بأبي مودعةً تخافت صوتها حذر الرقيب وعينها تتمالا
سارقتها طرف الحديث وربما التفتت يمينًا والتفت شمالا
نجدها في الطبعة اليمنية بتحقيق الأستاذ المنصوب:
باتت مدامعه تخافت صوتها حذر الرقيب وعينها تتمالا
شارفتها طرف الحديث وربما التفتت يمينًا والتفت شمالا
فالمعنى في الطبعة المصرية في غاية الظهور والاستقامة والجمال، وفيه يحكي البرعي ساعة الوداع، وكيف أن محبوبته التي يفديها بأبيه تغض من صوتها خوف الرقيب، وكيف أنه يسترق الحديث معها استراقًا بعيدًا عن الرقباء، في وقت يغيبون فيه عنهم.
أما المعنى في طبعة الأستاذ المنصوب، فظاهر الفساد، حيث يزعم النص أن البرعي قال:
(باتت مدامعه تخافت صوتها)، ولا ندري كيف أن دموعه النازلة على خديه تخافت صوتها؟
وهل الضمير في صوتها تعود إلى المحبوبة، أو إلى الدموع نفسها؟ إن كانت الأولى، وهو الأرجح؛ لأنه قال بعدها: (وعينها تتمالى)، فكيف يستقيم أن الدموع التي ليس لها صوت تغض من صوت المحبوبة؟ إلا إذا كانت غزيرة قوية كبحر هادر متلاطم الأمواج، ولها دوي وضجيج كضجيج المولدات الكهربائية، تضيع معها أصواتهم.
ولا ندري لماذا استبدل (سارقتها طرف الحديث)، بما فيه من ملاحة الاستعارة باستراق الحديث، بـ (شارفتها طرف الحديث)، وما معنى هذا الكلام، فالمشارفة – بحسب المعاجم العربية – هي التطلع، والنظر، والإشراف على الشيء، وماذا يتحصل إذن من هذه اللفظة التي لا تفيد أي معنى إذا ضممتها إلى ضمير المحبوبة، و(طرف الحديث)؟
وفي قصيدة البرعي في الطبعة المصرية:
قف بذات السفح من إضم وانشد السارين في الظلم
هل رووا عِلْما عن العَلَم أو رأوا سلمى بذي سلم
اختار الأستاذ المنصوب هذه القراءة:
هل رأوا علمًا عن العلم أو رأوا سلمى بذي سلم
فكيف تقع الرؤية البصرية على العِلم – بكسر العين – وهو شيء مجرد؟، وإن كان يقصد الرؤية المفيدة للعلم، فهي تنصب مفعولين نحو: رأيت زيدًا مجتهدًا، بمعنى علمته.
ولا يخفى ما في الطبعة المصرية من الصواب والحسن، إذ جمع في سؤاله عن المحبوبة بين الرواية التي هي عن طريق السمع، والرؤية التي عن طريق البصر، كما لا يخفى حلاوة التجنيس غير المتكلف بين (رووا)، و(رأوا).
والبرعي في هذا البيت، إما أنه يسأل نفسه ويطلب منها الوقوف بالسفح من إضم، وسؤال السارين على طريقة التجريد، أو أنه يطلب من أحدهم ذلك بأن يسأل السارين عن أهل الحي الذين رحلوا، هل لديهم خبر وعلم عن أهل ذلك الجبل الذي بجواره كان يسكن أحبابه، علمٌ تلقوه عن غيرهم، ورووه عنهم، فيخبروه أين رحلوا، وبأي مكان نزلوا، أو هل رأى أحدهم سلمى، فيخبره عنها.
وفي القصيدة رقم 39 في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيها:
سقاك الحيا الوسمي ربعًا تأبدا وعادك عيد الأنس وفقًا مؤبدا
ويقول في الهامش: إن معنى الوفق المتوافق، ثم يشير أن في النسخة المطبوعة وقفًا.
والسؤال ما معنى أن يعود عيد الأنس متوافقًا؟ ومتوافقًا مع ماذا، ومع مَنْ؟
والصواب هو مع النسخة المصرية، ومعنى عجز البيت الدعاء للمحل الذي هجره أحبابه وأقفر من سكانه حتى صار موحشًا بأن يعود إليه الأنس، وبأن يُقصر ويُحبس، وهذا معنى الوقف، عليه هذا الأنس مدى الدهر لا يحول ولا يزول، وهو معنى تناهبه الشعراء قديمًا، ومنهم أبو تمام الطائي في مرثيته المشهورة لمحمد بن حميد الطوسي، ومستهلها:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
وفي ختامها يقول:
عليك سلام الله وقفًا فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمرُ
وكذلك البيت الذي أورده صاحب اليتيمة لأحدهم يبكي جوادًا له، وهو أشبه ببيت البرعي:
بكاء على الطِرف الذي يسبق الطَرفا على ذلك الإلف الذي فارق الإلفا
وقِفْ مدد الأحزان وقفًا مؤبدًا عليه وخلّ الدمع يجري له وكفا
وفي قصيدته التي يشكو فيها البرعي من الحمّى، فيقول:
أذاب حموها لحمي وعظمى ولستُ من الحديد ولا الحجار
فيا فردًا بلا ثانٍ أجرني بعز علاك من شانٍ وزارِ
تحولت في نسخة الأستاذ المنصوب
…… بعز علاك من بانٍ وداري
وقال في الهامش: دره: أغواه وأوقعه في مهلكة، فتكون: بان وداري هي صانع غوايتي ومهالكي.
أقول: الذي في (لسان العرب): دره على القوم: هجم، ودره فلان علينا ودرأ إذا هجم من حيث لم نحتسبه، ودارهات الدهر هواجمه.
وكيف يكون اسم الفاعل من دره داري؟ وإنما داري اسم فاعل من درى، ولا أدري كيف ركب الأستاذ من المفردتين المنفصلتين بحرف العطف: (بانٍ)، و(داري) هذا المعنى الذي استنبطه؟
وفي القصيدة رقم (41)
إذا رام أعتاب الزمان تعرضت خطوب تذل العصم عن كل معقل
سارقتها طرف الحديث وربما التفتت يمينًا والتفت شمالا
نجدها في الطبعة اليمنية بتحقيق الأستاذ المنصوب:
باتت مدامعه تخافت صوتها حذر الرقيب وعينها تتمالا
شارفتها طرف الحديث وربما التفتت يمينًا والتفت شمالا
فالمعنى في الطبعة المصرية في غاية الظهور والاستقامة والجمال، وفيه يحكي البرعي ساعة الوداع، وكيف أن محبوبته التي يفديها بأبيه تغض من صوتها خوف الرقيب، وكيف أنه يسترق الحديث معها استراقًا بعيدًا عن الرقباء، في وقت يغيبون فيه عنهم.
أما المعنى في طبعة الأستاذ المنصوب، فظاهر الفساد، حيث يزعم النص أن البرعي قال:
(باتت مدامعه تخافت صوتها)، ولا ندري كيف أن دموعه النازلة على خديه تخافت صوتها؟
وهل الضمير في صوتها تعود إلى المحبوبة، أو إلى الدموع نفسها؟ إن كانت الأولى، وهو الأرجح؛ لأنه قال بعدها: (وعينها تتمالى)، فكيف يستقيم أن الدموع التي ليس لها صوت تغض من صوت المحبوبة؟ إلا إذا كانت غزيرة قوية كبحر هادر متلاطم الأمواج، ولها دوي وضجيج كضجيج المولدات الكهربائية، تضيع معها أصواتهم.
ولا ندري لماذا استبدل (سارقتها طرف الحديث)، بما فيه من ملاحة الاستعارة باستراق الحديث، بـ (شارفتها طرف الحديث)، وما معنى هذا الكلام، فالمشارفة – بحسب المعاجم العربية – هي التطلع، والنظر، والإشراف على الشيء، وماذا يتحصل إذن من هذه اللفظة التي لا تفيد أي معنى إذا ضممتها إلى ضمير المحبوبة، و(طرف الحديث)؟
وفي قصيدة البرعي في الطبعة المصرية:
قف بذات السفح من إضم وانشد السارين في الظلم
هل رووا عِلْما عن العَلَم أو رأوا سلمى بذي سلم
اختار الأستاذ المنصوب هذه القراءة:
هل رأوا علمًا عن العلم أو رأوا سلمى بذي سلم
فكيف تقع الرؤية البصرية على العِلم – بكسر العين – وهو شيء مجرد؟، وإن كان يقصد الرؤية المفيدة للعلم، فهي تنصب مفعولين نحو: رأيت زيدًا مجتهدًا، بمعنى علمته.
ولا يخفى ما في الطبعة المصرية من الصواب والحسن، إذ جمع في سؤاله عن المحبوبة بين الرواية التي هي عن طريق السمع، والرؤية التي عن طريق البصر، كما لا يخفى حلاوة التجنيس غير المتكلف بين (رووا)، و(رأوا).
والبرعي في هذا البيت، إما أنه يسأل نفسه ويطلب منها الوقوف بالسفح من إضم، وسؤال السارين على طريقة التجريد، أو أنه يطلب من أحدهم ذلك بأن يسأل السارين عن أهل الحي الذين رحلوا، هل لديهم خبر وعلم عن أهل ذلك الجبل الذي بجواره كان يسكن أحبابه، علمٌ تلقوه عن غيرهم، ورووه عنهم، فيخبروه أين رحلوا، وبأي مكان نزلوا، أو هل رأى أحدهم سلمى، فيخبره عنها.
وفي القصيدة رقم 39 في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيها:
سقاك الحيا الوسمي ربعًا تأبدا وعادك عيد الأنس وفقًا مؤبدا
ويقول في الهامش: إن معنى الوفق المتوافق، ثم يشير أن في النسخة المطبوعة وقفًا.
والسؤال ما معنى أن يعود عيد الأنس متوافقًا؟ ومتوافقًا مع ماذا، ومع مَنْ؟
والصواب هو مع النسخة المصرية، ومعنى عجز البيت الدعاء للمحل الذي هجره أحبابه وأقفر من سكانه حتى صار موحشًا بأن يعود إليه الأنس، وبأن يُقصر ويُحبس، وهذا معنى الوقف، عليه هذا الأنس مدى الدهر لا يحول ولا يزول، وهو معنى تناهبه الشعراء قديمًا، ومنهم أبو تمام الطائي في مرثيته المشهورة لمحمد بن حميد الطوسي، ومستهلها:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
وفي ختامها يقول:
عليك سلام الله وقفًا فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمرُ
وكذلك البيت الذي أورده صاحب اليتيمة لأحدهم يبكي جوادًا له، وهو أشبه ببيت البرعي:
بكاء على الطِرف الذي يسبق الطَرفا على ذلك الإلف الذي فارق الإلفا
وقِفْ مدد الأحزان وقفًا مؤبدًا عليه وخلّ الدمع يجري له وكفا
وفي قصيدته التي يشكو فيها البرعي من الحمّى، فيقول:
أذاب حموها لحمي وعظمى ولستُ من الحديد ولا الحجار
فيا فردًا بلا ثانٍ أجرني بعز علاك من شانٍ وزارِ
تحولت في نسخة الأستاذ المنصوب
…… بعز علاك من بانٍ وداري
وقال في الهامش: دره: أغواه وأوقعه في مهلكة، فتكون: بان وداري هي صانع غوايتي ومهالكي.
أقول: الذي في (لسان العرب): دره على القوم: هجم، ودره فلان علينا ودرأ إذا هجم من حيث لم نحتسبه، ودارهات الدهر هواجمه.
وكيف يكون اسم الفاعل من دره داري؟ وإنما داري اسم فاعل من درى، ولا أدري كيف ركب الأستاذ من المفردتين المنفصلتين بحرف العطف: (بانٍ)، و(داري) هذا المعنى الذي استنبطه؟
وفي القصيدة رقم (41)
إذا رام أعتاب الزمان تعرضت خطوب تذل العصم عن كل معقل