كان لي صديق وأنا في سن المدرسة توفى أبوه، فذهبت إلى بيته للقيام بواجب العزاء، وهناك انتحت بي والدته جانبًا، وقالت لي إن ابنها يحبني ويسمع لي، وطلبت مني أن أتحدث معه وأثبت فؤاده، فقد كان شديد التعلق بوالده، وهي تخشى عليه من بعده.
كنت صغيرًا ولا أعرف ما الذي ينبغي أن يُقال في مثل هذه المواقف. كيف أقول شيئًا مفيدًا وأنا لم أختبر ما هو فيه. ولما جلست معه انعقد لساني ولم أجد ما أقول، وكان هو يغالب نفسه حتى غلبه البكاء وارتفع نحيبه.
ثم أقبلت والدته ومعها صحفة فيها أكواب الشاي، فلما وجدته باكيًا نظرت لي، وتظاهرت أنا بالاهتمام الشديد بالنقوش في سجادة الصالة.
قلت لا بأس، هي مسألة وقت، وسوف أكبر وأصير حكيمًا يعرف ما يُقال، ومررت بالعمر أو مر بي، وشهدت مواقف وطرائف، وحضرت عزاءات وأفراح، وأيًا ما كان جمع "سبوع" وأعياد ميلاد، حتى اكتشف الحقيقة البسيطة
أن الكلام لا يهم، والأقوال المأثورة لا تفيد، وإنما العبرة بأن تكون مع الذي يبكي عندما يبكي، وأن يكون معك وأنت تبكي وإن لم يقل أي شي.•- فريد عمارة.