فصل في دوام السكوتالشرط الثالث: دوام السكوت إلا عن ذكر الله تعالى مما لا يعنيه قولاً وفعلاً وفكراً. قال رسول الله ﷺ: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت)) (1)، وقال عليه السلام: ((وهل يُكَبُّ النَّاسَ عَلى مَنَاخِرِهم في النار إلا حصائد ألسنتهم» (2) .
وقال علي رضي الله عنه: الخير كله مجموع في أربعة: ١- الصمت، ٢- والنطق، ٣- والنظر، ٤ - والحركة؛ فكل نطق لا يكون في ذكر الله تعالى فهو لغو، وكل صَمْتٍ لا يكون في فكر (3) فهو سهوٌ، وكل نظر لا يكون في عبرةٍ فهو غفلةٌ، وكلُّ حركةٍ لا يكون في تعبُّدِ الله تعالى فهي فَتْرةٌ.
فرحم الله عبدا جعل نطقه ذكراً، وصَمْتَه فِكراً، ونظره عِبرةً، وحركته تعبُّداً، ويسلم الناس من لسانه ويده، وينجو بالسكوت عن الكذب والنفاق، قال الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ (4) [الفتح: ١١].
ولما أراد الله تعالى أن يتكلم عيسى بن مريم عليهما السلام طفلاً صغيرًا، أمر أمه مريم بالسكوت، فقال الله تعالى: ﴿فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم: ٢٦] ، فنطق عيسى عليه السلام وهو طفلٌ. فلا يبعد أنك إذا سكت عن فضولِ الكلام، سمعتَ كلام القلب الذي هو طفل الطريق مع الله تعالى.
وفي الجملة: إذا نطق اللسان سكت القلب واستمع، وإذا سكت اللسان نطق القلب.
--------------------------------
(1) أخرجه البخاري، في صحيحه، كتاب الرقائق (۸/ ۱۰۰ ، رقم: ٦٤٧٦) ومسلم، في صحيحه، كتاب الإيمان، (۸۰۷/۲، رقم: (٤٧) والآخرون أيضًا.
(2) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان (٣٠٨/٤ ، رقم: (٢٦١٦) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن (٢/ ١٣١٤، رقم : ٣٩٧٣).
(3) في «ك»: «فكر الله تعالى.
(4) في خد»: «إذا طلبت صلاح قلبك فاستعف عليه الحفظ لسانك والزم الصمت فإنه سقر للجاهل وزين للعاقل بدل من : ينجو .... حتى الآية.
📕الرسالة المكية
👤 للعلامة قطب الدين الدمشقي
https://t.me/shafiahsha