كيف نفهمُ كلماتِ الزهراء الّتي عاتبت فيها سيّد الأوصياء حين عادت إلى دارِها بعد إلقاءِ خُطبتِها الفدكيّة؟!
:
وقفة عند نصِّ المُحاورة الّتي دارت بين الزهراء وسيّدِ الأوصياء بعد أن ألقت الزهراء خُطبتَها الفدكيّةَ المُفصّلة في المسجد ثُمّ عادت بعد ذلك إلى دارِها وألقت خُطبةً في دارِها ظاهِرُها العِتابُ لسيّدِ الأوصياء،
تقول الرواية:
(ثُمّ انكفأت وأميرُ المؤمنين يتوقّعُ رُجوعَها إليه ويتطلّعُ طُلوعَها عليه..فلمّا استقرّت بها الدار -أي رجعت إلى البيت- قالت لأميرِ المُؤمنين:
يابنَ أبي طالب؛ اشتملتَ شمْلَةَ الجنين -وعلى نسخةٍ مشيمةَ الجنين- وقعدتَ حُجرةَ الظنين، نقضتَ قادمةَ الأجدلِ فخانك ريشُ الأعزل، هذا ابنُ أبي قُحافة يبتزُّني نُحيلةَ أبي -تصغير نِحلة وهي الهدية- وبُلْغة ابنيَّ -أي هذا المقدار المُختصر الّذي يُصرَفُ في شُؤونِهما-
لقد أجهد في خِصامي وألفيتُهُ ألدَّ في كلامي -أي مُعادياً لي في كلامي- حتّى حَبَستني قَيْلةُ نَصْرها والمُهاجرةُ وصْلَها، وغضّت الجماعةُ دُوني طَرْفَها، فلا دافعَ ولا مانع، خرجتُ كاظِمةً وعُدتُ راغمة،
أضرعتَ خدّك يومَ أضعتَ حدّك، افترستَ الذئابَ وافترشتَ التراب، ما كففتَ قائلاً ولا أغنيتَ طائلاً، ولا خيار لي،
ليتني مِتُّ قبل هُنيئتي ودُون ذِلّتي -قبل أن أُصاب بالذُلّ- عذيري اللهُ مِنه عادياً ومِنك حامياً، ويلاي في كُلِّ شارق، ويلاي في كُلِّ غارب -يعني لي الويلُ عند كُلِّ صباح وعند كُلِّ غروب-
مات العَمَدُ -تُشير إلى النبي- ووهُن العَضُد -تُشير إلى عليٍّ أنّه صار واهناً ضعيفا-
شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربّي!
الّلهُمّ إنّك أشدُّ مِنهم قوّةً وحولاً وأشدُّ بأساً وتنكيلا.
فقال أميرُ المُؤمنين:
لا ويلَ لكِ بل الويلُ لشانِئكِ..ثُمّ نهنهي عن وجدكِ يا ابنةَ الصفوةِ وبقيّةَ النبوّة، فما ونيتُ -أي ضعفتُ- عن دِيني، ولا أخطأتُ مقدوري -الّذي قُدِّر وخُطّط لي مِن قِبَل النبي- فإنْ كنتِ تُريدين البُلْغةَ -أي المصارف الحياتيّة اليوميّة- فرِزقُكِ مضمون وكفيلُكِ مأمون، وما أُعِدَّ لكِ أفضلُ مِمّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله، وأمسكت)
[الاحتجاج]
〰〰〰〰〰〰
[توضيحات]
هذه المُحاورة بين سيّدِ الأوصياء والصدّيقةِ الكبرى لم تكن حديثاً سرّياً..لو كانت حديثاً سرّياً لَما وصل إلينا،
هذه المُحاورة تشتملُ على نُقطتين:
➊ الأولى: هناك عتابٌ شديدٌ واضحٌ وتقريعٌ وتعنيفٌ مِن الزهراء لسيّدِ الأوصياء بحسبِ البناءِ الّلفظي وبحسبِ طريقةِ هذا الحوار
➋ النقطة الثانية: أنّ خِطابَ أميرِ المؤمنين في هذه المُحاورة يشتمِلُ على تهدئةٍ للوضع وعلى تسطيحٍ للموضوع (حين يقولُ لها: نهنهي عن وجدكِ يابنة الصفوة)
فالأمير يقول للزهراء: أأنتِ تُريدين (البُلْغة) وهي المصارف اليوميّة؟ إن كُنتِ تُريدين ذلك فرزقُكِ مضمون (وهذا تسطيحٌ واضح للموضوع)
فهل أنّ الزهراءَ ذهبت إلى المسجد تبحثُ عن مصارف لشؤون الحياةِ اليوميّة؟!
هذا هو المضمونُ الإجماليُّ للمُحاورة لكُلِّ مَن يقرأ المُحاورة مُعتمِداً في فهمِهِ فقط للبيانات الّلغويةِ بعيداً عن فهمِ معاريضِ كلامِ أهلِ البيت،
وهذا فهمٌ خاطئٌ لكلامِ أهلِ البيت..وسيتّضح لماذا هذا الفهم خاطئ بعد توضيح المعنى الّلغوي للمحاورة بشكلٍ إجمالي
✦ قولُ الزهراء للأمير: (يابنَ أبي طالب) هذه صيغةٌ غاضبة..فعادةُ الزهراء أن تُخاطِبَ سيّدَ الأوصياء:"يا أبا الحسن" كما في حديثِ الكساء..ولكنّها هنا تُخاطِبُه بصيغةٍ غاضبة!
وسنعرِفُ في طوايا الموضوع لماذا خاطبت الزهراءُ سيّدَ الأوصياء بهذه الصيغةِ الغاضبة
✦ قولُها: (اشتملتَ شمْلَةَ الجنين) أي: جمعتَ نفسَك كالجنين وأخفيتَ نفسَك عن الواقعِ الخارجي (وكأنّها تُريد أن تقول: أنّك اعتزلتَ ما يجري خارجَ البيت وتركتني لوحدي، ذهبتُ أُلقي خطاباً بين الرجال)
✦ قولُها: (وقعدتَ حُجرةَ الظنين) الظنين هو الّذي تكثُرُ الاتّهاماتُ عليه مِن الآخرين ومِن الطبيعي أن يكونَ خائفاً..خُصوصاً حينما تكونُ الاتّهاماتُ مِن أصحابِ السُلطةِ الّذين يستطيعون أن يفعلوا ما يُريدون وأن يُنفِّذوا تهديدَهم
(وكأنّها تُريد أن تقول: قعدتَ مُختفياً كذاك المُتَّهَم الخائف!)
✦ قولُها: (نقضتَ قادمةَ الأجدل فخانك ريشُ الأعزل) الأجدل: هو النسرُ المُحلِّق،
هناك مجموعةٌ مِن الريش في الطيور تُسمّى(الريش القوادم) تكونُ في مقدّمةِ أجنحةِ الطيور وهي الّتي تُساعِدُها على الطيران،
فكأنّ الزهراء تُريد أن تقول أنّ أمرَ أميرِ المؤمنين كهذا النسرِ الّذي أزال قوادِمَهُ فهو لا يطير!
وأمّا الأعزل: فهو الطائر حين تُنتَفُ قوادمُهُ فيبقى الزغَبُ والريشُ الباقي
(فكأنّ الأمير صار كالطائر الأعزل مِن دون سلاح)!
✦ قولُها عن أبي بكر: (لقد أجهد في خصامي) يعني بذلَ الجُهْدَ في مُخاصمتي،
والمُخاصمة: هي المُناقشة المُشبَعة بالمُنافرةِ والعداوةِ والمُعاندة!
تتمة الموضوع على #الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/p/1BmvzTkbt1/
#الثقافة_الزهرائية
:
وقفة عند نصِّ المُحاورة الّتي دارت بين الزهراء وسيّدِ الأوصياء بعد أن ألقت الزهراء خُطبتَها الفدكيّةَ المُفصّلة في المسجد ثُمّ عادت بعد ذلك إلى دارِها وألقت خُطبةً في دارِها ظاهِرُها العِتابُ لسيّدِ الأوصياء،
تقول الرواية:
(ثُمّ انكفأت وأميرُ المؤمنين يتوقّعُ رُجوعَها إليه ويتطلّعُ طُلوعَها عليه..فلمّا استقرّت بها الدار -أي رجعت إلى البيت- قالت لأميرِ المُؤمنين:
يابنَ أبي طالب؛ اشتملتَ شمْلَةَ الجنين -وعلى نسخةٍ مشيمةَ الجنين- وقعدتَ حُجرةَ الظنين، نقضتَ قادمةَ الأجدلِ فخانك ريشُ الأعزل، هذا ابنُ أبي قُحافة يبتزُّني نُحيلةَ أبي -تصغير نِحلة وهي الهدية- وبُلْغة ابنيَّ -أي هذا المقدار المُختصر الّذي يُصرَفُ في شُؤونِهما-
لقد أجهد في خِصامي وألفيتُهُ ألدَّ في كلامي -أي مُعادياً لي في كلامي- حتّى حَبَستني قَيْلةُ نَصْرها والمُهاجرةُ وصْلَها، وغضّت الجماعةُ دُوني طَرْفَها، فلا دافعَ ولا مانع، خرجتُ كاظِمةً وعُدتُ راغمة،
أضرعتَ خدّك يومَ أضعتَ حدّك، افترستَ الذئابَ وافترشتَ التراب، ما كففتَ قائلاً ولا أغنيتَ طائلاً، ولا خيار لي،
ليتني مِتُّ قبل هُنيئتي ودُون ذِلّتي -قبل أن أُصاب بالذُلّ- عذيري اللهُ مِنه عادياً ومِنك حامياً، ويلاي في كُلِّ شارق، ويلاي في كُلِّ غارب -يعني لي الويلُ عند كُلِّ صباح وعند كُلِّ غروب-
مات العَمَدُ -تُشير إلى النبي- ووهُن العَضُد -تُشير إلى عليٍّ أنّه صار واهناً ضعيفا-
شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربّي!
الّلهُمّ إنّك أشدُّ مِنهم قوّةً وحولاً وأشدُّ بأساً وتنكيلا.
فقال أميرُ المُؤمنين:
لا ويلَ لكِ بل الويلُ لشانِئكِ..ثُمّ نهنهي عن وجدكِ يا ابنةَ الصفوةِ وبقيّةَ النبوّة، فما ونيتُ -أي ضعفتُ- عن دِيني، ولا أخطأتُ مقدوري -الّذي قُدِّر وخُطّط لي مِن قِبَل النبي- فإنْ كنتِ تُريدين البُلْغةَ -أي المصارف الحياتيّة اليوميّة- فرِزقُكِ مضمون وكفيلُكِ مأمون، وما أُعِدَّ لكِ أفضلُ مِمّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله، وأمسكت)
[الاحتجاج]
〰〰〰〰〰〰
[توضيحات]
هذه المُحاورة بين سيّدِ الأوصياء والصدّيقةِ الكبرى لم تكن حديثاً سرّياً..لو كانت حديثاً سرّياً لَما وصل إلينا،
هذه المُحاورة تشتملُ على نُقطتين:
➊ الأولى: هناك عتابٌ شديدٌ واضحٌ وتقريعٌ وتعنيفٌ مِن الزهراء لسيّدِ الأوصياء بحسبِ البناءِ الّلفظي وبحسبِ طريقةِ هذا الحوار
➋ النقطة الثانية: أنّ خِطابَ أميرِ المؤمنين في هذه المُحاورة يشتمِلُ على تهدئةٍ للوضع وعلى تسطيحٍ للموضوع (حين يقولُ لها: نهنهي عن وجدكِ يابنة الصفوة)
فالأمير يقول للزهراء: أأنتِ تُريدين (البُلْغة) وهي المصارف اليوميّة؟ إن كُنتِ تُريدين ذلك فرزقُكِ مضمون (وهذا تسطيحٌ واضح للموضوع)
فهل أنّ الزهراءَ ذهبت إلى المسجد تبحثُ عن مصارف لشؤون الحياةِ اليوميّة؟!
هذا هو المضمونُ الإجماليُّ للمُحاورة لكُلِّ مَن يقرأ المُحاورة مُعتمِداً في فهمِهِ فقط للبيانات الّلغويةِ بعيداً عن فهمِ معاريضِ كلامِ أهلِ البيت،
وهذا فهمٌ خاطئٌ لكلامِ أهلِ البيت..وسيتّضح لماذا هذا الفهم خاطئ بعد توضيح المعنى الّلغوي للمحاورة بشكلٍ إجمالي
✦ قولُ الزهراء للأمير: (يابنَ أبي طالب) هذه صيغةٌ غاضبة..فعادةُ الزهراء أن تُخاطِبَ سيّدَ الأوصياء:"يا أبا الحسن" كما في حديثِ الكساء..ولكنّها هنا تُخاطِبُه بصيغةٍ غاضبة!
وسنعرِفُ في طوايا الموضوع لماذا خاطبت الزهراءُ سيّدَ الأوصياء بهذه الصيغةِ الغاضبة
✦ قولُها: (اشتملتَ شمْلَةَ الجنين) أي: جمعتَ نفسَك كالجنين وأخفيتَ نفسَك عن الواقعِ الخارجي (وكأنّها تُريد أن تقول: أنّك اعتزلتَ ما يجري خارجَ البيت وتركتني لوحدي، ذهبتُ أُلقي خطاباً بين الرجال)
✦ قولُها: (وقعدتَ حُجرةَ الظنين) الظنين هو الّذي تكثُرُ الاتّهاماتُ عليه مِن الآخرين ومِن الطبيعي أن يكونَ خائفاً..خُصوصاً حينما تكونُ الاتّهاماتُ مِن أصحابِ السُلطةِ الّذين يستطيعون أن يفعلوا ما يُريدون وأن يُنفِّذوا تهديدَهم
(وكأنّها تُريد أن تقول: قعدتَ مُختفياً كذاك المُتَّهَم الخائف!)
✦ قولُها: (نقضتَ قادمةَ الأجدل فخانك ريشُ الأعزل) الأجدل: هو النسرُ المُحلِّق،
هناك مجموعةٌ مِن الريش في الطيور تُسمّى(الريش القوادم) تكونُ في مقدّمةِ أجنحةِ الطيور وهي الّتي تُساعِدُها على الطيران،
فكأنّ الزهراء تُريد أن تقول أنّ أمرَ أميرِ المؤمنين كهذا النسرِ الّذي أزال قوادِمَهُ فهو لا يطير!
وأمّا الأعزل: فهو الطائر حين تُنتَفُ قوادمُهُ فيبقى الزغَبُ والريشُ الباقي
(فكأنّ الأمير صار كالطائر الأعزل مِن دون سلاح)!
✦ قولُها عن أبي بكر: (لقد أجهد في خصامي) يعني بذلَ الجُهْدَ في مُخاصمتي،
والمُخاصمة: هي المُناقشة المُشبَعة بالمُنافرةِ والعداوةِ والمُعاندة!
تتمة الموضوع على #الرابط التالي
https://www.facebook.com/share/p/1BmvzTkbt1/
#الثقافة_الزهرائية