذا الموقف الشرعي أو السلوك الشرعي هو مظهر تطبيق المكلّف للحكم الشرعي الذي يحدد طبيعة التكليف، وهو ما يختص به الفقيه، كما يختص المهندس والطبيب بتحديد طبيعة تكليف المستثمر بشأن البناء، والمريض بشأن مرضه.
وهنا يختلف توصيف المكلّف الذي ينكر الحكم الشرعي ولا يقبل به، والمكلّف المقتنع بالحكم، لكنه لا يعمل به، لمصلحة خاصة أو تكاسل أو أي سبب آخر، رغم تشابه النتيجة المتمثلة بعدم العمل بالحكم الشرعي.
وربما تكون عدم قناعة المكلّف بفتوى الفقيه وحكمه الشرعي أحياناً، نابعة من حقيقة فهم المكلف للموضوع وللعصر ومتغيراته؛ فيتصوّر أن هذا الحكم تشوبه شائبة التخلّف وعدم الانسجام مع العصر. وهذا التصور هو نوع من الاستحسان العقلي أو الرغبة والمزاج، والحال أن التكليف الشرعي لصيق بالرؤية التخصصية الشرعية ولا يتم العمل به وفق رغبة غير المتخصص ورأيه؛ لأنه ليس صاحب رأي في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه؛ يكون على صاحب التخصص وعي المتغيرات والتحولات في الموضوعات وغايات الشريعة ونظامها العام، وصولاً إلى فهم جديد لثوابت الدين، ينتج عنه حكماً جديداً وتكليفاً جديداً وسلوكاً جديداً. فإذا كان على المكلّف التسليم بالفتوى والحكم الشرعي والعمل وفقهما دون جدال ودون تحكيم الرغبة والمزاج، وإن كان واعياً بموضوع الحكم الشرعي وعياً يفوق وعي الفقيه به، قياساً برأي الطبيب والمهندس والفيزيائي في مجالات تخصصهم؛ فإن وعي الموضوع من قبل الفقيه وعياً تاماً، وخاصة في الموضوعات العامة المرتبطة بمصير الجماعة أو المجتمع أو الأمة أو الدولة، هو أمر لا يقل أهمية عن تسليم المكلّف بفتوى الفقيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64
علي المؤمن
إن قناعة المكلّف بالحكم الشرعي أو الموقف العقدي الذي يكشف عنه الفقيه والمحدّث وعالم الكلام؛ يشبه قناعة المستثمر أو المقاول بحجم الإنشاءات التي يصفها المهندس الاختصاص وفق الخارطة التي يضعها، كما يشبه قناعة المريض بتشخيص الطبيب لمرضه والعلاج الذي يصفه له. وفي كلا الحالتين ينصح المهندس والطبيب أصحاب العلاقة بالقبول بما يحكمان به، ثم يحذرانهم، لكنهما يتركانهم لقناعاتهم والمصير الذي سيواجهونه فيما لو يعملوا برأيهما.
وربما لا يقتنع المستثمر أو المقاول بالموقف الذي يكشف عنه المهندس، كما لا يقتنع المريض بالعلاج الذي يصفه الطبيب له، لكن عدم القناعة هذه لا تلغي ضرورة الأخذ برأي المهندس والطبيب؛ لأنهما متخصصان في تشخيص الحاجات والعلاجات، في حين أن المستثمر والمريض ليسا متختصصين، وإن كانا صاحبي الشأن المباشر.
ولكن؛ حين يصر المستثمر على مجادلة المهندس وعدم الإذعان للمواصفات التي يضعها، ويصر المريض على مجادلة الطبيب وعدم القبول بتشخيصه والعلاج الذي وصفه؛ فإن النتيجة ستكون انهيار المبنى، وهو ما يتسبب في أضرار بصاحب المبنى والمستثمر والمقاول، وفي الوقت نفسه لن يلحق بالمهندس أي ضرر مادي؛ لأن المهندس يقرر وفق اختصاصه الدقيق، ولا شأن له بالجانب المادي وحسابات صاحب المال. كما سيتسبب عدم استخدام المريض للدواء الذي وصفه الطبيب، إلى تضرر المريض وتفاقم حالته الصحية، دون أن يتضرر الطبيب نفسه.
ودورا المهندس والطبيب هنا يشبهان دور الفقيه؛ فهو يقرر الحكم الشرعي وفق ما يتوصل إليه اجتهاده وفهمه للنص والقواعد الشرعية، ويترك للمكلّف حرية الأخذ بالحكم أو عدم الأخذ؛ فإذا لم يقتنع المكلّف بالحكم؛ فإنه سيلحق الضرر بنفسه في موقفه الشرعي، ولن يلحق الضرر بالفقيه. وهذا الموقف الشرعي أو السلوك الشرعي هو مظهر تطبيق المكلّف للحكم الشرعي الذي يحدد طبيعة التكليف، وهو ما يختص به الفقيه، كما يختص المهندس والطبيب بتحديد طبيعة تكليف المستثمر بشأن البناء، والمريض بشأن مرضه.
وهنا يختلف توصيف المكلّف الذي ينكر الحكم الشرعي ولا يقبل به، والمكلّف المقتنع بالحكم، لكنه لا يعمل به، لمصلحة خاصة أو تكاسل أو أي سبب آخر، رغم تشابه النتيجة المتمثلة بعدم العمل بالحكم الشرعي.
وربما تكون عدم قناعة المكلّف بفتوى الفقيه وحكمه الشرعي أحياناً، نابعة من حقيقة فهم المكلف للموضوع وللعصر ومتغيراته؛ فيتصوّر أن هذا الحكم تشوبه شائبة التخلّف وعدم الانسجام مع العصر. وهذا التصور هو نوع من الاستحسان العقلي أو الرغبة والمزاج، والحال أن التكليف الشرعي لصيق بالرؤية التخصصية الشرعية ولا يتم العمل به وفق رغبة غير المتخصص ورأيه؛ لأنه ليس صاحب رأي في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه؛ يكون على صاحب التخصص وعي المتغيرات والتحولات في الموضوعات وغايات الشريعة ونظامها العام، وصولاً إلى فهم جديد لثوابت الدين، ينتج عنه حكماً جديداً وتكليفاً جديداً وسلوكاً جديداً. فإذا كان على المكلّف التسليم بالفتوى والحكم الشرعي والعمل وفقهما دون جدال ودون تحكيم الرغبة والمزاج، وإن كان واعياً بموضوع الحكم الشرعي وعياً يفوق وعي الفقيه به، قياساً برأي الطبيب والمهندس والفيزيائي في مجالات تخصصهم؛ فإن وعي الموضوع من قبل الفقيه وعياً تاماً، وخاصة في الموضوعات العامة المرتبطة بمصير الجماعة أو المجتمع أو الأمة أو الدولة، هو أمر لا يقل أهمية عن تسليم المكلّف بفتوى الفقيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64