الشذوذ في بعض الأقوال قد يقع حتى من الأئمة الكبار، وهنا نموذج لقول اختاره الإمام البخاري رحمه الله، وناقشه فيه ابن رجب رحمه الله، وعد اختياره بأنه شذوذ عن أهل العلم، ومخالفة لجماعتهم، ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة لما ركع قبل الصف، ثم دخل في الصف: ((زادك الله حرصًا، ولا تَعُد))، استنبط منه العلماء أن من أدرك مع الإمام الركوع فقد أدرك الركعة، وإن فاته معه القيام وقراءة الفاتحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة تلك الركعة، قال ابن رجب في فتح الباري (5/ 8- 9) تحقيق طارق عوض الله: "هذا قول جمهور العلماء، وقد حكاه إسحاق بن راهويه وغيره إجماعا من العلماء. وذكر الإمام أحمد في رواية أبي طالب أنه لم يخالف في ذلك أحد من أهل الإسلام، هذا مع كثرة اطلاعه وشدة ورعه في العلم وتحريه، وقد روي هذا عن عليٍ وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابتٍ وأبي هريرة - في رواية عنه رواها عبد الرحمن بن إسحاق المديني، عن المقبري، عنه.
وذكر مالك في ((الموطأ)) أنه بلغه عن أبي هريرة، أنه قال: (من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة). وهو قول عامة علماء الأمصار"،
ثم قال ابن رجب: "وذهبت طائفة إلى أنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام، لأنه فاته مع الإمام القيام وقراءة الفاتحة، وإلى هذا المذهب ذهب البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، وذكر فيه عن شيخه علي بن المديني أن الذين قالوا بإدراك الركعة بإدراك الركوع من الصحابة كانوا ممن لا يوجب القراءة خلف الإمام، فأما من رأى وجوب القراءة خلف الإمام، فأنه قال: لا يدرك الركعة بذلك"، وذكر من اختار هذا القول من أهل العلم بعد ابن المديني والبخاري، ثم قال عن هذا القول (5/ 10): "وهذا شذوذٌ عن أهل العلم ومخالفةٌ لجماعتهم"، ثم قال (5/ 12): "وقد أجاب البخاري في كتاب القراءة عن حديث أبي بكرة بجوابين:
أحدهما: أنه ليس فيه تصريح بأنه اعتد بتلك الركعة.
والثاني: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاه عن العود إلى ما فعله.
فأما الأول، فظاهر البطلان، ولم يكن حرص أبي بكرة على الركوع دون الصف إلا لإدراك الركعة، وكذلك كل من أمر بالركوع دون الصف من الصحابة ومن بعدهم أنما أمر به لإدراك الركعة، ولو لم تكن الركعة تدرك به لم يكن فيه فائدة بالكلية، ولذلك لم يقل منهم أحد: أن من أدركه ساجداً فأنه يسجد حيث أدركته السجدة، ثم يمشي بعد قيام الإمام حتى يدخل الصف، ولو كان الركوع دون الصف للمسارعة إلى متابعة الإمام فيما لا يعتد به من الصلاة، لم يكن فرق بين الركوع والسجود في ذلك.
وهذا أمر يفهمه كل أحد من هذه الأحاديث والآثار الواردة في الركوع خلف الصف، فقول القائل: لم يصرحوا بالاعتداد بتلك الركعة هو من التعنت والتشكيك في الواضحات، ومثل هذا إنما يحمل عليه الشذوذ عن جماعة العلماء، والانفراد عنهم بالمقالات المنكرة عندهم..
وأما الثاني، فإنما نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكرة عن الإسراع إلى الصلاة، كما قال: ((لا تأتوها وأنتم تسعون))، كذلك قاله الشافعي وغيره من الأئمة"
ثم قال معتذرا للبخاري عن قوله بهذا القول: (5/ 13): "وكأن الحامل للبخاري على ما فعله شدة إنكاره على فقهاء الكوفيين أن سورة الفاتحة تصح الصلاة بدونها في حق كل أحدٍ، فبالغ في الرد عليهم ومخالفتهم، حتى التزم ما التزمه مما شذ فيه عن العلماء، واتبع فيه شيخه ابن المديني، ولم يكن ابن المديني من فقهاء أهل الحديث، وإنما كان بارعا في العلل والأسانيد."
وهذا الذي ذكره ابن رجب عن الإمام البخاري لا يضره؛ لأنه قل أن يسلم عالم من موضع يشذ فيه لسبب مقبول معتبر، بحسب ما ظهر له من الدليل.
وذكر مالك في ((الموطأ)) أنه بلغه عن أبي هريرة، أنه قال: (من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة). وهو قول عامة علماء الأمصار"،
ثم قال ابن رجب: "وذهبت طائفة إلى أنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام، لأنه فاته مع الإمام القيام وقراءة الفاتحة، وإلى هذا المذهب ذهب البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، وذكر فيه عن شيخه علي بن المديني أن الذين قالوا بإدراك الركعة بإدراك الركوع من الصحابة كانوا ممن لا يوجب القراءة خلف الإمام، فأما من رأى وجوب القراءة خلف الإمام، فأنه قال: لا يدرك الركعة بذلك"، وذكر من اختار هذا القول من أهل العلم بعد ابن المديني والبخاري، ثم قال عن هذا القول (5/ 10): "وهذا شذوذٌ عن أهل العلم ومخالفةٌ لجماعتهم"، ثم قال (5/ 12): "وقد أجاب البخاري في كتاب القراءة عن حديث أبي بكرة بجوابين:
أحدهما: أنه ليس فيه تصريح بأنه اعتد بتلك الركعة.
والثاني: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهاه عن العود إلى ما فعله.
فأما الأول، فظاهر البطلان، ولم يكن حرص أبي بكرة على الركوع دون الصف إلا لإدراك الركعة، وكذلك كل من أمر بالركوع دون الصف من الصحابة ومن بعدهم أنما أمر به لإدراك الركعة، ولو لم تكن الركعة تدرك به لم يكن فيه فائدة بالكلية، ولذلك لم يقل منهم أحد: أن من أدركه ساجداً فأنه يسجد حيث أدركته السجدة، ثم يمشي بعد قيام الإمام حتى يدخل الصف، ولو كان الركوع دون الصف للمسارعة إلى متابعة الإمام فيما لا يعتد به من الصلاة، لم يكن فرق بين الركوع والسجود في ذلك.
وهذا أمر يفهمه كل أحد من هذه الأحاديث والآثار الواردة في الركوع خلف الصف، فقول القائل: لم يصرحوا بالاعتداد بتلك الركعة هو من التعنت والتشكيك في الواضحات، ومثل هذا إنما يحمل عليه الشذوذ عن جماعة العلماء، والانفراد عنهم بالمقالات المنكرة عندهم..
وأما الثاني، فإنما نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكرة عن الإسراع إلى الصلاة، كما قال: ((لا تأتوها وأنتم تسعون))، كذلك قاله الشافعي وغيره من الأئمة"
ثم قال معتذرا للبخاري عن قوله بهذا القول: (5/ 13): "وكأن الحامل للبخاري على ما فعله شدة إنكاره على فقهاء الكوفيين أن سورة الفاتحة تصح الصلاة بدونها في حق كل أحدٍ، فبالغ في الرد عليهم ومخالفتهم، حتى التزم ما التزمه مما شذ فيه عن العلماء، واتبع فيه شيخه ابن المديني، ولم يكن ابن المديني من فقهاء أهل الحديث، وإنما كان بارعا في العلل والأسانيد."
وهذا الذي ذكره ابن رجب عن الإمام البخاري لا يضره؛ لأنه قل أن يسلم عالم من موضع يشذ فيه لسبب مقبول معتبر، بحسب ما ظهر له من الدليل.