مناظر المعذّبين في سوريا وأخبارهم أقضّت مضجع كل إنسان في قلبه مثقال ذرة من رحمة، ولو حُدِّثنا بها قديمًا ثم كَذّب بها بعضنا أو شكّ لكان معذورًا؛ لأنه لا يخطر بقلب إنسان أن يفعل ذلك بشر ببشر.
وإذا كنا تألّمنا وصار لهذه المقاطع القليلة أثرٌ في نفوسنا-همًّا وكآبة-كلما خطرت ببالنا، فكيف بمن حصل عليهم العذاب وبأهليهم! كان الله في عونهم ورزقهم الصبر والاحتساب.
وقد يتسلّل لدى المؤمن وسوسة من الشيطان: كيف هرب الظالمون وأفلتوا من العقاب، وبقي المظلومون وقد ذهب حقهم زيادةً على ما نالهم من العذاب.
فيقال: قد قُتِل بعض الأنبياء وهم أكرم الخلق على الله، وسيقتصّ الله لهم في الآخرة، ﴿وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى﴾ فالاقتصاص في الآخرة خيرٌ للمظلوم من الاقتصاص في الدنيا، وسوف يتمنّى الظالم أنه اقتُصَّ منه في الدنيا لا في الآخرة. لأن عذاب الآخرة أعظم، ﴿وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقى﴾
وقال الله لأكرم رسله ﷺ: ﴿فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَينا يُرجَعونَ﴾ فتأمل، يقول الله لرسوله: قد لا ترى بعض ما وعدناهم في الدنيا ولكن مرجعهم إلينا وسترى ذلك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
هذه المدة فقط للوقوف لفصل القضاء ﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ مُهطِعينَ مُقنِعي رُءوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ﴾ فكيف بالعذاب بعده ﴿أَلقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنيدٍ مَنّاعٍ لِلخَيرِ مُعتَدٍ مُريبٍ الَّذي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلقِياهُ فِي العَذابِ الشَّديدِ﴾
وفي الحديث العظيم الذي فيه تسلية للمؤمنين أن جابر بن عبدالله-رضي الله عنه- قال: لمَّا رجَعَتْ إلى رسولِ اللَّهِﷺ مُهاجرةُ البحرِ-الذين هاجروا لأرض الحبشة- قالَﷺ: "ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ" قالَ فِتيةٌ منهم: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، بينما نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ فمرَّتْ بفتًى منهم، فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها، ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها فانكسَرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفَعت التفتَتْ إليهِ فقالَت: سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ* إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمت الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا. فقالَ رسولُ اللَّهِﷺ: "صدَقَتْ صدَقَتْ، كيفَ يُقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم" رواه ابن ماجه وحسّنه الألباني.
———-
* يا غُدَر: أي يا كثير الغدر.
🖊️ أ.د بندر الشراري
وإذا كنا تألّمنا وصار لهذه المقاطع القليلة أثرٌ في نفوسنا-همًّا وكآبة-كلما خطرت ببالنا، فكيف بمن حصل عليهم العذاب وبأهليهم! كان الله في عونهم ورزقهم الصبر والاحتساب.
وقد يتسلّل لدى المؤمن وسوسة من الشيطان: كيف هرب الظالمون وأفلتوا من العقاب، وبقي المظلومون وقد ذهب حقهم زيادةً على ما نالهم من العذاب.
فيقال: قد قُتِل بعض الأنبياء وهم أكرم الخلق على الله، وسيقتصّ الله لهم في الآخرة، ﴿وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى﴾ فالاقتصاص في الآخرة خيرٌ للمظلوم من الاقتصاص في الدنيا، وسوف يتمنّى الظالم أنه اقتُصَّ منه في الدنيا لا في الآخرة. لأن عذاب الآخرة أعظم، ﴿وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقى﴾
وقال الله لأكرم رسله ﷺ: ﴿فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعضَ الَّذي نَعِدُهُم أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَينا يُرجَعونَ﴾ فتأمل، يقول الله لرسوله: قد لا ترى بعض ما وعدناهم في الدنيا ولكن مرجعهم إلينا وسترى ذلك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
هذه المدة فقط للوقوف لفصل القضاء ﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ مُهطِعينَ مُقنِعي رُءوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ﴾ فكيف بالعذاب بعده ﴿أَلقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنيدٍ مَنّاعٍ لِلخَيرِ مُعتَدٍ مُريبٍ الَّذي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلقِياهُ فِي العَذابِ الشَّديدِ﴾
وفي الحديث العظيم الذي فيه تسلية للمؤمنين أن جابر بن عبدالله-رضي الله عنه- قال: لمَّا رجَعَتْ إلى رسولِ اللَّهِﷺ مُهاجرةُ البحرِ-الذين هاجروا لأرض الحبشة- قالَﷺ: "ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ" قالَ فِتيةٌ منهم: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، بينما نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ فمرَّتْ بفتًى منهم، فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها، ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها فانكسَرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفَعت التفتَتْ إليهِ فقالَت: سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ* إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمت الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا. فقالَ رسولُ اللَّهِﷺ: "صدَقَتْ صدَقَتْ، كيفَ يُقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم" رواه ابن ماجه وحسّنه الألباني.
———-
* يا غُدَر: أي يا كثير الغدر.
🖊️ أ.د بندر الشراري