تريد وقاية نفسك من حَرِّ النار ولهبِها فأقبل على الصيام،
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: *((الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ،*
*كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ ))*.
☆ وإن كنتَ تريد الشفاعة يوم الحشر الأكبر فمن أسبابه الصيام،
فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: *(( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،*
*يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ،*
*وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ،*
*قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ ))*.
☆ وإن كانت نفسك تهفو وتتشوف لأن تكون من أهل المنازل العالية الرفيعة،
فقد ثبت *(( أن رجلاً جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟،*
*قَالَ: مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ))*.
_أيــها المسلمون:_
*ها قد أقبل عليكم شهر رمضان،*
شهرٌ جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، وأصوله الكبار، ودعائمه العظام، شهرٌ نزل فيه القرآن،
شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين، وتفَتَّح فيه أبواب الجنَّة، وتغلَّق فيه أبواب النار، فاحرصوا غاية الحرص، وجدوا أعظم الجد، على أن تكونوا ممن يحقق الغرض من صيامه، ألا وهو تقوى الله سبحانه، ألا وهو أن يزجركم الصيام ويمنعكم ويبعدكم عن معصية ربكم، ويحثكم ويقويكم على العبادة والطاعة، ويجعلكم معها في ازدياد، وذلك طاعة وامتثالاً لله ربكم،
إذ قال - عز وجل - لكم في كتابه الكريم: *{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }*.
_أيــها المسلمون:_
إنَّ الصُّوام بتركك الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات كُثر،
ولكن الصائم الموفق المسدد هو من صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرَّفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه،
وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه،
وإن استمع لم يسمع ما يضعف صومه،
فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً،
وتكون أعماله جميعها طيبة زكيه مرضِيَّة،
فكما أن الطعام والشراب يقطع الصيام ويفسده،
فكذلك الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، حتى تصَيِّر صاحبه بمنزلة من لم يصم.
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: *((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ،*
*فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))* رواه البخاري.
= والمراد بالزور: كل قول محرم.
فيدخل فيه الكذب،
وتدخل فيه شهادة الزور والغيبة والنميمة والقذف والإفك والبهتان والغناء والاستهزاء والسخرية وسائر ألوان الباطل من الكلام.
وثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: *(( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ ))*.
_أيها المسلمون:_
احذروا في شهر رمضان أشدَّ الحذر،
وانتبهوا غاية الانتباه، حتى لا تكونوا ممن ليس لله حاجة في صيامهم، وممن حضهم من صيامهم الجوع والعطش، واجتنبوا مسببات ذلك، وعُفُّوا أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم وباقي جوارحكم عن جميع المحرمات، وفي سائر الأوقات، وبالليل والنهار، وقوموا بما يعينكم على ذلك.
وقد صح عن أبي المتوكل الناجي - رحمه الله - أنه قال: *(( كان أَبِوهُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا:*
*👈🏻نُطَهِّرُ صِيَامَنَا👉🏻))*.
وقال جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ: *(( إِذَا صُمْتَ :*
*فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ،*
*وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ،*
*وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ،*
*وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً ))*.
وثبت عن ميمون بن مهران ـ رحمه الله ـ أنه قال: *(( إِنَّ أَهْوَنَ الصَّوْمِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ))*.
نفعني الله وإياكم بما سمعتم،
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الأمين المأمون.
الخطبــة.الثانيــــــــة.ccالحمد لله ذي الفضل والإكرام، والجود والإنعام، وصلواته على عبده الكريم محمد خاتم أنبيائه وأفضلهم، وعلى آله وأصحابه الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.
_أمــا بعــد،_
_أيها المسلمون:_
لقد كان سلفنا الصالحون يقبلون على القرآن في شهر رمضان إقبالاً كبيراً،
ويهتمون به اهتماماً عظيماً،
ويتزودون من قراءته كثيراً،