•
قال الأصمعي: حجت أعرابية ومعها ابنٌ لها، فأصيبت به، فلمَّا دُفن قامت على قبره، وهي موجعة فقالت: والله يا بني لقد غذوتك رضيعًا، وفقدتك سريعًا، وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذُّ بعيشك فيها، فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة والتنسم في طيب روائحها، تحت أطباق الثرى جسدًا هامدًا، ورفاتا سحيقا، وصعيدا جرزا؛
أي بني! لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفناء، وأسكنتك دار البِلى، ورمتني بعدك نكبة الردى،
أي بني! لقد أسفر لي وجه الدنيا عن صباحٍ داج ظلامه...
ثم قالت: أي ربِّ ومنك العدل، ومن خلقك الجور، وهبته لي قرة عين، فلم تمتعني به كثيرًا، بل سلبتنيه وشيكا؛ ثم أمرتني بالصبر، ووعدتني عليه الأجر، فصدقتُ وعدك، ورضيتُ قضاءك، فرحم الله من ترَّحم على من استودعته الردم، ووسدته الثرى؛
اللهم ارحم غربته، وآنس وحشته، واستر عورته، يوم تكشف الهنات والسوءات.
فلما أرادت الرجوع إلى أهلها وقفت على قبره، فقالت: أي بني! إني قد تزودتُ لسفرى، فليت شعري ما زادك لبعد طريقك، ويوم معادك؟ اللهم إني أسألك له الرضا برضائي عنه.
ثم قالت: استودعتك من استودعنيك في أحشائي جنينا؛ واثكل الوالدات ما أمض حرارة قلوبهن، وأقلق مصاجعهن، وأطول ليلهن، وأقصر نهارهن، وأقل أنسهن، وأشد وحشتهن، وأبعدهن من السرور، وأقربهن من الأحزان...
لم تزل تقول هذا ونحوه حتى أبكت كلَّ من سمعها. وحمدت الله عز وجل واسترجعت ...وانطلقت.
@eqtipasat
•°
قال الأصمعي: حجت أعرابية ومعها ابنٌ لها، فأصيبت به، فلمَّا دُفن قامت على قبره، وهي موجعة فقالت: والله يا بني لقد غذوتك رضيعًا، وفقدتك سريعًا، وكأنه لم يكن بين الحالين مدة ألتذُّ بعيشك فيها، فأصبحت بعد النضارة والغضارة ورونق الحياة والتنسم في طيب روائحها، تحت أطباق الثرى جسدًا هامدًا، ورفاتا سحيقا، وصعيدا جرزا؛
أي بني! لقد سحبت الدنيا عليك أذيال الفناء، وأسكنتك دار البِلى، ورمتني بعدك نكبة الردى،
أي بني! لقد أسفر لي وجه الدنيا عن صباحٍ داج ظلامه...
ثم قالت: أي ربِّ ومنك العدل، ومن خلقك الجور، وهبته لي قرة عين، فلم تمتعني به كثيرًا، بل سلبتنيه وشيكا؛ ثم أمرتني بالصبر، ووعدتني عليه الأجر، فصدقتُ وعدك، ورضيتُ قضاءك، فرحم الله من ترَّحم على من استودعته الردم، ووسدته الثرى؛
اللهم ارحم غربته، وآنس وحشته، واستر عورته، يوم تكشف الهنات والسوءات.
فلما أرادت الرجوع إلى أهلها وقفت على قبره، فقالت: أي بني! إني قد تزودتُ لسفرى، فليت شعري ما زادك لبعد طريقك، ويوم معادك؟ اللهم إني أسألك له الرضا برضائي عنه.
ثم قالت: استودعتك من استودعنيك في أحشائي جنينا؛ واثكل الوالدات ما أمض حرارة قلوبهن، وأقلق مصاجعهن، وأطول ليلهن، وأقصر نهارهن، وأقل أنسهن، وأشد وحشتهن، وأبعدهن من السرور، وأقربهن من الأحزان...
لم تزل تقول هذا ونحوه حتى أبكت كلَّ من سمعها. وحمدت الله عز وجل واسترجعت ...وانطلقت.
[ زهر الآداب | الحصري القيرواني: ٤٥٩/١ ]
@eqtipasat
•°