قال أبو حنيفة (١) حججت في أيام أبي عبد الله الصّادق عليه السلام فلمّا أتيتُ المدينة دخلت داره فجلست في الدِّهليز (٢) أنتظر إذنه إذ خرج صبيٌّ يدرج (٣)، فقلت: يا غلام أين يضع الغريب الغائط من بلدكم؟ قال: على رسلك (٤). ثمَّ جلس مستندًا إلى الحائط. ثمَّ قال: توقَّ شطوط الأنهار ومساقط الثّمار وأفنية المساجد وقارعة الطّريق (٥). وتوار خلف جدار، وشل ثوبك (٦) ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، وضع حيث شئت، فأعجبني ما سمعت من الصّبي فقلت له، ما اسمك؟ فقال: أنا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحُسَين بن عليّ بن أبي طالب. فقلت له: يا غلام ممّن المعصية؟ فقال عليه السلام إنَّ السّيئات لا تخلو من إحدى ثلاث: إمّا أن تكون من الله - وليست منه - فلا ينبغي للرَّبِّ أن يعذِّب العبد على ما لا يرتكب. وإمّا أن تكون منه ومن العبد - وليست كذلك - فلا ينبغي للشّريك القويِّ أن يظلم الشريك الضّعيف. وإمّا أن تكون من العبد - وهي منه - فإن عفا فبكرمه وجوده. وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته. قال أبو حنيفة: فانصرفت ولم ألق أبا عبد الله عليه السلام واستغنيت بما سمعت.
(١) هو نعمان بن ثابت بن زوطي أحد الأئمة الأربعة كان جده من الفرس من موالي تيم الله بن ثعلبة فمسه الرق فاعتق فكان أبو حنيفة من أبناء الفرس ولد سنة ٨٠ بالكوفة وكان خزازًا يبيع الخز، صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه وقال هو بالقياس والاستحسان حتى أنه قاس في أمور معاشه أيضًا، وهو أول من قاس في الإسلام، وقيل: أجاز وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه أيضًا من المرجئة الذين يقولون لا تضر مع الإيمان معصية، رد على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر فقال: لو أدركني رسول الله لأخذ بكثير من قولي، ونقل الخطيب في تاريخ بغداد بعضها ويعاب عليه بقواعد العربية. مات سنة ١٥٠ واتفق أنه في يوم وفاته ولد الشافعي ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وهي مشهورة معروفة عند العامة بالإمام الأعظم وبنى شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي مستوفى مملكة السلطان ملكشاه السلجوقي على قبره مشهدًا وقبة وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية وقيل: إن الذي أمر ببناء هذه العمارة هو الب أرسلان محمد والد السلطان ملكشاه وكان الأمير أبو سعد نائبًا عليها. وفي الأخبار: وجاء أبو حنيفة إليه ليسمع منه وخرج أبو عبد الله يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج معه إلى العصا قال هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى الله عليه وآله أردت التبرك بها فوثب أبو حنيفة إليه وقال له أقبلها يا ابن رسول الله فحسر أبو عبد الله عن ذراعه وقال له والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله صلى الله عليه وآله وأن هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصا!.
(٢) دِهْليز: مَمْشى، مَدْخَل بين الباب والدَّار.
(٣) درج الصبي: مشى قليلًا في أول ما يمشي.
(٤) الرسل والرسلة: الرفق والتمهل. يقال: على رسلك يا رجل أي على مهلك.
(٥) قارعة الطريق: أعلاه ومعظمه وهي موضع قرع المارة.
(٦) أي ارفع ثوبك. - من شال يشول شولًا الشيء أي رفعه.
_
(١) هو نعمان بن ثابت بن زوطي أحد الأئمة الأربعة كان جده من الفرس من موالي تيم الله بن ثعلبة فمسه الرق فاعتق فكان أبو حنيفة من أبناء الفرس ولد سنة ٨٠ بالكوفة وكان خزازًا يبيع الخز، صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه وقال هو بالقياس والاستحسان حتى أنه قاس في أمور معاشه أيضًا، وهو أول من قاس في الإسلام، وقيل: أجاز وضع الحديث على وفق مذهبه وعدوه أيضًا من المرجئة الذين يقولون لا تضر مع الإيمان معصية، رد على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة حديث أو أكثر فقال: لو أدركني رسول الله لأخذ بكثير من قولي، ونقل الخطيب في تاريخ بغداد بعضها ويعاب عليه بقواعد العربية. مات سنة ١٥٠ واتفق أنه في يوم وفاته ولد الشافعي ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وهي مشهورة معروفة عند العامة بالإمام الأعظم وبنى شرف الملك أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي مستوفى مملكة السلطان ملكشاه السلجوقي على قبره مشهدًا وقبة وبنى عنده مدرسة كبيرة للحنفية وقيل: إن الذي أمر ببناء هذه العمارة هو الب أرسلان محمد والد السلطان ملكشاه وكان الأمير أبو سعد نائبًا عليها. وفي الأخبار: وجاء أبو حنيفة إليه ليسمع منه وخرج أبو عبد الله يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج معه إلى العصا قال هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلى الله عليه وآله أردت التبرك بها فوثب أبو حنيفة إليه وقال له أقبلها يا ابن رسول الله فحسر أبو عبد الله عن ذراعه وقال له والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله صلى الله عليه وآله وأن هذا من شعره فما قبلته وتقبل عصا!.
(٢) دِهْليز: مَمْشى، مَدْخَل بين الباب والدَّار.
(٣) درج الصبي: مشى قليلًا في أول ما يمشي.
(٤) الرسل والرسلة: الرفق والتمهل. يقال: على رسلك يا رجل أي على مهلك.
(٥) قارعة الطريق: أعلاه ومعظمه وهي موضع قرع المارة.
(٦) أي ارفع ثوبك. - من شال يشول شولًا الشيء أي رفعه.
_