إن شعور أي مواطن بأنه من الدرجة الثانية أو الثالثة في المواطنة بسبب انتمائه لقبيلة ما، يعيد الضمير القبلي إلى حالته الأولى قبل الإسلام، ويعزز عند أبنائها الاتجاه للتعصب القبلي، وهو عين ما يهدف إليه أصحاب المشاريع الاستعمارية، وقد جاء في بروتوكولات حكماء صهيون ـ وإن كان البعض ينكر نسبته لليهود – قولهم: «بذرنا الخلاف بين كل واحد وغيره في جميع أغراض الأمميين (أي غير اليهود) الشخصية والقومية، بنشر التعصبات الدينية والقبلية خلال عشرين قرنا». ولئن كان احتواء دولة الإسلام الأولى للقبيلة قد أوجد نوعا من تكافؤ الفرص في شتى الميادين لخدمة الإسلام والاشتغال بثقافته، فإن عدم احتواء القبيلة اليوم واختزال فرص التكافؤ أمام أبنائها سوف يوجد لا شك ثقافة مخربة عدوانية مشفوعة بتوجهات انفصالية أو استعدائية، تلتمس النصرة من خارج الحدود ومن الأباعد المتربصين.
وعلى الجانب الآخر، فعلى القبيلة أن تعلم علم اليقين، أن حفاظها على الإطار العام للدولة هو أعظم مقومات بقائها ووجودها، وأن تقديم المصالح الكلية للدولة هو أوجب الواجبات، حتى إن افتقدت القبيلة بعض ما تراه من متطلبات العدالة والاحتواء، خاصة في ظل تعقيدات العلاقات الدولية، وكثرة المتآمرين والمتربصين، وأن أي مشكلات بين القبيلة والدولة ينبغي أن تحل وفق الطرق السلمية والمسالك القانونية المشروعة، كأصل ثابت لا محيد عنه. إن تحمّل القبيلة بعض الظلم من أجل تحقيق الاستقرار العام، أهون بكثير من دفع فاتورة الفوضى التي يدخل فيها الجميع حال الصدام، خاصة أن طبيعة الأنظمة السياسية في المجتمع العربي، تفرض عدم التراجع أمام التصعيد غير السلمي، لأنه يؤسس لذاكرة العنف لدى الجماهير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
===
احسان الفقيه
https://www.alquds.co.uk/%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d9%8a%d9%84%d8%a9/