كارثة درنة أمام كوارث لا حصر لها!!
[الإعلام بالنازلة الليبية وما تستلزمه من أحكام]
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين، ومنّ علينا بالكتاب المبين، وشرع لنا من الأحكام، وفصل لنا من الحلال والحرام ماجعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق، وثبتت به قواعد الحق، ووكل إلى ولاة الأمور ماأحسن فيه التقدير، وأحكم به التدبير، فله الحمد على ماقدر ودبر، وصلوته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره، وقام بحقه محمد النبي وعلى آله وصحابته"١.
"الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز، وختمهم بمحمد صلي الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير"٢.
الحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنه لا يصيب المسلمين أعظم من ضياع شيء من أحكام دينهم، أما المصائب القدرية فمع كونها حصاد ما يضيع المسلمون من دينهم، فإن أهل الإيمان فيها بين مصاب عليه الصبر وله الأجر، ومعافا عليه الشكر والاعتبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له."رواه مسلم"
وإن المتأمل في حال الفزع والحزن الذي أصاب الليبين جميعا بعد تلك الكارثة التي حلت بمدينة درنة - جبر الله مصاب أهلها ورحم من مات منهم -، وشدة التألم لها الذي عم أهل الإسلام حتى خارج الديار الليبية، مع اغتباطه وارتياحه لهذا الشعور الذي يدل على قوة الرابطة بين المسلمين، وأنهم إن شاء الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كالجسد الواحد" إلا أنه إذا نظر إليه من منظور آخر، أدرك أن أكثر المسلمين لا يستشعرون نوعا من المصائب النازلة بهم طرا، والمترادفة عليهم تترا، وإن شعر بعضهم فإنه لا يتألم لها إلا قليلا، فضلا عن أن يسعى في رفعها وإعادة إعمار ما تخلفه من دمار في عقائد المسلمين وأخلاقهم وجميع شؤون حياتهم واقعا ومستقبلا.
وهذا النوع من المصائب هو المصائب الناتجة عن ضياع أحكام دينهم، مهما كان حجم هذا الضياع، ومهما كان الجانب الذي ضاعت منه تلك الأحكام، فإن أقل حكم يضيعه المسلمون أعظم في المصيبة من هذا السيل العرم. فكيف ونحن في زمان تكاد ترفع فيه أحكام الإسلام جملة إلا ما شاء الله!! .. فهل بعد هذا المصاب مصاب، وهل بعد هذه الكارثة كارثة، ولكن ما لجرح بميت إيلام.
وهذا مما يفاقم الأمر، ويزيد الخطر، أن المسلمين لا يشعرون بهذه المصائب، ولا يعتبرون بالمصائب القدرية، فتكون واعظا ومذكرا لهم بتلك المصائب، فيرجعوا وينيبوا إلى الله، ويتضرعوا إليه أن يمنّ عليهم بتوبة نصوح يصلحون بها ما أفسدوا بتلك المصائب الشرعية فيرفع الله عنهم ما حل ويحل بهم من المصائب القدرية مما هو شيء يسير مما كسبته أيدهم، كما قال تعالى:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى (30).
هذا؛ وإن مما لا شك فيه أن المؤمنين يؤمنون بأن دينهم صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وكذلك مما يؤمن به المؤمنون أيضا أن كل ما يصيبهم من شرور، وما يحل بهم من مصائب فهو بما كسبت أيديهم، ومن عدم حفظهم لأوامر الله وتضييعهم لحدوده، كما قال تعالى:( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ) وقال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). آل عمران (165)
فهاتان القضيتان مما يؤمن به كل مؤمن من حيث الجملة، ولكن في أحايين كثيرة لا يهتدي كثير من المسلمين إلى تفاصيل هاتين الجملتين في أعيان الحوادث، وخواص المسائل النازلة بهم، فلا يدركون المأخذ الذي أتتهم المصيبة من قبله، ولا المسلك الذي ترتفع به عنهم هذه المصيبة بإذن الله، ثم إن أدرك بعضهم ذلك لم ينشط لسلوكه، والعمل به، وذلك لضعف الإيمان، وقلة الصبر، ونقص اليقين والتوكل على الله، مع أدواء وأمراض أخرى.
فالواقع في ليبيا مثلا من هذه الأزمة المستمرة، والفتنة المتتابعة، سببه الأساس هو تضييع أهل الحل والعقد لما أوجبه الله عليهم من ضرورة نصب إمام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، وتفويضهم هذا الأمر العظيم الذي جعله الله في أعناقهم، إما إلى الأمم المتحدة الكافرة، ولجانها وآلياتها الديمقراطية، وإما إلى شرذمة من السياسيين المغامرين من سفهاء الأحلام، ومن الأحزاب البدعية الضالة، الذين
[الإعلام بالنازلة الليبية وما تستلزمه من أحكام]
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين، ومنّ علينا بالكتاب المبين، وشرع لنا من الأحكام، وفصل لنا من الحلال والحرام ماجعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق، وثبتت به قواعد الحق، ووكل إلى ولاة الأمور ماأحسن فيه التقدير، وأحكم به التدبير، فله الحمد على ماقدر ودبر، وصلوته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره، وقام بحقه محمد النبي وعلى آله وصحابته"١.
"الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات والهدى، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز، وختمهم بمحمد صلي الله عليه وسلم، الذي أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وأيده بالسلطان النصير، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير"٢.
الحمد لله أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنه لا يصيب المسلمين أعظم من ضياع شيء من أحكام دينهم، أما المصائب القدرية فمع كونها حصاد ما يضيع المسلمون من دينهم، فإن أهل الإيمان فيها بين مصاب عليه الصبر وله الأجر، ومعافا عليه الشكر والاعتبار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له."رواه مسلم"
وإن المتأمل في حال الفزع والحزن الذي أصاب الليبين جميعا بعد تلك الكارثة التي حلت بمدينة درنة - جبر الله مصاب أهلها ورحم من مات منهم -، وشدة التألم لها الذي عم أهل الإسلام حتى خارج الديار الليبية، مع اغتباطه وارتياحه لهذا الشعور الذي يدل على قوة الرابطة بين المسلمين، وأنهم إن شاء الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كالجسد الواحد" إلا أنه إذا نظر إليه من منظور آخر، أدرك أن أكثر المسلمين لا يستشعرون نوعا من المصائب النازلة بهم طرا، والمترادفة عليهم تترا، وإن شعر بعضهم فإنه لا يتألم لها إلا قليلا، فضلا عن أن يسعى في رفعها وإعادة إعمار ما تخلفه من دمار في عقائد المسلمين وأخلاقهم وجميع شؤون حياتهم واقعا ومستقبلا.
وهذا النوع من المصائب هو المصائب الناتجة عن ضياع أحكام دينهم، مهما كان حجم هذا الضياع، ومهما كان الجانب الذي ضاعت منه تلك الأحكام، فإن أقل حكم يضيعه المسلمون أعظم في المصيبة من هذا السيل العرم. فكيف ونحن في زمان تكاد ترفع فيه أحكام الإسلام جملة إلا ما شاء الله!! .. فهل بعد هذا المصاب مصاب، وهل بعد هذه الكارثة كارثة، ولكن ما لجرح بميت إيلام.
وهذا مما يفاقم الأمر، ويزيد الخطر، أن المسلمين لا يشعرون بهذه المصائب، ولا يعتبرون بالمصائب القدرية، فتكون واعظا ومذكرا لهم بتلك المصائب، فيرجعوا وينيبوا إلى الله، ويتضرعوا إليه أن يمنّ عليهم بتوبة نصوح يصلحون بها ما أفسدوا بتلك المصائب الشرعية فيرفع الله عنهم ما حل ويحل بهم من المصائب القدرية مما هو شيء يسير مما كسبته أيدهم، كما قال تعالى:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى (30).
هذا؛ وإن مما لا شك فيه أن المؤمنين يؤمنون بأن دينهم صالح ومصلح لكل زمان ومكان، وكذلك مما يؤمن به المؤمنون أيضا أن كل ما يصيبهم من شرور، وما يحل بهم من مصائب فهو بما كسبت أيديهم، ومن عدم حفظهم لأوامر الله وتضييعهم لحدوده، كما قال تعالى:( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ) وقال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). آل عمران (165)
فهاتان القضيتان مما يؤمن به كل مؤمن من حيث الجملة، ولكن في أحايين كثيرة لا يهتدي كثير من المسلمين إلى تفاصيل هاتين الجملتين في أعيان الحوادث، وخواص المسائل النازلة بهم، فلا يدركون المأخذ الذي أتتهم المصيبة من قبله، ولا المسلك الذي ترتفع به عنهم هذه المصيبة بإذن الله، ثم إن أدرك بعضهم ذلك لم ينشط لسلوكه، والعمل به، وذلك لضعف الإيمان، وقلة الصبر، ونقص اليقين والتوكل على الله، مع أدواء وأمراض أخرى.
فالواقع في ليبيا مثلا من هذه الأزمة المستمرة، والفتنة المتتابعة، سببه الأساس هو تضييع أهل الحل والعقد لما أوجبه الله عليهم من ضرورة نصب إمام للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، وتفويضهم هذا الأمر العظيم الذي جعله الله في أعناقهم، إما إلى الأمم المتحدة الكافرة، ولجانها وآلياتها الديمقراطية، وإما إلى شرذمة من السياسيين المغامرين من سفهاء الأحلام، ومن الأحزاب البدعية الضالة، الذين